هشام خالد
24/11/1434 هـ
عندما تتغير القلوب ، يتغير الكيان بأسره ، فتتغير الآمال وتتغير الرؤى ، وتتبدل أشكال الناس ، بل يتبدل الحلم والهدف .
بين الصواب والخطأ ، بين الحسن والسيئ ، يزيد العمل الصالح ويقل .. تزيد الابتلاءات أو تقل ، تقلبات دائمة ، تظهر على الإنسان سريعا في كلامة وأفكاره وحياته وعلاقاته ..
وعندما اتحدث هنا عن ( التغير ) .. اقصد ذلك التلجلج في الصدور ، والتنوع في رؤية الوجوه المختلفة ، لا (التقلب) فإن التقلب إما على الحق أو الباطل ، كما كان يدعوا النبي ’’ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك ’’ ، إنما التغير هو التردد بين الرؤى والقناعات ، تبدل الأحلام ، تغير من نحبهم ، أتحدث عن اليأس والأمل ، والخيانة والوفاء ، اتحدث عن تغير في الفكر السلبي ناتج عن مشاعر توجهه نحو الصواب .
من داخل القلب وجوه كثيرة متغيره ، يوم مع الحق والثبات ، ويوم ينزلق مع الغفلة والشهوات ، نفس أمارة ، وأخرى لوامة تفترشان نفس القلب فلمن الغلبة ليصل إلى النفس المطمئنة ؟!
ومن داخل القلب المخطئ ، قلب يغير وجهته بين لحظة وأخرى ، وقد يظل في لهوه حتى تأتيه آخر لحظاته وهو على غوايته .
يتغير القلب داخل وجوهه المتعددة ليتقلب بين شهواته ، يطوف وقد يستقر في كل مرة على الخطأ .. !.
وعندما تتغير القلوب ، تنكشف عيوب الأحلام الفائتة ، والمشاعر الباهتة ، لا يستشعر الفرق سوى القلب النقي التقي ، فيرى ماضيه - على الوجه الآخر - وكأنه يقرأ ما فات من عمره ، قد يكون موفقا فيه او خائبا ، شقيا كان او سعيدا
عندما يتغير القلب نخاف ما كنا لا نخشاه ، ونحب ما كنا نخاف ان نقترب منه ، نلقي الماضي خلفنا ، بعد أن تغير كل شيء .
قد يتغير القلب نتيجة اكتئاب حل به فضاقت عليه الدنيا بما رحبت ، فقرر ان يتخذ وجها جديدا ولونا متغيرا لحياته التي مل منها ، او نتيجة فرحة زائدة وانبهار مبالغ فيه بواقع معين دخيل على واقعة ، فيحب ذلك الواقع الجديد ويبدأ قلبه ليتحول إلى وجه آخر سلبي تابع
وقد يتغير نتيجة فقدان الأمل ، او لخلوه من الهدف ، قد يتغير حسب الهوى ، او حسب مواقف مختلفة يشكل تكرارها عليه تغيرا وعادة !
إن القلوب لها حساسية شديدة ، تتأثر بكل صغير وكبير ، تتأثر بالنظرات والكلمات ، تجرحها الكلمة السيئة ، يحيها الكلم الطيب ، يروي بذور حدائقها الحب في الله ، تترقرق بالبسمة الصافية ، تغسلها دموع الفرح ، وتقتلها دموع اليأس والعصيان ، ومن الهوي ما يجعل حدائقها هشيما كأن لم تغن من قبل !
وعندما تتغير القلوب تتلون الدنيا بلون مختلف عما كان ، نرى الحقائق بمشاعر جديدة ، قد تكون قاسية بعض الشيء ، او صادمة لما كنا نتخيله من قبل ، وبينما يظن في لحظة انه قد ارتاح وبدأ حياة جديدة بتغير كل اهتماماته ومشاعره واهدافة ، تظهر امامه حوادث جديدة ، ابتلاءات جديدة يلزمها صبر جديد وثبات جديد !
وقد يكون تغير القلب تغيرا مخيفا يودي به إلى الهلاك ، ويبدأ في التحول إلى ’’ التقلب ’’ لا ’’ التغير ’’ حينما يكون التغير في واد سحيق عن طاعه الله ، تنزلق نفسه مع الشيطان ليتحول القلب الخائر إلى قلب مخذول ، مشحون بالهوى ، مندس بالخبائث ، ملوث بالأخلاق الذميمة ، يتقلب من خسران إلى خسران ومن كبيرة إلى كبيرة ، ليرى الماضي مظلما ، والمستقبل مجهولا ، فيقوى فيه سلطان الشيطان ، ويضعف سلطان التقوى والإيمان ، ويمتلئ القلب بدخان الهوي الدنيوي ، يتلاشى النور، ويصير كالعين الممتلئة بدموع اليأس الجافة ، لا ترى ولا تذرف دموعها ، ولا يؤثر فيها شيء ! حذار من التغير الذي قد يؤدي إلى التقلب !!
وعندما تتقلب القلوب ترى شطر الحياة الأخر ، تتعرف على كل لغات القلوب ، تتألم تارة ، وتبتسم تارة ، تبكى تارة ، وتدعو تارة أخري ..
إن القلب إذا صلح على اي وجه كان مما يحبه الله ويرضاه كان اسرع الطرق لباب الجنة المفتوح أمامه .. وإن فسد على اي وجه كان مما يبغضه الله ويسخط عليه ، كان الانزلاق اسرع إلى الوادي السحيق .. فعلى اي وجه ستكون خاتمته ؟
إن القلوب هي التي توصف بالحياة أو الموت ، وبناء عليها توصف الجوارح ، وفي الحديث : ’’إن الله لا نظر إلى اجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ’’ ، فهي الفيصل وهي المعيار النهائي ’’ ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ’’
وبالقلوب نحب ونبغض ، نعطي ونمنع ، نبادل الناس فهما وإدراكا ومشاعر واستجابة وتواصل وترابط .. وكلما تغيرت قلوبنا يتغير معها كل ذلك ..
من قلب إلى قلب ، ومن حياة إلى حياة ، هو عمر واحد وقلب واحد ، ينبغي الاهتمام به وإعداده ورعايته ، فهو عمر وحيد يمضى ، وهو كتاب يكتب ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فإما ان يظل المرء متنقلا بين تغيرات قلبه ويفاجئ بحصاده الهزيل في النهاية ، وإما أن يثبت على التقوى في حياته ، ليغتنم ثوانيها التي تمضى وأنفاسها التي تعد ..
*المسلم
24/11/1434 هـ
عندما تتغير القلوب ، يتغير الكيان بأسره ، فتتغير الآمال وتتغير الرؤى ، وتتبدل أشكال الناس ، بل يتبدل الحلم والهدف .
بين الصواب والخطأ ، بين الحسن والسيئ ، يزيد العمل الصالح ويقل .. تزيد الابتلاءات أو تقل ، تقلبات دائمة ، تظهر على الإنسان سريعا في كلامة وأفكاره وحياته وعلاقاته ..
وعندما اتحدث هنا عن ( التغير ) .. اقصد ذلك التلجلج في الصدور ، والتنوع في رؤية الوجوه المختلفة ، لا (التقلب) فإن التقلب إما على الحق أو الباطل ، كما كان يدعوا النبي ’’ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك ’’ ، إنما التغير هو التردد بين الرؤى والقناعات ، تبدل الأحلام ، تغير من نحبهم ، أتحدث عن اليأس والأمل ، والخيانة والوفاء ، اتحدث عن تغير في الفكر السلبي ناتج عن مشاعر توجهه نحو الصواب .
من داخل القلب وجوه كثيرة متغيره ، يوم مع الحق والثبات ، ويوم ينزلق مع الغفلة والشهوات ، نفس أمارة ، وأخرى لوامة تفترشان نفس القلب فلمن الغلبة ليصل إلى النفس المطمئنة ؟!
ومن داخل القلب المخطئ ، قلب يغير وجهته بين لحظة وأخرى ، وقد يظل في لهوه حتى تأتيه آخر لحظاته وهو على غوايته .
يتغير القلب داخل وجوهه المتعددة ليتقلب بين شهواته ، يطوف وقد يستقر في كل مرة على الخطأ .. !.
وعندما تتغير القلوب ، تنكشف عيوب الأحلام الفائتة ، والمشاعر الباهتة ، لا يستشعر الفرق سوى القلب النقي التقي ، فيرى ماضيه - على الوجه الآخر - وكأنه يقرأ ما فات من عمره ، قد يكون موفقا فيه او خائبا ، شقيا كان او سعيدا
عندما يتغير القلب نخاف ما كنا لا نخشاه ، ونحب ما كنا نخاف ان نقترب منه ، نلقي الماضي خلفنا ، بعد أن تغير كل شيء .
قد يتغير القلب نتيجة اكتئاب حل به فضاقت عليه الدنيا بما رحبت ، فقرر ان يتخذ وجها جديدا ولونا متغيرا لحياته التي مل منها ، او نتيجة فرحة زائدة وانبهار مبالغ فيه بواقع معين دخيل على واقعة ، فيحب ذلك الواقع الجديد ويبدأ قلبه ليتحول إلى وجه آخر سلبي تابع
وقد يتغير نتيجة فقدان الأمل ، او لخلوه من الهدف ، قد يتغير حسب الهوى ، او حسب مواقف مختلفة يشكل تكرارها عليه تغيرا وعادة !
إن القلوب لها حساسية شديدة ، تتأثر بكل صغير وكبير ، تتأثر بالنظرات والكلمات ، تجرحها الكلمة السيئة ، يحيها الكلم الطيب ، يروي بذور حدائقها الحب في الله ، تترقرق بالبسمة الصافية ، تغسلها دموع الفرح ، وتقتلها دموع اليأس والعصيان ، ومن الهوي ما يجعل حدائقها هشيما كأن لم تغن من قبل !
وعندما تتغير القلوب تتلون الدنيا بلون مختلف عما كان ، نرى الحقائق بمشاعر جديدة ، قد تكون قاسية بعض الشيء ، او صادمة لما كنا نتخيله من قبل ، وبينما يظن في لحظة انه قد ارتاح وبدأ حياة جديدة بتغير كل اهتماماته ومشاعره واهدافة ، تظهر امامه حوادث جديدة ، ابتلاءات جديدة يلزمها صبر جديد وثبات جديد !
وقد يكون تغير القلب تغيرا مخيفا يودي به إلى الهلاك ، ويبدأ في التحول إلى ’’ التقلب ’’ لا ’’ التغير ’’ حينما يكون التغير في واد سحيق عن طاعه الله ، تنزلق نفسه مع الشيطان ليتحول القلب الخائر إلى قلب مخذول ، مشحون بالهوى ، مندس بالخبائث ، ملوث بالأخلاق الذميمة ، يتقلب من خسران إلى خسران ومن كبيرة إلى كبيرة ، ليرى الماضي مظلما ، والمستقبل مجهولا ، فيقوى فيه سلطان الشيطان ، ويضعف سلطان التقوى والإيمان ، ويمتلئ القلب بدخان الهوي الدنيوي ، يتلاشى النور، ويصير كالعين الممتلئة بدموع اليأس الجافة ، لا ترى ولا تذرف دموعها ، ولا يؤثر فيها شيء ! حذار من التغير الذي قد يؤدي إلى التقلب !!
وعندما تتقلب القلوب ترى شطر الحياة الأخر ، تتعرف على كل لغات القلوب ، تتألم تارة ، وتبتسم تارة ، تبكى تارة ، وتدعو تارة أخري ..
إن القلب إذا صلح على اي وجه كان مما يحبه الله ويرضاه كان اسرع الطرق لباب الجنة المفتوح أمامه .. وإن فسد على اي وجه كان مما يبغضه الله ويسخط عليه ، كان الانزلاق اسرع إلى الوادي السحيق .. فعلى اي وجه ستكون خاتمته ؟
إن القلوب هي التي توصف بالحياة أو الموت ، وبناء عليها توصف الجوارح ، وفي الحديث : ’’إن الله لا نظر إلى اجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ’’ ، فهي الفيصل وهي المعيار النهائي ’’ ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ’’
وبالقلوب نحب ونبغض ، نعطي ونمنع ، نبادل الناس فهما وإدراكا ومشاعر واستجابة وتواصل وترابط .. وكلما تغيرت قلوبنا يتغير معها كل ذلك ..
من قلب إلى قلب ، ومن حياة إلى حياة ، هو عمر واحد وقلب واحد ، ينبغي الاهتمام به وإعداده ورعايته ، فهو عمر وحيد يمضى ، وهو كتاب يكتب ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فإما ان يظل المرء متنقلا بين تغيرات قلبه ويفاجئ بحصاده الهزيل في النهاية ، وإما أن يثبت على التقوى في حياته ، ليغتنم ثوانيها التي تمضى وأنفاسها التي تعد ..
*المسلم