جاسوانت سينغ
كان العامان الأخيران في مصر طويلين عصيبين. فمنذ الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 عندما تدفق الملايين من الناس إلى الشوارع للاحتشاد ضد نظام حسني مبارك، إلى إطاحة الجيش مؤخرا بالرئيس محمد مرسي، شهدت البلاد السقوط من قمة النشوة والحبور إلى الانقسام والإحباط، وهو النمط الذي يبدو وكأنه أصبح السمة الحتمية المميزة للثورة. فهل كان التحول الديمقراطي في مصر محكوماً عليه بالفشل منذ البداية؟
رغم أن ثورة مصر كانت تالية لثورة تونس، فإن الإطاحة الناجحة بنظام مبارك هي التي كانت وراء ظهور تعبير ’’الربيع العربي’’. ولكن رغم تقدم البلاد ظاهريا من دكتاتورية مبارك المدعومة عسكرياً إلى حكومة مرسي المنتخبة ديمقراطيا، فلم يتغير الكثير. بل إن الجيش يقمع الآن ’’ثورة شعبية’’ أخرى، وهذه المرة ثورة أنصار مرسي والإخوان المسلمين.
ومع استعادة المؤسسة العسكرية في مصر لقبضتها على السلطة، تبتعد النهضة السياسية المرجوة في البلاد تدريجيا عن المشهد. ورغم الإعلان عن خطط لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة في الأشهر الستة المقبلة، فإن الانحراف الناتج عن الانقلاب -والذي انعكس في مقتل أكثر من خمسين من المتظاهرين وإلقاء القبض على المئات من مؤيدي الإخوان المسلمين وقادتهم- يلقي بظلال من الشك على المستقبل الديمقراطي.
’’
لأن نتائج التحول في مصر سوف تخلف عواقب بعيدة المدى في المنطقة، فإن البلد يتعرض لضغوط من كل الجهات
’’
وتزيد عوامل خارجية من تقويض آفاق الديمقراطية في مصر وفي دول الربيع العربي التي نظرت إلى الثورة المصرية كنموذج.
ويثير القمع الوحشي للتمرد الشعبي في سوريا من قِبَل حكومة الرئيس بشار الأسد البعثية، الشكوك حول قدرة الدول العربية على الإفلات قريبا من إرث القيادة القمعية. بل على العكس من ذلك، ينذر تعميق الانقسام السني الشيعي في السنوات الأخيرة في مختلف بلدان العالم الإسلامي بالمزيد من العنف.
ولأن نتائج التحول في مصر سوف تخلف عواقب بعيدة المدى في المنطقة، يتعرض البلد لضغوط من كل الجهات. فعلى سبيل المثال، دعمت المملكة العربية السعودية استيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة، فمنحت مصر -جنبا إلى جنب مع الإمارات العربية المتحدة- ثمانية مليارات دولار في هيئة مساعدات فورية.
وعلى حد تعبير الروائي والكاتب الإسرائيلي ديفيد غولدمان، فإن مستقبل مصر الآن ’’يعتمد على ما يحدث في القصر الملكي في الرياض وليس في ميدان التحرير’’.
وقد أشاد المعلقون في المملكة العربية السعودية بالفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية. فكتب حسين شوبوكشي في صحيفة الشرق الأوسط ’’لقد أنعم الله على السيسي بحب المصريين له’’، معلنا أن السيسي ’’جلب الشرعية الحقيقية إلى مصر.. بعد فترة من العبث، والافتقار إلى الخبرة، والضيق’’. وتكهن آخرون بأن مصر كانت لتتحول إلى ’’كوريا الشمالية على النيل’’ لو استمر الإخوان المسلمون في السلطة.
ويشير تدخل المملكة العربية السعودية في مصر إلى صدع جديد ربما ينشأ بين الدول العربية، بالتوازي مع الصدع الشيعي السني، حيث جماعة الإخوان المسلمين على جانب والممالك السنية والأنظمة العلمانية العسكرية على الجانب الآخر. وإذا كان الأمر كذلك فإن آفاق الديمقراطية في مصر لم تأفل فحسب، بل وربما قضي عليها بالكامل في الأرجح.
وربما تفسر حالة عدم اليقين هذه جزئيا التردد في اتخاذ أي قرارات سياسية حاسمة مصر. فحتى الآن، رفضت الولايات المتحدة اعتبار الإطاحة بمرسي انقلابا، وبالتالي تجنبت الالتزام القانوني المحلي بوقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية، في حين تدرس إدارة الرئيس باراك أوباما الخيارات المتاحة لها.
وقد فسر جاي كارني، المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض أن العلاقات الأميركية مع مصر ’’مرتبطة بشكل وثيق بالدعم الأميركي لتطلعات الشعب المصري للديمقراطية، ومستقبل اقتصادي وسياسي أفضل’’.
’’
ديفيد غولدمان: مستقبل مصر الآن يعتمد على ما يحدث في القصر الملكي في الرياض وليس في ميدان التحرير
’’
والترجمة هي ’’أي قرار يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في التعامل مع مصر سوف يكون مبنيا على أهداف السياسة الخارجية الأميركية، والكونغرس، وقوانين الولايات المتحدة’’.
ولكن بالاستمرار في تقديم المساعدات لمصر وإهمال فرض أي مطالب ملموسة على القيادة العسكرية الجديدة في مصر، فإن الولايات المتحدة تكون قد قبلت الانقلاب ضمنيا، الأمر الذي جعل مصر تبدو وكأنها ’’جمهورية موز’’.
ومثل هذه الصورة من غير الممكن أن تكون مفيدة في تعزيز استقرار وانفتاح مصر التي تريد لها الولايات المتحدة أن تكون حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي.
ونظرا لهشاشة موقف الجيش المصري، وغموض سياسة الولايات المتحدة في مصر، فإن الإخوان المسلمين ربما يختارون الآن الانتظار بصبر تحينا للفرصة بهدف استعادة السيطرة على الحكم في مصر. ولكن التزامهم بمبادئ الديمقراطية قد يضعف إلى حد خطير.
وإنني لأرجو ألا يعكس التصريح الأخير الذي ألقاه نائب رئيس الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين -’’هل تعرفون كم من الناس ماتوا في بناء الأهرامات؟ وكم منهم ماتوا في حفر قناة السويس؟’’- استعداد جماعة الإخوان المسلمين لقبول أكثر المستويات تطرفا من التضحية من أجل تحقيق أهدافها.
إن المخاطر عالية بالنسبة لمصر. والواقع أن الشيخ أحمد الطيب، الإمام الأكبر للجامع الأزهر في القاهرة، حذر من حرب أهلية وشيكة. ويتوقف صدق توقعات الطيب على من ستكون له الكلمة الأخيرة في عملية تحول مصر: المؤسسة العسكرية، أم جماعة الإخوان المسلمين، أم قوة سياسية مثل حزب النور السلفي، الذي فاز بربع الأصوات في الانتخابات الأخيرة وأيد الانقلاب العسكري ضد مرسي.
إن الديمقراطية هي أولى ضحايا سقوط مرسي. والسؤال الآن هو ما إذا كانت الانقسامات الاجتماعية التي أحدثها الانقلاب في مصر والعالمي العربي، سوف تكون أعمق من أن يصبح في الإمكان إصلاحها باتباع أي مسار ديمقراطي في المستقبل المنظور.
المصدر:بروجيكت سينديكيت
كان العامان الأخيران في مصر طويلين عصيبين. فمنذ الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 عندما تدفق الملايين من الناس إلى الشوارع للاحتشاد ضد نظام حسني مبارك، إلى إطاحة الجيش مؤخرا بالرئيس محمد مرسي، شهدت البلاد السقوط من قمة النشوة والحبور إلى الانقسام والإحباط، وهو النمط الذي يبدو وكأنه أصبح السمة الحتمية المميزة للثورة. فهل كان التحول الديمقراطي في مصر محكوماً عليه بالفشل منذ البداية؟
رغم أن ثورة مصر كانت تالية لثورة تونس، فإن الإطاحة الناجحة بنظام مبارك هي التي كانت وراء ظهور تعبير ’’الربيع العربي’’. ولكن رغم تقدم البلاد ظاهريا من دكتاتورية مبارك المدعومة عسكرياً إلى حكومة مرسي المنتخبة ديمقراطيا، فلم يتغير الكثير. بل إن الجيش يقمع الآن ’’ثورة شعبية’’ أخرى، وهذه المرة ثورة أنصار مرسي والإخوان المسلمين.
ومع استعادة المؤسسة العسكرية في مصر لقبضتها على السلطة، تبتعد النهضة السياسية المرجوة في البلاد تدريجيا عن المشهد. ورغم الإعلان عن خطط لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة في الأشهر الستة المقبلة، فإن الانحراف الناتج عن الانقلاب -والذي انعكس في مقتل أكثر من خمسين من المتظاهرين وإلقاء القبض على المئات من مؤيدي الإخوان المسلمين وقادتهم- يلقي بظلال من الشك على المستقبل الديمقراطي.
’’
لأن نتائج التحول في مصر سوف تخلف عواقب بعيدة المدى في المنطقة، فإن البلد يتعرض لضغوط من كل الجهات
’’
وتزيد عوامل خارجية من تقويض آفاق الديمقراطية في مصر وفي دول الربيع العربي التي نظرت إلى الثورة المصرية كنموذج.
ويثير القمع الوحشي للتمرد الشعبي في سوريا من قِبَل حكومة الرئيس بشار الأسد البعثية، الشكوك حول قدرة الدول العربية على الإفلات قريبا من إرث القيادة القمعية. بل على العكس من ذلك، ينذر تعميق الانقسام السني الشيعي في السنوات الأخيرة في مختلف بلدان العالم الإسلامي بالمزيد من العنف.
ولأن نتائج التحول في مصر سوف تخلف عواقب بعيدة المدى في المنطقة، يتعرض البلد لضغوط من كل الجهات. فعلى سبيل المثال، دعمت المملكة العربية السعودية استيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة، فمنحت مصر -جنبا إلى جنب مع الإمارات العربية المتحدة- ثمانية مليارات دولار في هيئة مساعدات فورية.
وعلى حد تعبير الروائي والكاتب الإسرائيلي ديفيد غولدمان، فإن مستقبل مصر الآن ’’يعتمد على ما يحدث في القصر الملكي في الرياض وليس في ميدان التحرير’’.
وقد أشاد المعلقون في المملكة العربية السعودية بالفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية. فكتب حسين شوبوكشي في صحيفة الشرق الأوسط ’’لقد أنعم الله على السيسي بحب المصريين له’’، معلنا أن السيسي ’’جلب الشرعية الحقيقية إلى مصر.. بعد فترة من العبث، والافتقار إلى الخبرة، والضيق’’. وتكهن آخرون بأن مصر كانت لتتحول إلى ’’كوريا الشمالية على النيل’’ لو استمر الإخوان المسلمون في السلطة.
ويشير تدخل المملكة العربية السعودية في مصر إلى صدع جديد ربما ينشأ بين الدول العربية، بالتوازي مع الصدع الشيعي السني، حيث جماعة الإخوان المسلمين على جانب والممالك السنية والأنظمة العلمانية العسكرية على الجانب الآخر. وإذا كان الأمر كذلك فإن آفاق الديمقراطية في مصر لم تأفل فحسب، بل وربما قضي عليها بالكامل في الأرجح.
وربما تفسر حالة عدم اليقين هذه جزئيا التردد في اتخاذ أي قرارات سياسية حاسمة مصر. فحتى الآن، رفضت الولايات المتحدة اعتبار الإطاحة بمرسي انقلابا، وبالتالي تجنبت الالتزام القانوني المحلي بوقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية، في حين تدرس إدارة الرئيس باراك أوباما الخيارات المتاحة لها.
وقد فسر جاي كارني، المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض أن العلاقات الأميركية مع مصر ’’مرتبطة بشكل وثيق بالدعم الأميركي لتطلعات الشعب المصري للديمقراطية، ومستقبل اقتصادي وسياسي أفضل’’.
’’
ديفيد غولدمان: مستقبل مصر الآن يعتمد على ما يحدث في القصر الملكي في الرياض وليس في ميدان التحرير
’’
والترجمة هي ’’أي قرار يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في التعامل مع مصر سوف يكون مبنيا على أهداف السياسة الخارجية الأميركية، والكونغرس، وقوانين الولايات المتحدة’’.
ولكن بالاستمرار في تقديم المساعدات لمصر وإهمال فرض أي مطالب ملموسة على القيادة العسكرية الجديدة في مصر، فإن الولايات المتحدة تكون قد قبلت الانقلاب ضمنيا، الأمر الذي جعل مصر تبدو وكأنها ’’جمهورية موز’’.
ومثل هذه الصورة من غير الممكن أن تكون مفيدة في تعزيز استقرار وانفتاح مصر التي تريد لها الولايات المتحدة أن تكون حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي.
ونظرا لهشاشة موقف الجيش المصري، وغموض سياسة الولايات المتحدة في مصر، فإن الإخوان المسلمين ربما يختارون الآن الانتظار بصبر تحينا للفرصة بهدف استعادة السيطرة على الحكم في مصر. ولكن التزامهم بمبادئ الديمقراطية قد يضعف إلى حد خطير.
وإنني لأرجو ألا يعكس التصريح الأخير الذي ألقاه نائب رئيس الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين -’’هل تعرفون كم من الناس ماتوا في بناء الأهرامات؟ وكم منهم ماتوا في حفر قناة السويس؟’’- استعداد جماعة الإخوان المسلمين لقبول أكثر المستويات تطرفا من التضحية من أجل تحقيق أهدافها.
إن المخاطر عالية بالنسبة لمصر. والواقع أن الشيخ أحمد الطيب، الإمام الأكبر للجامع الأزهر في القاهرة، حذر من حرب أهلية وشيكة. ويتوقف صدق توقعات الطيب على من ستكون له الكلمة الأخيرة في عملية تحول مصر: المؤسسة العسكرية، أم جماعة الإخوان المسلمين، أم قوة سياسية مثل حزب النور السلفي، الذي فاز بربع الأصوات في الانتخابات الأخيرة وأيد الانقلاب العسكري ضد مرسي.
إن الديمقراطية هي أولى ضحايا سقوط مرسي. والسؤال الآن هو ما إذا كانت الانقسامات الاجتماعية التي أحدثها الانقلاب في مصر والعالمي العربي، سوف تكون أعمق من أن يصبح في الإمكان إصلاحها باتباع أي مسار ديمقراطي في المستقبل المنظور.
المصدر:بروجيكت سينديكيت