مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الأمم المتحدة ودعاوى حماية حقوق المرأة
كاميليا حلمي

تسعى العلمانية العالمية بكل ما تملكه من أدوات مادية ومعنوية لهدم الأسرة وتضييع حقوق المرأة التي وهبها الله عز وجل إياها؛ وذلك من خلال عقدها لمؤتمرات تعقبها مؤتمرات، ووثائق تتبعها وثائق تصدرها ’’لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة’’ بدعوى ’’حماية حقوق المرأة’’!!!

ومع قليل من الدراسة الموضوعية لهذه الوثائق نجدها بعيدة كل البعد عن حماية حقوق المرأة، كما أنها لا تحترم التنوع الديني والثقافي لشعوب الأرض، وتعمل على فرض نمط ثقافي ’’أوحد’’ عليها، فهي تفرض علينا تصورًا لواقع لا يمت لمجتمعاتنا بأية صلة، ثم تفرض علينا من منظورها حلولاً لهذا الواقع الافتراضي الذي ليس له وجود في مجتمعاتنا.

فالأمم المتحدة تسعى من خلال هذه الوثائق إلى التدخل في أدق خصوصيات الحياة الأسرية، حتى إنها لتتدخل في العلاقة شديدة الخصوصية بين الزوج وزوجته، وبين الأب وأبنائه بدعوى ’’حماية المرأة والفتاة من العنف’’!!!

وفي سبيل سعيها لهذا التدخل، فإنها تعقد مؤتمرًا سنويًّا في مقرها بنيويورك، بهدف متابعة الحكومات في تطبيق الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل (مثل: اتفاقية سيداو، ووثيقة بكين، وغيرهما)؛ حيث تُطرَح في كل مرة وثيقة جديدة بغرض مواصلة الضغوط عليها؛ لتتأكد من التزام الحكومات بالتطبيق الكامل والفوري لتلك الوثائق.

التساوي المطلق

وفي جلسة هذا العام (الجلسة 57) للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة، والتي تُعقد في الفترة 4-15 مارس 2013م، تُطرح وثيقة بعنوان:

’’إلغاء ومنع كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات’’

’’Elimination and prevention of all forms of violence against women and girls ’’

ومن خلف ذلك الشعار البراق الذي تطرحه، تأتي المطالبة بالحريات الجنسية للفتيات والشابات، وحقوق الشواذ، وذلك من خلال مصطلح:

[العنف المبني على ’’الجندر’’ (النوع) Gender base violence ]

وذلك لأن كلمة ’’جندر’’ تعني: ’’رجل’’، و’’امرأة’’، و’’آخرين من الشواذ’’، وبالتالي فإن المطالبة بمساواة ’’الجندر’’ تشمل مساواة الشواذ بالأسوياء، كما تشمل إلغاء كل الفوارق بين الرجل والمرأة داخل الأسرة وخارجها. وتصبح أي فوارق في المعاملة مندرجة تحت مصطلح: [العنف المبني على ’’الجندر’’]، وللقضاء على ذلك ’’العنف’’ ينبغي تحقيق التساوي في المعاملة بين كل الأنواع، فلا يجب معاقبة الشواذ، بل لهم الحق في ممارسة شذوذهم باعتباره حرية شخصية لا يجب التعدي عليها، وينبغي تحقيق التساوي المطلق بين الرجل والمرأة، في الأدوار الحياتية، وفي التشريعات!

مطالبات الوثيقة

ولذلك فإن الوثيقة الجديدة التي تطرحها الأمم المتحدة في جلستها هذا العام تشتمل على المطالب التالية:

1- استبدال ’’الشراكة’’ بـ’’القوامة’’، والاقتسام التام للأدوار داخل الأسرة بين الرجل والمرأة، مثل: الإنفاق، رعاية الأطفال، الشئون المنزلية.

2- التساوي التام في تشريعات الزواج، مثل: إلغاء: التعدد، والعِدَّة، والولاية، والمهر، وإنفاق الرجل على الأسرة، بالإضافة إلى السماح للمسلمة بالزواج بغير المسلم وغير ذلك.

3- التساوي في الإرث.

4- إلغاء استئذان الزوج في: السفر أو العمل أو الخروج أو استخدام وسائل منع الحمل.

5- سحب سلطة التطليق من الزوج ونقلها للقضاء، واقتسام كافة الممتلكات بعد الطلاق.

6- إعطاء الزوجة الحق في أن تشتكي زوجها بتهمة الاغتصاب أو التحرش، وعلى الجهات المختصة توقيع عقوبة على ذلك الزوج مماثلة لعقوبة من يغتصب أو يتحرش بأجنبية.

7- منح الفتاة كل الحريات الجنسية، بالإضافة إلى حرية اختيار جنسها، وحرية اختيار جنس الشريك، أي أن تختار أن تكون علاقاتها الجنسية طبيعية أو شاذة، مع رفع سن الزواج إلى الثامنة عشر.

8- توفير وسائل منع الحمل للمراهقات، وتدريبهن على استخدامها، مع إباحة الإجهاض للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه، وذلك تحت مسمى الحقوق الجنسية والإنجابية.

9- مساواة الزانية بالزوجة، ومساواة أبناء الزنا بالأبناء الشرعيين مساواة كاملة في كل الحقوق.

10- إعطاء الشواذ كافة الحقوق، وحمايتهم واحترامهم، وأيضا حماية العاملات في البغاء.

لعبة ’’تعلية السقف’’

ولضمان تمرير هذه الوثيقة -وغيرها من الوثائق - يتم فتح الباب للإضافات والتعديلات، فتبدأ أمريكا والاتحاد الأوروبي وغيرهما في إدخال بعض الإضافات التي تتسم بالجرأة والوقاحة، حتى ليصبح النص الأصلي للوثيقة نصًّا ملائكيًّا إذا ما قورن بتلك الإضافات، ثم تبدأ المفاوضات لتخفيف حدة تلك الإضافات، وإدماجها ضمن النص الأصلي، في مقابل التوقيع على الوثيقة النهائية.

ومن أمثلة ذلك أن الولايات المتحدة أضافت فقرة كاملة عن حقوق الشواذ والعاملات في ’’الدعارة’’؛ حيث أدانت جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك الشواذ (LGBT ) والعاملات في الجنس التجاري (المادة 5).

ومن أمثلة ذلك أيضًا استبدال كلمة (LGBT ) بكلمة (Homosexuals ) بناء على طلب الشواذ أنفسهم ليصبح المصطلح الجديد للشواذ هو (LGBT )، والتي تعني: ’’السحاقيات (L:Lesbians )، والشواذ من الرجال (G:Gay )، وثنائيو الممارسة (B:Bisexual )، والمتحولون (T:Transgender )’’؛ وذلك بهدف التأكيد على تمثيل كل فئة منهم بشكل واضح في الاتفاقيات الدولية!

المراقبة والمساءلة

وتتكرر -في مواضع عدة عبر هذه الوثيقة- المطالبة بـ(المراقبة، والتقويم، والمساءلة)

(Monitoring، Evaluating، Accountability )

وهذا يُعد انتهاكًا صريحًا لسيادة الحكومات، وفرض للرقابة الدولية عليها، والتدخل في شئونها الداخلية، بل في شئون الأفراد الداخلية شديدة الخصوصية.

بل إن الأمر وصل إلى حد مطالبة الاتحاد الأوروبي (EU ) بتحويل ما أُطلق عليه (جرائم العنف المبني على ’’الجندر’’) إلى محكمة الجرائم الدولية (ICC )، ولا يقتصر الأمر هنا على جرائم الاغتصاب الممنهج أثناء الحروب، وإنما نظرًا لتعميم مفهوم (العنف المبني على ’’الجندر’’) في الوثيقة، فإن أية ممارسة تدخل في نطاق ذلك التعريف، سيتم تحويلها -وَفقًا لتلك الإضافة- إلى محكمة الجرائم الدولية (ICC )، وبصفة خاصة ما أطلقوا عليه: ’’العنف الجنسي Sexual violence ’’ والذي يشمل أيضًا العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته.

وهنا مكمن الخطر، فحتى هذه اللحظة، لم يكن يترتب على مخالفة اتفاقية (سيداو) أية عقوبات دولية، أما إذا تم تحويل ما يسمى بـ(جرائم العنف المبني على ’’الجندر’’) إلى تلك المحكمة، فتكون (سيداو) قد تحولت بالفعل إلى إلزام حقيقي، ويترتب على عدم الوفاء به عقوبات دولية.

ونحن كشعوب ثارت على أنظمة استعبدتها عشرات السنين نرفض أن نواصل العبودية لهيئات دولية تحاول أن تسلبنا الحرية والكرامة، وتنتهك أعراضنا. فمتى نمتلك حقًّا إرادتنا ونقول: ’’لا’’ لكل ما يتعارض مع شريعتنا وقيمنا وأخلاقنا؟!!
*نوافذ
أضافة تعليق