مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ما الذي يحدث لثورات الربيع العربي الآن؟!
محمد مثنى
ما يحدث الآن في بلدان ما أطلق عليها بثورات الربيع العربي من القتل والاغتيالات والمناوشات تحث ذرائع الحرية والديمقراطية والشفافية بعد إطاحة ثورات الربيع بأنظمة القهر والاستبداد.. إنما هو شيء لا يصدق، ولا يتوصف إلا في خانة الجنون وانتفاء العقل أو في الخانة الأخرى من طغيان المصالح الآنية الضيقة لبعض الأحزاب والجهات والمنظمات والفئات، وفي الخانة الثالثة استعادة دورة الاستبداد مجدداً من قبل بعض التيارات الفكرية الدينية منها بوجه أخص التي لا ترى من العصر ومنجزاته السياسية والفكرية والتكنولوجية الحديثة أكثر من «الإسلام هو الحل»، وذلك ما تجلى، ويتجلى في المراحل السابقة واللاحقة، وهو اتكاء عاطفي يجد مبتغاه واستجابته في أرياف الوطن العربي بشكل أخص حيث ترفل الأمية في أزهى حللها، وكذلك في المدن العربية حيث تنتشر الأمية أيضاً بنسب قد تتفاوت من وطن لآخر، ولكنها تتوطن بشكل لا يبشر بانفراج هذه الأمية الثغرة المقعدة التي يستطيع أي مدع أن ينفذ منها لتمرير أجندته الفكرية والسياسية تحت أي الذرائع بدايتها الشعارات البراقة التي يتوق إليها المواطن العربي أي مواطن في تجاوز أوضاعه المعيشية والاقتصادية، والسياسية الجامدة.. ثم تنقلب إلى غمة لا يكاد يتبين منها شيئ غمة تعصف بعقله وأمنه واستقراره.. فإذا به يترحم على الأيام الخوالي التي مضت حتى مع الاستبداد، وما تيسر من الحرية بدلاً من شعارات لم يعد يرى منها غير القتل والاغتيال وافتقاد الأمن والأمان، وانحدار وضعه الحياتي والمعيشي إلى ما هو أسوأ من ماضيه تلك حقائق ينضح بها الواقع العربي وخاصة في أوطان العرب التي هل بها ربيع الثورات العربية “حسب التسمية” ماذا نسمي ما يحدث في مصر وتونس وليبيا واليمن الآن فضلاً عن سوريا الشعب الذي ينطحن الآن من أجل مستقبل لا يعرف كنهه، وربما لن يفترق عن مجايليه من إخوانه العرب ـ فقط بعد أن تكون خسارته كارثية ولا توازيها خسارة من ثورات العرب ـ ما الذي يحدث الآن؟! هل نعيد ذلك إلى تاريخ العرب بعد الإسلام.. التاريخ الدموي الاستبدادي الذي لم ينج منه حلفاء المسلمين إذ شبعوا قتلاً.. ثم انهالت الفرق الناجية والهالكة بالمئات تتوزع الوطن العربي بالادعاء والشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب معيناً للسلطات والخلافات المتعاقبة الاستبدادية تنهل من تشددها وتعصبها ما تشاء من الأفكار والمذاهب، وتسددها في المخالفين والمعارضين السياسيين تهماً بالمروق والزندقة فالسحر والقتل والحروب التي لا تنطفئ في الحقيقة، لم يكن ذلك حكراً على العرب والمسلمين فقط، وإنما حلت شياطينها بأوروبا المسيحية، وعانت الشعوب منها ما عانت من الإعدامات والحرق وشهم الزندقة والمروق وألوان التنكيل.. غير أن ما يميز أوروبا المسيحية اليقظة المبكرة لخبث المصالح المتلفعة بالدين.. فابتكرت الأفكار والسياسات الحياتية المتحررة والمتجاوزة بما يكفل الحرية والحقوق ويحفظ كرامة شعوبها فيما نعرفه اليوم من المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة والحرية بشقيها والشفافية في التعامل والممارسة تلك الأخيرة الفاصل بين عهدين ماضي المصالح والاستبداد وامتهان كرامة المواطن بدعاوي يبرأ منها الدين وتنأى منها الإنسانية وعهد من الصدق والوعد والعهد في الشفافية والشراكة الحياتية بين رئيس ومرؤوس يكفلها النظام والقانون والعقد الاجتماعي في الدساتير..
فلا نرى اليوم من منجزاتها المدنية والحضارية رئيساً أبدياً يمكن أن يقدم على قتل شعبه من أجل بقائه، أو يختلق العوائق ويبتكر العراقيل والسدود لإعاقة شعبه عن التطلع والأمل في حياة أفضل وتجاوز من دونه.. بل تجدل بهم الحياة في سباق لا ينتهي.. يحاول كل من يؤانسه الحظ في الوصول لسدة الحكم أن يكون ليس كغيره ممن سبق، وإنما متجاوزاً لتهيئة الظروف والإمكانات في سيرة شعبه من الابتكار والخلق والإبداع والتقدم بلا حدود حتى تحين مغادرته إلى منزله أوشركته أو مزرعته دون أن يتشبث بسلطة كان خادماً فيها لشعبه، وليس له فيها من مصلحة نزيف للثروة أو الوقت للإعاقة.. ذلك على خلاف زعماء العرب الوارثين للاستبداد والتملك للسلطة، كأنها هي حق إلهي ألبسه الله لهم ـ وبالمفردة العصرية في ظرفنا الحالي ـ لعله في سراويلهم من ذلك لا يمكن أن يخلعونها إلا لواحد من الأسرة من ورثتهم، وبتغيير هذه الطباع الفجة بهبة شعبية كما حدث مع ثورات الربيع العربي يحل بالشعوب الطوفان كما نلحظ الآن بحكم الوراثة الاستبدادية التاريخية المتأصلة في هذه الأوطان لا تقتصر هذه الوراثة على الزعماء فقط، وإنما تنتقل بيولوجياً وبفعل الجينات المتوارثة هي الأخرى للمناضلين الجدد والمكافحين حتى الثمالة بالشعارات البراقة، واستغلال كل شيء وأي شيء من أجل الوصول للسلطة أولاً.. ثم الشعوب “بدها تفهم” على حد تعبير إخواننا السوريين ـ أو لتذهب الشعوب إلى حيث “ألقت أم قشعم برحلها” وهذا ما نراه الآن ونلمسه في ثورات الشعوب حتى تقلع النخب عن هذا الموروث المقيت وتتحلى بثقافة العصر الحضارية والمدنية، وتصبح الشفافية هي المعادل الحق للحكم والسياسة ، “وحلّني”.
*الجمه
أضافة تعليق