د. عزمي بشارة
1. مفيد أن نتذكر أحيانا أن ثمة أوساطا واسعة في مصر لا علاقة لها بسلطة أو بمعارضة أو بلعبة الديمقراطية كلها.
2. وينقسم هؤلاء إلى نوعين: مواطنون يعيشون حياتهم في ظل أي نظام. وهذا طبيعي وموجود في كل مكان في العالم. ونوع آخر يتألف من مناهضين للثورة منذ بدايتها لأنهم يؤيدون النظام السابق، ويريدون إثارة الفوضى، ومن معارضين لأي نظام بغض النظر عن طبيعته، ودهماء يبحثون عن مناسبة لتفريغ عنفهم في أجواء ضعف قبضة الدولة في مرحلة انتقالية.
ويجب التفريق بين التظاهر السياسي وبحث هذا الصنف الأخير عن أي وسيلة لإحداث الفوضى. وإذا دخل هؤلاء مظاهرة في وضع مصر الحالي، فلا يمكنها أن تكون سلمية.
3. وإذا استمر هذا النوع الثاني بما يقوم به، فإن النوع الأول من غير المكترثين سوف يتجند ضد الديمقراطية ويطالب باستتباب النظام والأمن حين توشك الثورة أن تعني الفوضى بالنسبة له.
4. ومن هنا الحذر مطلوب. وقد جاء انسحاب القوى السياسية من محيط قصر الاتحادية في مكانه. وما كان يجب أن يتوجهوا إلى هناك أصلا. وهذا ليس لأنه ليس من حقهم التوجه إلى هناك، بل لأنه ليس من الحكمة فعل هذا.
5. وعلى ذكر حق التظاهر أمام قصر الرئيس، من الطريف أن نستمع إلى يساري يبرر ذلك بالتظاهر المتاح أمام البيت الأبيض في واشنطن. فقد أصبحت واشنطن فجأة مثالا يُحتذى به (قد يقول قائل أنه ليس هنالك مانع، فهذا رأي يتعلق بالحريات المدنية في أميركا، ولكن لو قال ذلك حتى شخص يساري قبل عامين فضلا عن لبرالي أو غيره لاتهمه يساريون آخرون بالمروق والانحراف).
لا علاقة بين وضع واشنطن ووضع المرحلة الانتقالية في مصر اليوم، ولا مقارنة بينهما. فالديمقراطية المصرية ما زالت هشة للغاية. ولكن حتى في واشنطن، هل يعلم إخوتنا ماذا كان سيكون رد الحرس الجمهوري لو أمطر جمعٌ ما البيت الأبيض بزجاجات المولوتوف.
6. كما طلبنا في حينه من الرئيس المنتخب أن يتحمل مسؤولية المرحلة الانتقالية بمعنى تجنب تفرد تيار بالحكم بأكثرية مطلقة حرجة؛ وكما أكدنا مرات عدة على عدم إمكانية إدارة المرحلة الانتقالية من قبل تيار واحد وضرورة الالتزام بتطبيق وعود ’’قيرمونت’’؛ فضلا عن توفير إجماع القوى الرئيسية عند وضع الدستور.
فمن واجب أي ديمقراطي حريص على إنجاح أهم تجربة ديمقراطية عربية أن يؤكد على مسؤولية المعارضة بالمساهمة في إنجاح المرحلة الانتقالية، فالحزبية أساسية، ولكنها لا تشكل وحدها أساسا للديمقراطية. وإذا لم تتوفر أسس أخرى مثل المسؤولية الوطنية، وسيادة القانون، والإجماع على احترام العملية الانتخابية، فسوف يطيح ذلك بالتجربة كلها، بما في ذلك التعددية الحزبية الحرة، وحرية التنظيم، والتعبير، والتظاهر، التي أنجزتها الثورة.
*العصر
1. مفيد أن نتذكر أحيانا أن ثمة أوساطا واسعة في مصر لا علاقة لها بسلطة أو بمعارضة أو بلعبة الديمقراطية كلها.
2. وينقسم هؤلاء إلى نوعين: مواطنون يعيشون حياتهم في ظل أي نظام. وهذا طبيعي وموجود في كل مكان في العالم. ونوع آخر يتألف من مناهضين للثورة منذ بدايتها لأنهم يؤيدون النظام السابق، ويريدون إثارة الفوضى، ومن معارضين لأي نظام بغض النظر عن طبيعته، ودهماء يبحثون عن مناسبة لتفريغ عنفهم في أجواء ضعف قبضة الدولة في مرحلة انتقالية.
ويجب التفريق بين التظاهر السياسي وبحث هذا الصنف الأخير عن أي وسيلة لإحداث الفوضى. وإذا دخل هؤلاء مظاهرة في وضع مصر الحالي، فلا يمكنها أن تكون سلمية.
3. وإذا استمر هذا النوع الثاني بما يقوم به، فإن النوع الأول من غير المكترثين سوف يتجند ضد الديمقراطية ويطالب باستتباب النظام والأمن حين توشك الثورة أن تعني الفوضى بالنسبة له.
4. ومن هنا الحذر مطلوب. وقد جاء انسحاب القوى السياسية من محيط قصر الاتحادية في مكانه. وما كان يجب أن يتوجهوا إلى هناك أصلا. وهذا ليس لأنه ليس من حقهم التوجه إلى هناك، بل لأنه ليس من الحكمة فعل هذا.
5. وعلى ذكر حق التظاهر أمام قصر الرئيس، من الطريف أن نستمع إلى يساري يبرر ذلك بالتظاهر المتاح أمام البيت الأبيض في واشنطن. فقد أصبحت واشنطن فجأة مثالا يُحتذى به (قد يقول قائل أنه ليس هنالك مانع، فهذا رأي يتعلق بالحريات المدنية في أميركا، ولكن لو قال ذلك حتى شخص يساري قبل عامين فضلا عن لبرالي أو غيره لاتهمه يساريون آخرون بالمروق والانحراف).
لا علاقة بين وضع واشنطن ووضع المرحلة الانتقالية في مصر اليوم، ولا مقارنة بينهما. فالديمقراطية المصرية ما زالت هشة للغاية. ولكن حتى في واشنطن، هل يعلم إخوتنا ماذا كان سيكون رد الحرس الجمهوري لو أمطر جمعٌ ما البيت الأبيض بزجاجات المولوتوف.
6. كما طلبنا في حينه من الرئيس المنتخب أن يتحمل مسؤولية المرحلة الانتقالية بمعنى تجنب تفرد تيار بالحكم بأكثرية مطلقة حرجة؛ وكما أكدنا مرات عدة على عدم إمكانية إدارة المرحلة الانتقالية من قبل تيار واحد وضرورة الالتزام بتطبيق وعود ’’قيرمونت’’؛ فضلا عن توفير إجماع القوى الرئيسية عند وضع الدستور.
فمن واجب أي ديمقراطي حريص على إنجاح أهم تجربة ديمقراطية عربية أن يؤكد على مسؤولية المعارضة بالمساهمة في إنجاح المرحلة الانتقالية، فالحزبية أساسية، ولكنها لا تشكل وحدها أساسا للديمقراطية. وإذا لم تتوفر أسس أخرى مثل المسؤولية الوطنية، وسيادة القانون، والإجماع على احترام العملية الانتخابية، فسوف يطيح ذلك بالتجربة كلها، بما في ذلك التعددية الحزبية الحرة، وحرية التنظيم، والتعبير، والتظاهر، التي أنجزتها الثورة.
*العصر