د.حسن مدن
لنا أن نتخيل لو أن إسلاميي تونس ومصر وغيرهما من بلدان عربية أصبح فيها هؤلاء قابضين على مقاليد السلطة، كيف كانوا سيتصرفون إزاء الفيلم المسيء للإسلام، لو أنهم ما زالوا في صفوف المعارضة، ألن يكونوا في طليعة المحتجين عليه، وربما شركاء في استهداف الممثليات الدبلوماسية في بلدانهم،
لأنهم كانوا سيجدون في ذلك ليس مجرد نُصرة للأفكار التي يدعون إليها، وإنما أيضاً لإيقاع الحكومات التي كانوا يعارضونها في حرج، ولسان حالهم يقول: هذا ما تفعله أمريكا والغرب بحقنا نحن المسلمين، فيما أنتم، يا حكام، تقيمون معهم أوثق العلاقات، وتربطكم بهم المعاهدات والاتفاقيات، فأين هي الغيرة على دينكم ونبيكم؟!
لن نتمادى في الخيال، فنزعم أن هناك من أراد إيقاع الإسلاميين، وقد باتوا في الحكم، في الحرج ذاته، فسواء كان الأمر من فعل فاعل، أو أن المصادفات وحدها قادت إليه، فإن هؤلاء الإسلاميين وجدوا أنفسهم أمام موجة احتجاجات، كان من الأسهل عليهم لو كانوا هم محركيها ووقودها، بدل أن يجدوا أنفسهم في وضع من هو مطالب بالتصدي لها، ليس فقط لأن من واجب الحكومات حماية الهيئات الدبلوماسية ومقارها في بلدانها من أي اعتداء عليها، وإنما أساساً لأن هؤلاء الحكام الجدد، ما كانوا سيصبحون حكاماً بُعيد المتغيرات العربية منذ 2011، لولا أن الغرب بات شريكاً في تمكينهم، انطلاقاً من حساب براغماتي موزون بدقة، قدم فيه الطرفان، الغرب والإسلاميون، تنازلات متبادلة، فالغرب سيغض الطرف عن واقع أن القوى الإسلامية باتت في الحكم، مقابل أن تُحرر هذه القوى، التي اختير لها وصف المعتدلة، خطابها من شحنة العداء للغرب التي كانت تميزه حتى أمد قريب، ليس بصفة هذا الغرب ناهباً لثروات العرب والمسلمين، ونصيراً قوياً للعدوان الصهيوني على الفلسطينيين والعرب فحسب، وإنما أساساً لأن الغرب، في نظر هؤلاء، هو دار الكفر المقابل لدار الإسلام.
تداعيات الفيلم المسيء للإسلام هي بمثابة المختبر السريع الذي أظهر أمرين على الأقل بجلاء لافت، أولهما قابلية القوى الإسلامية للتكيف مع مقتضيات واقعها الجديد، وقد أصبحت في الحكم، فهي، إذا اقتضى الأمر، على استعداد لأن تقوم بالدور نفسه الذي كانت الأنظمة التي أطيح بها تقوم به، كي تُقدم نفسها بصورة القوى ”العاقلة“ التي يُركن اليها في حفظ التوازنات الإقليمية المطلوبة، وأن تحرر نفسها من القماط الأيديولوجي السابق الذي كان يُخفي هذه القابلية، وغايتها من ذلك إفهام الغرب أن مصالحه ستكون في ”الحفظ والصون“، على يدها هي الأخرى، على نحو ما كان الحال قد جرى عليه قبل وصولها إلى الحكم، أما الأمر الثاني الذي أظهره هذا المختبر فهو الطابع المعقد لخريطة القوى الإسلامية، فحين اكتفى الإخوان المسلمون بالتنديد اللفظي بالفيلم، اندفع السلفيون نحو الشارع بعنف، فالقوى الإسلامية وإن كانت معجونة من صلصال واحد، فإنها، كظاهرة اجتماعية، تحتمل الحراك داخلها من تطرف نحو الاعتدال، ومن ”اعتدال“ مفترض نحو التطرف، وحسبنا هنا الإشارة إلى ما قاله مؤخراً أيمن الظواهري من أن رفيقه في قيادة ”القاعدة“ أسامة بن لادن كان في الأصل عضواً في جماعة ”الإخوان المسلمين“، وأن نستذكر في السياق ذاته قول الرئيس التونسي المنصف المرزوقي مؤخرأ أن السلفيين أظهروا أنهم أخطر مما توقعناه.
*********
[email protected]
لنا أن نتخيل لو أن إسلاميي تونس ومصر وغيرهما من بلدان عربية أصبح فيها هؤلاء قابضين على مقاليد السلطة، كيف كانوا سيتصرفون إزاء الفيلم المسيء للإسلام، لو أنهم ما زالوا في صفوف المعارضة، ألن يكونوا في طليعة المحتجين عليه، وربما شركاء في استهداف الممثليات الدبلوماسية في بلدانهم،
لأنهم كانوا سيجدون في ذلك ليس مجرد نُصرة للأفكار التي يدعون إليها، وإنما أيضاً لإيقاع الحكومات التي كانوا يعارضونها في حرج، ولسان حالهم يقول: هذا ما تفعله أمريكا والغرب بحقنا نحن المسلمين، فيما أنتم، يا حكام، تقيمون معهم أوثق العلاقات، وتربطكم بهم المعاهدات والاتفاقيات، فأين هي الغيرة على دينكم ونبيكم؟!
لن نتمادى في الخيال، فنزعم أن هناك من أراد إيقاع الإسلاميين، وقد باتوا في الحكم، في الحرج ذاته، فسواء كان الأمر من فعل فاعل، أو أن المصادفات وحدها قادت إليه، فإن هؤلاء الإسلاميين وجدوا أنفسهم أمام موجة احتجاجات، كان من الأسهل عليهم لو كانوا هم محركيها ووقودها، بدل أن يجدوا أنفسهم في وضع من هو مطالب بالتصدي لها، ليس فقط لأن من واجب الحكومات حماية الهيئات الدبلوماسية ومقارها في بلدانها من أي اعتداء عليها، وإنما أساساً لأن هؤلاء الحكام الجدد، ما كانوا سيصبحون حكاماً بُعيد المتغيرات العربية منذ 2011، لولا أن الغرب بات شريكاً في تمكينهم، انطلاقاً من حساب براغماتي موزون بدقة، قدم فيه الطرفان، الغرب والإسلاميون، تنازلات متبادلة، فالغرب سيغض الطرف عن واقع أن القوى الإسلامية باتت في الحكم، مقابل أن تُحرر هذه القوى، التي اختير لها وصف المعتدلة، خطابها من شحنة العداء للغرب التي كانت تميزه حتى أمد قريب، ليس بصفة هذا الغرب ناهباً لثروات العرب والمسلمين، ونصيراً قوياً للعدوان الصهيوني على الفلسطينيين والعرب فحسب، وإنما أساساً لأن الغرب، في نظر هؤلاء، هو دار الكفر المقابل لدار الإسلام.
تداعيات الفيلم المسيء للإسلام هي بمثابة المختبر السريع الذي أظهر أمرين على الأقل بجلاء لافت، أولهما قابلية القوى الإسلامية للتكيف مع مقتضيات واقعها الجديد، وقد أصبحت في الحكم، فهي، إذا اقتضى الأمر، على استعداد لأن تقوم بالدور نفسه الذي كانت الأنظمة التي أطيح بها تقوم به، كي تُقدم نفسها بصورة القوى ”العاقلة“ التي يُركن اليها في حفظ التوازنات الإقليمية المطلوبة، وأن تحرر نفسها من القماط الأيديولوجي السابق الذي كان يُخفي هذه القابلية، وغايتها من ذلك إفهام الغرب أن مصالحه ستكون في ”الحفظ والصون“، على يدها هي الأخرى، على نحو ما كان الحال قد جرى عليه قبل وصولها إلى الحكم، أما الأمر الثاني الذي أظهره هذا المختبر فهو الطابع المعقد لخريطة القوى الإسلامية، فحين اكتفى الإخوان المسلمون بالتنديد اللفظي بالفيلم، اندفع السلفيون نحو الشارع بعنف، فالقوى الإسلامية وإن كانت معجونة من صلصال واحد، فإنها، كظاهرة اجتماعية، تحتمل الحراك داخلها من تطرف نحو الاعتدال، ومن ”اعتدال“ مفترض نحو التطرف، وحسبنا هنا الإشارة إلى ما قاله مؤخراً أيمن الظواهري من أن رفيقه في قيادة ”القاعدة“ أسامة بن لادن كان في الأصل عضواً في جماعة ”الإخوان المسلمين“، وأن نستذكر في السياق ذاته قول الرئيس التونسي المنصف المرزوقي مؤخرأ أن السلفيين أظهروا أنهم أخطر مما توقعناه.
*********
[email protected]