زهير الخليدي
’’ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر’’[1] تصطف القوى الثورية والمنظمات الحقوقية والحركات الشبابية والطلابية اليوم في الطابور العالمي الأول لمناهضة الامبريالية والاستعمار رافضة ما يخلفه من فقر وتفاوت وبطالة وأمراض وغطرسة القوي على الضعيف وتلاعب بأرزاق الناس ومقدرات الأمة وثرواتها. ولكن الأمر المستعجل زمن الثورة العربية من أجل الكرامة والحرية والعدالة هو تزايد أيام الاحتجاجات وأسابيع المقاومة ضد الاعتداء على الطبيعة البشرية وتلويث المحيط وانتهاك البيئة وتجريف أديم الأريض واستغلال الانسان للانسان وذلك لاشتداد حدة التناقض مع قوى رأسمال العالمي واقتصاد السوق وتسارع نسق التصنيع والتسابق على تجريب الأسلحة وتطوير قدرات الانسان التدميرية ورفض الشعوب المضطهدة والشبيبة المسلمة للمشاريع والمخططات المبرمجة من طرف الصناديق المالية الدولية وتصاعد الأصوات السياسية تنادي بعولمة بدلية أكثر عدلا وانسانية.
من هذا المنطلق لو بحثنا في العلاقة بين الاسلام والامبريالية فإننا نجد بروز لمنطق الهيمنة والاختراق والاستقطاب ونعثر على علاقة احتواء وتحدي وصلت الى حد استعمار الغرب للشعوب المسلمة ومحاولة اخضاعها بالمنطق الحربي ولما تعثر ذلك المنهج وقع الاستنجاد بمنطق اقتصادي وثقافي للتوسع.اذا عرفنا الامبريالية من الناحية السوسيولوجية نجدها سياسة توسيع نطاق السيطرة على الوجود الخارجي وذلك بإقامة الامبراطوريات الاقتصادية والمحافظة عليها وتعني أعلى مراحل التطور الرأسمالي وهي حركة توسعية استعمارية يقوم بها المركز الغربي نحو مختلف أطراف العالم النامي الخارجة عن السلطة.تتكون الامبريالية من أنظمة سياسية وشركات تجارية عملاقة ومتعددة الاختصاصات ومن مراكز دراسات وبحث وتخطيط ومن أحلاف عسكرية ومنظومات اعلامية وتعتمد أسلوب الترهيب والترغيب.في حين أن الاسلام هو السلام وتسليم كامل من الانسان لله في كل تصريف شؤون الحياة، ويعني كذلك آخر الأديان السماوية الابراهيمية ينسخ لما قبله والنبي الذي بشر به هو خاتم الأنبياء والرسل ويأتي في مرتبة ثانية بعد المسيحية من حيث الانتشار في العالم ويرتكز على شريعة تطال جميع جوانب حياة الانسان وتسعى الى تدبير الوجود الاجتماعي وفق جملة من الأحكام والعقائد والمبادئ والسنن القرآنية.
والسنن القرآنية.ان التناقض بين الاسلام والامبريالية هو أمر بيّن وينتمي الى التباين الثقافي بين الشرق والغرب والى التنافس السيادي بين الشمال والجنوب على التعمير في الكوكب والى التدافع الاقتصادي والاجتماعي بين دول المركز ودول الأطراف وقد شخص صاموال هتنغنتون ذلك بكونه صداما حضاريا يجب أن تنصر فيه الحضارة الأمريكية وتعمم نموذج الدولة الليبرالية الديمقراطية واقتصاد السوق على بقية دول العالم.والغريب أن الامبريالية حسب عرابيها ليس من مصلحتها أن تعيد حضارة اقرأ ترتيب بيتها وبناء علومها وتستأنف راية المدنية ثانية ولا ترى فائدة في أن يظل الاسلام متماسكا ومحافظا على ذاته ومقوماته الرمزية والروحية بل يجب تفجير مدخراته على الممانعة وتشتيت جهوده نحو التطور والرقي وتذريته الى كيانات صغيرة وجسيمات وزرع بذور الفتنة وتغذية نيران الفرقة داخل جسد الأمة. على هذا النحو تحاول الامبريالية حسب سمير أمين عبر أنظمتها الرأسمالية ومؤسساتها غير الحكومية استعمال جماعات الاسلام السياسي في حربها على الأمة وذلك بدعوتها الى الانفتاح والمرونة وتطويعها لخدمة الأجندة الغربية وتبني خيارات اقتصادية ليبرالية والدخول في شراكة سياسية واقتصادية مع الدوائر المعولمة والتطبيع من الواقع وفي المقابل تواصل مراكز الدراسات صناعة الخوف من الاسلام وشيطنة العرب والتخويف من البديل الاسلامي باعتباره عودة الى الماضي وعلامة على تخلف وجمود.غير أن الاسلام هو واحد من حيث الجوهر ومن جهة رسالته الروحية والمدنية الى العالمين ولكنه متعدد من حيث القراءات التاريخية وتنوع الاجتهادات البشرية وكثير بحكم تغير السياقات الاجتماعية والثقافية والتوظيفات السياسية التي خضع لها في مختلف العصور ولذلك نجد من جهة قراءة رأسمالية للإسلام تخدم الأجندات الغربية وتنخرط في وعود العولمة وتحاول ارضاء الدوائر المالية الامبريالية ولكن من جهة ثانية هناك قراءة اجتماعية ثورية للإسلام تضعه في خدمة الشعب وتحوله الى أداة لمناهضة الرأسمالية والظلم والاستبداد وتعول عليه في مقاومة مؤامرات الصهيونية والتصدي الى مخاطر الامبريالية ونيتها السيئة تجاه الشعوب الفقيرة والمستضعفة في المعمورة. لكن أليس المطلوب هو ان يعمم التناقض ضد الامبريالية ليشمل القوى اليمينية المنبطحة والخادمة لها؟ان التشجيع على قيام تيار ثوري داخل الدائرة الاسلامية هو دعوة الى بلوغ درجة من الاشتراكية أكثر روحانية مثلما فعل سيد قطب في ’’العدالة الاجتماعية في الاسلام’’ وذلك بالجمع بين دمقرطة العروبة واليسار الجديد والتوفيق في الانتماء بين الدائرة الوطنية والانسانية التقدمية ويعطي الأولية الى حقوق الناس وواجبات الحكام ويحتكم الى الارادة الشعبية والاستحقاقات الثورية ويقطع مع البراغماتية والفساد.ان الحاضنة الطبيعية لهذا التيار الاسلامي الشعبي هو النقابات والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية وان قبلة التوجه هي نحو النضال الاجتماعي والمعارضة السياسية للتسلط والاحتكار والدفاع عن الكادحين ضد شجع الأغنياء والعقلية الربحية الانتفاعية لدى التجار والسماسرة والمرابين.ان أدوات مناهضة الامبريالية هي الدعوى والفتوى والتحريض وكذلك العمل التربوي الرسالي والفعل الثقافي الملتزم وتنضيج الوعي السياسي الراديكالي وتوسيع دائرة التحالف على أساس معاداة الاستكبار. ماهو مطلوب هو تحويل الاسلام السياسي الى تيار شعبي ثوري مناهض للاقتصاد السوق والتوجهات العولمية المتوحشة التي ما انفكت تعمل على تصدير الحروب والآفات الاقتصادية الى شعوب العالم.ان واجب علماء الاسلام اليوم هو احداث ثورة ثقافية وتحويل العقائد الى لاهوت ثورة ولاهوت تحرير ولاهوت تنمية ومقاومة والاعتبار من فرض الاسلام الزكاة وربطها بطهارة اليد من الشرك ورفضه لأكل المال بالباطل وتفريقه بين الهبة والصدقة وتأكيده على ضرورة ابرام العقود في الأعمال وكتابة الديون والايفاء بها وآداء الأمانات الى أهلها واعطاء حقوق العمال. لقد جاء في الذكر الحكيم:’’ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم.’’[2]من نافل القول التذكير بتجذر هذا الاتجاه في التاريخ الاسلامي وذلك نتيجة موافقة الشريعة لمبادئ المساواة الاجتماعية واعادة توزيع الثروة بما يضمن حقوق الفئات الأقل حظا ويجتث الفقر من جذوره. علاوة على ذلك يجدر العودة الى تجارب الاخاء والتعاون في الدعوة النبوية والى التعاليم الاجتماعية التكافلية في السنة الشريفة والى الامام علي ابن ابي طالب القائل:’’ لا تطلب الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق بل اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق’’والى ابنه الشهيد الحسين والقرامطة والمعتزلة والأباضية والزيدية وحركات التحرر الوطني من ربقة الاستعمار والى أبي ذر الغفاري الذي ’’ قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عاما في كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم أو محتكرة له.’’[3] ان آيتنا في ذلك ما حدّث به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من أن ’’الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار.’’ فهل يكون هذا الحديث مبدأ الاشتراكية الاسلامية التي نظر اليها المرحوم مصطفى السباعي في كتابه المنسي ’’اشتراكية الاسلام’’؟الاسلام’’؟ان المنطق الثوري في الاسلام يقتضي تجديد فلسفة التشريع التي قدست العمل وحللت البيع وحرمت الربا وذلك لتسن قوانين تشجع على العمل الصالح لخدمة المصلحة المشتركة وتقيم العدل الاجتماعي وتوزع الخيرات بالقسط وتحارب الملكية الخاصة والربح المشط وتكديس الثروات والفساد في المعاملات والغش في التجارة والاستخفاف بالصناعة والكسل عن الخدمات والأعمال التي فيها مصالح الناس ومقاومة الفساد وتأويل الآيات القرآنية الآتية باعتبارها مقدمات كبرى: ’’والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم’’[4] و’’يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وكهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون’’[5]. ألم يقل امام المعارضين ابي ذر الغفاري:’’ عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه’’؟ أليس من المنطقي أن يتعارض خط الاسلام الشعبي مع كل من يتحالف مع الدوائر الامبريالية وأن يكون على يسار القراءات الرأسمالية الزائفة للدين وفي مقدمة الجبهة العالمية المناهضة للاستعمار والعولمة المتوحشة؟
المرجع: خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، دار الفكر ، بيروت، طبعة أولى 2006.
’’ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر’’[1] تصطف القوى الثورية والمنظمات الحقوقية والحركات الشبابية والطلابية اليوم في الطابور العالمي الأول لمناهضة الامبريالية والاستعمار رافضة ما يخلفه من فقر وتفاوت وبطالة وأمراض وغطرسة القوي على الضعيف وتلاعب بأرزاق الناس ومقدرات الأمة وثرواتها. ولكن الأمر المستعجل زمن الثورة العربية من أجل الكرامة والحرية والعدالة هو تزايد أيام الاحتجاجات وأسابيع المقاومة ضد الاعتداء على الطبيعة البشرية وتلويث المحيط وانتهاك البيئة وتجريف أديم الأريض واستغلال الانسان للانسان وذلك لاشتداد حدة التناقض مع قوى رأسمال العالمي واقتصاد السوق وتسارع نسق التصنيع والتسابق على تجريب الأسلحة وتطوير قدرات الانسان التدميرية ورفض الشعوب المضطهدة والشبيبة المسلمة للمشاريع والمخططات المبرمجة من طرف الصناديق المالية الدولية وتصاعد الأصوات السياسية تنادي بعولمة بدلية أكثر عدلا وانسانية.
من هذا المنطلق لو بحثنا في العلاقة بين الاسلام والامبريالية فإننا نجد بروز لمنطق الهيمنة والاختراق والاستقطاب ونعثر على علاقة احتواء وتحدي وصلت الى حد استعمار الغرب للشعوب المسلمة ومحاولة اخضاعها بالمنطق الحربي ولما تعثر ذلك المنهج وقع الاستنجاد بمنطق اقتصادي وثقافي للتوسع.اذا عرفنا الامبريالية من الناحية السوسيولوجية نجدها سياسة توسيع نطاق السيطرة على الوجود الخارجي وذلك بإقامة الامبراطوريات الاقتصادية والمحافظة عليها وتعني أعلى مراحل التطور الرأسمالي وهي حركة توسعية استعمارية يقوم بها المركز الغربي نحو مختلف أطراف العالم النامي الخارجة عن السلطة.تتكون الامبريالية من أنظمة سياسية وشركات تجارية عملاقة ومتعددة الاختصاصات ومن مراكز دراسات وبحث وتخطيط ومن أحلاف عسكرية ومنظومات اعلامية وتعتمد أسلوب الترهيب والترغيب.في حين أن الاسلام هو السلام وتسليم كامل من الانسان لله في كل تصريف شؤون الحياة، ويعني كذلك آخر الأديان السماوية الابراهيمية ينسخ لما قبله والنبي الذي بشر به هو خاتم الأنبياء والرسل ويأتي في مرتبة ثانية بعد المسيحية من حيث الانتشار في العالم ويرتكز على شريعة تطال جميع جوانب حياة الانسان وتسعى الى تدبير الوجود الاجتماعي وفق جملة من الأحكام والعقائد والمبادئ والسنن القرآنية.
والسنن القرآنية.ان التناقض بين الاسلام والامبريالية هو أمر بيّن وينتمي الى التباين الثقافي بين الشرق والغرب والى التنافس السيادي بين الشمال والجنوب على التعمير في الكوكب والى التدافع الاقتصادي والاجتماعي بين دول المركز ودول الأطراف وقد شخص صاموال هتنغنتون ذلك بكونه صداما حضاريا يجب أن تنصر فيه الحضارة الأمريكية وتعمم نموذج الدولة الليبرالية الديمقراطية واقتصاد السوق على بقية دول العالم.والغريب أن الامبريالية حسب عرابيها ليس من مصلحتها أن تعيد حضارة اقرأ ترتيب بيتها وبناء علومها وتستأنف راية المدنية ثانية ولا ترى فائدة في أن يظل الاسلام متماسكا ومحافظا على ذاته ومقوماته الرمزية والروحية بل يجب تفجير مدخراته على الممانعة وتشتيت جهوده نحو التطور والرقي وتذريته الى كيانات صغيرة وجسيمات وزرع بذور الفتنة وتغذية نيران الفرقة داخل جسد الأمة. على هذا النحو تحاول الامبريالية حسب سمير أمين عبر أنظمتها الرأسمالية ومؤسساتها غير الحكومية استعمال جماعات الاسلام السياسي في حربها على الأمة وذلك بدعوتها الى الانفتاح والمرونة وتطويعها لخدمة الأجندة الغربية وتبني خيارات اقتصادية ليبرالية والدخول في شراكة سياسية واقتصادية مع الدوائر المعولمة والتطبيع من الواقع وفي المقابل تواصل مراكز الدراسات صناعة الخوف من الاسلام وشيطنة العرب والتخويف من البديل الاسلامي باعتباره عودة الى الماضي وعلامة على تخلف وجمود.غير أن الاسلام هو واحد من حيث الجوهر ومن جهة رسالته الروحية والمدنية الى العالمين ولكنه متعدد من حيث القراءات التاريخية وتنوع الاجتهادات البشرية وكثير بحكم تغير السياقات الاجتماعية والثقافية والتوظيفات السياسية التي خضع لها في مختلف العصور ولذلك نجد من جهة قراءة رأسمالية للإسلام تخدم الأجندات الغربية وتنخرط في وعود العولمة وتحاول ارضاء الدوائر المالية الامبريالية ولكن من جهة ثانية هناك قراءة اجتماعية ثورية للإسلام تضعه في خدمة الشعب وتحوله الى أداة لمناهضة الرأسمالية والظلم والاستبداد وتعول عليه في مقاومة مؤامرات الصهيونية والتصدي الى مخاطر الامبريالية ونيتها السيئة تجاه الشعوب الفقيرة والمستضعفة في المعمورة. لكن أليس المطلوب هو ان يعمم التناقض ضد الامبريالية ليشمل القوى اليمينية المنبطحة والخادمة لها؟ان التشجيع على قيام تيار ثوري داخل الدائرة الاسلامية هو دعوة الى بلوغ درجة من الاشتراكية أكثر روحانية مثلما فعل سيد قطب في ’’العدالة الاجتماعية في الاسلام’’ وذلك بالجمع بين دمقرطة العروبة واليسار الجديد والتوفيق في الانتماء بين الدائرة الوطنية والانسانية التقدمية ويعطي الأولية الى حقوق الناس وواجبات الحكام ويحتكم الى الارادة الشعبية والاستحقاقات الثورية ويقطع مع البراغماتية والفساد.ان الحاضنة الطبيعية لهذا التيار الاسلامي الشعبي هو النقابات والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية وان قبلة التوجه هي نحو النضال الاجتماعي والمعارضة السياسية للتسلط والاحتكار والدفاع عن الكادحين ضد شجع الأغنياء والعقلية الربحية الانتفاعية لدى التجار والسماسرة والمرابين.ان أدوات مناهضة الامبريالية هي الدعوى والفتوى والتحريض وكذلك العمل التربوي الرسالي والفعل الثقافي الملتزم وتنضيج الوعي السياسي الراديكالي وتوسيع دائرة التحالف على أساس معاداة الاستكبار. ماهو مطلوب هو تحويل الاسلام السياسي الى تيار شعبي ثوري مناهض للاقتصاد السوق والتوجهات العولمية المتوحشة التي ما انفكت تعمل على تصدير الحروب والآفات الاقتصادية الى شعوب العالم.ان واجب علماء الاسلام اليوم هو احداث ثورة ثقافية وتحويل العقائد الى لاهوت ثورة ولاهوت تحرير ولاهوت تنمية ومقاومة والاعتبار من فرض الاسلام الزكاة وربطها بطهارة اليد من الشرك ورفضه لأكل المال بالباطل وتفريقه بين الهبة والصدقة وتأكيده على ضرورة ابرام العقود في الأعمال وكتابة الديون والايفاء بها وآداء الأمانات الى أهلها واعطاء حقوق العمال. لقد جاء في الذكر الحكيم:’’ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم.’’[2]من نافل القول التذكير بتجذر هذا الاتجاه في التاريخ الاسلامي وذلك نتيجة موافقة الشريعة لمبادئ المساواة الاجتماعية واعادة توزيع الثروة بما يضمن حقوق الفئات الأقل حظا ويجتث الفقر من جذوره. علاوة على ذلك يجدر العودة الى تجارب الاخاء والتعاون في الدعوة النبوية والى التعاليم الاجتماعية التكافلية في السنة الشريفة والى الامام علي ابن ابي طالب القائل:’’ لا تطلب الخير من بطون جاعت ثم شبعت لأن الشح فيها باق بل اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باق’’والى ابنه الشهيد الحسين والقرامطة والمعتزلة والأباضية والزيدية وحركات التحرر الوطني من ربقة الاستعمار والى أبي ذر الغفاري الذي ’’ قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عاما في كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم أو محتكرة له.’’[3] ان آيتنا في ذلك ما حدّث به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من أن ’’الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار.’’ فهل يكون هذا الحديث مبدأ الاشتراكية الاسلامية التي نظر اليها المرحوم مصطفى السباعي في كتابه المنسي ’’اشتراكية الاسلام’’؟الاسلام’’؟ان المنطق الثوري في الاسلام يقتضي تجديد فلسفة التشريع التي قدست العمل وحللت البيع وحرمت الربا وذلك لتسن قوانين تشجع على العمل الصالح لخدمة المصلحة المشتركة وتقيم العدل الاجتماعي وتوزع الخيرات بالقسط وتحارب الملكية الخاصة والربح المشط وتكديس الثروات والفساد في المعاملات والغش في التجارة والاستخفاف بالصناعة والكسل عن الخدمات والأعمال التي فيها مصالح الناس ومقاومة الفساد وتأويل الآيات القرآنية الآتية باعتبارها مقدمات كبرى: ’’والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم’’[4] و’’يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وكهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون’’[5]. ألم يقل امام المعارضين ابي ذر الغفاري:’’ عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه’’؟ أليس من المنطقي أن يتعارض خط الاسلام الشعبي مع كل من يتحالف مع الدوائر الامبريالية وأن يكون على يسار القراءات الرأسمالية الزائفة للدين وفي مقدمة الجبهة العالمية المناهضة للاستعمار والعولمة المتوحشة؟
المرجع: خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، دار الفكر ، بيروت، طبعة أولى 2006.