مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
بوابة الرحيل لـ طارق كرمان(دراسة أدبية )
(عبد المنعم الشيباني)

هذه دراسة لقصيدة (بوابة الرحيل) للشاعر الشاب طارق كرمان..
القصيدة تشمل ستة خصائص أدبية بارزة كملامح للشاعر وكنقاط قوة للقصيدة.

لعله من المفيد الإيضاح والبيان -كتقديم للدراسة هذه- ان التجمع اليمني للإصلاح يزخر بعباقرة الشعر والأدب، المخضرمين منهم والشباب، والتيار الناشئ الجديد، حتى انك لا تصدق هذا التدفق الأدبي بتيارات ومدارس تكتب الشعر القديم والحديث، وهناك شاعرات كذلك، وهناك قاصون وقاصات لا حصر لهم، هذا على مستوى الأدب المكتوب بالعربية الفصحى، لم يتم رعايتهم ولا رعايتهن كما ينبغي حتى هذه اللحظة من قبل قيادة وتكوينات ومنظمات حزب الإصلاح بالرغم من بذل الجهود الطيبة والمشكورة هنا او هناك وهذا موضوع كان ولم يزل محل نقاش حول كيف يمكننا التعريف بادبائنا والنهوض بهم.. أبرز الشعراء الإصلاحيين الشباب على الأقل ممن يكتبون القصيدة الثورية على طريقة الشهيد محمد محمود الزبيري هما فؤاد الحميري وطارق كرمان..

قصيدة (بوابة الرحيل) للشاعر طارق كرمان من أجمل ما قرأتُ من الشعر العمودي الثوري (المعتدل) بلغة منطقية عقلانية تعكس تماماً -وبالضبط والتمام والدقة من غير زيادة أو نقصان- فكر وطرح التجمع اليمني للإصلاح خصوصاً وادبيات مدرسة الإخوان المسلمين بشكل عام كمدرسة فكرية عريقة في عالمنا العربي، تعكس القصيدة ذلك بكل سمات المنطق والطرح العاقل المعتدل والحوار الهادئ المسدد والتعبير الجماهيري المدروس بعقل ونضج واتزان مبالغ فيه، ولا غرو فالشاعر تربية المعاهد العلمية وتربية مدرسة الإصلاح انتماءً وفكراً ..فالخاصية الأولى البارزة للقصيدة :-

فكر وطرح التجمع اليمني للإصلاح المعتدل

يقولون في النقد الأدبي بشكل عام أن قوة تأثير القصيدة من قوة الصور والأخيلة والتحليقات المجنحة الا أن قوة وجمال وتأثير قصيدة (بوابة الرحيل) التي بين ايدينا من قوة الفكرة المباشرة الواضحة بحجة عقلية وفكر منطقي معتدل وموزون.

ادعو قيادة الاصلاح أن يضموا هذه القصيدة المعلقة الى أدبيات الإصلاح وتستحق بجدارة ابداعية ان تتلى على المحافل والمنابر الثورية وساحات الاعتصام ووواحات الحرية .

قوة وتأثير هذه القصيدة من قوة الفكرة لا قوة الصور والأخيلة، ومن كونها قصيدة مباشرة واضحة.. وقلتُ فيما سلف من المقالات الغابرة ’’ ليست المباشرة والوضوح دائماً عيباً في القصيدة ’’ واستشهدتُ بأشعار نزار قباني التي يغلب عليها المباشرة، ومع ذلك احب الجمهور قصائده وحفظوها عن ظهر قلب أكثر مما حفظوا لغيره من جهابذة الشعر المصور والمطرز بالأخيلة.

(بوابة الرحيل) تطرح بوضوح ومباشرة فكر الشاعر ورؤيته للتغيير كواحد من القيادات الشبابية في ساحة الحرية اليوم ودعوته للحاكم بالرحيل، ببيان من أرقى صور البيان ، ومنطق فكري لا يختلف عليه كل ذي لب وكل ذي عقل متزن ومنطق سليم.. ومن هنا أقول أن السمة الثانية لقصيدة( بوابة الرحيل) هي:-

المباشرة والوضوح كميزة للقصيدة لا كعيب فيها

هذه المباشرة تطرح أفكاراً سياسية عن الثورات التي بدأت من تونس ومصر وليبيا لإعادة الاعتبار للكرامة والحرية.. و تطرح أفكاراً لا صوراً ولا أخيلة، فلا ضرورة هنا للرمز والخيال، فالطرح طرح سياسيي عن الثورات وأهميتها، وطرح يحرض على التغيير والثورة، لكن البيان من أرقى صور البيان-كما قلت- وهي قصيدة ثورية مبدعة تستحق اسم معلقة

المباشرة هي السمة المسيطرة من اول بيت الى آخر بيت، جاء في صدر القصيدة مايلي

يـا رياحَ التغيير حُثِّي الغيارى فـي بلادي واستنفري استنفارا

من رُبى تونُسٍ ومن نيلِ مِصرٍ جِـئتِ كالنورِ ترشدين الحيارى

بـانتصارينِ أبـدلا كـلَّ يأسٍ في قلوبِ المستضعفين انتصارا

فـإذا بـالشعوب فـي كل قُطرٍ عـربـيٍّ مُـكَـبّلٍ تـتـبارى

بـسباقٍ حـامٍ على المرتِبِ الثا لِـثِ فـي ثـورةِ الكرامةِ دارا

ذكَــرَ الـليبيّون فيه أبـاهم عُـمرَ الـمختارَ العظيمَ افتخارا

مـسـتلذّين كُـلَّ طـلقة نـارٍ تـقذفُ الـقذّافيَّ خـزياً وعارا

فـاذكروا أيـها الـيمانون آبـا ئَـكُـمُ الـثـائرين والأحـرارا

سـرَقَ الـمفسدون ثـورتَهُم فل تـثِـبوا لاسـتـردادها ثُـوارا

سـرَقوها نـعم، ولم يترُكوا من هـا لـنا إلا الـعيدَ والـتذكارا

واسـتَبدّوا بالحُكم واستأثروا بال أمـرِ واسـتكبروا بـه استكبارا

الخاصية الثالثة روح وفكر محمد محمود الزبيري

أدعو كل محب للشعر أن يعود لقراءة أشعار الزبيري التي يحاكم فيها الطغاة سيجد فيها القارئ روح البيان الواضح والفكر الجلي والطرح المباشر والثورة القوية والثقة في الطرح والأصالة في الفكر .. لنأخذ مثلاً قصيدة الشهيد الزبيري (عودة الأمس) او (الكارثة) ولها اسماء أخرى استلهمها الناشرون والوراقون، القصيدة تحاكم رموز الفساد والإستبداد في ظل الحكم الجمهوري والتي استشهد الزبيري على إثرها، لم يقتله الملكيون من (آل حميد الدين) بل الملكيون من (آل فساد الجمهوريين) و(المرتزقة باسم الدين).. بعض ابيات (عودة الأمس) للزبيري:-

هذا هو السيفُ والميدانُ والفرسُ ** واليوم من امسهِ الرجعيُّ ينبجسُ

ما اشبه الليلةَ الشنعاء ببارحةٍٍ ** مرتْ واشنع من يهوي وينتكسُ

كأن وجه الدجى مرآة كارثةٍ ** يرتد فيها لنا الماضي وينعكسُ

....

وانتمُ نسخةٌ للظلم ثانيةٌ ** تداركتْ كل ماقد اهملوا ونسوا

انْ شئتمُ فاقتلوا من ليس يعجبكمْ ** او من ترون له في قربكمْ دنسُ

...

والحكم بالغصب رجعيٌّ نقاومه ** حتى وإنْ لبس الحكامُ مالبسوا

في عهد الزبيري كان حديث الإعلام العالمي والعربي عن تيارين هما التقدمية وتيار الرجعية أي الرجوع الى الوراء بتخلف وجاهلية حضارية، فالنظام الذي يكرس التخلف والفساد والجهل والجمود والتعصب كان يسمى نظاماً رجعياً، وعكسه النظام التقدمي الذي يأخذ بالحضارة والعلم والجديد في التطور العلمي.... أقول بموضوعية علمية لم أجد قصيدة تشبه روح وفكر وثورية الزبيري سوى قصيدة طارق كرمان(بوابة الرحيل) –على الأقل حتى هذه اللحظة.

قصيدة الزبيري مفادها أن الرجعية التي كانوا يلصقونها بحكم الإمامة عادت اليوم بثوب الجمهورية، فالجمهوريون الجدد ارتدوا عما كانوا ينادون به من النور والتقدم وصاروا أكثر رجعيةً وظلماً وفساداً واستبداداً من حكم الإمام نفسه.. لقد حاكم الزبيري بقصيدته المفسدين والمستبدين والقتلة باسم الجمهورية .. وأما (بوابة الرحيل)لـ طارق كرمان، فالقصيدة مع الجمهورية ولكن بروح العدالة، يحكم الشعب نفسه بحرية من غير استبداد ولا توريث، يحاكم الشاعرُ الرئيس ويحذره من التوريث لأبنائه وأقاربه ثم يدعوه للرحيل بسلام. قصيدة كرمان هذه ممزوجة بروح الشهيد محمد محمود الزبيري الذي حاكم (الطغاة الجمهوريين ممن انحرفوا بالثورة).. و في معلقته باسم شباب الحرية يحاكم الشاعر طارق كرمان الرئيس مفنداً ما يدعيه من منجزات وداعياً إياه الى الرحيل:-

يـا أبـا أحـمدَ المنادى زعيماً فـي يـمانٍ مُذْ ثلثِ قرنٍ توارى

طُـرُقاتِ الإزفـلتِ ليست نموّاً وبـناءُ الإسـمنت ليس ازدهارا

فـاقتصاد الـبلاد يـوماً فـيوماً مُـذ تـزَعّمتَ لا يَكُفّ انحدارا

تـحتَ إغـضائكَ المعاولُ فيها مـلأتْ أنـفُسَ الـعبادِ دمـارا

وتـغاضيكَ عـن جـرائِمِهمْ لم يَـكُ حِـلماً وإنـما اسـتهتارا

فـاحتمل ثـورَةَ الـشبابِ عليها أم تـوقَّعتَ أن يظلّوا صغارا؟!

لا تَـلُمنا إذِ انـتفضنا غِـضاباً كـثرةُ الـضَيمِ تـستفزّ الحِمارا

جُـلُّ من تحتَ حكمِكُم ولِدوا، لم يـجدوا فـي ظـلالِهِ استقرارا

ثُـلثُ قـرنٍ وهُم يزيدون يوماً بـعـدَ يـومٍ بـطالةً وافـتقارا

لـم يـكُنْ فـيها للمعيشةِ مسعىً لـهُمُ غـيرُ أن يـجافوا الديارا

وبَـقوا في دَوّامَة اليأسِ بينَ ال قـنصليّاتِ يـشتكونَ الـدّوارا

أمَـلاً فـي تـأشيرَةٍ هـيَ رِقٌّ وعُـبـودِيّةٌ تُـنـالُ اخـتيارا

فـإذا لـم يحظَوْا بها في جوازٍ جـاوزوا نحوها الحدود انتحارا

فـيُضامون حيثُ حلّوا اضطهاداً ويُـسامونَ في الشعوبِ احتقارا

فـأَتَتْ مـن مصرٍ وتونُسَ ريحٌ حُـرّةً تَـبعَثُ الأمـاني الكِبارا

فـرَمَوا أحـلامَ الهروب وهَبُّوا بـأيـاديهم يـهدمون الـجدارا

مُـقسِمي الـعهدَ لـلبلاد بأنْ لا يـتركوها فـي ما تعُاني فرارا

بـل يـعيشوا على ثراها كراماً أو يـمـوتوا لأجـلها أحـرارا

ولـهـذا أيــا عـليُّ أقـرُّوا لـك أنـت الرحيلَ عنها قرارا

فـلتدع هـذه الـحلولَ التي تغ ري بـهِنَّ الأحـزابَ لا الثّوّارا

عَزّ شأنُ الشبابِ عن أيِّ حزبٍ حـاكِمٍ أو مُـعارِضٍ أن يُـدارا

كُـل تلك الأحزابِ لم يعبئوا قَبْ لُ بـهِ.. أو يُـعطوه قطُّ اعتبارا

مـا تـبَنّوا هُـمُومَهُ يومَ ضعفٍ أفَـيحْكُونَ بـاسْمِهِ يـومَ ثارا؟

إنّـها ثـورةُ الـشبابِ لمن شا ء الـتحاقاً بـرَكْبِها لا اجترارا

ونـداء الرحيلِ لو كُنتَ تصغي صـارَ فـيها شـعيرةً لا شعارا

فـارْحلِ الآنَ، عاجلاً، هذه اللحْ ظـةَ، حـالاً، بسرعةٍ، وابتدارا

ارْحـلِ الآنَ لـو تكرّمتَ طوعاً ذاك خيرٌ من الرحيل اضطرارا

لا تـعِدنا بـأي شـيءٍ فـلَسنا مـستعدّينَ أن نـشيبَ انـتظارا

وكـفـانا تـعُـلّقاً بـسـرابٍ وكـفـانا لـلمخفقين اخـتبارا

والـقطارُ الذي وعدتَ به ارحل فـوقَهُ أنـتَ.. لا نـريد قطارا

وخُـذِ الـكهرباءَ إن شـئتَ إنّا سـنرى الـليلَ لو رحلتَ نهارا

لا تـراهن عـلى تـسلّحِ شعبي أو عـلى جـهلِهِ ولا تـتمارى

إنّ إيـمـانَهُ وحـكـمَتَهُ كــم بـهما الـجهلُ والسلاحُ توارى

وجنودُ الجيش الأشاوسُ هُم مَن سـوفَ يـحمونَهُ إذا ما استجارا

وانـهيارُ الـنظامِ لا تخشَ منهُ فـهو لـم يُـبْنَ بعدُ كي ينهارا

رايةُ الشعبِ أعطِها الشعبَ لا يح يــى ولا أحـمداً ولا عَـمّارا

بَـيْضَةُ الـحظِّ غـادرَتْكَم إلينا فـاحْسِم الأمـرَ حِسبةً لا قِمارا

الزبيري حاكمهم بصيغة الجمع المخاطب مثل: (أنتمُ) وبصيغة الجمع الغائب مثل: (لبسوا.. نبسوا. .. نسوا ..الخ) وأما طارق كرمان فقد كان أكثر مباشرةً من الزبيري اذ خاطب الرئيس باسمه (علي) مباشرةً وكنيته (ابا أحمد) وسمى اقاربه (يحيى وعمار ) وهي مباشرة معيبة الا في هذه القصيدة حيث غدت هذه المباشرة ميزة أكسبت النص روح التحدي والمجابهة والثورية والمحاكمة المباشرة للرئيس.

ومع ذلك، التزم الشاعر بأدبيات وأخلاق مدرسة الإخوان المسلمين بشكل عام واخلاق مدرسة الاصلاح بشكل خاص والتي تنص على (عدم تجريح الأسماء والهيئات والأشخاص) فالشاعر لم يهاجم شخص الرئيس بل افكار الرئيس ووعود الرئيس ومنجزاته الواهمة وهذا هو خلاصة ادبيات مدرسة الاصلاح في التعامل مع الخصوم والحكام كأخلاق ثابتة لا تتغير (نقد الأفكار وتجنب تجريح الأشخاص) بل يصح القول ان الشاعر حين خاطب الرئيس باسمه وكنيته – وهو يدعوه الى الرحيل- انما قصد اللين والتلطف والتقدير لعله يلين (لعله يتذكر او يخشى)...

(بوابة الرحيل) غنيةٌ ايضاً بالصور وثريةٌ بالأمثلة لتفنيد أعذار وحجج االرئيس وهي فوق كل ذلك برنامج سياسي وشعار لثورة الشباب الذين يئسوا من وعود الرئيس ورأوا – كما عبرت القصيدة وبحسب أفكار القصيدة ومحاورها- أنْ ليس له من منجزات سوى معاول هدم وسراب ووعود لا تصدق على أرض الواقع...

الخاصية الرابعة من قصيدة طارق كرمان (بوابة الرحيل) وهي تقنية الخطاب المضاد لخطاب السلطة

قبل ان اشرح هذه الخاصية اتوقف قليلاً عند ملاحظتين للقراء والقارئات الاعزاء.

الملاحظة الأولى: القصيدة التي بين ايدينا سياسية، تحمل فكراً سياسياً محدداً للشاعر، فلكل شاعر فكره السياسي والثقافي الذي يوجهه كأديب وهذا من البداهة بمكان، ولكن تعكس القصيدة بالدقة والتحديد منهج وخطاب التجمع اليمني للإصلاح- حسب دراستي -كتلميذ في مدرسة الإصلاح- محتوى الخطاب السياسي والتربوي والفكري لهذه المدرسة منذ ربيع المعاهد العلمية، بحيث لا يصدق هذا النص الا على سمات منهج الإصلاح كخطاب سياسي ثم فكري وتربوي، وهذا ينطبق أبداً وبدقة متناهية على أشعار الشاعر الشاب فؤاد الحميري صاحب الشعبية الكبيرة في اوساط جمهور الإصلاح (شاعر مؤتمرات ومهرجانات الإصلاح- سموه (شاعر الإصلاح) وطارق كرمان دون سواهما، وأما على مستوى الشعر الشعبي فالشاعر مجيب غنيم الخولاني الذي يترجم بشعره الرؤى السياسية لهذا التجمع.

الملاحظة الثانية: من خلال سبع سنوات قراءة للأدب الإنجليزي، لا يوجد في العالم كله شاعراً ولا أديباً ولاروائيا ًولا كاتباً مسرحياً مستتقلاً ومحرراً من الايديولوجية حتى وليام شيكسبير وبرناردشو وتشارليز ديكنز ودانيال دافو، فكلهم يكتبون من منطلق ايديولوجي عقدي، ولا تعجبوا إن قلت أن 80% على الأقل ممن يطلق عليهم عمالقة الأدب والنقد ورواد النظريات الأدبية في العالم هم أصلاً (يهود) بعقيدة صهيونية حربية توسعية تؤمن بحق اسرائيل في احتلال أرض العرب، والباقون موالون لفكرتهم التوسعية الحربية العدوانية أو مجاملون لأفكارهم أومتنازلون لمصلحة اهدافهم في العالم أو مؤيدون أو ساكتون مداهنون، لمعهم إعلام يهودي من عهد (تشاوسر)-أول باب في الأدب البريطاني وآخرين في الأدب الإمريكي ثم الروسي، كلهم يهود صهاينة ابرزهم للضوء إعلام يهودي عالمي كسادةً للعالم في الأدب والفكر والنقد والمسرح والرواية والشعر وعباقرة يفوزون دائماً بجائزة نوبل التي يشرف عليها مجلس يهودي متعصب يتدثر برداء العلمية والموضوعية...، وأدهشني شاعر وناقد من اليمن هو الدكتور عبد السلام الكبسي، يعتز بكل أشعاره بالهاشمية والهاشميين وبالشريف الرضي من دون المتنبي، كتبتُ عنه حلقةً بعنوان (مدخل الى الشريف الرضي عبد السلام الكبسي)، شاعر عقدي ومؤدلج غير أنه مبدع. ..

الفضائية العالمية الواسعة المحلقة للشاعر والأديب هي المطلوبة وهل يختلف على هذا أحد ! ولكن ربما يصدمك شيكسبير -الذي نحترمه ونقدره - حين تقرأ في إحدى مسرحياته سخريته من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إذ يقول في المقطع من المسرحية على لسان إحدى الشخوص :-( لقد كان محمداً يدرب الحمامة يضع لها الحب في أذنه ثم تأتي لتلتقطه، فيقول لأصحابه تلك الحمامة تأتيني بالوحي، فإنْ كان محمداً كان يدرب الحمامة لخداع أصحابه بفكرة الوحي فأنتِ يا حبيبتي تحتاجين أن أدرب من أجلكِ نسراً).

ًليس عيباً أن تكون شاعراً أيديولوجياً ولكن الأهم أن تكون مبدعاً، فقد كان علي الحلي شاعر البعث، وعبد الرزاق عبد الواحد شاعر صدام حسين، والقاص يوسف ادريس أديب القومية العربية، وغسان كنفاني روائي القضية الفلسطينية، وناجي العلي رسام كارتون القضية الفلسطينية والتحدي لسجون القمع العربي، ومحمود درويش شاعر المقاومة، وهاشم الرفاعي شاعر الإخوان المسلمين وأنيس منصور كاتباً موالياً للصهيونية بكل جرأة (كاتب السلام)، ومع ذلك ليس كل شاعر في الإصلاح يكتب بروح هذه المدرسة سوى الحميري وكرمان وقد أبدعا كشاعرين أيديولوجيين، وموقفي في هذه الدراسة إبراز هذه الخاصية الايديولجية الملتزمة ليس الا.. ولهذا يقال (اديب ملتزم)اي ملتزم بإبراز سمات المدرسة الفكرية التي ينتمي اليها.

أدب الهولوكوست المزعوم

اخترع اليهود قصة المحرقة النازية من نسيج مكرهم-قصة مفبركة لا أساس لها من الصحة- لابتزاز المانيا وأوربا وأسسوا أدباً مزعوماً (شعر ورواية ومسرح)يسمونه أدب الناجون من المحرقة، وهو أدب عالمي أيديولوجي صهيوني، مقرر إجباري على كل جامعات العالم بدون استثناء حتى أنهم أجبروا الأمم المتحدة أن تدرس هذا الأدب كتراث إنساني مقدس للشعوب- كما يزعمون، فرضوه فرضاً وهو كذبة من أوله الى آخره، أدب الهولوكست المزعزم شكل من أشكال العمل الدعائي العالمي بثوب أدبي عالمي لمصلحة اليهود الغاصبين التوسعيين.. فمن هو الأيديولوجي من هذا الفضاء العالمي الواسع ! أليس الأدب العالمي الغربي اليوم موجهاً من الصهاينة ’’ رواد الأدب وقادته وسادته’’- كما يقدمون أنفسهم ! من الأيديولوجي اذنْ!؟

مدرسة نقدية لقراءة قصيدة طارق كرمان

من وجهة نظر مدرسة نقدية معاصرة تسمى (مدرسة أدب ما بعد رحيل الإستعمار) فالخاصية الرابعة لقصيدة ’’بوابة الرحيل’’ هي تقنية الخطاب السياسي المقاوم والمضاد لخطاب الإستعمار أو السلطة أو القوة التابعة للإستعمار فالشاعر يرد على خطاب السلطة ممثلة بالرئيس بتقنية مضادة وخطاب مضاد ناسف. امثلة للخطاب المقاوم في القصيدة كالأبيات التالية:-

يـا أبـا أحـمدَ المنادى زعيماً فـي يـمانٍ مُذْ ثلثِ قرنٍ توارى

طُـرُقاتِ الإزفـلتِ ليست نموّاً وبـناءُ الإسـمنت ليس ازدهارا

فـاقتصاد الـبلاد يـوماً فـيوماً مُـذ تـزَعّمتَ لا يَكُفّ انحدارا

تـحتَ إغـضائكَ المعاولُ فيها مـلأتْ أنـفُسَ الـعبادِ دمـارا

وتـغاضيكَ عـن جـرائِمِهمْ لم يَـكُ حِـلماً وإنـما اسـتهتارا

فـاحتمل ثـورَةَ الـشبابِ عليها أم تـوقَّعتَ أن يظلّوا صغارا؟!

لا تَـلُمنا إذِ انـتفضنا غِـضاباً كـثرةُ الـضَيمِ تـستفزّ الحِمارا

جُـلُّ من تحتَ حكمِكُم ولِدوا، لم يـجدوا فـي ظـلالِهِ استقرارا

الفكرة النقدية هنا ببساطة أن السلطة في استعلائها تمثل امتداداً للقوة الإستعمارية، وللسلطة هذه خطاب وفكر وثقافة تحاول تقديمها للناس أو الشعوب أو الأمة ولكن ملامحها ملامح قوة واستعلاء وغطرسة وزيف وادعاء منجزات فيأتي الرد المقاوم كميكانيزم دفاعي ينسف خطاب القوة وثقافة منجزاتها.. ويمكنني-لو شئتُ- قراءة القصيدة من وجهة نظر مدارس نقدية عالمية أخرى مختلفة.

عبقرية القصيدة الكرمانية تتلخص بشيئ مهم ربما ينساه بعض الشعراء والأدباء وهو (حسن ودقة اختيار اللفظة بإيقاع لا يحسن البديل عنه الإتيان به)، تمر على مسامع القارئ والمستمع بانسيابية جمالية وسلاسة تعبيرية انيقة كأنها هي المطلوبة للمستمع والقارئ دون سواها.. الشاعر او الكاتب هو الذي يعرف متى واين يضع الكلمة بحيث تأتي تماماً في مكانها وبالضبط، دقة تحقق الفكرة والصورة والإيقاع... يقول الكاتب الروائي سلمان رشدي بما معناه ’’مهمة الأديب في بناء النص هي الأهم والأصعب لا يحسنها الا البناء الخبير’’.

عبقرية الشاعر نزار قباني-مثلاً- ليس في صورشعره المجنحة- فهو يكتب قصائد مباشرة- ولكن في جمال التعبير ونحت الألفاظ بحيث لو سقطت قصيدة ولو لم يكن عليها اسم شاعرها لقال الناس انها لنزار، وتجسدت عبقرية حسن ودقة وضع (الطوبة)الشعرية في مكانها المناسب بالتحديد والدقة والتمام في كل اشعار البردوني كمثال بارز لهذه الخاصية .. كيف يكون البناء للكلمات !! ما هي الكلمة التالية؟وكيف تحقق صفات الشاعرية وقوة الفكرة من غير تكلف. هذه هي بالتحديد عبقرية شاعرنا الشاب طارق كرمان في قصيدته (بوابة الرحيل)—قصيدة تتسم بالمباشرة ولكن دقة وضع(البلوك او الطوب) كلاً في مكانها الصحيح والمحدد والموزون حتى يبدو لك النص ابداع بناء محترف ماهر يعرف بالضبط كيف واين يضع اللبنة التالية واللبنة التي بعدها وهكذا.

السمة السادسة والأخيرة للنص

اما السمة السادسة والأخيرة للنص – من وجهة نظر هذه القراءة وهي خاصية تتعلق بتقنية الخطاب المضاد لخطاب السلطة- نجاح مرافعة الشاعر بلغة منطقية سياسية فندت الحجج التي يتذرع بها رئيس النظام لبقائه في السلطة، ولا تتوفر هذه الخاصية لأديب يعيش في الأبراج او اديب (مخزن قات في طيرمانة) بل لأديب وناشط سياسي وقيادي في اللجنة الشبابية الثورية، يعرف كيف يتكلم ويرد ويحاور ويبسط الكلام بمنطق سياسي سلس وواع وخبير بشؤون السياسة وبنفسية المستبدين، ثم ان (بوابة الرحيل) عنوان النص يضفي جمالاً شاعرياً جديداً للعبارة من جهة ولحتمية خروج الحاكم الفرد مدحوراً من جهة، فـ(الباب يفوت جمل) كما يقول المصريون.

والخلاصة فإن (بوابة الرحيل) اضافة جديدة الى ديوان شعر الثورات العربية التي تجري احداثها الآن، كنص بديع تم هندسة الفاظه ومعانيه بدقة رسخت جمال اللفظة وبساطة الفكرة بثورية هادئة ومحاورة منطقية مقنعة، لا يضارعها الا قصيدة الشاعر المصري الشاب عبد الرحمن يوسف وهو يخاطب فرعون مصر قبل رحيله .. نقطف من قصيدته ’’رسالة في فنون الضرب’’ ما يلي:-

اضرب فلسنا نخاف السّوط والوجعا

اضرب لأنك تبدو خائفاً جزعا

واضرب برأسك حيطاناً وأعمدة

واضرب بظلمك أحزاباً ومجتمعا

الضرب بالكف سهلٌ إن صبرت له

والضرب بالحرف دوماً يورث الهلعا

فاضرب بكفك طول الليل توأمها

حتى بدوت كمن في أهله فجعا

الضرب بالصفع في أرضي مخاطرة

كم قد رأينا مراراً صافعاً صُفعا

واضرب بليلك أخماساً لتسكتنا

ترى النتيجة صوت الحق مرتفعا

لا الضرب يجدي ولا الأجناد ترهبنا

كم ضاربٌ قد دفنّا بعدما قمعا

راقب خطاك فتلك الأرض ناقمة

والأرض تطرح دوماً جنس ما زُرعا

اليوم كل رجال الحق قد وقفت

هل فرق الضرب هذا الشمل أم جمعا؟

* شاعر وناقد يمني مقيم في الهند

[email protected]

*الصحوة نت
مقالات اخرى
أضافة تعليق