فداء السيد-خاص الوفاق
بعد سنوات طويلة من الخنوع والذل ومعاني الفساد والظلم الذي تعودها المواطن العربي عامة والسوري على وجه الخصوص والتي أضحت أمراً طبيعيا تعايش معه الجميع ووظفوا كل شعيرة عصبية وذهنية يمتلكونها للتعامل مع هذه المعاني المرهقة، بعد هذا وكثير من الإنزلاق الحضاري والتراجع الفكري والضعف التعليمي والتربوي والتجهيل بتاريخ الأمة السورية على مر عصور عرفنا فيها طعم الشراكة في صنع القرار وكنا جزء مهماً من أجزاء الإصلاح والتغيير وصنعنا تاريخاً يتباهي به الأحرار، الآن يعيد علينا الشباب ( الذي قيل عنه ما قيل من لزامات التخوين ) تلك الذكريات و يحملون رايات الحرية ويشعلون اجسامهم لتضئ بها أوطانهم، يغزون بهتافاتهم البيوت وتبتسم البسمة لزلزلة كرامتهم في أرجاء وطن امتلئت فيه السجون والمعتقلات دهراً.
إن سورية تعيش حلماً يعبق بنسيم تجدد في عروقها، ووروداً تفتحت على أشواك وحجارة ، وألوان الدماء أزهت وزهت ورمت بكل حقد وكره طائفي وراء الظهور، والشباب من تحت زناجير الدبابات وعلى وقع هدير الطائرات وأجسامهم منتوفة الشعر، مخترقة بأنواع سكاكين الشبيحة، ومن أمام مناظر الأشلاء والصيحات والآهات يصرخون من داخل داخلهم وبكل قناعة لا تهزها ريح عاصف: سلمية سلمية. يرفضون حتى مجرد حمل سكين صغير درء للمفسدة وجلباً للحرية البيضاء ولثورة الياسمين.
ومن هناك ومن بين هذه الصور الرائعة والتي ارتقت بنماذج الإنتفاضة ومعاني الثورة، نجد بين الصفوف صوراً أخرى يندى لها الجبين وتتقرح لها القلوب من تخوين للآخر وتحذير من فكر فلان وجماعة علان وحزب هذا وائتلاف ذاك. صرت أخاف أن أجلس إلى صديق فأسمع منه التحاذير المتحاذقة حول صفحة كذا على الفيسبوك أو شخصية كذا على التلفاز، أو يعطيني تقريراً مفصلا عن فلانة أو يخوفني من علانة … هذا عميل وهذه خائنة، وذاك متشدد وآخر متردد. هذا سرق جهد هذا، وفلان سطى على فكرة فلان. يا قوم في أي مستنقع يحاول النظام أن يوقعنا؟ وعلى أي ضفة سوف ترسوا سفننا إذا كنا على هذه الحالة المأساوية؟ (وأنا هنا لا أتهم احداً ولا أوعز بأفكاري إلى أحد، ولا أقصد بكلامي إلا من رأيت من نماذج والتي أتمنى أن تكون قليلة)، يا قوم أين الامانة التي تحملناها سوية منذ البداية؟ ألم نعهد إلى شبابنا في سورية أن نحميهم بأعيننا ونحصنهم بقلوبنا؟ فأين هذا مما يحدث اليوم من تخاصم وصل حد التفاجر؟ وأين هذا حقا مما ننشغل به اليوم؟ … جمعني يوماً لقاء مع مجموعة كبيرة من الناشطين في إحدى البلاد العربية ومنحني الإخوة كلمة ثم فسحة من الوقت لمناقشة أسئلة الحضور، أعجبني ذلك وقلت في نفسي: حان وقت النقاش -نقاش الأفكار والمشاريع- ، ولكن خاب ظني من السؤال الاول والذي كان ببساطة: ما رأيك بالناشط فلان؟، ثم أردفه بالسؤال عن الإعلامي فلان، وتكاثرت الأسئلة من بعده حول شخصيات كثيرة أحسب أنهم العاملون الوحيدون الذين أعرف على ا لساحة، صمت قليلا، ثم قلت لهم: يا شباب أهذا ما تحسنون؟ أهذا أفضل ما تقدمونه لثورة بلادكم؟ أهذا ما تنشغلون به في أوقات فراغكم؟، وما يفيدك يا صاحبي لو عرفت رأيي في فلان أو علان، ألم يجدر بك أن تفكر في مشروع ينقذ طفلا؟ أو يحمي أرملة؟ أو يضغط على المؤسسات الاعلامية والسياسية والتي بدورها سوف تضغط على النظام السوري؟ أو تشارك في توعية شارعك وحيك ومدينتك ؟ أو أو؟
ليس هذا هو الوقت المناسب لنختلف وليس هو كذلك الزمان المناسب لنقتتل على خلافات الهوى وطموحات الذات، بل علينا جميعا أن نفنى ويبقى الوطن، أن نذوب في كأس الوطن، أن نتنفس هواء الوطن، أن نموت في تابوت واحد، وندفن في قبر واحد على اختلاف أفكارنا وإيدلوجياتنا وإثنياتنا وأحزابنا وأدياننا وطوائفنا. ليس هذا هو وقت الكيد والمؤامرات واللف والدوران والضحك على الذقون بل هو وقت العمل والجد والاجتهاد بكل ما نملكه من طاقات ومواهب وأفكار ومشاريع لنهب الحياة لسورية الحبيبة والتي عاشت تحت ظل نظام دموي سفاك لأكثر من أربعين عاما. يؤلمني مثلا أن اجد أحد الشخصيات المعروفة إعلاميا يظهر على إحدى القنوات وعوضا عن استغلال الدقائق المعدودة التي تهبها الأقمار الصناعية بالحديث عن جرائم النظام وفضح مجازره والتأكيد على مطالب الشعب السوري، تجده وبكل أسف يرفع عقيرته عبر الشاشات لينتقد شخصية ما أو صفحة على الفيسبوك او إتحاد أو تنسيقيات او ائتلافات، بل شاهدت من قلل وسخر من إحدى الصفحات الفيسبوكية التي يتابعها يوميا ملايين الشرفاء والاعلاميين والسياسيين محذراً أي أحد من متابعتها، وهنا أقف مذهولاً متسائلاً وبشدة: يا فلان هل ارتحت الآن بصنيعك؟ هل كنت سندأ لمن يحتاجون السند؟ كيف تظن أهل سورية وهم يتابعونك الآن؟ ماذا سيكتب التاريخ يوما اذا ما سألناه عن حضورك الإعلامي واستغلالك لمثل هذه المواقف التي ينتظرها الآلاف؟، وقس على ذلك حالات رأيناها بام أعيننا ولولا تلك التقنية العالية التي نتمتع بها لظننت أن أحد زور هذا الفيديو أو حرفه ولكن للأسف هي الحقيقة المرة التي نأسف لها.
في الوقت الذي يستشهد فيه إخوان لنا في سورية ونسمع عن اعتقالات ضخمة لأصدقاء لنا، وتهجير لآلاف العوائل وتخويف لآلاف أخرى، وتعذيب وإرهاب ومحاصرة وتهديم للبيوت وغير ذلك من الويلات، في نفس هذا الوقت نجد من الشباب والشيوخ من يقف عند مشاكل صغيرة لا تذكر ومشاحنات تربئ بها الثورة وتقفز فوقها هامة الزمن ومسؤوليتنا أمام الله والوطن، فإلى متى يا أصدقاء المرحلة وزملاء الملحمة؟ أغلقوا محاكم التفتيش في قلوبكم تجاه إخوانكم وأصدقائكم ومدوا لهم اليد واتفقوا حول الأهم، أما المهم فله وقته، وإن الفطنة أن تميز بين الأهم فالمهم، وأن تعرف لهذا قدره ولذلك قدره، إن داحس والغبراء لمنوطة بالنظام السوري لا بنا ولا بيننا.
حان وقت العمل الجاد من أجل غد رائع ونور ساطع سوف يجعلنا وأولادنا بذرة المستقبل والحرية التي لن ينازعنا فيها أحد بعد اليوم… يا شباب: حان وقت العمل واتركوا الخلاف
فداء السيد
بعد سنوات طويلة من الخنوع والذل ومعاني الفساد والظلم الذي تعودها المواطن العربي عامة والسوري على وجه الخصوص والتي أضحت أمراً طبيعيا تعايش معه الجميع ووظفوا كل شعيرة عصبية وذهنية يمتلكونها للتعامل مع هذه المعاني المرهقة، بعد هذا وكثير من الإنزلاق الحضاري والتراجع الفكري والضعف التعليمي والتربوي والتجهيل بتاريخ الأمة السورية على مر عصور عرفنا فيها طعم الشراكة في صنع القرار وكنا جزء مهماً من أجزاء الإصلاح والتغيير وصنعنا تاريخاً يتباهي به الأحرار، الآن يعيد علينا الشباب ( الذي قيل عنه ما قيل من لزامات التخوين ) تلك الذكريات و يحملون رايات الحرية ويشعلون اجسامهم لتضئ بها أوطانهم، يغزون بهتافاتهم البيوت وتبتسم البسمة لزلزلة كرامتهم في أرجاء وطن امتلئت فيه السجون والمعتقلات دهراً.
إن سورية تعيش حلماً يعبق بنسيم تجدد في عروقها، ووروداً تفتحت على أشواك وحجارة ، وألوان الدماء أزهت وزهت ورمت بكل حقد وكره طائفي وراء الظهور، والشباب من تحت زناجير الدبابات وعلى وقع هدير الطائرات وأجسامهم منتوفة الشعر، مخترقة بأنواع سكاكين الشبيحة، ومن أمام مناظر الأشلاء والصيحات والآهات يصرخون من داخل داخلهم وبكل قناعة لا تهزها ريح عاصف: سلمية سلمية. يرفضون حتى مجرد حمل سكين صغير درء للمفسدة وجلباً للحرية البيضاء ولثورة الياسمين.
ومن هناك ومن بين هذه الصور الرائعة والتي ارتقت بنماذج الإنتفاضة ومعاني الثورة، نجد بين الصفوف صوراً أخرى يندى لها الجبين وتتقرح لها القلوب من تخوين للآخر وتحذير من فكر فلان وجماعة علان وحزب هذا وائتلاف ذاك. صرت أخاف أن أجلس إلى صديق فأسمع منه التحاذير المتحاذقة حول صفحة كذا على الفيسبوك أو شخصية كذا على التلفاز، أو يعطيني تقريراً مفصلا عن فلانة أو يخوفني من علانة … هذا عميل وهذه خائنة، وذاك متشدد وآخر متردد. هذا سرق جهد هذا، وفلان سطى على فكرة فلان. يا قوم في أي مستنقع يحاول النظام أن يوقعنا؟ وعلى أي ضفة سوف ترسوا سفننا إذا كنا على هذه الحالة المأساوية؟ (وأنا هنا لا أتهم احداً ولا أوعز بأفكاري إلى أحد، ولا أقصد بكلامي إلا من رأيت من نماذج والتي أتمنى أن تكون قليلة)، يا قوم أين الامانة التي تحملناها سوية منذ البداية؟ ألم نعهد إلى شبابنا في سورية أن نحميهم بأعيننا ونحصنهم بقلوبنا؟ فأين هذا مما يحدث اليوم من تخاصم وصل حد التفاجر؟ وأين هذا حقا مما ننشغل به اليوم؟ … جمعني يوماً لقاء مع مجموعة كبيرة من الناشطين في إحدى البلاد العربية ومنحني الإخوة كلمة ثم فسحة من الوقت لمناقشة أسئلة الحضور، أعجبني ذلك وقلت في نفسي: حان وقت النقاش -نقاش الأفكار والمشاريع- ، ولكن خاب ظني من السؤال الاول والذي كان ببساطة: ما رأيك بالناشط فلان؟، ثم أردفه بالسؤال عن الإعلامي فلان، وتكاثرت الأسئلة من بعده حول شخصيات كثيرة أحسب أنهم العاملون الوحيدون الذين أعرف على ا لساحة، صمت قليلا، ثم قلت لهم: يا شباب أهذا ما تحسنون؟ أهذا أفضل ما تقدمونه لثورة بلادكم؟ أهذا ما تنشغلون به في أوقات فراغكم؟، وما يفيدك يا صاحبي لو عرفت رأيي في فلان أو علان، ألم يجدر بك أن تفكر في مشروع ينقذ طفلا؟ أو يحمي أرملة؟ أو يضغط على المؤسسات الاعلامية والسياسية والتي بدورها سوف تضغط على النظام السوري؟ أو تشارك في توعية شارعك وحيك ومدينتك ؟ أو أو؟
ليس هذا هو الوقت المناسب لنختلف وليس هو كذلك الزمان المناسب لنقتتل على خلافات الهوى وطموحات الذات، بل علينا جميعا أن نفنى ويبقى الوطن، أن نذوب في كأس الوطن، أن نتنفس هواء الوطن، أن نموت في تابوت واحد، وندفن في قبر واحد على اختلاف أفكارنا وإيدلوجياتنا وإثنياتنا وأحزابنا وأدياننا وطوائفنا. ليس هذا هو وقت الكيد والمؤامرات واللف والدوران والضحك على الذقون بل هو وقت العمل والجد والاجتهاد بكل ما نملكه من طاقات ومواهب وأفكار ومشاريع لنهب الحياة لسورية الحبيبة والتي عاشت تحت ظل نظام دموي سفاك لأكثر من أربعين عاما. يؤلمني مثلا أن اجد أحد الشخصيات المعروفة إعلاميا يظهر على إحدى القنوات وعوضا عن استغلال الدقائق المعدودة التي تهبها الأقمار الصناعية بالحديث عن جرائم النظام وفضح مجازره والتأكيد على مطالب الشعب السوري، تجده وبكل أسف يرفع عقيرته عبر الشاشات لينتقد شخصية ما أو صفحة على الفيسبوك او إتحاد أو تنسيقيات او ائتلافات، بل شاهدت من قلل وسخر من إحدى الصفحات الفيسبوكية التي يتابعها يوميا ملايين الشرفاء والاعلاميين والسياسيين محذراً أي أحد من متابعتها، وهنا أقف مذهولاً متسائلاً وبشدة: يا فلان هل ارتحت الآن بصنيعك؟ هل كنت سندأ لمن يحتاجون السند؟ كيف تظن أهل سورية وهم يتابعونك الآن؟ ماذا سيكتب التاريخ يوما اذا ما سألناه عن حضورك الإعلامي واستغلالك لمثل هذه المواقف التي ينتظرها الآلاف؟، وقس على ذلك حالات رأيناها بام أعيننا ولولا تلك التقنية العالية التي نتمتع بها لظننت أن أحد زور هذا الفيديو أو حرفه ولكن للأسف هي الحقيقة المرة التي نأسف لها.
في الوقت الذي يستشهد فيه إخوان لنا في سورية ونسمع عن اعتقالات ضخمة لأصدقاء لنا، وتهجير لآلاف العوائل وتخويف لآلاف أخرى، وتعذيب وإرهاب ومحاصرة وتهديم للبيوت وغير ذلك من الويلات، في نفس هذا الوقت نجد من الشباب والشيوخ من يقف عند مشاكل صغيرة لا تذكر ومشاحنات تربئ بها الثورة وتقفز فوقها هامة الزمن ومسؤوليتنا أمام الله والوطن، فإلى متى يا أصدقاء المرحلة وزملاء الملحمة؟ أغلقوا محاكم التفتيش في قلوبكم تجاه إخوانكم وأصدقائكم ومدوا لهم اليد واتفقوا حول الأهم، أما المهم فله وقته، وإن الفطنة أن تميز بين الأهم فالمهم، وأن تعرف لهذا قدره ولذلك قدره، إن داحس والغبراء لمنوطة بالنظام السوري لا بنا ولا بيننا.
حان وقت العمل الجاد من أجل غد رائع ونور ساطع سوف يجعلنا وأولادنا بذرة المستقبل والحرية التي لن ينازعنا فيها أحد بعد اليوم… يا شباب: حان وقت العمل واتركوا الخلاف
فداء السيد