الحصاد القادم للثورات العربية * اسامة الشريف
اسامة الشريف
الاختبار الحقيقي لثورتي مصر وتونس سيأتي في نهاية هذا العام، اي عندما تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية في كل من البلدين في اجواء من الشفافية والديمقراطية والتعددية السياسية ليتاح للناخب ان يقول كلمته. هناك مخاوف من أن يكون حصاد الديمقراطيات حديثة العهد في كل من البلدين مرا. في مصر التي تجري انتخاباتها في ديسمبر يعبر بعض المراقبين عن تخوفهم من اكتساح الاخوان المسلمين والسلفيين لمقاعد البرلمان وتفردهم بالسلطة لانهم حتى الآن الافضل تنظيما والاكثر تأثيرا على مزاج الشارع الذي لا يزال يعيش اجواء انتصار الثورة وملاحقة اركان النظام البائد.
وفي تونس هناك مخاوف من تأجيل موعد الانتخابات مرة ثانية بينما تتفاقم الازمة بين الرئيس وعدد من الاحزاب وعلى رأسها حزب النهضة الاسلامي والذي حذر زعيمه راشد الغنوشي مؤخرا من قوى ظلامية تستهدف حزبه وتعمل على اجهاض الثورة وتمهيد الطريق لعودة النظام القديم من خلال احزاب جديدة وشخصيات نافذة من عهد بن علي.
بعد الاطاحة بنظامي الحكم في مصر وتونس، يكمن التحدي الأكبر للثورتين في تحقيق الانتقال السلس الى حكم ديمقراطي تعددي يستند الى التداول السلمي للسلطة والاحتكام الى الشعب وخلق مجتمع مدني يعترف بالمواطنة والمساواة وحكم القانون كمكونات اساسية للدولة. بين موعد الانتخابات واللحظة الحالية، قد تنقلب الامور وتأخذ منحى آخر، بينما ستحدد النتائج حجم المسافة بين الطموح والواقع.
منذ عهود الاستقلال الحديثة، لم تنجح اي دولة عربية في تحقيق هذا الانتقال الديمقراطي رغم اقتراب بعضها من ذلك وابتعاد اخرين. ورغم الحديث المتكرر عن الاصلاح السياسي في دول تجنبت حتى الآن مخاض الثورات وحمى الربيع العربي الا ان مسار الانتقال الآمن لا يبدو جليا. وهناك اسئلة مشروعة حول قدرة الاسلاميين في منطقتنا على الانخراط في هذا المسار والقبول بنتائجه خاصة فيما يتعلق بالتداول السلمي للسلطة والاعتراف بحقوق المواطنة. لم تسنح الفرصة لأي من الحركات الاسلامية في المنطقة العربية، والتي كانت تشكل الخط الأول للمعارضة السياسية في كثير من الاحيان، لممارسة الحكم والاحتكام الى صندوق الاقتراع. ولا يمكن الاستخفاف بمخاوف اللاعبين الآخرين على الساحة من احزاب وقوى قومية واشتراكية وليبرالية وغيرها من احتكار الاسلاميين للسلطة ان هم وصلوا اليها بشكل ديمقراطي.
نجاح مصر، او فشلها، في تحقيق هذا الانتقال الديمقراطي بمراحله المختلفة سيكون بمثابة الحكم على الثورات العربية ومستقبل المنطقة. ولا ضير، ربما، في فوز الاخوان بشكل ديمقراطي هناك ولكن الامتحان الحقيقي يكمن في قدرتهم على المشاركة وتسيير امور الدولة والتعامل مع العالم بعيدا عن الانغلاق والتخندق والتطرف.
النموذج الأقرب للعالم العربي لامتثال حزب اسلامي لقواعد اللعبة الديمقراطية هو في تركيا العلمانية ممثلا بحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب اردوغان. لكن وصول تركيا الى اللحظة السياسية الراهنة استغرق عقودا طويلة تقلبت فيها الحظوظ وتغيرت فيها المسارات والرؤى.
بينما ننتظر انطلاق قطار الاصلاح في الدول التي تجنبت حتى الآن مسار الثورات الشعبية، ننظر بأمل وقلق نحو مصر وتونس. لم تصل الثورة الشعبية في كل من هذين البلدين محطتها النهائية بعد، والاشهر القادمة ستكون حاسمة ومصيرية للمنطقة ككل.
*الدستور
اسامة الشريف
الاختبار الحقيقي لثورتي مصر وتونس سيأتي في نهاية هذا العام، اي عندما تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية في كل من البلدين في اجواء من الشفافية والديمقراطية والتعددية السياسية ليتاح للناخب ان يقول كلمته. هناك مخاوف من أن يكون حصاد الديمقراطيات حديثة العهد في كل من البلدين مرا. في مصر التي تجري انتخاباتها في ديسمبر يعبر بعض المراقبين عن تخوفهم من اكتساح الاخوان المسلمين والسلفيين لمقاعد البرلمان وتفردهم بالسلطة لانهم حتى الآن الافضل تنظيما والاكثر تأثيرا على مزاج الشارع الذي لا يزال يعيش اجواء انتصار الثورة وملاحقة اركان النظام البائد.
وفي تونس هناك مخاوف من تأجيل موعد الانتخابات مرة ثانية بينما تتفاقم الازمة بين الرئيس وعدد من الاحزاب وعلى رأسها حزب النهضة الاسلامي والذي حذر زعيمه راشد الغنوشي مؤخرا من قوى ظلامية تستهدف حزبه وتعمل على اجهاض الثورة وتمهيد الطريق لعودة النظام القديم من خلال احزاب جديدة وشخصيات نافذة من عهد بن علي.
بعد الاطاحة بنظامي الحكم في مصر وتونس، يكمن التحدي الأكبر للثورتين في تحقيق الانتقال السلس الى حكم ديمقراطي تعددي يستند الى التداول السلمي للسلطة والاحتكام الى الشعب وخلق مجتمع مدني يعترف بالمواطنة والمساواة وحكم القانون كمكونات اساسية للدولة. بين موعد الانتخابات واللحظة الحالية، قد تنقلب الامور وتأخذ منحى آخر، بينما ستحدد النتائج حجم المسافة بين الطموح والواقع.
منذ عهود الاستقلال الحديثة، لم تنجح اي دولة عربية في تحقيق هذا الانتقال الديمقراطي رغم اقتراب بعضها من ذلك وابتعاد اخرين. ورغم الحديث المتكرر عن الاصلاح السياسي في دول تجنبت حتى الآن مخاض الثورات وحمى الربيع العربي الا ان مسار الانتقال الآمن لا يبدو جليا. وهناك اسئلة مشروعة حول قدرة الاسلاميين في منطقتنا على الانخراط في هذا المسار والقبول بنتائجه خاصة فيما يتعلق بالتداول السلمي للسلطة والاعتراف بحقوق المواطنة. لم تسنح الفرصة لأي من الحركات الاسلامية في المنطقة العربية، والتي كانت تشكل الخط الأول للمعارضة السياسية في كثير من الاحيان، لممارسة الحكم والاحتكام الى صندوق الاقتراع. ولا يمكن الاستخفاف بمخاوف اللاعبين الآخرين على الساحة من احزاب وقوى قومية واشتراكية وليبرالية وغيرها من احتكار الاسلاميين للسلطة ان هم وصلوا اليها بشكل ديمقراطي.
نجاح مصر، او فشلها، في تحقيق هذا الانتقال الديمقراطي بمراحله المختلفة سيكون بمثابة الحكم على الثورات العربية ومستقبل المنطقة. ولا ضير، ربما، في فوز الاخوان بشكل ديمقراطي هناك ولكن الامتحان الحقيقي يكمن في قدرتهم على المشاركة وتسيير امور الدولة والتعامل مع العالم بعيدا عن الانغلاق والتخندق والتطرف.
النموذج الأقرب للعالم العربي لامتثال حزب اسلامي لقواعد اللعبة الديمقراطية هو في تركيا العلمانية ممثلا بحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب اردوغان. لكن وصول تركيا الى اللحظة السياسية الراهنة استغرق عقودا طويلة تقلبت فيها الحظوظ وتغيرت فيها المسارات والرؤى.
بينما ننتظر انطلاق قطار الاصلاح في الدول التي تجنبت حتى الآن مسار الثورات الشعبية، ننظر بأمل وقلق نحو مصر وتونس. لم تصل الثورة الشعبية في كل من هذين البلدين محطتها النهائية بعد، والاشهر القادمة ستكون حاسمة ومصيرية للمنطقة ككل.
*الدستور