مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الثورات العربية: جلد المستعمر وعجز الثقة
وليد وصل المغامسي / كاتب
نشرت جريدة الأهرام في تاريخ 15 /3/2011م، أن الإدارة الأمريكية سارعت بعد نجاح الثورة إلى زيادة المعونة لمصر بمقدار 60 مليون دولار، وتخصيص 150 مليون دولار لدعم التحرك الديمقراطي المصري في الموازنة الجديدة.وفي نفس السياق أعلن الرئيس الأمريكي إلغاء الديون المترتبة على مصر، وكذلك الإيعاز إلى البنك الدولي وصندوق النقد بتقديم قروض إلى كل من مصر وتونس، - ويا للمفاجئة - سرعان ما استجيب للطلب خلال قمة «الثماني الكبار» في «منتجع دوفيل»، فتقرر ــ مبدئيا ــ أن يقدم الغرب رزمة مساعدات على شكل قروض وهبات ومنح بمليارات الدولارات (بين 20 و40 مليارا) للدولتين، وعلى مدىً زمني مفتوح.

الخلاصة من هذا كله، أن عصابة المافيا الدولية، بعد الإفاقة من صدمة ثورتي تونس ومصر، استجمعوا أفكارهم وقواهم ووكلاءهم المعتمدين، وتآمروا على سرقة هاتين الثورتين من أيدي الشعوب، وتداعوا على خطف الثورة الليبية من خلال التدخل العسكري الدولي، وتواصوا على نسف الثورة اليمنية عبر المبادرات المشبوهة، وتذاكوا على وأد الثورة السورية

الملفت في الأمر أن تلك الوعود مشروطة بـ’’التنمية والإصلاح’’؛ وسَمّوا ذلك ’’شراكة دوفيل’’!!


وهنا تثور علينا أسئلة من كل حدب وصوب ؟؟!!
ما هو تفسير وإعراب كلمة التنمية والإصلاح ؟!
وما هذا الكرم الحاتمي من قبل أمريكا والاتحاد الأوربي و مناوئي الثورات العربية لهذه الدول التي انتصرت فيها الشعوب على الأنظمة، على الأقل في الجولة الأولى؟!


هل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية جمعية خيرية دولية مهتمّة بحقوق الإنسان في العالم؟!


أم أنها استحالت إلى منظمة دولية تدعم حركات التغيير ونصرة حقوق الشعوب المقهورة ؟!


أم أن الثماني الكبار الذين اجتمعوا في منتجع دوفيل يمثلون جمعيات خيرية تبتغي وجه الله والدار الآخرة فيما تنفق؟!


باختصار شديد ما هي الأهداف الحقيقية لهذه المساعدات السخية؟


الطريف في الأمر أن دول الخليج ستتكفل بالجانب المهم والحقيقي من هذه المساعدات كالسيولة النقدية وغيرها، أما بقية المساعدات فهي إما قروض على المدى الطويل أو تمويل مشروط يذهب لبعض المنظمات المشبوهة.


في هذا الصدد — كذبة المساعدات الغربية - تذكر الكاتبة فيليسيتي لورينس في مقال لها نشرته صحيفة ذي غارديان البريطانية (أن المساعدات الإنسانية الأميركية هي أشبه بخطة مارشال حديثة إذ دائما ما تأتي مرفقة بمطالب معينة، وهي مصممة لدعم شركات الصناعة والتجارة والزراعة والنقل الأميركية ).


والعجيب في الأمر كذلك أن إسرائيل ساهمت في إقناع الإدارة الأمريكية بالمسارعة في تقديم هذه المساعدات.


دعونا لا نستطرد كثيرا ونحاول الإجابة على الأسئلة الثائرة آنفا دون حمولات سابقة، أو تجنٍ فاقع، أو تلفع بهاجس المؤامرة.


وإلا فالجميع يعلم - حتى غليظ الذهن وعريض الوساد - أن الغرب لا يدفع بنسا واحدا في أي مكان في العالم إلا إذا ضمن أن يعود إليه بنسات ودولارات ومكاسب هائلة.


حسنا... لنشاهد معا ثلاثة مشاهد أو لقطات - مملة قليلا لكنها تحمل في طياتها وثناياها ملامح الإجابة - سمح الرقيب بظهورها أو ظهرت رغما عنه؛ وهي جزء من أفلام ومسلسلات طويلة تحاك وتنسج خلف الكواليس المظلمة وفي الدهاليز القذرة وما خفي كان أعظم.


المشهد الأول :


عقدت لجنة الاستخبارات الفرعية حول الإرهاب ومكافحة التجسس في مجلس النواب الأميركي في 13 ابريل 2011، جلسة حول الانتخابات المصرية القادمة والحكومة التي قد تنشأ عنها.


واستمعت فيها إلى توصيات ’’روبرت ساتلوف’’ مدير ’’معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى’’ وهو المؤسسة الفكرية للوبي الصهيوني في واشنطن..


وقد نصح ساتلوف الحكومة الأميركية أن تبين للمصريين بل وتحذرهم من أنها ستقبل فقط التعامل مع حكومة لها مواصفات معينة، ومفصلة على حسب المصالح الصهيوأمريكية.


حسنا ما هي المواصفات القياسية التي تريدها يا ساتلوف في الحكومة المصرية ؟!


يحدد ساتلوف بكل وقاحة المواصفات بالنقاط التالية :


• احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل وتوسيع السلام في المنطقة ليشمل دولا أخر.


• تحقيق الالتزامات الدولية بما في ذلك حرية الملاحة في قناة السويس.


• الاعتراف بتقسيم السودان.


• الشراكة الثنائية مع الولايات المتحدة لدعم الأمن والسلام في الشرق الأوسط وأفريقيا والبحر المتوسط.


وحث ساتلوف الإدارة الأمريكية على ممارسة الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر لثنيه عن تمرير قوانين انتخابية قد تسمح بوصول إسلاميين إلى الحكم في مصر.


المشهد الثاني:


يذكر المفكر فهمي هويدي في إحدى مقالته أن وزارة الخارجية الفرنسية وجهت دعوة إلى ستة من شباب التجمعات السياسية التي شاركت في الثورة؛ لحضور ندوة في باريس تحت عنوان ’’التطورات التي شهدها العالم العربي’’، وكان بينهما اثنان أحدهما يمثل الإخوان المسلمين والثاني عن حزب الوسط؛ وقبل الندوة التي نظمتها الخارجية الفرنسية تمت دعوة ثلاثة من الشبان المصريين من جانب حزب ساركوزى الحاكم (الاتحاد من أجل الحركة الشعبية) للتعرف على أمانات الحزب والحوار مع ممثليه، فيما وصف لاحقا في الصحافة الفرنسية بأنه «تدريب لشباب الثورة في مصر». وكان ممثل حزب الوسط أحد الثلاثة، في حين استبعد ممثل الإخوان من هذا البرنامج.


في هذه الجولة التقى الشبان الثلاثة بعض كوادر الحزب، وفي المقدمة منهم شخصيتان مهمتان، إحداهما ’’فالارى هوتنبرج’’ وهى يهودية تعمل سكرتيرة للرئيس ’’ساركوزي’’ لشئون العلاقات العامة والأحزاب، و’’جان فرانسوا كوبيه’’ الأمين العام للحزب.


خلال اللقاءات جرت حوارات حول التجربة في فرنسا وحول الأوضاع والتطورات الأخيرة في العالم العربي ومصر بوجه أخص؛ وتطرق الحديث إلى الحماس الفرنسي للتطور الديمقراطي والنشاط الأهلي في مصر، واستعداد الحكومة الفرنسية لتقديم مختلف صور العون للجماعات السياسية التي ظهرت أثناء الثورة.


ثم عبر كل من السيدة فالارى والسيد كوبيه عن رغبة الحكومة والحزب الحاكم في التعاون مع الأطراف التي تتبنى أربع قضايا أساسية هي:


• علمانية الدولة المصرية.


• تأييد معاهدة كامب ديفيد والدفاع عن السلام مع إسرائيل.


• معارضة سياسة حركة حماس «الإرهابية».


• الاصطفاف إلى جانب التيارات السياسية التي تتحالف ضد جماعة الإخوان المسلمين، لإضعاف أي حضور لها في المستقبل السياسي لمصر.


المشهد الثالث:


أظهرت وثيقة صادرة من ’’المعهد القومي الديمقراطي’’ National Democratic Institute، الممول من الحكومة الأمريكية مباشرة، أن الولايات المتحدة رتبت لزيارة حلفاء لها من بولندا واندونيسيا إلى القاهرة، لتعليم النشطاء وبعض السياسيين المصريين كيفية التحرك السياسي في الفترة القادمة؛ والمتوقع فيها تنافس بين القوى الموالية للغرب وبعض الأحزاب الإسلامية والأحزاب القومية والليبرالية. وذكرت الوثيقة أن زيارات أخرى قام برعايتها المعهد لمسئولين من الصرب ومن رومانيا ومن تشيلي لتعليم النشطاء المصريين تجارب تلك الدول في التحول إلى النموذج الغربي للديمقراطية.


وذكرت الوثيقة أن النقاشات تركزت على كيفية تحضير منظمات المعارضة للانتخابات في وقت سريع، وكيفية تعليمهم طرق التغلب على خلافاتهم وانقساماتهم الداخلية ، ثم كيفية التحرك في فترة انتقالية يتم توجيهها من قبل العسكريين بدون مشاركات كبيرة من الشعب.


وشرحت الوثيقة التي لم تذكر أسماء الأحزاب أو النشطاء المستفيدين من التمويل الأمريكي أن المعهد القومي الديمقراطي يساعد في تطوير مهارات واستراتيجيات للحملات الانتخابية وطرق جديدة لها ، مثل التحرك من بيت إلى بيت، ومنزل لمنزل وهي الأساليب التي كان يقاومها ويرفضها النشطاء المصريون في السابق.


وعن تونس ذكرت أن: المعهد القومي الديمقراطي بدأ في جولة ثانية من الأبحاث ليدرس ما هي رؤية التونسيين للأحزاب السياسية، وما هي أكثر القضايا التي تقلق المواطنين هناك.


وأضاف المعهد :في حين تستعد تونس لأول انتخابات ديمقراطية لها لأكثر من 20 عاما حدد موعدها في 24 يوليو/تموز ، فإن المعهد سيقوم بإطلاع الأحزاب على نتائج أبحاثه لمساعدتهم في كتابة سياستهم ، واستراتيجيات الحملات لمواجهة احتياجات التونسيين.


طبعا أجلت الانتخابات التونسية إلى 24 أكتوبر، وقد علق أكثر المهتمين بالشأن التونسي أن سبب هذا التأجيل هو الخوف من اكتساح الإسلاميين لهذه الانتخابات.


هذه ثلاث مشاهد تعتبر عينة جيدة لاستنتاج ما يقوم بتدبيره الغرب -وعلى رأسه أمريكا وإسرائيل — لربيع الثورات العربية.


بعد هذا العرض السريع يثور علينا سؤال مهم للغاية عن كيفية القيام بذلك، بمعنى أن هذه المشاريع الأمريكية والإسرائيلية والدولية تبقى حبرا على ورق وملفات مكدسة في الأدراج؛ حتى تجد الوكيل والمقاول والمتعهد الذي يقوم بتنفيذها وتجسيدها على الأرض، وهنا يكمن الخطر العظيم، لأن هذا المتعهد سيكون من بني جلدتنا الاسم والرسم عربي والمضمون والجوهر غربي.


دعونا نحاول كشف ملامح وخصائص وهوية هذا المتعهد:


بالعودة إلى الوراء قليلا نستطيع أن نمسك طرف خيط من خيوط شبكة المتعهدين لتنفيذ المشاريع الغربية وهي شبكة واسعة وكبيرة؛ طبعا هنا لا فرق بين المتعهد المستأجر وبين المتعهد المستغفل من جهة تنفيذ هذه المشاريع.


الجميع يعلم أنه في عام 2007 أنيط اللثام عبر مؤسسة ’’راند’’ RANDالبحثية التابعة للقوات الجوية الأمريكية عن إستراتيجية سارت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر تهدف لمكافحة الحركات الإسلامية الفاعلة؛ تحت مسمى ’’بناء شبكات إسلامية معتدلة’’؛ وتسلك هذه الإستراتيجية مسلكين رئيسيين اثنين :


المسلك الأول :دعم الإسلام التقليدي ويقصد به المسلم الذي يقوم بالصلاة والصيام والحج....ولا يؤمن بتطبيق الشريعة منهجا في كل مناحي الحياة؛ أي إسلام بمواصفات أمريكية فصل وطرز في واشنطن. وكذلك دعم الحركات الصوفية التي لا ناقة لها ولا بعير إلا في الأضرحة والموالد والدروشة؛ وباختصار شديد علمنة الإسلام.


المسلك الثاني: إعادة صياغة عقول الطبقة المثقفة عبر رحلات - أو بعثات - إلى أمريكا، وإعانة ودعم الليبراليين منهم والمعادين للفكر الإسلامي بالذات.


وبعد هبوب رياح الثورات العربية وظهور الإسلاميين فيها كقوة لا يمكن الاستهانة بها، وبروز الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية وحرية العمل للحركات الإسلامية، بل وشوق الشعوب العربية لمعانقة المنهج الرباني الحق، زادت مخاوف الإدارة الأمريكية وشركائها الغير محددون، من ربيع إسلامي أخضر يغطي سهول وجبال العالم العربي ويطرد جدب وقحط وغربان الاستعمار الغربي اللئيم.


لذلك بدأت وعلى عجالة من أمرها بوضع دراسات وخطط وبرامج محصلتها تفعيل متعهديها ووكلائها الحاليين بشكل سريع وقوي، وإعادة الصلة بمتعهدين ووكلاء قدماء نفذوا لها مشاريع نوعية، وتوظيف متعهدين ووكلاء جدد، خاصة ممن كان لهم مساهمة ودور فعال في نجاح هذه الثورات، وفي هذا الإناء تصب المشاهد الثلاثة التي ذكرناها آنفا.


إذاً الهدف الرئيس لكل هذه الجهود وهذه الأموال؛ هو ركوب الثورات العربية وتذليل ناصيتها وجدع أنفها وتمريغ وجهها؛ لتكون مطواعة في تحقيق المصالح الصهيوأمريكية.


مثال ناصع وجلي على ذلك تصرف الغرب - عندما وجد الفرصة سانحة - مع الثورة الليبية ومع المجلس الانتقالي، فقد عركوا الثوار الليبيين عركا شديدا، حتى لانوا في أيديهم، وستكشف لنا الأيام ما تم خلف الكواليس.


الخلاصة من هذا كله، أن عصابة المافيا الدولية - أمريكا وحلفاؤها - بعد الإفاقة من صدمة ثورتي تونس ومصر، استجمعوا أفكارهم وقواهم ووكلاءهم المعتمدين، وتآمروا على سرقة هاتين الثورتين من أيدي الشعوب، وتداعوا على خطف الثورة الليبية عبر التدخل العسكري الدولي، وتواصوا على نسف الثورة اليمنية من خلال المبادرات المشبوهة، وتذاكوا على وأد الثورة السورية بالصمت المطبق على المجازر الوحشية التي ترتكب في حق الشعب، وكذا العروض البهلوانية في مجلس الأمن والعقوبات الصوتية.


والسؤال الذي يتشكل في رؤوس كل المخلصين عند قراءة مثل هذه التقارير؛ كيف تدافع الأمة مثل هذه المؤامرات وتفشلها؟؟


الإجابة على مثل هذا السؤال تحتاج إلى ثلة متميزة من العلماء والمفكرين المخلصين؛ يجتمعون تحت قبة واحدة ويخرجون برؤية مشتركة وبتوصيات وخطط ملية.


على هؤلاء المخلصين وبسرعة شديدة دراسة هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الأمة دراسة عميقة وسريعة، واستفراغ الوسع في توصيف ملامحها، والتنقيب عن كنوزها، والنظر في أعطافها، وبذل الجهد في تحديد متطلباتها ومستلزماتها، والنزول إلى ساحات (المدافعة والتأثير) بنية جازمة وبعزيمة صادقة، وسد كل الفراغات والثغور التي يمكن أن تنساب وتتسلل منها المشاريع الأخرى؛ وعلى رأسها المشروع الصهيوأمريكي الذي قطع مراحل ليست بالهينة في ابتلاع غنائم هذه الثورة، ومشروع ولاية الفقيه الذي يخيل لبعض الطيبين أنه دخل مرحلة السبات وهو يفتل لنا في الذروة والغارب.

الثورات العربية: جلد المستعمر وعجز الثقة

12-6-2011

وليد وصل المغامسي / كاتب




الخلاصة من هذا كله، أن عصابة المافيا الدولية، بعد الإفاقة من صدمة ثورتي تونس ومصر، استجمعوا أفكارهم وقواهم ووكلاءهم المعتمدين، وتآمروا على سرقة هاتين الثورتين من أيدي الشعوب، وتداعوا على خطف الثورة الليبية من خلال التدخل العسكري الدولي، وتواصوا على نسف الثورة اليمنية عبر المبادرات المشبوهة، وتذاكوا على وأد الثورة السورية


نشرت جريدة الأهرام في تاريخ 15 /3/2011م، أن الإدارة الأمريكية سارعت بعد نجاح الثورة إلى زيادة المعونة لمصر بمقدار 60 مليون دولار، وتخصيص 150 مليون دولار لدعم التحرك الديمقراطي المصري في الموازنة الجديدة.وفي نفس السياق أعلن الرئيس الأمريكي إلغاء الديون المترتبة على مصر، وكذلك الإيعاز إلى البنك الدولي وصندوق النقد بتقديم قروض إلى كل من مصر وتونس، - ويا للمفاجئة - سرعان ما استجيب للطلب خلال قمة «الثماني الكبار» في «منتجع دوفيل»، فتقرر ــ مبدئيا ــ أن يقدم الغرب رزمة مساعدات على شكل قروض وهبات ومنح بمليارات الدولارات (بين 20 و40 مليارا) للدولتين، وعلى مدىً زمني مفتوح.


الملفت في الأمر أن تلك الوعود مشروطة بـ’’التنمية والإصلاح’’؛ وسَمّوا ذلك ’’شراكة دوفيل’’!!


وهنا تثور علينا أسئلة من كل حدب وصوب ؟؟!!


ما هو تفسير وإعراب كلمة التنمية والإصلاح ؟!


وما هذا الكرم الحاتمي من قبل أمريكا والاتحاد الأوربي و مناوئي الثورات العربية لهذه الدول التي انتصرت فيها الشعوب على الأنظمة، على الأقل في الجولة الأولى؟!


هل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية جمعية خيرية دولية مهتمّة بحقوق الإنسان في العالم؟!


أم أنها استحالت إلى منظمة دولية تدعم حركات التغيير ونصرة حقوق الشعوب المقهورة ؟!


أم أن الثماني الكبار الذين اجتمعوا في منتجع دوفيل يمثلون جمعيات خيرية تبتغي وجه الله والدار الآخرة فيما تنفق؟!


باختصار شديد ما هي الأهداف الحقيقية لهذه المساعدات السخية؟


الطريف في الأمر أن دول الخليج ستتكفل بالجانب المهم والحقيقي من هذه المساعدات كالسيولة النقدية وغيرها، أما بقية المساعدات فهي إما قروض على المدى الطويل أو تمويل مشروط يذهب لبعض المنظمات المشبوهة.


في هذا الصدد — كذبة المساعدات الغربية - تذكر الكاتبة فيليسيتي لورينس في مقال لها نشرته صحيفة ذي غارديان البريطانية (أن المساعدات الإنسانية الأميركية هي أشبه بخطة مارشال حديثة إذ دائما ما تأتي مرفقة بمطالب معينة، وهي مصممة لدعم شركات الصناعة والتجارة والزراعة والنقل الأميركية ).


والعجيب في الأمر كذلك أن إسرائيل ساهمت في إقناع الإدارة الأمريكية بالمسارعة في تقديم هذه المساعدات.


دعونا لا نستطرد كثيرا ونحاول الإجابة على الأسئلة الثائرة آنفا دون حمولات سابقة، أو تجنٍ فاقع، أو تلفع بهاجس المؤامرة.


وإلا فالجميع يعلم - حتى غليظ الذهن وعريض الوساد - أن الغرب لا يدفع بنسا واحدا في أي مكان في العالم إلا إذا ضمن أن يعود إليه بنسات ودولارات ومكاسب هائلة.


حسنا... لنشاهد معا ثلاثة مشاهد أو لقطات - مملة قليلا لكنها تحمل في طياتها وثناياها ملامح الإجابة - سمح الرقيب بظهورها أو ظهرت رغما عنه؛ وهي جزء من أفلام ومسلسلات طويلة تحاك وتنسج خلف الكواليس المظلمة وفي الدهاليز القذرة وما خفي كان أعظم.


المشهد الأول :


عقدت لجنة الاستخبارات الفرعية حول الإرهاب ومكافحة التجسس في مجلس النواب الأميركي في 13 ابريل 2011، جلسة حول الانتخابات المصرية القادمة والحكومة التي قد تنشأ عنها.


واستمعت فيها إلى توصيات ’’روبرت ساتلوف’’ مدير ’’معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى’’ وهو المؤسسة الفكرية للوبي الصهيوني في واشنطن..


وقد نصح ساتلوف الحكومة الأميركية أن تبين للمصريين بل وتحذرهم من أنها ستقبل فقط التعامل مع حكومة لها مواصفات معينة، ومفصلة على حسب المصالح الصهيوأمريكية.


حسنا ما هي المواصفات القياسية التي تريدها يا ساتلوف في الحكومة المصرية ؟!


يحدد ساتلوف بكل وقاحة المواصفات بالنقاط التالية :


• احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل وتوسيع السلام في المنطقة ليشمل دولا أخر.


• تحقيق الالتزامات الدولية بما في ذلك حرية الملاحة في قناة السويس.


• الاعتراف بتقسيم السودان.


• الشراكة الثنائية مع الولايات المتحدة لدعم الأمن والسلام في الشرق الأوسط وأفريقيا والبحر المتوسط.


وحث ساتلوف الإدارة الأمريكية على ممارسة الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر لثنيه عن تمرير قوانين انتخابية قد تسمح بوصول إسلاميين إلى الحكم في مصر.


المشهد الثاني:


يذكر المفكر فهمي هويدي في إحدى مقالته أن وزارة الخارجية الفرنسية وجهت دعوة إلى ستة من شباب التجمعات السياسية التي شاركت في الثورة؛ لحضور ندوة في باريس تحت عنوان ’’التطورات التي شهدها العالم العربي’’، وكان بينهما اثنان أحدهما يمثل الإخوان المسلمين والثاني عن حزب الوسط؛ وقبل الندوة التي نظمتها الخارجية الفرنسية تمت دعوة ثلاثة من الشبان المصريين من جانب حزب ساركوزى الحاكم (الاتحاد من أجل الحركة الشعبية) للتعرف على أمانات الحزب والحوار مع ممثليه، فيما وصف لاحقا في الصحافة الفرنسية بأنه «تدريب لشباب الثورة في مصر». وكان ممثل حزب الوسط أحد الثلاثة، في حين استبعد ممثل الإخوان من هذا البرنامج.


في هذه الجولة التقى الشبان الثلاثة بعض كوادر الحزب، وفي المقدمة منهم شخصيتان مهمتان، إحداهما ’’فالارى هوتنبرج’’ وهى يهودية تعمل سكرتيرة للرئيس ’’ساركوزي’’ لشئون العلاقات العامة والأحزاب، و’’جان فرانسوا كوبيه’’ الأمين العام للحزب.


خلال اللقاءات جرت حوارات حول التجربة في فرنسا وحول الأوضاع والتطورات الأخيرة في العالم العربي ومصر بوجه أخص؛ وتطرق الحديث إلى الحماس الفرنسي للتطور الديمقراطي والنشاط الأهلي في مصر، واستعداد الحكومة الفرنسية لتقديم مختلف صور العون للجماعات السياسية التي ظهرت أثناء الثورة.


ثم عبر كل من السيدة فالارى والسيد كوبيه عن رغبة الحكومة والحزب الحاكم في التعاون مع الأطراف التي تتبنى أربع قضايا أساسية هي:


• علمانية الدولة المصرية.


• تأييد معاهدة كامب ديفيد والدفاع عن السلام مع إسرائيل.


• معارضة سياسة حركة حماس «الإرهابية».


• الاصطفاف إلى جانب التيارات السياسية التي تتحالف ضد جماعة الإخوان المسلمين، لإضعاف أي حضور لها في المستقبل السياسي لمصر.


المشهد الثالث:


أظهرت وثيقة صادرة من ’’المعهد القومي الديمقراطي’’ National Democratic Institute، الممول من الحكومة الأمريكية مباشرة، أن الولايات المتحدة رتبت لزيارة حلفاء لها من بولندا واندونيسيا إلى القاهرة، لتعليم النشطاء وبعض السياسيين المصريين كيفية التحرك السياسي في الفترة القادمة؛ والمتوقع فيها تنافس بين القوى الموالية للغرب وبعض الأحزاب الإسلامية والأحزاب القومية والليبرالية. وذكرت الوثيقة أن زيارات أخرى قام برعايتها المعهد لمسئولين من الصرب ومن رومانيا ومن تشيلي لتعليم النشطاء المصريين تجارب تلك الدول في التحول إلى النموذج الغربي للديمقراطية.


وذكرت الوثيقة أن النقاشات تركزت على كيفية تحضير منظمات المعارضة للانتخابات في وقت سريع، وكيفية تعليمهم طرق التغلب على خلافاتهم وانقساماتهم الداخلية ، ثم كيفية التحرك في فترة انتقالية يتم توجيهها من قبل العسكريين بدون مشاركات كبيرة من الشعب.


وشرحت الوثيقة التي لم تذكر أسماء الأحزاب أو النشطاء المستفيدين من التمويل الأمريكي أن المعهد القومي الديمقراطي يساعد في تطوير مهارات واستراتيجيات للحملات الانتخابية وطرق جديدة لها ، مثل التحرك من بيت إلى بيت، ومنزل لمنزل وهي الأساليب التي كان يقاومها ويرفضها النشطاء المصريون في السابق.


وعن تونس ذكرت أن: المعهد القومي الديمقراطي بدأ في جولة ثانية من الأبحاث ليدرس ما هي رؤية التونسيين للأحزاب السياسية، وما هي أكثر القضايا التي تقلق المواطنين هناك.


وأضاف المعهد :في حين تستعد تونس لأول انتخابات ديمقراطية لها لأكثر من 20 عاما حدد موعدها في 24 يوليو/تموز ، فإن المعهد سيقوم بإطلاع الأحزاب على نتائج أبحاثه لمساعدتهم في كتابة سياستهم ، واستراتيجيات الحملات لمواجهة احتياجات التونسيين.


طبعا أجلت الانتخابات التونسية إلى 24 أكتوبر، وقد علق أكثر المهتمين بالشأن التونسي أن سبب هذا التأجيل هو الخوف من اكتساح الإسلاميين لهذه الانتخابات.


هذه ثلاث مشاهد تعتبر عينة جيدة لاستنتاج ما يقوم بتدبيره الغرب -وعلى رأسه أمريكا وإسرائيل — لربيع الثورات العربية.


بعد هذا العرض السريع يثور علينا سؤال مهم للغاية عن كيفية القيام بذلك، بمعنى أن هذه المشاريع الأمريكية والإسرائيلية والدولية تبقى حبرا على ورق وملفات مكدسة في الأدراج؛ حتى تجد الوكيل والمقاول والمتعهد الذي يقوم بتنفيذها وتجسيدها على الأرض، وهنا يكمن الخطر العظيم، لأن هذا المتعهد سيكون من بني جلدتنا الاسم والرسم عربي والمضمون والجوهر غربي.


دعونا نحاول كشف ملامح وخصائص وهوية هذا المتعهد:


بالعودة إلى الوراء قليلا نستطيع أن نمسك طرف خيط من خيوط شبكة المتعهدين لتنفيذ المشاريع الغربية وهي شبكة واسعة وكبيرة؛ طبعا هنا لا فرق بين المتعهد المستأجر وبين المتعهد المستغفل من جهة تنفيذ هذه المشاريع.


الجميع يعلم أنه في عام 2007 أنيط اللثام عبر مؤسسة ’’راند’’ RANDالبحثية التابعة للقوات الجوية الأمريكية عن إستراتيجية سارت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر تهدف لمكافحة الحركات الإسلامية الفاعلة؛ تحت مسمى ’’بناء شبكات إسلامية معتدلة’’؛ وتسلك هذه الإستراتيجية مسلكين رئيسيين اثنين :


المسلك الأول :دعم الإسلام التقليدي ويقصد به المسلم الذي يقوم بالصلاة والصيام والحج....ولا يؤمن بتطبيق الشريعة منهجا في كل مناحي الحياة؛ أي إسلام بمواصفات أمريكية فصل وطرز في واشنطن. وكذلك دعم الحركات الصوفية التي لا ناقة لها ولا بعير إلا في الأضرحة والموالد والدروشة؛ وباختصار شديد علمنة الإسلام.


المسلك الثاني: إعادة صياغة عقول الطبقة المثقفة عبر رحلات - أو بعثات - إلى أمريكا، وإعانة ودعم الليبراليين منهم والمعادين للفكر الإسلامي بالذات.


وبعد هبوب رياح الثورات العربية وظهور الإسلاميين فيها كقوة لا يمكن الاستهانة بها، وبروز الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية وحرية العمل للحركات الإسلامية، بل وشوق الشعوب العربية لمعانقة المنهج الرباني الحق، زادت مخاوف الإدارة الأمريكية وشركائها الغير محددون، من ربيع إسلامي أخضر يغطي سهول وجبال العالم العربي ويطرد جدب وقحط وغربان الاستعمار الغربي اللئيم.


لذلك بدأت وعلى عجالة من أمرها بوضع دراسات وخطط وبرامج محصلتها تفعيل متعهديها ووكلائها الحاليين بشكل سريع وقوي، وإعادة الصلة بمتعهدين ووكلاء قدماء نفذوا لها مشاريع نوعية، وتوظيف متعهدين ووكلاء جدد، خاصة ممن كان لهم مساهمة ودور فعال في نجاح هذه الثورات، وفي هذا الإناء تصب المشاهد الثلاثة التي ذكرناها آنفا.


إذاً الهدف الرئيس لكل هذه الجهود وهذه الأموال؛ هو ركوب الثورات العربية وتذليل ناصيتها وجدع أنفها وتمريغ وجهها؛ لتكون مطواعة في تحقيق المصالح الصهيوأمريكية.


مثال ناصع وجلي على ذلك تصرف الغرب - عندما وجد الفرصة سانحة - مع الثورة الليبية ومع المجلس الانتقالي، فقد عركوا الثوار الليبيين عركا شديدا، حتى لانوا في أيديهم، وستكشف لنا الأيام ما تم خلف الكواليس.


الخلاصة من هذا كله، أن عصابة المافيا الدولية - أمريكا وحلفاؤها - بعد الإفاقة من صدمة ثورتي تونس ومصر، استجمعوا أفكارهم وقواهم ووكلاءهم المعتمدين، وتآمروا على سرقة هاتين الثورتين من أيدي الشعوب، وتداعوا على خطف الثورة الليبية عبر التدخل العسكري الدولي، وتواصوا على نسف الثورة اليمنية من خلال المبادرات المشبوهة، وتذاكوا على وأد الثورة السورية بالصمت المطبق على المجازر الوحشية التي ترتكب في حق الشعب، وكذا العروض البهلوانية في مجلس الأمن والعقوبات الصوتية.


والسؤال الذي يتشكل في رؤوس كل المخلصين عند قراءة مثل هذه التقارير؛ كيف تدافع الأمة مثل هذه المؤامرات وتفشلها؟؟


الإجابة على مثل هذا السؤال تحتاج إلى ثلة متميزة من العلماء والمفكرين المخلصين؛ يجتمعون تحت قبة واحدة ويخرجون برؤية مشتركة وبتوصيات وخطط ملية.


على هؤلاء المخلصين وبسرعة شديدة دراسة هذه المرحلة المفصلية من تاريخ الأمة دراسة عميقة وسريعة، واستفراغ الوسع في توصيف ملامحها، والتنقيب عن كنوزها، والنظر في أعطافها، وبذل الجهد في تحديد متطلباتها ومستلزماتها، والنزول إلى ساحات (المدافعة والتأثير) بنية جازمة وبعزيمة صادقة، وسد كل الفراغات والثغور التي يمكن أن تنساب وتتسلل منها المشاريع الأخرى؛ وعلى رأسها المشروع الصهيوأمريكي الذي قطع مراحل ليست بالهينة في ابتلاع غنائم هذه الثورة، ومشروع ولاية الفقيه الذي يخيل لبعض الطيبين أنه دخل مرحلة السبات وهو يفتل لنا في الذروة والغارب.
*مجلة العصر
أضافة تعليق