مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الصحوة الإسلامية و'التنكر' للاحتساب السياسي: رسالة إلى قيادات الصحوة في السعودية

ما هي منجزاتكم الدعوية؟ إنها عدد من حلقات تحفيظ القرآن والمكتبات والمراكز الصيفية مع أنشطة دعوية تركز على الاحتساب السلوكي والدروس الشرعية، وهذه كلها محل شد وجذب مع السياسي، فمتى ما رضي السياسي عنكم، أعطاكم وأرخى لكم حبلا تضاعفون فيه منجزاتكم الاحتسابية، ومتى ما غضب عليكم ضيق عليكم وجعلكم تصرخون في مجالسكم الخاصة غير قادرين حتى على المطالبة بصوت مسموع.. الأمة تسرق ملياراتها ويظلم أبناؤها وشيوخها المصلحون، وتكمم أفواه متحدثيها، ويربط على عقال صحافتها ويلجم كل حر فيها، وإخواننا شباب الصحوة منشغلون بمنع سوق مختلط، ويقولون إنهم سلفيون؟!. يا شيوخنا الكرام، أنتم للأسف لم تدافعوا عن أقرانكم وزملائكم، فمنهم من سجن ومنهم أسكت ومنهم ضيق عليه، وأنتم تتجاهلون ذلك ولا تتكلمون عنه وتغضون الطرف، ولا أريد أن أسمي أسماء بعينها، لكنها الحقيقة، طريقكم لا أمان فيه، فأنتم قوم تجحدون رفقاء الدرب وتنسون المبادئ، كيف لا وحلف الفضول غائب عنكم بعيد عن أنظاركم..

شيوخ الصحوة الإسلامية..

من الواجب علي أن أحترم تاريخكم الدعوي والسياسي الذي أعتبره أحد الخطوات المهمة للإصلاح من جميع جوانبه، لكن الذي علمتموه لنا أن النقد خير، كيف لا وأنتم من رفعتم شعار (لماذا نخاف من النقد؟)، بل مارستم النقد ضد مؤسسات الدولة الدينية الرسمية في خطوة أوضحت أن لا معصوم وأن لا احتكار فقهي، وأن الساحة باتت تسع جميع الأطراف .

أيها الفضلاء ..

حينما نقرأ سيرة السلف الصالح، نجد أن الأولية لديهم كانت في الإصلاح السياسي أو لنقل محبب لدينا ولديكم (الاحتساب السياسي)، كان هم الناس ومصالحهم وسد جوعهم وإرساء العدالة الاجتماعية والوقوف بجانب المظلومين أولية لدى سلفنا الصالح ولا شك أن زيارتهم للحاكم وحديثهم معه تدل دلالة واضحة أن قضية المصلحة الاقتصادية والحقوقية كان لها منزلة عظيمة لدى السلف الصالح..

لقد كان ابن أبي ذئب القرشي رحمه الله ومالك وأحمد وابن جبير وابن المسيب إذا دخلوا على الحاكم بادروه بسد جوع الناس ورفع الظلم ومنع الجور ولم يكونوا يستغلون دخولهم على الحاكم لأغراض الاحتساب السلوكي ومنع أغنيه أو قصيدة أو كتابة أدبيه متحررة مكشوفة، ولا نقلل هاهنا من الانحلال السلوكي وأهمية التمسك به، لكن الواقع والمشاهد أن مصالح الناس باتت في آخر أولياتكم، بل نقول بصراحة أكثر: إن مصالح الناس والإنكار على الظلم والمطالبة بالعدل لم يعد أصلاً من ضمن خطاب الصحوة الإسلامية اليوم.

أريد أن أسأل سؤالا وأناقش قضية:

ما هي منجزاتكم الدعوية؟ إنها عدد من حلقات تحفيظ القرآن والمكتبات والمراكز الصيفية مع أنشطة دعوية تركز على الاحتساب السلوكي والدروس الشرعية، وهذه كلها محل شد وجذب مع السياسي، فمتى ما رضي السياسي عنكم، أعطاكم وأرخى لكم حبلا تضاعفون فيه منجزاتكم الاحتسابية، ومتى ما غضب عليكم ضيق عليكم وجعلكم تصرخون في مجالسكم الخاصة غير قادرين حتى على المطالبة بصوت مسموع.

يا أيها الفضلاء.. أنتم في صراع مع فريق آخر في هذا الوطن، اسمه فريق ليبرالي علماني لا يهم، لكنكم في صراع يتمسح فيه الفريقان بالبلاط، على أمل أن يحصل على مكاسب أكثر، وكلكم مسموح له بالحديث ورفع العقيرة، فهذا له منبر المسجد والآخر له التلفاز والصحف، وأنتم وهم تختمون خطاباتكم بالتبجيل والتمسح، لأن كلا الطرفين يعتقد أنه متى ما تمسح أكثر حصل على مكاسب أكثر، يا أشياخنا الكرام إلى أين ذاهبون وحقوقنا تؤكل كل يوم.

أتعرفون ابن أبي ذئب، إنه أحد السلف لكن سلفيته ليس كسلفيتكم، اسحموا لي ولكنها الحقيقة، فلقد حج المنصور فدعا ابن أبي ذئب ومالك بمكة، فسأل ابن أبي ذئب عن الحسن بن زيد بن الحسن بن فاطمة؟ فقال ابن أبي ذئب: إنه ليتحرى العدل. فقال أبو جعفر: وما تقول في؟ فقال: ورب هذا البيت إنك لجائر وقال للمنصور: قد هلك الناس، فلو أعنتهم بما في يديك من الفيء؟ فقال المنصور: ويلك! لولا ما سددت من الثغور، وبعثت من الجيوش، لكنت تؤتى في مترلك وتذبح. فقال ابن أبي ذئب: فقد سد الثغور، وجيش الجيوش، وفتح الفتوح، وأعطى الناس أعطياتهم من هو خير منك.فقال المنصور: ومن هو؟ ويلك! فقال: عمر بن الخطاب .

أيها الفضلاء ..

ألا تعودون إلى طريق السلف وتتعلموا من موقف ابن أبي ذئب مع أبو جعفر المنصور أو مواقف السلف مع الحجاج أو قل حتى مواقف الإمام الحسين، هذه ليست دعوه للثورة، بل نداء لتحسين خيارات الاحتساب ومفاهيمه التي حُصرت في إطار الاحتساب السلوكي حتى باتت مطاردة المعاكسين في الأسواق وشتم كاتب صحيفة ولعن رئيس تحرير تضاهي من وقف ورفع صوته لا للظلم ولا للجور، والعياذ بالله من هذا الخذلان.

إن ما يحدث اليوم على الساحة (اختلاط - انفتاح - حرية أدبية ...)، لهو أكبر دليل على أن ما يسمى بمنجزات الصحوة ما هو إلا (قماشة) مهترئة تعفنت حتى ظهر ريحها، وأن الحق كل الحق في ذلك الرجل الذي نظر إلى تلك المنجزات كصفقات سياسية تم الضحك أو قل تم شراء هذه الصحوة بها مقابل أن يتركوا للنظام السياسي مفاتيح قوته ويقدمون قرابين المشروعية لاستبداده، وأنه مسموح لكم كل شيء إلا أن تقولوا للظالم قف عن مظلمتك وأن تكرروا الجريمة السياسية في نظر السياسي: (مذكرة النصيحة).

إنني والله أتحسر ممن يتحدث عن منجزات الصحوة الإسلامية اليوم من خلال مكتبة أو حلقة تحفيظ، يتعلم فيها الطالب الانغلاق الفكري وأبوية الشيخ وروح الاستبداد ثم يخرج من المكتبة والحلقة بعد أن يكبر، فيفاجئ أنه كان رهين صفقة سياسية، أو قل إنه كان مقيدا مستعبدا منذ صغره، لم يجد التفكير بأدوات من شأنها رفعة أمته وإصلاحها ومساعدة مظلوميها، مطلوب منه السمع والطاعة لشيخه ومن ثم للعلامة والإمام، وهكذا أبويات ما أنزل الله بها من سلطان حتى انتشر داء العبودية ونبذ الحرية، بل نبذ الاحتساب الأكبر، ألا وهو الاحتساب السياسي.

يا أشياخنا الكرام.. يا قيادات الصحوة الإسلامية..

ألا تلاحظون أن كل شاب وهبه الله الفطنة والمعرفة يخرج من تلك الحلقة أو المكتبة السلفية، فيلتحق بركب الثقافة والقراءة ويتعلم شيئا من حقوق المسلم السياسية والحقوقية ليتفاجأ بكمية التسطيح في ما يسمى بمنجزات الصحوة، من رحلات كرة القدم والطائرة ودروس حلية طالب العلم، تلك البرامج السقيمة البائسة التي يشتري بها أرباب الحلقات والمكتبات قلوب الطلاب بالترفيه لا بالإقناع، فهم يشاهدون المجتمع يئن من المظلوميات المتكررة، وشيخ المكتبة والحلقة هائم في تربية الطالب على الالتزام بالمنهج وحلية طالب العلم وشرح الأصول الثلاثة، ننبذ العلمانية ونطبقها بصورة أخرى أشد قبحا من صورتها الجلية.

((اقرأ يا أخي طالب الحلقة والمكتبة والمركز الصيفي سيرة الإمام الحسين ومالك وابن أبي ذئب القرشي وابن جبير والثوري، اقرأ الحرية والطوفان، اقرأ تحرير الإنسان، اقرأ سلفيات عبدالله الحامد، اقرأ الحرية لدى الأحمري، واقرأ مبادئ الديمقراطية وتفحص مواطن العدالة، والزم علي عزت وحريته، فقط عليك أن تقرأ وتترك الالتزام بهذا الشيخ الذي ينصحك بما يراه هو صحيح وما يتوافق مع منجزات الصحوة ويالها من منجزات عظيمة أرست لنا طريق العدالة)).

لقد كان شباب الصحوة المباركة يتهكمون ويستهزئون بالجامية ويلعنونهم لعنا في مجالسهم لأنهم يتمسحون بالحاكم والسياسي ويطبلون وينافقون، فلما رأيتم يا قيادات الصحوة أن المرحلة القادمة مرحلة تحالف احتل ’’الصحويون’’ محل الخطاب الجامي، وأصبحت الجامية لا حاجة لها أساسا، لأننا نحن ’’الصحويين’’ قد قمنا بالمهمة، وتسلمنا زمام التطبيل ومضينا قدما نواصل طريق من كنا ننعتهم بالجامية.

والأمل كل الأمل في من تعرضوا للنخل في منخل الإصلاح والحرية، منخل يمهد الطريق للديمقراطية ومطالبها، شباب أبوا التقليد وعبادة الأشخاص والسير في طريق مظلم مليء بالتحالفات السيئة التي تدار في ليل بهيم، وليتها تصب في مصلحة الأمة، بل تحالفات لمنع أوبريت غنائي واختلاط في سوق، يا ’’لسطحيتكم’’ (اعذروني على هذه اللفظة)، شباب أبوا الخوض في الوحل وتكرار التجربة.

الأمة تسرق ملياراتها ويظلم أبناؤها وشيوخها المصلحون، وتكمم أفواه متحدثيها، ويربط على عقال صحافتها ويلجم كل حر فيها، وإخواننا شباب الصحوة منشغلون بمنع سوق مختلط، ويقولون إنهم سلفيون؟ !.

يا شيوخنا الكرام، أنتم للأسف لم تدافعوا عن أقرانكم وزملائكم، فمنهم من سجن ومنهم أسكت ومنهم ضيق عليه، وأنتم تتجاهلون ذلك ولا تتكلمون عنه وتغضون الطرف، ولا أريد أن أسمي أسماء بعينها، لكنها الحقيقة، طريقكم لا أمان فيه، فأنتم قوم تجحدون رفقاء الدرب وتنسون المبادئ، كيف لا وحلف الفضول غائب عنكم بعيد عن أنظاركم.

يا شيوخنا الكرام، اتقوا الله، فإنكم تخلطون الأوليات وتصلحون ما هو فاسد بطبعه، وتجملون وجها قد بان سوءه، وتمررون علينا المنهج باحتسابات ثانوية وتغفلون عن الأهم، والعاقل الحصيف من عرف التجارب وقرأ الواقع السياسي واستغل الفرص وبادر وضحى.
*العصر
أضافة تعليق