إعداد أحمد عباس
شككت العديد من دوائر التحليل السياسي في صدق وواقعية إعلان شرطة نيجيريا أنها حققت الانتصار الدامغ والقضاء على المجموعة الإسلامية التي تتبنى تطبيق الشريعة وتحاول إقامة نموذج إسلامي في البلاد التي يعيش فيها مسلمون يبلغ تعدادهم أكثر من 60 مليون نسمه يمثلون ما يزيد عن 40% من عدد سكان البلاد البالغ تعدادهم 150 مليونا والموزعين بين مسلمين ومسيحيين ووثنيين .
وأكد العديد من المحللين أن مقتل محمد يوسف زعيم جماعة ’’بوكو حرام’’ النيجيرية قمن قبل قوات الأمن ليس معناه نهاية الطريق مع الإسلاميين في نيجيريا بحال من الأحوال، لأن هناك احتمال قوي لوقوع هجمات انتقامية كبيرة خاصة وأن منظمات حقوق الإنسان الكبرى في العالم تشدد على ضرورة التحقيق في جريمة قتل يوسف وكذلك قتل واعتيال المئات من المدنيين الذين قالت منظمات حقوق الإنسان أنهم قتلوا بإطلاق الرصاص عليهم من الخلف .
ويعترف المسئولون النيجيريون بأن محمد يوسف زعيم جماعة ’’بوكو حرام’’ التي يلقبها البعض بـ’’طالبان النيجيرية’’ قد قتل بعد أن أسر ليلة الخميس بعد مطاردة استغرقت أربعة أيام، وأوردت وكالات الأنباء صورة له وقد تم التمثيل به بعد قتله بينما كان القيد في يديه ..!
ويزعم الناطق باسم الشرطة إمانويل أوجوكون أن جماعة ’’بوكو حرام’’ كانت تستمد طاقتها الحركية من زعيمها محمد يوسف وأنه كان مصدر إلهام لها وأنه كان يعطي لأنصاره وأتباعه إحساسًا بالمنعة والقوة.
لكن المراقبين يؤكدون خلاف ذلك ويشيرون إلى أن هذه الحركة الإسلامية في نيجيريا ليست وليدة ظروف مؤقتة أو استثنائية وإنما هي نابعة من طبيعة المجتمع الإسلامي في نيجيريا ككل وتعبر عن وجدان هذا المجتمع وطموحاته وآلامه.
من جهة أخرى دعت منظمة هيومان رايتس ووتش إلى إجراء تحقيق فوري في الأحداث التي وصفتها بالدامية والغير متكافئة ، وقال اريك جوتشتوس الناطق باسم المنظمة: ’’إن القتل غير القانوني لمحمد يوسف أثناء وجوده في قبضة رجال الشرطة لنموذج مخيف لاحتقار الشرطة في نيجيريا لمبدأ سيادة القانون’’.
كما قالت كورين دوفكا الباحثة التي تعمل لدى المنظمة: ’’على السلطات النيجيرية التصرف بشكل عاجل للتحقيق في هذه القضية ومقاضاة كل من لعب دورا في تنفيذ عمليات القتل غير القانونية هذه إضافة إلى كل أولئك المتورطين في أعمال العنف التي شهدتها الأقاليم الشمالية من نيجيريا في الآونة الأخيرة’’.
وبحسب مراقبين فإن مقتل زعيم الحركة لن يكون له تأثير سلبي طويل المدى على نشاطات الحركة والدعوات التي تكافح من أجل تحقيقها في أرض الواقع، لأن عناصرها مرتبطين بفكر أيديولوجي خاص وبالتالي فإن القيادة في هذه الجماعة لم تكن مرتبطة باسم معين.
وأقر الناطق باسم الشرطة النيجيرية أن الأوضاع قد تظل متسمة بالتوتر الشديد في المرحلة القادمة في شمال نيجيريا بسبب استمرار المواجهات.
ورغم أن حالة من الهدوء قد سادت في أعقاب مقتل زعيم الحركة محمد يوسف إلا أن الخبراء والمحللين يؤكدون أن حلم تطبيق الشريعة الإسلامية الذي يراود المجتمع الإسلامي في شمال نيجيريا لا يمكن أن ينتهي بهذه السهولة.
الصراع الدموي في نيجيريا يتجاوز نطاق حركة ’’بوكو حرام’’
من جهتها رأت مجلة التايم الأمريكية أن الأزمة الحادة في نيجيريا ربما تكون قد خمدت مع مقتل زعيم جماعة ’’بوكو حرام’’، لكن احتمال اندلاع الصراعات الدموية في نيجيريا بين المسلمين والمسيحيين لازال ماثلاً وبقوة.
وقالت مجلة التايم إن هدف الإسلاميين في الولايات الشمالية هو إسقاط الحكومة الفيدرالية في أبوجا من أجل تحقيق هدف لا يمكن التراجع عنه أو نسيانه وهو هدف تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة نظام حكم إسلامي.
وأعادت المجلة الأمريكية التذكير بما أعلنته الحكومة النيجيرية عام 2004 من تحقيق الانتصار على هذه الجماعة التي حملت في هذا الوقت اسم ’’طالبان النيجرية’’ ثم مرت السنوات وعاد مقاتلو هذه الجماعة للنهوض من جديد والسعي نحو تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال سلسلة هجمات استهدفت مراكز الشرطة ومصالح حيوية.
وكانت حركة طالبان المحلية قد ظهرت في نيجيريا في 2004، وجعلت قاعدتها مدينة كاناما في ولاية يوب شمال شرق على الحدود مع النيجر، وتسعى إلى تأسيس دولة ’’إسلامية طاهرة’’ شمال البلاد.
وتحذر التايم مما أسمته بركان غضب يمكن أن ينفجر في أية لحظة داخل نيجيريا ويشعل حربًا أهلية في أي وقت لاسيما بسبب الانشقاق الديني بين سكان هذه الدولة البالغ عددهم 150 مليون نسمة ينقسمون إلى مسلمين يعيشون في الشمال ومسيحيين يعيشون في الجنوب.
ويقول محمد نديم عضو البرلمان عن ولاية بورنو الشمالية: ’’هناك حالة من التهميش وضعف الفرص يعاني منها المسلمون في الولايات الشمالية، وهناك ظلم واضح لابد من التعامل مع جذوره من أجل مواجهة مثل هذه الأزمات التي تتفجر كل فترة’’.
وأشار محمد نديم إلى أنه وعلى مدار السنوات الماضية نشأ جيل جديد من النشطاء المسلمين الشباب، معظمهم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، ويعتنقون الأفكار الأصلية للدين الإسلامي بدون شوائب عقائدية ويرفضون التشبه بالعالم الغربي أو التقارب مع المجتمعات المسيحية في العادات والتقاليد.
ويقول بعض الأئمة في شمال نيجيريا: ’’الشباب يعتقدون أن آباءهم جمعوا ثروات كبيرة من طرق غير شرعية وهناك رغبة في التطهر هذا بالإضافة إلى انتشار بعض مظاهر الانحلال الأخلاقي التي كانت سائدة وكانت هذه العوامل تدفع الشباب إلى التمسك بالدين والحنين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية’’.
*مفكرة الإسلام