الحاكم والسلطة في النظام السياسي العربي
بقلم/ د. فيصل الحذيفي
الخميس 11 يونيو-حزيران 2009 08:33 م
يتسم النظام السياسي العربي في رسم علاقة مغايرة بين الحاكم والسلطة عما هو سائد في النظم الديمقراطية الحقيقية ، وتـتجـسد العلاقة بين الحاكم والسلطة في النظام العربي في ملمحين هما :«الالتحام الأبدي» مع السلطة أو « الانفكاك القسري » عنها.
أولا : الالتحام الأبدي
هذا الملمح السياسي العربي الراهن هو الصيغة الأبرز للاندماج الكامل بين الحاكم والسلطة وما عداه استثناء وقد تجلى واقعيا في الحكم مدى الحياة «= الأبدية السياسية» وانتهى إلى التوريث السياسي في النظم الجمهورية.
1- الأبدية السياسية : الحكم مدى الحياة
تؤول حتميا مسألة انتقال السلطة في ظل التأبيد السياسي إلى التوريث أو تندلع ثورة شعبية ، ويسقط أي احتمال آخر كالانقلاب أو الاغتيال ، وذلك لتقريب الحاكم العناصر الموالية والطيعة له والأقل شأنا كي يسهل قيادها والسيطرة عليها وأحيانا مجموعة من المنحرفين بكل ما تحمل معنى الانحراف من معنى ويحمل هذا المنحى في الحكم نظام الفساد السياسي العربي يدفع إليه الحاكم ثمنا للاتجاه نحو التوريث
التأبيد السياسي العربي هو بقاء الحاكم العربي في السلطة مادام حيا ولن يترك السلطة سوى بالموت الطبيعي أو الموت بالاغتيال أو الثورة الشعبية وهي نادرة الحدوث في ظل حكم صار جزءا من تراث المجتمع وكينونته وملامح شخصيته.
والحكم السياسي هنا يتشابه مع منطوق الحكم القضائي من حيث التكييف فهو حكم بالتأبيد السياسي للحاكم في السلطة حتى الموت ، ومنطوق الحكم – صراحة – يتجلى بوضوح بما يصدره الحاكم على نفسه ولنفسه ( أنا سأحكم مدى الحياة) بورقيبة أنموذجا أو حكم بالنية المبيتة المضمرة تحت شعارات متعددة ( الوحدة ، القومية ، التقدم ، الديمقراطية ، الأمن والسلم الاجتماعي الانجاز التاريخي ) ولا يختلف معنى الحكم الأبدي بالتقاضي في المحكمة للقضايا الخطيرة سوى أن هذا النوع من الحكم الأبدي لا يتجاوز سنين معينة فقط (25 )عاما.
مظاهر الأبدية السياسية في النظام العربي
- الزعامة الإعلامية:(زعيم بالكلمات) حيث تعمد وسائل الإعلام الحكومية ولفيف من المثقفين الطامحين بالمناصب ولا ديدن لهما سوى إبراز معجزات الزعيم التي يرونها هم بأعينهم ويستغربون إنكارها من الآخرين.
- الزعامة الملكية المنتجة للسياسية : حيث يعمد الزعيم إلى إنتاج السلطة والنظام السياسي وبنيان الدولة باعتباره النواة أو المركز، وعلى كل الأفراد والمؤسسات المصطنعة أن تدور في ذات الفلك ومن يرفض هذا الاختيار الضروري بالإكراه حكم على نفسه بالموت السياسي والفردي.
- الزعامة بالمال السياسي : حيث يستطيع أن يشتري الحاكم، كل ما هو مادي أو معنوي (= روح الإنسان وكرامته) ، وكل ما هو أخلاقي أو حسي ، ليصبح الزعيم هو الشخص الأغنى داخل الوطن ويسعى إلى التنافس مع قرنائه الإقليميين والعالميين من رجال المال والأعمال والحكام بحجم الثروة بما ظهر منها وما بطن، بثروة الداخل والخارج ، هنا يصبح الزعيم أقرب بالسلوك إلى المافيا حين يتدخل بالصغائر والكبائر ويحدد مصائرها رغما عن قوانين الصيرورة الاجتماعية بما في ذلك تحويل الفقير إلى غني ليصبح ضمن الدائرة المغلقة للسلطة ، وان غضب يعمل على تحويل الغني بكده وعمله إلى فقير بالإيذاء والمحاصرة ( والتطفيش ) حتى الإفلاس أو الخضوع إلى منطق الزعيم المطلق.
- الزعامة بالعصبية الأسرية كدائرة ضيقة، ثم العصبية القبلية والمذهبية والمناطقية، ليكون قادرا في أي لحظة على إشعال حرب الوطن ضد الوطن وهذا النوع من الزعامة عادة ما تؤول وتمهد إلى التوريث السياسي حيث الفريق المتشابك من المصالح يصنع لنفسه صنما أو إلها ليضمن استمرار منظومة المصالح .
2- التوريث السياسي : الجمهوريات الملكية
الزعيم الأبدي الموروث : اعتلى على حكم سوريا منذ العام 1936 عشرون رئيسا مؤقتا ومدنيا وعسكريا سلميا وانقلابيا ولكن لم يمتد أحدا حكمه من بين كل هؤلاء سنوات تذكر باستثناء شكري القويتلي في مرحلة أولى (1934- 1949) ومرحلة ثانية : ( 1955-1961) وأمين الحافظ 1966- 1970 أربع سنوات ، لكن الرئيس حافظ الأسد هو أول رئيس سوري يثبت في الحكم على غير المعتاد 1971- 2000 حتى وفاته وقد خلف هذا الامتداد الرئاسي في الحكم أول توريث سياسي في نظم الحكم الجمهورية العربية لابنه بشار الأسد الرئيس السوري الحالي.
وحتما فان الديمومة السياسية عادة ما تؤدي إلى التوريث السياسي وحاليا نجد أن الحكام العرب الدائمون في النظم الجمهورية :ليبيا 1969- ......) و سوريا 1971- 2000 وقد أفضى الى التوريث الفعلي للسلطة ، واليمن 1978 - .....) ومصر 1981- .....) وتونس 1987 - ......) والسودان 1989- ......) ، الجزائر 1996- .....) وسوريا بشار الأسد 2000- ....) .
حالات التوريث الفعلي : سوريا تقلد حافظ أسد السلطة 1971- 2000 وانزاح بالموت مورثا السلطة لابنه ( بشار الأسد 2000- .....) عن طريق نظام سياسي وظيفته الأساسية الاستمرار في ظل الارتهان العبودي في السياسة، والتوريث المرتقب : مصر ( جمال مبارك ) واليمن ( أحمد علي ) وليبيا (سيف الإسلام القذافي ) والتوريث الممتنع ( قصي صدام حسين) بفعل الاحتلال، بينما لا توجد أي ملامح للتوريث في كل من تونس والجزائر لعدم وجود أبناء وفي السودان لوجود صراعات وانقسامات حادة ومعارضة مقلقة.
ثانيا: الانفكاك القسري
برزت تاريخيا ظاهرة الانفكاك القسري عن السلطة عبر الانقلاب السياسي أو التغيير الاستثنائي وكلاهما تاريخا عابرا.
1- الانقلاب السياسي: (= غياب الاستقرار)
الانقلاب السياسي العربي يأتي على ثلاثة أنواع : الإزاحة سلميا عن السلطة ويسمى بالانقلاب الأبيض، والإزاحة بالقتل والاغتيال ، والإزاحة بالثورة الشعبية، وقد تعمدنا عدم استخدام التغيير السياسي لأن هذا المفهوم يعبر عن الحياد، فالتغيير السياسي هو احد مظاهر النظم الديمقراطية حيث يتم تغيير الحكام بشكل دوري ، بينما استخدمنا مفهوم الإزاحة للتعبير عن تدافع قسري تصل حد الإعدام والسجن (يكفي أن نعلم أن حافظ أسد عندما استولى على السلطة سجن رئيسا سابقا مدة 22 عاما ) والانقلابات السياسية في نظم الحكم العربية تعبر عن غياب الاستقرار السياسي من جهة وغياب الهدف الموضوعي من السياسة من جهة أخرى باستثناء التشبث بالسلطة بأي وسيلة وبأي ثمن ، والصيرورة السياسية عادة ما تسير نحو المجهول .
وتتجلى ظاهرة الزعامة السياسية العربية بالتشبث بالسلطة فقط وليس بالانجازات التي تدفع الناس طواعية إلى حب الزعيم، فالزعامة العربية لا نجد أثرها في التنمية والتقدم كدليل مادي كما لا نلمسها في قلوب الناس، بل نلمسها في الخطاب السياسي والإعلامي الذي يتحدث عن عبقرية الزعيم وندرته السياسية والخارقة للعادات، وكل قطر عربي له في خطابه السياسي والإعلامي زعيمه الخاص ولا يرى غيره، وبسبب هذا التضخيم تـنسد آفاق التغيير السياسي ليبرز الانقلاب السياسي أو الثورة الشعبية كخيارات وحيدة للفصل بين السلطة والدولة من جهة والفصل بين الحاكم والسلطة من جهة أخرى، وفي ظل هذا الالتحام السياسي تتكرس يوما بعد آخر الأبدية السياسة للحاكم في السلطة العربية حتى الموت ولا فكاك.
شملت الانقلابات القسرية والإزاحة السياسية في البلدان العربية الجمهورية والملك الوراثي على السواء ، ففي البلدان العربية ذات الحكم الوراثي تم إزاحة الأبناء للآباء في كل من عمان السلطان قابوس بن سعيد، وأردن الملك الحسين بن طلال (أزاح أباه وقيل أنه تخلى الأب لابنه ) وأمير قطر الحالي . ومن هذا القبيل تم إزاحة الملك سعود من قبل أخيه الأمير فيصل (وقيل أنه تنازل لأخيه) وفي الكويت تنازل ولي العهد للأمير الحالي بضغط من أقطاب الأسرة الكويتية الحاكمة.
بينما في الجمهوريات تم إزاحة بورقيبة من قبل الرئيس الحالي زين العابدين ، وانقلاب السودان ضد النميري، وعمر البشير ضد الحاكم الديمقراطي الصادق المهدي، وانقلاب اليمن في 1968 في الجنوب ضد أول رئيس بعد الاستقلال، والانقلاب في اليمن الشمالي ضد أول رئيس بعد الثورة 1967، وثاني رئيس في العام 1974.
وأشهر الانقلابات العسكرية وأكثرها عربيا جرت في سوريا والسودان ولبنان وموريتانيا فمنذ الاستقلال 1960- 2008 تعاقب على موريتانيا تسعة رؤساء كلهم جاؤوا بانقلابات عسكرية باستثناء رئيس الاستقلال المختار ولد دادة ( 1960 - 1978) والرئيس المدني الوحيد ولد الشيخ عبد الله (2007-2008)الذي أزيح بانقلاب عسكري ولما يكمل العام.
يلي دولة الانقلابات في نظام الحكم السوداني فمنذ استقلاله في العام 1956 جرت ثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة ، انقلاب ( إبراهيم عبود 1958) وانقلاب جعفر نميري عام 1969 ، وانقلاب عمر حسن البشير 1989 بينما فشلت سبعة انقلابات خلال هذه الفترة كانت نتيجتها مقتل أكثر من خمسين ضابطا عسكريا واعتقالات آخرين.
ولا تزال موريتانيا هي الموطن الأخير للعسكر والانقلابات العسكرية بالتوازي مع تطور العمل السياسي السلمي حتى الآن وفي رحم الأيام المقبلة ما ينبئ عن حمل كاذب بالديمقراطية أو التغيير العنيف.
- الانفكاك بالقتل: تجسد هذا النوع من الحكام في كل من ( العراق واليمن ولبنان ) ففي العراق بدءا من الثورة العراقية فقد قتل كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وكان آخرهم صدام حسين الذي قتل بفعل الاحتلال الأمريكي ، بينما قتل في اليمن خمسة رؤساء ، اثنين في الجنوب وهما سالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل، واثنان في الشمال وهما إبراهيم الحمدي واحمد الغشمي ، وباستثناء لبنان فقد كان نسق تغيير الرؤساء سريعا ودوريا في السلطة، وتعاقب 12عشر رئيسا بشكل دستوري عبر الانتخاب حسب المادة 49 من الدستور اللبناني بدءا من بشار الخوري 1943 وحتى ميشيل سليمان باستثناء بعض الحكومات العسكرية (فؤاد شهاب وميشال عون) والاغتيالات السياسية ألتي أودت بالرئيس بشير الجميل 1981 ورينيه معوض 1989خلال شهر تسلمه الرئاسة بعد الانتخابات ، وهذه البلدان الثلاث تحديدا شهدت أضخم عمليات الاغتيالات السياسية ، وتليها كل من مصر أنور السادات وجزائر محمد بوضياف خلال ستة أشهر منذ توليه الرئاسة فقط .
الانفكاك بالموت : سواء الموت الطبيعي أو الاغتيال بالسم ( عبد الناصر ، هواري بومدين، ياسر عرفات )
2- التغيير الاستثنائي (جدا جدا)
التغيير الاستثنائي : نقصد به التغيير السلمي ديمقراطيا أو بالتنازل سلميا أو بالثورة الشعبية
من هذه الاستثناءات السياسية التي لم تعمر طويلا، التغيير السلمي : السودان سوار الذهب ، وموريتانيا علي ولد محمد فال، وجيبوتي إسماعيل جوليد، أو بانتهاء الفترة الدستورية ولبنان هي الدولة التي جسدت هذا النموذج. والتغيير بالثورة الشعبية : تأتي السودان في ظل حكم إبراهيم عبود والصومال - سياد بري والجزائر - الشاذلي بن جديد )
وشهدت السودان أكبر ثورة شعبية في العام 1964 أطاحت بالحاكم العسكري إبراهيم عبود (ليعود رئيس دولة الاستقلال إسماعيل الأزهري (1956- 1958) ( 1965- 1969)
الاستثناءات السلمية الحضارية النادرة ( سوار الذهب السودان ، والأمين زروال الجزائر ، وموريتانيا ولد محمد فال) ولذلك ليس مستغربا أن يتداول رئاسة الجمهوريات العربية منذ الاستقلال في الخمسينيات من القرن الماضي عدد ضئيل من الرؤساء ، مثلا: رئيس واحد ليبيا، ورئيسان فقط على تونس ، وثلاثة رؤساء على مصر ، ومثله على سوريا ، وأربعة على العراق كانت نهايتهم جميعا القتل، وهذه أشارة ضمنية إلى أن التغيير السياسي العربي لا يزال بعيدا عن التغيير السلمي ، ولا تزال الانقلابات والقتل هي الطريق الأيسر إلى التغيير ، حتى وان كانت البلد لديها دستور (جل الدول العربية) أو بنظام أساسي فقط مثل السعودية وبعض إمارات الخليج ، أو بدون دستور مطلقا مثل العظمى ليبيا ، أو حكم عرفي مصر وحالة طوارئ مستدامة(مع وجود دستور لا حضور له في تنظيم السلطة) أو حالة طوارئ معلقة للدستور موريتانيا
قبل الرئيس الجيبوتي منذ الاستقلال حسن جوليد 1977 أن يتخلى عن السلطة طوعيا والانتقال السلمي والديمقراطي لخلفه الرئيس الحالي إسماعيل علي قويلة 1999.
طبعا يثير التغيير الحاصل في البلدان الأفريقية التي كانت وكرا للعبودية وسوقا للنخاسة العربية والدولية أن تصبح ديمقراطية ويتم التغيير السلمي فيها وفقا للقواعد الدستورية جنوب أفريقيا السنغال نيجريا مالي وأخريات حتى الحكومات الصومالية في المنفى كانت نتاج توافق نخبوي وفي مواعيد هي محل رضا وتراضي.
الخلاصة: في ظل هذا الاستئساد السياسي على السلطة من الحاكم الفرد وشيوع الأوتوقراطية والأكلوقراطية يتضخم الحاكم في السلطة والدولة وتغيب الأمة صاحبة السيادة الكاذبة في الدساتير العربية . ولن يتم أي تغيير لملامح السياسة العربية بدون تيقظ الأمة صاحبة الحق على المدى المنظور.
[email protected]
.مأرب برس
بقلم/ د. فيصل الحذيفي
الخميس 11 يونيو-حزيران 2009 08:33 م
يتسم النظام السياسي العربي في رسم علاقة مغايرة بين الحاكم والسلطة عما هو سائد في النظم الديمقراطية الحقيقية ، وتـتجـسد العلاقة بين الحاكم والسلطة في النظام العربي في ملمحين هما :«الالتحام الأبدي» مع السلطة أو « الانفكاك القسري » عنها.
أولا : الالتحام الأبدي
هذا الملمح السياسي العربي الراهن هو الصيغة الأبرز للاندماج الكامل بين الحاكم والسلطة وما عداه استثناء وقد تجلى واقعيا في الحكم مدى الحياة «= الأبدية السياسية» وانتهى إلى التوريث السياسي في النظم الجمهورية.
1- الأبدية السياسية : الحكم مدى الحياة
تؤول حتميا مسألة انتقال السلطة في ظل التأبيد السياسي إلى التوريث أو تندلع ثورة شعبية ، ويسقط أي احتمال آخر كالانقلاب أو الاغتيال ، وذلك لتقريب الحاكم العناصر الموالية والطيعة له والأقل شأنا كي يسهل قيادها والسيطرة عليها وأحيانا مجموعة من المنحرفين بكل ما تحمل معنى الانحراف من معنى ويحمل هذا المنحى في الحكم نظام الفساد السياسي العربي يدفع إليه الحاكم ثمنا للاتجاه نحو التوريث
التأبيد السياسي العربي هو بقاء الحاكم العربي في السلطة مادام حيا ولن يترك السلطة سوى بالموت الطبيعي أو الموت بالاغتيال أو الثورة الشعبية وهي نادرة الحدوث في ظل حكم صار جزءا من تراث المجتمع وكينونته وملامح شخصيته.
والحكم السياسي هنا يتشابه مع منطوق الحكم القضائي من حيث التكييف فهو حكم بالتأبيد السياسي للحاكم في السلطة حتى الموت ، ومنطوق الحكم – صراحة – يتجلى بوضوح بما يصدره الحاكم على نفسه ولنفسه ( أنا سأحكم مدى الحياة) بورقيبة أنموذجا أو حكم بالنية المبيتة المضمرة تحت شعارات متعددة ( الوحدة ، القومية ، التقدم ، الديمقراطية ، الأمن والسلم الاجتماعي الانجاز التاريخي ) ولا يختلف معنى الحكم الأبدي بالتقاضي في المحكمة للقضايا الخطيرة سوى أن هذا النوع من الحكم الأبدي لا يتجاوز سنين معينة فقط (25 )عاما.
مظاهر الأبدية السياسية في النظام العربي
- الزعامة الإعلامية:(زعيم بالكلمات) حيث تعمد وسائل الإعلام الحكومية ولفيف من المثقفين الطامحين بالمناصب ولا ديدن لهما سوى إبراز معجزات الزعيم التي يرونها هم بأعينهم ويستغربون إنكارها من الآخرين.
- الزعامة الملكية المنتجة للسياسية : حيث يعمد الزعيم إلى إنتاج السلطة والنظام السياسي وبنيان الدولة باعتباره النواة أو المركز، وعلى كل الأفراد والمؤسسات المصطنعة أن تدور في ذات الفلك ومن يرفض هذا الاختيار الضروري بالإكراه حكم على نفسه بالموت السياسي والفردي.
- الزعامة بالمال السياسي : حيث يستطيع أن يشتري الحاكم، كل ما هو مادي أو معنوي (= روح الإنسان وكرامته) ، وكل ما هو أخلاقي أو حسي ، ليصبح الزعيم هو الشخص الأغنى داخل الوطن ويسعى إلى التنافس مع قرنائه الإقليميين والعالميين من رجال المال والأعمال والحكام بحجم الثروة بما ظهر منها وما بطن، بثروة الداخل والخارج ، هنا يصبح الزعيم أقرب بالسلوك إلى المافيا حين يتدخل بالصغائر والكبائر ويحدد مصائرها رغما عن قوانين الصيرورة الاجتماعية بما في ذلك تحويل الفقير إلى غني ليصبح ضمن الدائرة المغلقة للسلطة ، وان غضب يعمل على تحويل الغني بكده وعمله إلى فقير بالإيذاء والمحاصرة ( والتطفيش ) حتى الإفلاس أو الخضوع إلى منطق الزعيم المطلق.
- الزعامة بالعصبية الأسرية كدائرة ضيقة، ثم العصبية القبلية والمذهبية والمناطقية، ليكون قادرا في أي لحظة على إشعال حرب الوطن ضد الوطن وهذا النوع من الزعامة عادة ما تؤول وتمهد إلى التوريث السياسي حيث الفريق المتشابك من المصالح يصنع لنفسه صنما أو إلها ليضمن استمرار منظومة المصالح .
2- التوريث السياسي : الجمهوريات الملكية
الزعيم الأبدي الموروث : اعتلى على حكم سوريا منذ العام 1936 عشرون رئيسا مؤقتا ومدنيا وعسكريا سلميا وانقلابيا ولكن لم يمتد أحدا حكمه من بين كل هؤلاء سنوات تذكر باستثناء شكري القويتلي في مرحلة أولى (1934- 1949) ومرحلة ثانية : ( 1955-1961) وأمين الحافظ 1966- 1970 أربع سنوات ، لكن الرئيس حافظ الأسد هو أول رئيس سوري يثبت في الحكم على غير المعتاد 1971- 2000 حتى وفاته وقد خلف هذا الامتداد الرئاسي في الحكم أول توريث سياسي في نظم الحكم الجمهورية العربية لابنه بشار الأسد الرئيس السوري الحالي.
وحتما فان الديمومة السياسية عادة ما تؤدي إلى التوريث السياسي وحاليا نجد أن الحكام العرب الدائمون في النظم الجمهورية :ليبيا 1969- ......) و سوريا 1971- 2000 وقد أفضى الى التوريث الفعلي للسلطة ، واليمن 1978 - .....) ومصر 1981- .....) وتونس 1987 - ......) والسودان 1989- ......) ، الجزائر 1996- .....) وسوريا بشار الأسد 2000- ....) .
حالات التوريث الفعلي : سوريا تقلد حافظ أسد السلطة 1971- 2000 وانزاح بالموت مورثا السلطة لابنه ( بشار الأسد 2000- .....) عن طريق نظام سياسي وظيفته الأساسية الاستمرار في ظل الارتهان العبودي في السياسة، والتوريث المرتقب : مصر ( جمال مبارك ) واليمن ( أحمد علي ) وليبيا (سيف الإسلام القذافي ) والتوريث الممتنع ( قصي صدام حسين) بفعل الاحتلال، بينما لا توجد أي ملامح للتوريث في كل من تونس والجزائر لعدم وجود أبناء وفي السودان لوجود صراعات وانقسامات حادة ومعارضة مقلقة.
ثانيا: الانفكاك القسري
برزت تاريخيا ظاهرة الانفكاك القسري عن السلطة عبر الانقلاب السياسي أو التغيير الاستثنائي وكلاهما تاريخا عابرا.
1- الانقلاب السياسي: (= غياب الاستقرار)
الانقلاب السياسي العربي يأتي على ثلاثة أنواع : الإزاحة سلميا عن السلطة ويسمى بالانقلاب الأبيض، والإزاحة بالقتل والاغتيال ، والإزاحة بالثورة الشعبية، وقد تعمدنا عدم استخدام التغيير السياسي لأن هذا المفهوم يعبر عن الحياد، فالتغيير السياسي هو احد مظاهر النظم الديمقراطية حيث يتم تغيير الحكام بشكل دوري ، بينما استخدمنا مفهوم الإزاحة للتعبير عن تدافع قسري تصل حد الإعدام والسجن (يكفي أن نعلم أن حافظ أسد عندما استولى على السلطة سجن رئيسا سابقا مدة 22 عاما ) والانقلابات السياسية في نظم الحكم العربية تعبر عن غياب الاستقرار السياسي من جهة وغياب الهدف الموضوعي من السياسة من جهة أخرى باستثناء التشبث بالسلطة بأي وسيلة وبأي ثمن ، والصيرورة السياسية عادة ما تسير نحو المجهول .
وتتجلى ظاهرة الزعامة السياسية العربية بالتشبث بالسلطة فقط وليس بالانجازات التي تدفع الناس طواعية إلى حب الزعيم، فالزعامة العربية لا نجد أثرها في التنمية والتقدم كدليل مادي كما لا نلمسها في قلوب الناس، بل نلمسها في الخطاب السياسي والإعلامي الذي يتحدث عن عبقرية الزعيم وندرته السياسية والخارقة للعادات، وكل قطر عربي له في خطابه السياسي والإعلامي زعيمه الخاص ولا يرى غيره، وبسبب هذا التضخيم تـنسد آفاق التغيير السياسي ليبرز الانقلاب السياسي أو الثورة الشعبية كخيارات وحيدة للفصل بين السلطة والدولة من جهة والفصل بين الحاكم والسلطة من جهة أخرى، وفي ظل هذا الالتحام السياسي تتكرس يوما بعد آخر الأبدية السياسة للحاكم في السلطة العربية حتى الموت ولا فكاك.
شملت الانقلابات القسرية والإزاحة السياسية في البلدان العربية الجمهورية والملك الوراثي على السواء ، ففي البلدان العربية ذات الحكم الوراثي تم إزاحة الأبناء للآباء في كل من عمان السلطان قابوس بن سعيد، وأردن الملك الحسين بن طلال (أزاح أباه وقيل أنه تخلى الأب لابنه ) وأمير قطر الحالي . ومن هذا القبيل تم إزاحة الملك سعود من قبل أخيه الأمير فيصل (وقيل أنه تنازل لأخيه) وفي الكويت تنازل ولي العهد للأمير الحالي بضغط من أقطاب الأسرة الكويتية الحاكمة.
بينما في الجمهوريات تم إزاحة بورقيبة من قبل الرئيس الحالي زين العابدين ، وانقلاب السودان ضد النميري، وعمر البشير ضد الحاكم الديمقراطي الصادق المهدي، وانقلاب اليمن في 1968 في الجنوب ضد أول رئيس بعد الاستقلال، والانقلاب في اليمن الشمالي ضد أول رئيس بعد الثورة 1967، وثاني رئيس في العام 1974.
وأشهر الانقلابات العسكرية وأكثرها عربيا جرت في سوريا والسودان ولبنان وموريتانيا فمنذ الاستقلال 1960- 2008 تعاقب على موريتانيا تسعة رؤساء كلهم جاؤوا بانقلابات عسكرية باستثناء رئيس الاستقلال المختار ولد دادة ( 1960 - 1978) والرئيس المدني الوحيد ولد الشيخ عبد الله (2007-2008)الذي أزيح بانقلاب عسكري ولما يكمل العام.
يلي دولة الانقلابات في نظام الحكم السوداني فمنذ استقلاله في العام 1956 جرت ثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة ، انقلاب ( إبراهيم عبود 1958) وانقلاب جعفر نميري عام 1969 ، وانقلاب عمر حسن البشير 1989 بينما فشلت سبعة انقلابات خلال هذه الفترة كانت نتيجتها مقتل أكثر من خمسين ضابطا عسكريا واعتقالات آخرين.
ولا تزال موريتانيا هي الموطن الأخير للعسكر والانقلابات العسكرية بالتوازي مع تطور العمل السياسي السلمي حتى الآن وفي رحم الأيام المقبلة ما ينبئ عن حمل كاذب بالديمقراطية أو التغيير العنيف.
- الانفكاك بالقتل: تجسد هذا النوع من الحكام في كل من ( العراق واليمن ولبنان ) ففي العراق بدءا من الثورة العراقية فقد قتل كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وكان آخرهم صدام حسين الذي قتل بفعل الاحتلال الأمريكي ، بينما قتل في اليمن خمسة رؤساء ، اثنين في الجنوب وهما سالم ربيع علي وعبد الفتاح إسماعيل، واثنان في الشمال وهما إبراهيم الحمدي واحمد الغشمي ، وباستثناء لبنان فقد كان نسق تغيير الرؤساء سريعا ودوريا في السلطة، وتعاقب 12عشر رئيسا بشكل دستوري عبر الانتخاب حسب المادة 49 من الدستور اللبناني بدءا من بشار الخوري 1943 وحتى ميشيل سليمان باستثناء بعض الحكومات العسكرية (فؤاد شهاب وميشال عون) والاغتيالات السياسية ألتي أودت بالرئيس بشير الجميل 1981 ورينيه معوض 1989خلال شهر تسلمه الرئاسة بعد الانتخابات ، وهذه البلدان الثلاث تحديدا شهدت أضخم عمليات الاغتيالات السياسية ، وتليها كل من مصر أنور السادات وجزائر محمد بوضياف خلال ستة أشهر منذ توليه الرئاسة فقط .
الانفكاك بالموت : سواء الموت الطبيعي أو الاغتيال بالسم ( عبد الناصر ، هواري بومدين، ياسر عرفات )
2- التغيير الاستثنائي (جدا جدا)
التغيير الاستثنائي : نقصد به التغيير السلمي ديمقراطيا أو بالتنازل سلميا أو بالثورة الشعبية
من هذه الاستثناءات السياسية التي لم تعمر طويلا، التغيير السلمي : السودان سوار الذهب ، وموريتانيا علي ولد محمد فال، وجيبوتي إسماعيل جوليد، أو بانتهاء الفترة الدستورية ولبنان هي الدولة التي جسدت هذا النموذج. والتغيير بالثورة الشعبية : تأتي السودان في ظل حكم إبراهيم عبود والصومال - سياد بري والجزائر - الشاذلي بن جديد )
وشهدت السودان أكبر ثورة شعبية في العام 1964 أطاحت بالحاكم العسكري إبراهيم عبود (ليعود رئيس دولة الاستقلال إسماعيل الأزهري (1956- 1958) ( 1965- 1969)
الاستثناءات السلمية الحضارية النادرة ( سوار الذهب السودان ، والأمين زروال الجزائر ، وموريتانيا ولد محمد فال) ولذلك ليس مستغربا أن يتداول رئاسة الجمهوريات العربية منذ الاستقلال في الخمسينيات من القرن الماضي عدد ضئيل من الرؤساء ، مثلا: رئيس واحد ليبيا، ورئيسان فقط على تونس ، وثلاثة رؤساء على مصر ، ومثله على سوريا ، وأربعة على العراق كانت نهايتهم جميعا القتل، وهذه أشارة ضمنية إلى أن التغيير السياسي العربي لا يزال بعيدا عن التغيير السلمي ، ولا تزال الانقلابات والقتل هي الطريق الأيسر إلى التغيير ، حتى وان كانت البلد لديها دستور (جل الدول العربية) أو بنظام أساسي فقط مثل السعودية وبعض إمارات الخليج ، أو بدون دستور مطلقا مثل العظمى ليبيا ، أو حكم عرفي مصر وحالة طوارئ مستدامة(مع وجود دستور لا حضور له في تنظيم السلطة) أو حالة طوارئ معلقة للدستور موريتانيا
قبل الرئيس الجيبوتي منذ الاستقلال حسن جوليد 1977 أن يتخلى عن السلطة طوعيا والانتقال السلمي والديمقراطي لخلفه الرئيس الحالي إسماعيل علي قويلة 1999.
طبعا يثير التغيير الحاصل في البلدان الأفريقية التي كانت وكرا للعبودية وسوقا للنخاسة العربية والدولية أن تصبح ديمقراطية ويتم التغيير السلمي فيها وفقا للقواعد الدستورية جنوب أفريقيا السنغال نيجريا مالي وأخريات حتى الحكومات الصومالية في المنفى كانت نتاج توافق نخبوي وفي مواعيد هي محل رضا وتراضي.
الخلاصة: في ظل هذا الاستئساد السياسي على السلطة من الحاكم الفرد وشيوع الأوتوقراطية والأكلوقراطية يتضخم الحاكم في السلطة والدولة وتغيب الأمة صاحبة السيادة الكاذبة في الدساتير العربية . ولن يتم أي تغيير لملامح السياسة العربية بدون تيقظ الأمة صاحبة الحق على المدى المنظور.
[email protected]
.مأرب برس