حسن العاصي
كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في الدانمرك
حتى يُشرق البحر
مزيّف كل شيء
مثل لوحة إعلانات تنطفئ ثم تضيء ببطء
تظهر صورة الدجاجة البدينة تلهو مع صيصانها
فوق المذبح الآلي للدواجن
في الداخل الدجاج معلق من الأعناق
يدخل في أقفاص تنضح بالضجيج والدفء
ويخرج في صناديق باردة ساكنة
هكذا هي الأشياء
تغرينا ببريق زائف
ما أن نقربها تُشهر نصالها
تغرس واحد في العنق وآخر في الخاصرة
مثل الأوطان
لا ترى منها سوى الأراجيح وساحات العيد
حين تكون صغيراً
تكون مثل برعم الفرح قزحيّ الساق
تغفو كبذرة الروابي في رحم الوقت
عشرون عاماً تردد النشيد الوطني كل صباح
حتى يختنق صوتك
لكن الوطن أصم بوجه متحنط
ما أن تنادي بلادك
يعلقون لك المشنقة في أقبية الموت
كل شيء مزيف
مثل الأصدقاء المخلصون
تنهل ماء عينيك كي لا تجف أكفهم
فينبتون ضوءًا مثمراً لا تطاله أصابعك
فإن جف مطرك يرتدون شجرك
يغلقون اسمك وينامون
سرهم غريب
يختارون دون فصول هجركَ
ودون فصول اختيارياً يعودون
مزيف كل شيء
قبل الحب رحل قلبي
حيث تزهر ضفافي
قالوا الهوى يناديك
هيا اعبرْ درب القناديل
أوقدتُ وميضي فتعثرتْ طيوري
تلَوّى حقلي كعشب أعياه السور
لم يكن في الخفق النازف
سوى مواعيد لا تأتي
سألت الشجر المصلوب على الوقت
أين يذهب خلاّن القلب حين يرحلون؟
قالوا يسافرون في جذر الريح بلا هوية
قلتُ متخم بالضجيج هذا الموكب
لكنني لا أسمع زاوية الصور
زيف يملأ حلوقنا بخاراً أسود
يحجب عرينا ويفور رماداً
أقسم المارة أن السمك يزحف نحو الغابة
وأن الرمل أغمض عشبه
وأنتم قد تكونون عصافير الشتاء أو أشلاء الريح
ربما زهرة ياسمين أخضر
لكنكم خطى تائهة
مثل يتيم أضاع حذاءه
ها قد أضحيت نهراً يصطفي ضفاف الغرباء
حد الجسر الأخير
ذات حقيقة
حين يضيق بي زورقي
سوف أرسم أشرعتي كما أشاء
كي يتحول الوعد طيراً مهاجراً
يمتد في السفر
أطوي رملي تحت وسادتي
ألقي رأسي فوق ناصية المتاهة
أشتهي جنوناً صادقاً يمتطي رائحة قلبي
وأنام حتى يُشرق البحر
قطرة .. قطرة