مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
العمود الفقري لنجاح العملية التعليمية وثباتها في عقل المتعلم نشاط المتعلم .
إيمان بنت زكي أسرة

أولت التربية الإسلامية اهتمامها بتفعيل نشاط المتعلم في العملية التعليمية بالقدر المتناسب مع طبيعية المعرفة وكيفية الحصول عليها ، وعززته في العملية التعليمية بوسائل مختلفة من بينها الأمر بالتفكر والتدبر ، وإعمال العقل بالنظر في ملكوت الله سبحانه وتعالى ليصل للمعرفة الحقة بالله سبحانه وتعالى ، وأسرار الكون ، وخصائص النفس وعوامل رقيها في الحياة الدنيا والآخرة وفق حدود تتوافق مع القدرات العقلية للإنسان كما تتوافق مع طبيعة المعارف .
فالله سبحانه وتعالى وجه العقل الإنساني لمجالات التدبر والتفكر التي تعين عقله على فهم الوجود والاستدلال على رب موجود أوجد فأبدع ، فلم يدعه في ظلمات تتبدد فيها قواه بل ربى أفقه العقلي الذي يشتاق به لتفتيق أنوار المعارف بأن اسند إليه الوصول للمعرفة وفق الاستدلال والاستنتاج بالنظر العقلي والتفكر والتدبر كي تتحقق المعرفة في ذات المتعلم باقتناع عقلي وفهم قوي يعزز فيه الثبات العلمي والعملي .
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20
فإدراك الإنسان لقدرة الله ومعرفته الحقة لها تتجلى بصحة النظر في خلقه والاستدلال بإتقانه على قدرته التامة الكاملة ، والإنسان وفق هذا العمل العقلي يصل لإدراك المعارف بنفسه وفق توجيه الله سبحانه وتعالى وهو بذلك يشترك ويتفاعل مع المعارف مما يجعله نشط في تعلمه وتحصيله المعرفي .
كما نجد أن التربية الإسلامية تغذي نشاط المتعلم وفق استخدم أسلوب ضرب الأمثال وتشبيه الأمور غير الحسية بما هو حسي ليصل المتعلم للمعرفة بطريقة توجه إدراكه وتقوى قواه العقلية وأثارها خاصة إن كانت التشبيهات سابرة للقوى العقلية كما هو الحال في تشبيهات المنهج القرآن الكريم.
{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }العنكبوت41
فالله سبحانه وتعالى شبه عقيدة المشركين به ببيت العنكبوت في الوهن والضعف وهذا تشبيه يتطلب من المتعلم ناشطا عقليا يسبر به أغوار المعرفة بطبيعة بيت العنكبوت المادية والمعنوية ؛ ذلك لكون بيت العنكبوت يظهر لكل ناظر له قوة أركانه ماديا لقوة خيوطه الناسجة له إلا أنه معنويا ضعيف وهن من حيث العلاقات الأسرية ، فالله سبحانه وتعالى جسد المعرفة في صورة محسوسة يتطلب وعيها وإدراكها نشاطا ذهنيا قويا دقيقا شاملا في رؤيته وتفاعلا ذكيا للمتعلم كي يصل لتحقق المعرفة لديه .
وإيمانا من النبي صلى الله عليه وسلم بأهمية تفعيل نشاط المتعلم في العملية المعرفية نجده يولي جهده في إشراك المتعلم في التعلم والتعليم بإسناد بيان العلم وتوضيحه للمتعلمين من قبل أحدهما كما وقع في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أصول تعبير علم الرؤى ’’ فعن ابن عباس قال : كان يحدث أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : إني أرى الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فالمستكثر والمستقل وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل له فعلا قال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فلأعبرنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعبرها . قال أبو بكر أما الظلة فظله الإسلام وأما الذي ينطف من السمن والعسل فالقرآن حلاوته ولينه وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله به ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال فو الله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت قال : لا تقسم ’’
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهر أبي بكر بطلبه استباق المعلم ببيان العلم الذي أنار قلبه بعمل عقله ؛ لعلمه صلى الله عليه وسلم بأهمية إتاحة الفرصة للمتعلمين في الوصول للمعارف ، وأن استئثار المعلم ببيان العلم يضعف قوى المتعلم العلمية والعقلية .
فالأمثلة الواردة في تفعيل التربية الإسلامية لنشاط المتعلم وإشراكه في عملية اكتساب المعرفة وإنتاجها جزء يسير من منهج عظيم من تفعيل نشاط المتعلم في العملية التربوية الإسلامية وحقيقة أن التربية والتعليم عملية مزدوجة النشاط بين عناصرها بشكل يحقق قيام كل عنصر بدوره الفعال ، فنشاط المتعلم ركيزة أساسية لثبات العملية التعليمية وتطبيقها وتفعيلها في حياة المتعلم ، والمعلم الماهر الذي يحسن تنشيط المتعلم بأساليب وطرق مختلفة تتباين تبعا لتباين قدرات المتعلمين وتبعا لتباين أنواع المعرفة التي تفرض اختلاف في طرق اكتسابها .

-----------------
- مسلم بن حجاج النيسابوري . صحيح مسلم ، ت: محمد فؤاد عبد الباقي ، دار الإحياء ، بيروت ، ج4: ص1777
*تربيتنا
أضافة تعليق