محيي الدين صالح
الأمة الإسلامية هي أولى الأمم بالاهتمام بالنشء ، سعيا على درب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن ، والأدب الإسلامي يعول عليه الكثير في تهذيب أخلاقيات الطفل المسلم وتثقيفه وبث المثل في أعماقه من خلال الأساليب المحببة إليه .
الطفولة والأدب الإسلامي
بقلم : محيي الدين صالح
سيبقى الأدب الإسلامي في موقع الصدارة مهما تداعت على أصحابه الأمم ، وسيستمر التراث العربي في عطائه المتواصل والمتجدد رغم رياح التغريب التي تهب على المنطقة العربية ، وسيظل الأبناء في بؤرة اهتمام المجتمع الإسلامي والعربي لأنهم نصف الحاضر وكل المستقبل ، وقد أصاب الشاعر العربي وأجاد عندما وصف مكانة الأبناء في قلوب الآباء قائلا :
وإنــما أولادنـــــا بيــننا أكبادنا تمشي على الأرض
و ( حطان بن المعلي ) صاحب هذا البيت لم يبالغ في الوصف ، فكما أن الناس حريصون على سلامة أكبادهم فإن حرصهم على أولادهم أكبر وأهم ، فهم في أشد الحاجة إلى العناية والرعاية ، لأنهم في مرحلة لاحقة سيكون عليهم دور مماثل تجاه مَن بعدهم من أجيال ، وهكذا ، وإذا لم يكن لديهم الرصيد الوافر من الثقافة والأخلاق والعلم والدين والأدب ، فإن العاقبة ستكون وبالا على المجتمع في حاضره ومستقبله .
من هنا اهتمت الشعوب والأمم المختلفة بتذليل كل العقبات للنهوض بالمستوى الأدبي والثقافي والعلمي عند الأطفال منذ نعومة أظفارهم ، كل مجتمع يهيئ لهم المعرفة حسب معتقداته أو عاداته وتقاليده ، والموروث الحضاري للأمم هو الذي يبلور جهود الكبار نحو الصغار ، وهنا يظهر دور الأدباء الذين يشاركون في تشكيل وجدانيات الأطفال وتهذيبها وتوجيهها من خلال ما يقدمونه من مؤلفات وقصص وأشعار بالأسلوب الذي يناسب الأطفال ويروق لهم ، في المراحل السنية المختلفة ، وهذا هو سبب صعوبة كتابة ( أدب الأطفال ) .
ولعل ذكر الحيوانات والطيور والحشرات في بعض قصص القرآن الكريم ، وكذلك في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقدم لنا العظة والعبرة ويربينا على فعل الخير ، لعل ذلك يلفت الأدباء والشعراء إلى أهمية تناول هذه المخلوقات في الأدب خاصة الموجه للأطفال ، والاستفادة من هذا العالم العجيب من مخلوقات الله التي قال عنها سبحانه وتعالى في محكم التنزيل { إن هي إلا أمم أمثالكم } في ضرب الأمثلة عند الكتابة للطفل .
ولا شك أن قصص ( كليلة ودمنة ) لابن المقفع ، سواء كان هو المؤلف أو المترجم ، كان من أشهر القصص التي جاءت على لسان الحيوان ، وإذا ما جاء الشعر أيضا على لسان الحيوان ، فإن ذلك يعد من الأعاجيب التي تثير خيال الطفل ، لأن الكلام الموزون محبب إلى قلوب الأطفال حتى قبل أن يدركوا معانيه ومراميه ، وأيضا قصص الحيوانات والمغامرات التي تصاغ على ألسنتها تجذب انتباه الطفل وتأسر حواسه تماما ، فيتابعها بشغف وإعجاب شديدين ، فإذا ما اندمجت هذه المحببات إلى قلب الطفل في بوتقة واحدة ( الكلام الموزون وحكايات الحيوان ) فإن ذلك يكون له وقع أجمل في وجدانيات الطفل وأسرع إلى أذهانهم وأكثر تأثيرا في سلوكياتهم .
وقد حمل الشاعر كامل كيلاني راية هذا اللون الأدبي الجميل ( كتابة أدب إسلامي للطفل ) وصبغة صبغة إسلامية ، بعد جيل شوقي ورفاقه ، واحتفظ الكيلاني بالراية خفاقة عالية حين صاغ الكثير من القصص التربوية الإسلامية شعرا على ألسنة الحيوان ، وأشبعها بالقوافي المحكمة والأوزان الجذابة ، وسار على هذا الدرب حينا من الدهر ، ثم سلم الراية لمن بعده من الأدباء الموهوبين ، فبرز في مضمار الشعر إبراهيم شعراوي وأحمد شبلول وجمال عمرو وآخرون ، كما برز في مضمار النثر عبد التواب يوسف وآخرون .
وستبقى الطفولة في كل الأزمنة والأمكنة هي القبلة الاجتماعية الأولى التي تتجه إليها كل الجهود التنموية ، حيث ستقاس حضارات الأمم على أساس ما تخصصه للأطفال من وسائل التعليم والتثقيف ، والأمة التي تتخلف عن هذا المضمار ستجد نفسها وحيدة في ذيل القائمة ، إن وجدت نفسها .
وفي كل الأحوال فإنه من الأهمية بمكان أن تقوم الأمم بتركيز جهودها واهتماماتها بالأطفال صحيا وبدنيا ، وبالقدر نفسه الذي تنفقه على صحته وبدنه يجب الاهتمام بعقله ووجدانه ، وذلك ببث القيم الدينية من خلال كل السبل المتاحة شفاهة أو كتابة بأسلوب محبب إلى قلبه .
والأمة التي لا ترعى صغارها ولا تراعيهم ، ستصل إلى الشيخوخة مبكرا ، ولن تجد من يقوم على أمورها وشئونها مستقبلا ، حيث سيعقها الأبناء لأنها عقتهم من قبل ، ولمن يريد أن يستشرف مستقبل أية أمة ، عليه فقط أن يمعن النظر فيما تقدمه هذه الأمة لأطفالها ، وعلاقة ذلك بعقيدتها وقيمها ، وهنا يبرز أهمية الأدب الإسلامي فيما يقدم للطفل من إبداعات شعرية أو نثرية ، وعلى عاتق الأدباء الإسلاميين الذين يجيدون هذا اللون الأدبي تقع مسئولية كبيرة لأن الله سبحانه وتعالى منحهم الملكة التي يخاطبون بها الأطفال ، وسيُسألون عن هذه المنحة ماذا فعلوا بها عندما ( يُسأل عن علمه ماذا عمل به ) ، وهذا قمة من قمم الجهاد بالكلمة أو ذروة السنام ، لأننا جميعا نقف على ثغر من ثغور الإسلام ، كل منا بقلمه .
*رابطة الأدب الإسلامي
الأمة الإسلامية هي أولى الأمم بالاهتمام بالنشء ، سعيا على درب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن ، والأدب الإسلامي يعول عليه الكثير في تهذيب أخلاقيات الطفل المسلم وتثقيفه وبث المثل في أعماقه من خلال الأساليب المحببة إليه .
الطفولة والأدب الإسلامي
بقلم : محيي الدين صالح
سيبقى الأدب الإسلامي في موقع الصدارة مهما تداعت على أصحابه الأمم ، وسيستمر التراث العربي في عطائه المتواصل والمتجدد رغم رياح التغريب التي تهب على المنطقة العربية ، وسيظل الأبناء في بؤرة اهتمام المجتمع الإسلامي والعربي لأنهم نصف الحاضر وكل المستقبل ، وقد أصاب الشاعر العربي وأجاد عندما وصف مكانة الأبناء في قلوب الآباء قائلا :
وإنــما أولادنـــــا بيــننا أكبادنا تمشي على الأرض
و ( حطان بن المعلي ) صاحب هذا البيت لم يبالغ في الوصف ، فكما أن الناس حريصون على سلامة أكبادهم فإن حرصهم على أولادهم أكبر وأهم ، فهم في أشد الحاجة إلى العناية والرعاية ، لأنهم في مرحلة لاحقة سيكون عليهم دور مماثل تجاه مَن بعدهم من أجيال ، وهكذا ، وإذا لم يكن لديهم الرصيد الوافر من الثقافة والأخلاق والعلم والدين والأدب ، فإن العاقبة ستكون وبالا على المجتمع في حاضره ومستقبله .
من هنا اهتمت الشعوب والأمم المختلفة بتذليل كل العقبات للنهوض بالمستوى الأدبي والثقافي والعلمي عند الأطفال منذ نعومة أظفارهم ، كل مجتمع يهيئ لهم المعرفة حسب معتقداته أو عاداته وتقاليده ، والموروث الحضاري للأمم هو الذي يبلور جهود الكبار نحو الصغار ، وهنا يظهر دور الأدباء الذين يشاركون في تشكيل وجدانيات الأطفال وتهذيبها وتوجيهها من خلال ما يقدمونه من مؤلفات وقصص وأشعار بالأسلوب الذي يناسب الأطفال ويروق لهم ، في المراحل السنية المختلفة ، وهذا هو سبب صعوبة كتابة ( أدب الأطفال ) .
ولعل ذكر الحيوانات والطيور والحشرات في بعض قصص القرآن الكريم ، وكذلك في بعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقدم لنا العظة والعبرة ويربينا على فعل الخير ، لعل ذلك يلفت الأدباء والشعراء إلى أهمية تناول هذه المخلوقات في الأدب خاصة الموجه للأطفال ، والاستفادة من هذا العالم العجيب من مخلوقات الله التي قال عنها سبحانه وتعالى في محكم التنزيل { إن هي إلا أمم أمثالكم } في ضرب الأمثلة عند الكتابة للطفل .
ولا شك أن قصص ( كليلة ودمنة ) لابن المقفع ، سواء كان هو المؤلف أو المترجم ، كان من أشهر القصص التي جاءت على لسان الحيوان ، وإذا ما جاء الشعر أيضا على لسان الحيوان ، فإن ذلك يعد من الأعاجيب التي تثير خيال الطفل ، لأن الكلام الموزون محبب إلى قلوب الأطفال حتى قبل أن يدركوا معانيه ومراميه ، وأيضا قصص الحيوانات والمغامرات التي تصاغ على ألسنتها تجذب انتباه الطفل وتأسر حواسه تماما ، فيتابعها بشغف وإعجاب شديدين ، فإذا ما اندمجت هذه المحببات إلى قلب الطفل في بوتقة واحدة ( الكلام الموزون وحكايات الحيوان ) فإن ذلك يكون له وقع أجمل في وجدانيات الطفل وأسرع إلى أذهانهم وأكثر تأثيرا في سلوكياتهم .
وقد حمل الشاعر كامل كيلاني راية هذا اللون الأدبي الجميل ( كتابة أدب إسلامي للطفل ) وصبغة صبغة إسلامية ، بعد جيل شوقي ورفاقه ، واحتفظ الكيلاني بالراية خفاقة عالية حين صاغ الكثير من القصص التربوية الإسلامية شعرا على ألسنة الحيوان ، وأشبعها بالقوافي المحكمة والأوزان الجذابة ، وسار على هذا الدرب حينا من الدهر ، ثم سلم الراية لمن بعده من الأدباء الموهوبين ، فبرز في مضمار الشعر إبراهيم شعراوي وأحمد شبلول وجمال عمرو وآخرون ، كما برز في مضمار النثر عبد التواب يوسف وآخرون .
وستبقى الطفولة في كل الأزمنة والأمكنة هي القبلة الاجتماعية الأولى التي تتجه إليها كل الجهود التنموية ، حيث ستقاس حضارات الأمم على أساس ما تخصصه للأطفال من وسائل التعليم والتثقيف ، والأمة التي تتخلف عن هذا المضمار ستجد نفسها وحيدة في ذيل القائمة ، إن وجدت نفسها .
وفي كل الأحوال فإنه من الأهمية بمكان أن تقوم الأمم بتركيز جهودها واهتماماتها بالأطفال صحيا وبدنيا ، وبالقدر نفسه الذي تنفقه على صحته وبدنه يجب الاهتمام بعقله ووجدانه ، وذلك ببث القيم الدينية من خلال كل السبل المتاحة شفاهة أو كتابة بأسلوب محبب إلى قلبه .
والأمة التي لا ترعى صغارها ولا تراعيهم ، ستصل إلى الشيخوخة مبكرا ، ولن تجد من يقوم على أمورها وشئونها مستقبلا ، حيث سيعقها الأبناء لأنها عقتهم من قبل ، ولمن يريد أن يستشرف مستقبل أية أمة ، عليه فقط أن يمعن النظر فيما تقدمه هذه الأمة لأطفالها ، وعلاقة ذلك بعقيدتها وقيمها ، وهنا يبرز أهمية الأدب الإسلامي فيما يقدم للطفل من إبداعات شعرية أو نثرية ، وعلى عاتق الأدباء الإسلاميين الذين يجيدون هذا اللون الأدبي تقع مسئولية كبيرة لأن الله سبحانه وتعالى منحهم الملكة التي يخاطبون بها الأطفال ، وسيُسألون عن هذه المنحة ماذا فعلوا بها عندما ( يُسأل عن علمه ماذا عمل به ) ، وهذا قمة من قمم الجهاد بالكلمة أو ذروة السنام ، لأننا جميعا نقف على ثغر من ثغور الإسلام ، كل منا بقلمه .
*رابطة الأدب الإسلامي