لطالما كان الأدب لسان الشعوب، و المتحدث الأول بقضاياها بالرغم من أن العديد من الناس يروا فيه ترفا فكريا.. لا يغدو أن يكون متعة و رفاهية فكرية، و ابتعادا أو هروبا من الملل و السآمة، التي تطغى على الفكر و التاريخ و الفلسفة…
لقد كانت الرواية، و القصة، و الشعر منذ سنوات خلت، مادة خصبة لدى العديد من الأدباء، من أجل طرح مجموعة من القضايا الهامة و ايصالها للمتلقي أو القارئ في قالب أدبي مثير، لا يخلو من الترقب و التشويق و أهم شيء ” الجمالية “، بل لعل أعمالهم الأدبية، تصوير فريد لتلك الحقب أو العصور، و حتى القضايا المثيرة للجدل في حلة بهية تُمتع القارئ حد التماهي…
لقد اجتمع في الأدب كل العلوم الإنسانية تقريبا، فكان مادة متفردة لها خصوصية خاصة، و كل من يدعي غير ذلك فهو واهم.. حري به أن يطلع على روائع الأدب العالمي، لينهل من تجارب متميزة، قديمة و حديثة، مما يكسب الإنسان ثقافة خصبة و معرفة غنية.
و إذا كان الأديب لسان قومه و أمته.. فهو بالأحرى لسان
انتمائه و اديولوجيته، حتى إن لم يكن ناطقا باسمها.. لكنه بشكل أو بآخر متأثر بها.. رافد من روافدها، متشبع بأفكارها، مهما سعى إلى الموضوعية و الحيادية، فهي التجربة الغنية التي أثْرَت حياته، و أغنتها فكريا و معرفيا..
ولا شك أن العديد من الأسماء البارزة في سماء الأدب، تأثرت بمرجعيتها الدينية أو السياسية أو الفكرية، و ترجمت تجاربها، أو تجارب الحركات و الأحزاب التي انتمت إليها.. في الكثير من الأعمال الأدبية، و أرَّخت عبر أعمالها لأحداث و وقائع.. و فسَّرت الغامض و بيَّنت المبهم دون المساس بجمالية النص و أسلوبه، بل بَلَّغت الرسالة المبتغاة، و الهدف المنشود من العمل الأدبي بمنتهى الدقة و النجاح الباهر.
ثم ما فائدة المثقف أو الأديب أو الفنان، إذا لم يُعَبِّر عن هموم شعبه، و يُترجم واقع أمته، و أية حيادية أو موضوعية تكمن في انعزاله عن القضايا الكبرى، و تفرُّغِه للتافه من الأمور؟ و ما وظيفته إن نأى بنفسه و إنتاجه عما يغلي به الشارع، و تئِنُّ به النفوس؟
أما و عالمنا يشهد أحداث جساما، تتمثل أساسا في شعب عربي مسلم يُباد على مرأى أنظار جميع البشر بدعم غربي مطلق، فَحَرِيّ بكل مسلم أن يدافع عنه بكل ما أوتي من جهد و قوة و قدرة..
ولعل الأديب هو أول من عليه أن ينبري للتعبير عما يختلج أفئدة هذا الشعب الذي يكتوي بنيران الكيان الصهيوني، و أن تكون أعماله شاهدة على هذه الجرائم، و وثائق حية دالّة على هذا العدوان.و لا يُستثنى من ذلك باقي قضايا الشعوب، و همومها ؛
أما من يرددون ما علاقة الأدب بالسياسة أ و الدين؟ و لماذا نحبس الأدب و الفكر في قالب جامد، أو قضايا معينة؟
و غيرها من التساؤلات التي لا تريد منا ألا نسجن الأدب في قفص معين، و أن نجعله يحلق بعيدا في سماء الإبداع دون قيود و لا شروط.. فلا تهم الفكرة.. أو القضية.. أو نظافة الكلمة.. أو احترامها لقيم و أعراف الشعوب و المجتمعات..
بل نتركه حرّأ طليقا بعيدا عن قضايا و الناس و قيمهم الدينية و الاجتماعية و الثقافية، و الحضارية أيضا…
إن الأدب رسالة، تحمل بين طياتها قيما عديدة، أولها القيمة الفنية، المتمثلة في جمال المبنى و المعنى، الشكل و المضمون، بالإضافة إلى قيم أخرى، يستحضر الأديب من خلالها، أن عمله سَيُكتب له الخلود و تتوارثه الأجيال و يؤرخ لمواقف و أحداث…
فليكن أثره قيميا رساليا، يُشكِّل إضافة نوعية في مجاله، و يغدو مرجعا عند ذوي الاختصاص، و يُكتب اسمه في ديوان الخالدين.
*نقلاً عن موقع منار الإسلام للأبحاث والدراسات