مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2015/12/29 17:40
د مكي فرحان كريم
      اختلف في تحديد مفهوم التدريس أهو علم أم فن ؟ فانقسم المختلفون على قسمين ، القسم الأول : يرى أنّ التدريس علم ، وحجتهم في ذلك تتحدد في أنّ العلم هو هيكل نظامي من المعرفة بحقيقة ظاهرة معينة في نوع يجعل الجميع يتعامل معها بصورة مقبولة ومباشرة ، وأنّ العلم هو مجموعة الحقائق والافكار والنظريات التي تحققت وتم التأكد من صدقها وسلامتها عن طريق الملاحظة أو التجريب ، ويمكن استعمالها في جوانب الحياة المختلفة ، وعلى هذا الأساس يحصل تقبل العلوم ولا يختلف فيها ؛ لأنّ مصدرها العقل ، والعقل ثابت أمام ما تأكد صحته .
       أما القسم الثاني من المختلفين : يرون أنّ التدريس فن ، ويعرّفونه بأنّه مجموعة من المهارات والخبرات التي ينماز بها فرد من دون آخر ؛ لأنّها تتوقف على مدى اكتسابه لها ، ووفقاً لاستعداداته ، وامكاناته ، وقدراته التي يتم تطويرها بالممارسة والتطبيق المستمرين .
       إنّ هذا الاختلاف ليس مضمون هذه القراءة ، وإنّما المراد هنا تحقق في سيكولوجية مفهوم التدريس الفعّال بوصفه أداة العملية التربوية الرئيسة لتحقيق الأهداف المقصودة ، وإنّ الجانب الفني في التدريس لا يعطي انطباعاً على أنّه فن ليس إلّا ، بقدر ما يفسر ذلك الرأي الثالث ؛ الذي ينظر الى أنّ الفن مصدره الذوق والجمال والعاطفة ، وهذه المصادر الثلاثة لا يتفق فيها الجميع على الحكم ، بشأن العمل الفني الواحد من جهة القبول أو الرفض .
       ووسطية الآراء يتضح من طريقها أنّ التدريس هو علم وفن معاً ؛ لأنّ العلوم والفنون كلها لها جانبان ، إحداهما نظري ، والثاني تطبيقي ، فالحقائق ، والنظريات ، والأنظمة هي الجانب النظري للعلوم ، الذي يمثل البعد العلمي للتدريس ، أما استعمالها وتوظيفها في مساقات الحياة المختلفة هي الجانب التطبيقي لها ، الذي يمثل صفة الفن للتدريس ، وكذلك الفنون أيضا لها جوانب تطبيقية محسوسة وملموسة يمكن رؤيتها والإحساس بها والتفاعل معها .
       لذا فإنّ التدريس هو نشاط متواصل يهدف الى إثارة التعلم وتسهيل مهمة تحققه ، وتتضمن سيكولوجيته مجموعة من الأفعال المتواصلة ، والقرارات المستقلة وتوظيفها بشكل مقصود من المدرس الذي يعد الوسيط في نقل المعرفة ، وتنظيم المعلومات ، والبيئة التعليمية بشكل يسهل عملية التعلم للمتعلم ، وأنّ كل هذه الافعال والقرارات محكومة بأسس سيكولوجية مهمة حددتها نظرية المعنى ، منها الذهن النشط في صياغة المعرفة ، والتسلسل المنطقي في تقويمها ، والايجاز الواضح في عرضها ، وكذلك من الأسس السيكولوجية لفن التدريس ، النقد الذاتي في تشخيص نقاط الضعف في التدريس بالنسبة للمدرس .
       وعليه فإنّ التدريس الفعال هو فن مؤسس على علم ، أو علم قائم على فن ففيه تتمركز المعرفة والمعلومات في الجانب العلمي ، والأداء الحركي ، والتقنيات المستعملة في الجانب الفني ، ومن طريقها تتم عملية التفاعل في التدريس الذي يهتم بتربية عقل المتعلم وشخصيته بجوانبها المختلفة ، المعرفية ، والوجدانية والادائية ، وتنمية المهارات الذهنية عنده .
 وخلاصة القول أنّ فن التدريس الفعّال هو ذلك النوع الذي يجعل المتعلم يعبر ، ويقرأ ، ويفهم ، ويحلل ، ويستنتج ، ويفسر ويختلف ، ويتفق ، في دراسته النصوص المختلفة التي يدرسها داخل البيئة التعليمية وخارجها ؛ من طريقها يمكن تحقيق الذات الشخصية المتكاملة للمتعلم وهو الجانب السيكولوجي في التدريس الفعّال ، وأنّ نتيجة هذه القراءة تجسدها جملة (ألبير إنشتاين) "أنا لا أدرّس أي شيء لتلامذتي ، أنا فقط أهييء ظروفاً تمكنهم من التعلم"
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لإثراء المعرفة النظرية حول المقال ينظر :
  1. جابر، عبد الحميد جابر، مهارات التدريس، 1999 م.
  2. دروزه، أفنان نظير، النّظرية في التدريس وترجمتها عملياً، 2000 م.
  3. زيتون، كمال عبد الحميد، التدريس، نماذجه ومهاراته،  2003 م.
  4. عايل، حسن، المنوفي سعيد جابر، المدخل إلى التدريس الفعال .
  5. عدس، عبد الرحمن، يوسف القطامي وآخرون، علم النفس التربويّ ،1993.
أضافة تعليق