مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2015/08/31 08:13
"القيومية" "والسببية" وأساس بناء التدين

سيكو مارفا توري
الدين هو المعيار الأول لمقياس أعمال المؤمن، وعلى ضوء التعاليم الدينية يَقدُم المسلم أو يحجم! لكن على أي أساس يبني الدينُ نفسُه تديّنَ المسلم؟ أيقول لك الدين: اتخذ الأسباب ثم ادع، أو اعتمد على الدعاء، وحسبك الله؟! فكّر في تكاليف الأولاد قبل الخلفة، أم خلّف دون التعرض لتبعات الأمر، فالرزق بيد الله؟! لدراسة ذلك نقف على بعض ما يأتي:

العلم بين الوحي والعقل:

معرفة المجهول تتم بإدراك كُنهه وحقيقته عبر مصادر المعرفة ووسائله. ووسائل الإدراك هي السمع والبصر والفؤاد: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" " وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً." ومصادر المعرفة اثنان: أولهما الوحي والمعني بهداية الخلق إلى ربهم وإرشادهم؛ ولا يهتم بكشف حقائق الطبيعة للبشر، كبناء بيت وصنع طائرة..، وترك ذلك للناس. والمصدر الثاني من مصادر المعرفة هو الكون وما فيه من ظواهر، ويشترك جميع البشر في هذا، بخلاف الأول؛ إذ لا يتوقف الإدراك به على إيمان أو وحي. وأقره الإسلام في أدلة وجود الله والإيمان عموماً. "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.. لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يعقلون" " أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ"، ومن هنا ربط القرآن العلم والفهم والكشف بـ التعقل والتفكر والتدبر في هذه المصادر.

هل العلاقة بين العقل والوحي كدوامة البيضة والدجاجة؟

لعل قاعدة "العقل الصحيح لا يعارض النص الصحيح الصريح" لا معنى لها واقعيا؛ إذ إن الإقرار بهذه القاعدة يحتاج أولا إلى إيمان، كما أن في تحديد العقل الصحيح إشكالية أخرى. على أن المشكلة تبدأ لدى التعارض، لا لدى الاتفاق. وعليه، فلعله لا معنى حقيقةً بعد ثبوت العلم لطريقة ثبوته؛ أبالوحي أم بالعقل؟ وتصبح القضية من بعد ثانوية. لكن أيهما الأوّل والأولى؛ يدخل الإنسان في دوامة البيضة والدجاجة؛ وذلك في ظل اهتمام تركيز كلٍّ بجانب مغاير.

إشكالية العقل والوحي في ثوبه الجديد:

من المضوعات التي أصبحت من المسلمات باسم العلم الاطمئنان على جنس الجنين بخبر الطبيب وأجهزته، وأن درجة الزلزال والفيضان في المنطقة الفلانية ستكون كذا في وقت كذا، والحديث عن التلوث البيئي وأنه أمر قطعي، وقلة الماء في الكون مقارنة بالطلب الإنساني له، بل والإيمان بأن عدد السكان أكثر من المصادر الموجودة في الكون وغيرها.. فلعل مثل هذه الأمور التي يتم الحديث عنها باسم العلم التطبيقي أو الطبيعي نتيجة التطور العلمي إلى درجة ما لا ينكر؛ من الإشكالات الحديثة التي توقظ من جديد إشكالية العقل والوحي؛ نظرا إلى أن الوحي له موقف معين تجاه هذه الأمور؛ إذ ثمة عناية ربانية، لا يهتدي لها العلم التطبيقي.

الإيمان بقيومية الله:

يقتضي الإيمان بالله تعالى وصفَه بكل كمال وتنزيهه عن كل نقص، وذلك دلالة الربوبية والألوهية. وعليه، فإن المسلم يعتقد أن كل شيء في الكون بقدرة الله ومشيئته، وأن الله حي قيوم، وأنه كل يوم في شأن وتدبير. لا ضار ولا نافع إلاهُ. وعليه يتوكل المسلم وبه يستعين. وإن الله يصنع الصانع وصنعته. ومن هنا يرتبط القلب بالله، ولا يريد إلا رضاه، ولا يدعو إلاهُ؛ لذا يؤمن بالبركة، وبالتوكل، وبالعناية الربانية وغيرها!

الإقرار بسنة السببية:

لكن في الوقت نفسه، لا معنى للكلام السابق إلا باتخاذ الأسباب غالبا؛ وليس ذلك تناقضا لما قيل، بل إن الله ربط القيومية باتخاذ الأسباب"سنة السببية"؛ لذلك يُعرف عكس هذه العادة بالخوارق كمعجزة وكرامة أو استدراج. ومن هنا: لا معنى لطلب الرزق من الله دون عمل، "فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة". ولا معنى للتوكل دون جهد؛ "اعقلها وتوكل". ويستوي المؤمن وغير المؤمن في السببية، بخلاف القيومية. ولا تعرف السببية -ظاهريا- البركة والتوفيق والتضرع (1+1= 2.)

إشكالية الفصل بين القيومية والسببية:

من ذلك أنه يمكن أن يحقق الكافر مأربه باتخاذ أسبابه، وينجح في ذلك رغم كفره، ولا يحقق المؤمن مأربه بالقيومية مع انعدام الأسباب، والحضارة المادية خير دليل.

وهذا يجعل السببية أقرب إلى عين الإنسان من القيومية بحكم المادة، "كلا بل تحبون العاجلة".

ومن الإشكالية أن عدم التريث والتفطن يجعل الإنسان مغرورا؛ "إنما أعطيته على علم" اتخذت الأسباب فحققت ما أريد، وظالماً "أنطعم من لو يشاء الله أطعمه" وربما ينحدر الإنسان بذاك نحو الإلحاد "ما علمت لكم من إلهي غيري" "أليس لي ملك مصر."

ومن الإشكالية أيضا التصوف السلبي، والزهد العجزي، والتقليل من شأن رسم خطط عملية لمئات السنين، وعدم اتخاذ الأسباب باسم القدر أو القيومية.

ومنه أيضا التخدير وعدم الجدية في العمل، والاهتمام بالشكليات وسفاسف الأمور، ومحاولة إنجاز ما ينجزه الغير بأوهن الأسباب وأقل الخسائر، والظن بذلك أن الأسباب اتخذت.

بماذا يربط المسلم تدينه؟

حث الإسلام في كثير من الآيات والأحاديث على الزواج مثلا، وعلى التعددية لتكثير أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، لكن هل المسلم مطالب بربط هذه الآيات والأحاديث (قدر وقيومية) بما هو ظاهر من أعباء الزواج، ومسؤوليات الأولاد، أم عليه أن يعقلها، ويعرف مدى أهبته واستعداده الواقعي لذلك "السببية."؟! وحث الإسلام أيضا على الدعاء (قيومية) لكن شرط فيه ولا تعتدوا "السببية"، يعني "ولا تعتدوا" لا تدعو بأشياء غير ممكنة عادة كإرجاع الشيخ شابا، وأن تكون باريس عاصمة إيطاليا! وهل يعد المسلم ما استطاع من قوة، أم يدعو اللهم دمر وزلزل وأهلك؟!

يُرى أن في العمل بالسببية فقط كفران، والعمل بالقيومية فقط نقصان، والإنسان سيقدم على هذا أو ذاك وفق ظرفه، والمؤمن الحق من وُفق لخير الأمرين، والدنيا ليست في الحقيقة إلا التنازع بين هذا وذاك، "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم "
* الاسلام اليوم

 

أضافة تعليق