مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/01/31 07:02
إشكالية”السنة” و “الشيعية” في الإسلام
لعل أقصر جواب لسؤال:”هل الشيعة مسلمون؟” هو:”نعم هُم مسلمون إلا أنّ..” أو “لا، هم كفار لأنهم..”! لكن الجواب أعمق من ذلك في الحقيقة، إذ تسبقه التساؤلات الآتية: من هو المسلم، ومن هو الكافر، وماذا يعني “الإسلام السني” أو “الإسلام الشيعي”إن صح التعبير، وما مفهوم الدين، والفرقة الدينية؟ يجدر بالذكر أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أخذ اسمه من القرآن الكريم وليس بتسمية خارجية! فمن آمن بنبوة محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- ورسالته فهو مسلم واسم دينه الإسلام: (ورضيتلكمالإسلامدينا) و(هو سماكم المسلمين). فمن أين أتى السنة والشيعة؟! الإسلام في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منذ أن بدأ النبي عليه الصلاة والسلام دعوته بمكة سرا، لثلاث سنوات، ثم العشر السنوات الآتية المتممة للعهد المكي، مِن جمْع قبائل العرب بمكة بعد نزول “”فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين” ومع إيذاء قريش لمن آمن به، مرورا بمفاوضاتهم مع عمه أبي طالب، وصولا إلى خطابات النبي في عرض دعوته على وفود العرب في الحج، واستحضارا لبنود البيعتين، واعتبارا لكلمة جعفر: سفير المسلمين في الحبشة وبيانه الإسلام للنجاشي، إضافة إلى شهادة أبي سفيان أمام ملك الروم وتأكيده طبيعة الرسالة الجديدة، وانتهاء بالسنين العشر في العهد المدني: الذي فيه صار للإسلام دولة، وحددت العلاقات، واتسعت رقعة الإسلام، وروسِلت الملوك، وأصبح للإسلام صوت ووجود مُعتبر، بل أصبحت سيادة الجزيرة له، وقدمت الوفود، مع وقفات حجة الوداع؛ يجد المدقق أن الإسلام وقضاياه كان واضحا للعيان لا تشوبه أية شبهة، يبقى من شاء الإيمان به، ومن شاء الكفر به وتركه وشأنه، أو الكفر به والصد عنه، مما يوضح قضايا الإسلام آنئذٍ مثل ما يأتي: «ياأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذلّ لكم العجم، وإذا آمنتم كنتم ملوكا في الجنة»” «تعالوا بايعوني على أن لاتشركوا بالله شيئا، ولاتسرقوا، ولاتزنوا، ولاتقتلوا أولادكم، ولاتأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولاتعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله إنشاء عاقبه، وإنشاء عفا عنه»”
“«أيها الملك: كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار ويأكل القوي من االضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم، ونهانا عن الفواحش.. فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ماجاء به من الله، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان.. فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك»” “ماذايأمركم؟قلت : يقول : ( اعبدوا الله وحده، ولاتشركوا به شيئاً، واتركوا مايقول آباؤكم)، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.” وأكد خطبته عليه السلام في حجة الوداع حرمة المال والدم، والربا، والوصية بالنساء خيرا، والسمع والطاعة، والوصية بالصلاة، والإخوة الإسلامية، وعدم الرجوع ضلالا يضرب البعض رقاب بعض، وبهذا: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”! الإسلام بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ما مضى بمثابة نماذج من أصول الإسلام على لسان رسوله، ولسان من حاول إيصال رسالته إلى الغير في حياته، وما أركان الإيمان والإسلام منكم ببعيد. ولم يكن يطلق على هذه القضايا إلا اسم الإسلام، وهو ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه (ما أنا عليه وأصحابي) وهو الذي وصى به النبي “عليكم بسنتي”!ومع ذلك فكان اسم الدينة هو الإسلام لا غير. لكن ماذا حدث بعد وفاة رسول الله؟ تعددت مصادر الإسلام (المرجعية)، وتفرعت القضايا وتداخلت، وتباينت رؤى السلف الصالح، خير القرون الذين عاينوا نزول الوحي وصحبوا خير البرية! ولا عجب ولا استنكار في كل هذا، لكن أن يغلّب جانب من قضية ما على أصول الإسلام نفسه هنا المغالطة، وهنا وقع الكثير من مسمى الفرق الإسلامية. هل يصح القول بهذا أنه في حياة النبي لا وجود لسنة ولا لشيعة، إذ اعتبرنا أن عمدة الاثنين يتمحور حول الإقرار بخلافة هذا وأحقيته أم ذاك!صحيحٌ بدأ الأمر بسيطا كغيره، ثم تطور، وأصبح هناك تطورات داخلية حول التطور الواحد نفسه، وشارات تجمع كل قوم وتمايزهم عن غيرهم مما هو ليس مما ورد في قضايا الإسلام في حياة النبي.. وهكذا! ولعل هذا الكلام يصح على الاثنين. مفهوم الدين والفرقة الدينية يمكن تعريف الدين بأنه الإيمان الأكبر في حياة الإنسان وما يتبع من قضاياه. هذا يجعلنا نقول بأن الدين يقوم على جملة عناصر، أهمها أصول الإيمان، وهي ما يمايز الأديان بعضها عن بعض، والعمل أو السلوك، وقد تلتقي الأديان في الكثير منها. التصديق بأصول إيمان دين ما يجعل الإنسان منتسبا لذلك الدين، وكفره بباقي الأديان. فمن آمن بأصول الإيمان في البوذية فهو بوذي، وبالتالي ليس يهوديا ولا هندوسيا. الاختلاف في فهم أصول دين ما يكوّن الفرقة الدينية، لا دينا جديدا. وعليه، فإن الفرقة الدينية هي مجموعة تفسيرات مختلفة لأصول الدين الواحد، ومثله أن يعتقد دين ما بعقيدة التثليث، ويختلفون في شرح المفهوم بذلك، فالاختلاف في الشرح لا يستلزم بالضرورة دينا جديدا، لكن فرقة دينية داخل الدين نفسه. أخيرا، الإسلام أكبر من تضييقه في دائرة الخلاف حول الإمامة وتضخيم موقف كل فريق واحتكار الإسلام فيه، كما أنه أكبر من تضييقه في الصفات الخبرية، وفي العلاقة بين الإيمان والعمل وحقيقتهما من الإيمان، وأفعال الله وأفعال العباد، وحكم مرتكب الكبيرة. المقصود أن لا تكون هذه القضايا أكبر من أركان الإيمان وأركان الإسلام نفسيهما. ولعل الخطأ الذي وقع فيه الفكر الإسلامي قديما أثناء التدوين هو التركيز على هذه القضايا والاكتفاء بالمعلوم! ولعل على علماء المسلمين المعاصرين مراعاة هذه الحقيقة في خطاباتهم، ببيان الإسلام وفق ما كان عليه في العهد النبوي، لا إعادة تاريخ الإسلام الذي ركز على أحداث ما بعد وفاة النبي. أختم بالآتي: إذا كان مسمى الشيعة غير مسلمين يُتعامل معهم كما يتعامل مع باقي الأديان: البر والقسط إلا حالة العدوان، وإن كانت مسلمة فيتعامل معهم كما يتعامل مع الخلافات الداخلية الكثيرة، ما لم تصل حد الحرابة، وللحرابة أحكامها!
أضافة تعليق