مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
والقلمِ وما يسطرون
عبد الله بن مرزوق القرشي
الاربعاء 11 جمادى الأولى 1435 الموافق 12 مارس 2014
معرضُ الكتاب الدولي في الرياض أصبح تظاهرةً ثقافية يصعب تجاوزها، ودورُ الكتب والنشر تشارك في معارض الكتاب في العواصم العربية، غير أنها تعتبر معرض الرياض هو موسمها الأهم، الذي تتزيَّن له بأجمل إصداراتها وكتبها.
وهذا يعني أن سوق الثقافة والمعرفة في مجتمعنا سوقٌ رائجة وفاعلة.
مازلتُ أذكر -قبل أعوام- مشهد السيارات التي ملأت الساحات حول المعرض، والطوابير الطويلة عند بوابات المعرض، في مشهدٍ بهيج يُذكِّرك بأن هذه الأمة هي أمة “اقرأ”، وأن القراءة والمعرفة ينبغي أن تعودا في صدر اهتماماتنا.
شبكات التواصل الاجتماعي كانت سببا جديدا في تنشيط السوق الثقافية، فهي تروّج لمعرض الكتاب وشراء بعض الكتب من جهة، ومن جهة أخرى أصبح المشتركُ فيها صاحبَ دكَّان ثقافي صغير، وهو محتاج للكتب والقراءة حتى يزوّد متابعيه بما يغريهم بالبقاء والمتابعة.
لقد أصبحت الكتابة عادة جديدة رائجة، وليست محصورة في المثقفين والأكاديميين.
ليست مصادفةً أن الأمة الأكثر قوة وقيادة للعالَم هي الأمة الأكثر قراءة، يقول فولتير:“سُئلتُ عمن سيقود الجنس البشري؟ فأجبت: الذين يعرفون كيف يقرؤون.
” العلم والقراءة متى ما دخلا مجالًا أكسبا هذا المجال الطاقة اللازمة للتطور والتفوق السريع.
إننا نبذل أموالًا وجهودًا طائلة في تعليم الأطفال طريقة الكتابة والقراءة، ونحتاج أن نبذل شيئا من أموالنا وجهودنا في صناعة “حب القراءة والكتابة”..هذا الحب والشغف والنَّهَم يصنع الأعاجيب، ويجعل من القلم صديقا حميما، ومن الكتاب رفيقًا جادًّا وممتعًا في رحلةِ الحياة الطويلة.
والقلم والكتاب لا يرافقان أحدًا ثم يبقى تافها.
قبل أن نغرق في توزيع المعلومات على الطلاب وإلزامهم بها واختبارهم فيها يجب أن نصحّح العلاقة بين العلم والطالب، ونعيد بناء العلاقة بينهما حتى يكون العلم بالنسبة للطالب كمَاءٍ بارد جاء على ظمأ، أو طعام جاء على جوع، أو نوم جاء على تعب، أو مال جاء على فاقة.
إن الطالب الذي صنع فيه أستاذُه “النّهم” إلى العلم لا يضيره ما فاته من “معلومات”؛ فإنه مدركُها لا محالة، وسيبحث عنها بحث الرجل الظامئ عن ماء بارد.
وإذا وجدتَ مدرسة أو معلمًا يصنع هذا “النَّهم” في تلميذه فارْمِ له بفلذة كبدك، فإنه شغف العلم وسرّه وإدمانه.
وقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث ضعّفه بعض أهل العلم وقوّاه السخاوي بمجموع طرقه: “منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا”، ولاحِظْ هنا “لا يشبعان”.
وقد قيل: “ما استكثر أحد من شيء إلاّ ملّه وثقل عليه، إلاّ العلم والمال، فإنه كلما زاد كان أشهى له”.
فما بال هذه الأعداد من طلابنا يخرجون من مدارسهم وجامعاتهم لا يلوون على شيء من علم؟! السبب بكل بساطة: لأننا “بذلنا” لهم المعلومات وشرحناها لهم وألزمناهم بها وحفظوها واخْتُبِروا فيها، ولكننا لم نصنع فيهم هذا الشيء الذي يُسمّى “النّهم للعلم”.
لم يشعر طلابنا بالظمأ ونحن لا نبرح نبذل لهم الماء، ولم يشعروا بالجوع ونحن نلزمهم بالطعام، فغدت علاقتهم بالمعلومة علاقة المُتْعَبِ مما يحمل، ثم تزيده أحمالاً فوق ظهره، وكان الأَوْلى أن ينظر إلى العلم نظر التاجر إلى مال تزيده إليه.
يبقى السؤال..
كيف نصنع “النّهم” للعلم في نفوس طلابنا وأبنائنا؟ وتلك قصة أخرى تستحق أبحاثًا علمية ولقاءات مستمرة، ولكن يكفينا هنا أن نجيب على سؤال: ماذا نريد؟ هل نريد بذل العلم فحسب، أم نريد كذلك صناعة النّهم للعلم؟ وكل من أراد شيئًا سيبحث عن أسباب تحقيقه، وسيقرأ وسيبحث وسيفكر وسيجرب في كل طريقة من شأنها صناعة هذا النّهم للعلم.
أتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه معرض الكتاب السنوي موعدًا مغريًا لصغارنا قبل كبارنا، وأن نقيس علاقتنا بالعلم بقدر إقبالنا على سوق الكتاب، وبالعلم نختصر الطريق الطويل في سبيل التقدم والبناء والتنمية.

نقلا عن صحيفة مكة
أضافة تعليق