مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
هُمْ أكثر منا اختلافًا وأكثر منا اجتماعًا!
عبد الله بن مرزوق القرشي
في يومي الأربعاء والخميس الماضيين عَقَد مركزُ الملك عبدالعزيز للحوار الوطني اجتماعَه الدوري، وكان اللقاء بعنوان “التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية”، وقد أثرى الإخوة الزملاء اللقاء بآرائهم وأفكارهم، أما أنا فقد كنت مشغولًا بهذه المفارقة: لماذا تعيش بعض المجتمعات الأخرى خلافات أكثر منا بكثير، وهي في نفس الوقت أرسخُ اتِّحادًا وأقوى اجتماعا؟! هل نريد أن نخترع العجلة من جديد؟! لا يوجد في السعودية إلا دينٌ واحد، وهم يعيشون من التوافق والتشابه ما لا يعيشه مجتمعٌ آخر، فلماذا نلحظ التنازع بسبب خلافات أقل من خلافات غيرنا؟ ولماذا نقلق على الوحدة الوطنية رغم توافقنا الكبير؟!التصنيف هو فرع الخلاف. التصنيف اسم والخلاف هو المسمى. وبعض التصنيف ضرورة علمية وعقلية في الفهم والمخاطبة، غير أن كثيرًا من ممارساته في الواقع تنابز واتهام ومكايدة. ليست مشكلتنا في الاختلاف، بل المجتمع السعودي ما زال بحاجة إلى تنوع ومنافسة وحراك أكبر. وهناك مجتمعات نموذج في الاستقرار والوحدة الوطنية، وتعيش من الخلافات أضعاف أضعاف ما يعيشه المجتمع السعودي. مشكلة كبيرة حين يكون طريقنا للوحدة هو الضجر من الخلاف ومحاولة استئصاله، ثم نجد أنفسنا بعد ذلك لا نحن قدرنا على منع الخلاف، ولا نحن وصلنا لضمانات كافية للوحدة والاجتماع. وحتى نعزز وحدتنا الوطنية، ونجعل تنوعنا الفكري مصدر ثراء وإغناء، فعلينا أن نتحمل واجبين مهمين، واجبا على الحكومة وواجبا على الشعب. أما واجب الحكومة، فهو الاعتراف والإدارة. فالقانون العادل والناضج كفيل بأن يجعل من هذا الخلاف طاقة إيجابية تزيد مجتمعنا نماء وتنمية. والقانون العادل والناضج هو الذي سيحفظ حقوق الوطن والمواطن في هذا الخلاف. القانون هو الذي سيكشف المساحة التي تقبل الاختلاف والتنوع، والمساحة التي تمثل محكمات الشريعة ومصالح الوطن ولا تقبل الخلاف، فالإلحاد مثلًا ليس خلافا مقبولا في مجتمعنا السعودي، ولا يجوز أن نقبل بالدعوة إليه بحجة احترام الرأي المخالف. وبالقانون نعرف حدود الخلاف المقبول، ونتعرف على أدواته، ونحفظ حقوق الوطن والمواطن. إدارة الخلاف وضمانات الوحدة الوطنية لن تكون بالوعظ والإرشاد والحوار فحسب، بل بالقانون العادل والملزم والمتكامل أيضا. وهنا قضية في غاية الخطورة، وهي ضرورة تسامي مؤسسات الدولة عن الانحياز والمشاركة في الخلاف، هذه المؤسسات يجب أن تكون للجميع، وأن تحافظ على حيادها التام، ولا سيما القضاء، فإنه المركز الأهم في التوازن والاستقرار، وإذا شارك في الخلاف وانحاز لبعض أطرافه، تحول إلى خصم، وأصبح المجتمع بدون مرجعية موثوقة ومحايدة يفيئون إليها عند اختلافهم. ومن الانحياز غير المقصود للظالم: التأخر في نصرة المظلوم، وتعثر إجراءات العدالة. وأما واجب الشعب، فهو مساءلة المختلفين، وإشعارهم بكل طريقة أن المجتمع بالوعي والعدل الكافي، وأنه مع الأنفع لوطنه ودينه. لقد انشغل المجتمع في المرحلة الماضية بسؤال: ما رأيك؟ وليته ينشغل في هذه المرحلة بسؤال: ما إنجازك؟ هذا السؤال هو الذي سيكشف الأكثر نفعا، وسيضطر الجميع للمنافسة في خدمة الوطن والمواطن حتى يحظى بقبول الشعب ورضاه. لقد تصارعوا طويلًا حول المرأة، وظلوا مشغولين عن خدمة المرأة بالصراع حولها. سؤال: ما إنجازك مع المرأة؟ هو الكفيل بأن يجعل المختلفين والمتصارعين حولها يتسابقون في تعليمها وتطويرها وإغنائها وتوظيفها. ومن غير هذا السؤال ستظل التيارات المختلفة يأخذ بعضها بحُجَز بعض، بينما المجتمع لا يبرح مكانه بلا نمو ولا تطوير ولا فائدة.
أضافة تعليق