مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عن الفيدرالية.. بإقليمين!
ناصر يحيى
7 أكتوبر 2013 07:39:02 مساءً

[1]

قد تكون هذه الأيام هي الحاسمة في تحديد شكل الدولة اليمنية الجديدة؛ ونقصد حسم الاختيار بشأن عدد الوحدات الفيدرالية أو الأقاليم التي تتكون منها.. ووفق ما راج إعلاميا فإن الاختيار صار محصورا بين دولة اتحادية بإقليمين أو فيدراليتين (أي جنوب وشمال ووفق التقسيم الجغرافي للدولتين الشطريتين قبل الوحدة) أو دولة اتحادية بعدد أكثر: خمسة أو ستة أقاليم فيدرالية.. أو ربما أكثر

قناعتي الذاتية أنه إن كان لا بد من اعتماد النظام الفيدرالي؛ فالأفضل أن تمنح كل محافظة – بعد فترة انتقالية أو تأسيسية مناسبة- حقها أو حق أبنائها الأصليين (وليس الطارئين عليها بدءا من بعد زوال حكم الإمامة أو تحقيق الاستقلال لضمان العدل وسلامة الاختيار) في أن تتمتع محافظتهم بحكم فيدرالي أو بالاندماج مع محافظة أخرى أو أكثر في إطار إقليم أوسع؛ إن وجدوا أن أي خيار أفضل لهم، فهذا هو الوضع الطبيعي أن نبني على ما هو قائم بالفعل، وتشكلت له أسس نفسية، وعلاقات اجتماعية، ومصالح مرتبطة تجمع سكان المحافظة حولها.. لكن طالما أن مداولات مؤتمر موفنبيك انحصر قرارها بين الإقليمين أو الخمسة.. فلتكن الدندنة حول ذلك.

وأبادر أولا للقول إنني لا أستغرب –طالما صارت الفيدرالية والأقلمة هي الحل- أن يتبنى أناس من حضرموت فكرة الإقليم الشرقي، أو أن يدعو أهالي في عدن –الأصليين وليس الطارئين الرافضين- لفكرة أن تكون عدن كيانا ذا خصوصية عن الأقاليم الأخرى في إطار الدولة الجديدة.. ولا أستغرب أن تدعو جماعات الحراك الانفصالي إلى الانفصال، وجماعات فك الارتباط إلى فك الارتباط.. الذي أستغربه أن حزبا يمنيا موجود في طول اليمن وعرضها كالحزب الاشتراكي اليمني؛ ثم هو يتبنى دولة الإقليمين الاثنين (بكل ما يعني ذلك من تمايزات وتأسيسا لافتراق محتمل إن وجد مغامرون وتهيأت ظروف إقليمية ودولية تدفع في هذا الاتجاه)، وبحماسة شديدة يضعها هدفا حاسما له، وبدونه فكل حل فيدرالي غيره يعني عنده تقسيما للجنوب (يعني الوجه الآخر من مخاوف الرافضين لمشروع الفيدراليتين أن يؤدي إلى الانفصال.. وكما أن هذه المخاوف توصف بأنها مجرد فزاعة من أصحاب مصالح وفاسدين؛ فكذلك التخويف من تشرذم الجنوب في حالة تقسيمه إلى أكثر من إقليم يجوز وصفه بأنه فزاعة في الاتجاه الآخر من الذين يجدون فيه ضياعا لأحلامهم باستعادة الدولة الشطرية السابقة.. وواحدة بواحدة!). بالنسبة لنا يبدو الأمر غير مفهوم؛ لأن الأصل أن الحزب الاشتراكي معني بكل اليمن وليس الشمال فقط.. وهو كذلك معني بمصالح أعضائه في كل اليمن وليس في الجنوب فقط.. ولأن الأمر كذلك - أو يفترض أن يكون كذلك - فالملحوظ أن الحماس الحاد لدولة بإقليمين: جنوبي وشمالي لا تتفق مع أن الحزب لديه أعضاء أكثر في الشمال مما في الجنوب.. هذا إن كان ما يزال لديه شعبية هناك! وحتى لو قيل إن السبب هو خوف مشروع وذو حيثيات من أن تقسيم الجنوب إلى أكثر من فيدرالية سوف يؤدي إلى تشظيه.. فماذا إذن عن الشمال؟ أليس من المؤكد أن بقاءه موحد كما كان قبل الوحدة سيؤدي إلى تشظيه بالقوة إلى كيانات مستقلة أو على طريقة إقليم صعدة القائم ألآن فلا الحوثيون، ولا أصحاب إقليم الجند أو إقليم تهامة سيرضون أن يعود الشمال لحالته قبل الوحدة: كيانا سياسيا وجغرافيا واحدا؟ فهل يرضي هذا المآل الاشتراكيين؟ فإن قيل إن الإقليم الشمالي سيكون متضمنا فيدراليات عدة تسمح بحل مشكلة احتكار السلطة وإلغاء المركز المقدس؛ فهل يجوز أن يقال أيضا: ولماذا بخلتم على الجنوب بهذا الحل الجميل (!!) لحل مشكلة احتكار السلطة والمركز المقدس في بعض مديريات تحتكر أو تتغول على المناطق الأخرى (حتى في مشروع الانفصال توجد أغلبية مناطقية تحتكر الحديث باسمه!) ومن ثم لا يكون هناك داع لإقليمين أصلا طالما أن اليمن سيقسم إلى فيدراليات؟ خلاصة الكلام: أليس الحزب معنيا بالشمال ومصلحته ومصالح أعضائه في أن يتبنى مشروعا سليما لإدارة شطرهم لا يكرر أخطاء الماضي؟ أم أن الحق حصحص وكل واحد يشوف خراجه؟

[2]

الداعون لدولة بإقليمين: جنوبي وشمالي يشنون هذه الأيام حملة شعواء ضد الرافضين للفكرة، ومع أن د. ياسين سعيد نعمان دعا المعارضين في حواره مع الجمهورية إلى مناقشة الأمر بمسؤولية وموضوعية ليس فيها تخوين او اتهام بأن هذا مشروع انفصال.. برغم ذلك إلا أن المؤيدين للمشروع داخل الحزب لا يبدون هذا الحرص على الالتزام بدعوة أمينهم العام، حتى الذي سبق ورفض موضوع الأقاليم الخمسة وليس الاثنين فقط، ومال إلى فكرة فيدرالية لكل محافظة عاد الآن ليسوق فكرة الإقليمين الاثنين، ويؤكد أنها تصحيح لمسار الوحدة، ويشارك في حملة أن الرافضين لها فسدة وأعداء للوحدة!.



وفي أكثر من تناوله صحفية وصف الرافضون لمشروع الفيدراليتين حرصا على الوحدة من وجهة نظرهم بأنهم مخادعون، فهم الذين خربوها أو ذبحوها ونهبوا الجنوب وثرواته ويريدون فقط المحافظة على امتيازاتهم الحرام وثمار فسادهم، حتى مشروع الإقليم الشرقي رغم أن الداعين إليه جنوبيون صاروا يتهمون بأنهم أداة لعبة استخباراتية لخلط ألأوراق يعني نفس الاتهامات التي يشكو منها أصحاب الفيدراليتين من خصومهم. ألا يؤكد ذلك اننا شعب يمني واحد.. في الخير والشر؟

والحق الذي نؤمن به أن الذي خرّب الوحدة ووفر أسباب ضعفها وحتى قتلها هم القيادات الجنوبية والشمالية التي أسست للنظام السياسي لجمهورية 22 مايو 1990.. لا فضل لمؤتمري على اشتراكي إلا بطول مدة بقاء طرف منهما في السلطة ومن ثم ازدياد نصيبه في تخريب الدولة والإساءة للشعب والوطن قبل الإساءة للوحدة! وبالمناسبة فإن إساءات هؤلاء لا تقتصر على الوحدة كما يقول الداعون للانفصال أو لفيدرالية ذي إقليمين: جنوبي شمالي.. فقد أساءوا أيضا للديمقراطية، وأفسدوها، وشوهوها، وجعلوها مجرد إعادة انتاج لسلطتهم وهيمنتهم على البلاد (في انتخابات 1993 استولى كل حزب على دوائر الشطر الذي كان يحكمه قبل الوحدة إلا تلك التي نجح الآخرون في انتزاعها من مخالبهم وأنيابهم، وعساكرهم، وأجهزة أمنهم العريقة في التزوير!) ومع ذلك فحسب علمي؛ لا أحد في الجنوب والشمال يطالب بالديكتاتورية كرها في الديمقراطية التي أساء إليها الحاكمون وذبحوها، وذاق الشعب بسبب ذلك الويل والكوارث! وعليه فإن مدافعة المؤتمر عن الوحدة ورفضه لدولة الإقليمين الشمالي والجنوبي لا يجوز أن تكون سببا في تعييره بدوره في تخريب الوحدة فالآخرون أيضا كان لهم دورهم التأسيسي في ذلك.. ولنفترض أن المؤتمريين خربوا الوحدة وأساءوا إليها فهل ذلك يعني إغلاق باب إصلاح أخطائهم ليعودوا –بدون صالح طبعا- للصف الوطني، وخاصة أن فيهم من كانوا قادة مشروع الانفصال الأول ورموزه الإعلامية والسياسية المدافعة عنه، والأكثر أهمية: أن الدولة الجديدة في شكلها الجديد وضماناتها الحديدية لن تسمح باستمرار الفساد الكبير في مجال النفط والأسماك والأراضي المتهم بها الرافضون للانفصال ومن ثم فليس لهم مصلحة في الوحدة أو رفض الفيدراليتين .. ثم أليس هناك في قيادات الداعين للانفصال شخصيات كبيرة أساءت للجنوبيين وجرعت أهله المرارات والآلام (بما فيها جريمتهم في وحدة 22 مايو!)، وصنعت مذابح للمعارضين وللرفاق أنفسهم، وعانى الجنوبيون بسببهم التشريد في أنحاء العالم مما جعلهم ينافسون الفلسطينيين في أرض الشتات.. وها هم يعودون ليتبوءوا القيادة من جديد، ويفرضون أنفسهم من جديد على الجنوب ادعاء حبه والغضب من أجله؟.

ومن ينكر أن نظام 22 مايو من بدايته إلى نهايته لم يحترم مبادئ حقوق ألإنسان ولا الحريات الخاصة والعامة، ولا حيادية الجيش والأمن والوظيفة العامة والمال العام.. ومع ذلك ها نحن ما زلنا نؤمن بها ونطالب بها، وما خرج الشعب في ثورة 11 فبراير إلا من أجل استعادة المعنى الصحيح لها، ولم يقل يمني: تبا لحقوق الإنسان والحريات، وحيادية هذا أو ذاك فقد كانت كذبة كبيرة، والحكام شوهوها واستخدموها لمنفعتهم فقط ولتحقيق مصالحهم.. حتى الشريعة الإسلامية لم تسلم من التلاعب بها وجعلها مجرد نصوص موضوعة على الرف في أحيان كثيرة.. فهل كان ذلك مبررا لرفضها والمطالبة بإحلال شريعة أخرى محلها؟ وقس على ذلك قيما جميلة كثيرة مثل الحكم المحلي، وانتخاب المحافظين، وتمكين المرأة، وجعل عدن منطقة حرة، وتعز عاصمة الثقافة، ومكافحة الفساد.. إلخ الأماني الوطنية والأهداف العظيمة – بما فيها أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر- التي وئدت أو تم تفريغها من معانيها النبيلة.. ومع ذلك ما زلنا نؤمن بها ونعمل على تحقيقها!.
[3]

ليس صحيحا أن الناس في الجنوب لا يرون إلا الانفصال أو فك الارتباط، وليس صحيحا أن رأي الغالبية العظمى في الشارع الجنوبي مع بقاء الجنوب كيانا سياسيا وجغرافيا واحدا.. ومن ثم فإن حل الإقليمين يحفظ لليمن وحدته.. هذا كلام فيه تجاوز كبير للحقيقة، فهناك كثيرون مؤيدون للوحدة بعقد جديد ليس منه مشروع الفيدراليتين، وفي المؤيدين للإقليم الشرقي جنوبيون كثر يرفضون العودة لما قبل الوحدة وحكامها، وفي عدن وأبين كذلك رافضون مثلهم، وهم يؤمنون أن إعادة الدولة الشطرية الجنوبية بقناع وحدوي سيؤدي إلى فتنة كبيرة!
المشكلة في أصحاب هذه الأحكام الستالينية أنهم ما يزالون يخلطون بين الشعب في الجنوب وبين انتمائهم وقناعاتهم الحزبية، ولو أنصفوا لما سمحوا لأنفسهم أن يتحدثوا باسم الجنوب والجنوبيين.. ولو أنصفوا لطالبوا أن يستفتى أبناء كل محافظة على الوضع الذي يريدون لأنفسهم!
[4]

هل يوافق أصحاب مشروع الفيدراليتين على تقديم ضمانة حاسمة في حالة الموافقة على رأيهم تتلخص في أن كل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمؤسسات الإدارية والاقتصادية والمالية والحيوية المركزية في الجنوب تكون كلها من الشماليين وتحت إدارة شماليين، وفي المقابل تكون كل مثيلاتها في الشمال من الجنوبيين وتحت إدارة جنوبيين؛ حتى لا يكون هناك أي إمكانية لمغامر انفصالي شمالي أو جنوبي.. طبعا بالإضافة إلى الضمانات الدستورية الواضحة؟
[ يقال إن د. عبد الكريم الإرياني صدم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أيام الأزمة السياسية 1994 بمثل هذا المقترح، فقد كان المخلوع المصري الفاسد اللص يتبنى مقترح الفصل بين القوات العسكرية التابعة لطرفي الأزمة: المؤتمر والاشتراكي بإعادتهما إلى مواقعها السابقة قبل الوحدة حماية للدم اليمني.. فوافق الإرياني بشرط أن تنقل كل القوات المؤتمرية إلى الجنوب وكل القوات الاشتراكية إلى الشمال.. وقيل يومها إن المخلوع انفجر غاضبا بعد أن انكشفت لعبته!].
[5]

انتقاد موقف الحزب الاشتراكي المتحمس للإقليمين ليس بلا سابقة؛ ففد سبق أن تعرض لهجوم ساحق ماحق بسبب موافقته هو والحزب الناصري (رغم كونهما حزبان يساريان تقدميان حداثيان) على أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع.. الفارق فقط أن ذلك لم يغضبه ولم يخصص له افتتاحية ولا حتى عتاب لأن المنتقد هو.. حسن زيد.. وتهم الحبيب مثل أكل.. الهريش! واقرأوا ما قاله زيد:
[من يطرح هذه المادة كشعار سياسي وليس كمبدأ فهو يكذب على الله من جهة، ويزيف الوعي من جهة أخرى.. يكذب على خلق الله.. هناك أطراف تكذب على الله وتكذب على الناس.... هناك أطراف قبلت الشريعة الإسلامية لأنها عارفة أنها ضحكة.. يعني تصور أناسا ليبراليين حداثيين تقدميين كما يقولون يتبنوا الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع بالرؤية السلفية التي انتكست.. هذا نفاق.. هذا كذب على الله.. إذا كنت تكذب في منهجك الفكري فكيف أصدقك في موقفك السياسي..].
*المصدر
أضافة تعليق