مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2020/02/23 03:24
عرض كتاب السياسات المبنية على البراهين والبحوث الموجهة نحو السياسات

إعداد: نجلاء السبيعي

ماجستير مناهج وطرق تدريس

 

معلومات الكتاب:

اسم الكتاب: السياسات المبنية على البراهين والبحوث الموجهة نحو السياسات.

اسم المؤلف: أ.د. صالح النصار.

الناشر: دار جامعة الملك سعود للنشر (1441هـ/ 2020م).

 

 

تتجلى أهمية هذا الكتاب في تناوله لأحد المواضيع المهمة، وندرة المؤلفات العربية والترجمات المتخصصة في مجاله؛ فالسياسات وصناعتها موضوع مهم ونادر في المكتبة العربية، وهذا ما تؤكده المراجع التي رجع إليها الكاتب في هذا الموضوع؛ حيث كانت كلها أجنبية ما عدا كتابًا لنفس المؤلف، وقد تميز هذا الكتاب بالتطبيقات والنماذج التي تزيد من فهم القارئ للمحتوى، خاصة أن مؤلفه صاحب تجربة في إدارة المشروعات والإستراتيجيات، والبرامج الوطنية، ورسم السياسات والخطط الإستراتيجية، والإشراف على الفرق العلمية والإدارية، وتحرير وتدقيق التقارير الإدارية.

 

والكاتب يرى أن الثورة في تطوير السياسات والبرامج والمشروعات الحكومية تتطلب ثورةً مصاحبة تقودها الجامعات ومراكز الفكر؛ لتطوير أدوات ومنهجيات بناء السياسات، وتنفيذ السياسات ونشر السياسات، وتقويم أثر السياسات على الفرد والمجتمع، ولكن لم يحظَ موضوع تطوير السياسات بالاهتمام الكافي من الجامعات ومراكز البحوث في المملكة والوطن العربي.

 

وقد سلط هذا الكتاب الضوء على موضوعين مهمين لنجاح عمليات تطوير الأنظمة والإجراءات والبرامج الحكومية؛ وهما: السياسات المبنية على البراهين، والبحوث الموجهة نحو السياسات، مستعرضًا المفاهيم المتعلقة بالموضوع والتجارب الرائدة فيه.

 

وعند قراءة الكتاب تشعر أن الكاتب لديه همٌّ، ويشعر بمشكلة يحاول حلها؛ وهي: الفجوة بين أصحاب السياسات والباحثين، فقد ركز في أغلب الفصول على طرقٍ تردم هذه الفجوة، سواء في السياسات المبنية على البراهين، أو البحوث الموجهة نحو السياسات.

 

وقد اشتمل الكتاب على 151 صفحة، تتضمن سبعة فصول، وجاءت فصول الكتاب على النحو الآتي:

الفصل الأول:

استعرض الكاتب في القسم الأول من هذا الفصل مفاهيم السياسات وتعريفاتها، وعرض تعريف (توماس دي) المختصر للسياسة العامة بأنها: "أي أمر تختار الحكومة فعله أو عدم فعله"، ويرى الكاتب أن هذا التعريف بالرغم من بساطته إلا أنه يقوم على ركائز مهمة؛ وهي: الحكومة، واتخاذ القرار، والركيزة الثالثة هي العدالة، وفي سياق توضيح مفهوم السياسات، وضَّح الكاتب الفرق بينه وبين مفهوم القانون، ثم عرض الكاتب أقسام السياسات العامة وتصنيفاتها، ثم ضرب مثالًا برؤية المملكة العربية السعودية 2030، فهي تُصنَّف كسياسة تنموية عامة ذات نمط رأسي وبُعد مستقبلي، ومبنية على البراهين المتعددة، ثم إن الرؤية كسياسة عامة انبثق منها سياسات فرعية عبارة عن 13 برنامجًا تنفيذيًّا، وضعها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وفي القسم الأخير من هذا الفصل تناول الكاتب السياسات الاجتماعية وتطبيقاتها، وعرض الكاتب الدول الرائدة التي يمكن الاستفادة من تجربتها في السياسات الاجتماعية، وإن كان لم يفصِّل في هذه التجارب، وإنما اكتفى بذكر الدول، وهذا ما يفتح مجالًا للباحثين لتتبع هذه التجارب، واقتراح مشروع سياسات اجتماعية تتواءم مع مشكلات المجتمع السعودي وتطلعاته.

 

الفصل الثاني:

هنا تجلت خبرة الكاتب بالتفصيل في مراحل صنع السياسات، وتحديد عوامل قد تكون سببًا لنجاحها أو فشلها - بعد مشيئة الله - فقد استعرض مراحل صنع السياسات التي تعددت باختلاف واضعي هذه المراحل، ولكنه فصَّل في المراحل التي وضعها (تورجمان وريمر) والمجلس التنفيذي في حكومة دبي، التي جاءت في خمس مراحل، ثم تناول مراحل مشروع صنع السياسات، وكان عرضه لها في جدول يبين المدة الزمنية، والأنشطة، وذوي العلاقة، والمهارات المطلوبة، والمخرجات لكل مرحلة - يزيد من فهم القارئ ويوضح له التسلسل الذي تسير فيه هذه الخطوات في جدول.

 

الفصل الثالث:

جاء هذا الفصل ليتناول موضوع السياسات المبنية على البراهين، الذي طرح في أول قسم منه تساؤلًا عن المقصود بالسياسات المبنية على البراهين، ونبَّه الكاتب على أنه يجب الحذر من أن تكون البراهين المستخدمة واهية، كأن تكون قديمة، أو تناسب فئة معينة، أو تكون غير مؤكدة، أو تنطلق من ادعاءات وغير ذلك، وهو بذلك يعزز الأسلوب العلمي في البحث بتحري الدقة في الدلائل التي يستند عليها الباحث، ثم تناول التحديات التي تواجه السياسات المبنية على البراهين، ووضع لهذه التحديات حلولًا وإجراءاتٍ تساعد صنَّاع القرار على تجاوزها.

 

وكان لافتًا للانتباه رصدُ الكاتب واقعَ استخدامِ السياسات المبنية على البراهين عالميًّا، والذي بدأه بالتحديات التي تواجه الدول المطبقة لهذه السياسات مثل دول الاتحاد الأوروبي، وكأنه يؤكد على أن تطبيق هذه السياسات لن يكون سهلًا، بل يحتاج المزيد من الجهد، فحتى الدول التي لها باعٌ في تطبيقها ما زالت تواجه هذه التحديات، التي من أهمها الفجوة بين الأوساط الأكاديمية وصانعي السياسات، وبالرغم من هذه التحديات، فإن الحكومات على مستوى الدول الأعضاء للاتحاد الأوروبي تعترف بقيمة البراهين في ضمان اتخاذ القرارات بشكل جيد، وهناك جهود لمواجهة التحديات.

 

وفي القسم الأخير من هذا الباب، عرض الكاتب تجارب عالمية في تطبيق السياسات المبنية على البراهين، واختار الدول بناءً على وقوفه عليها بحكم عمله السابق في أبحاث الجريمة، وقد أشار الكاتب إلى أن هذا لا يعني مناسبة هذه التجارب للتطبيق لدينا، بل الهدف هو الاطلاع على دور هذه التجارب والدروس المستفادة منها.

 

الفصل الرابع:

جاء هذا الفصل ليتناول مفهوم البحوث الموجهة نحو السياسات والتطبيقات عليها، موضحًا المقصود بالبحوث الموجهة نحو السياسات، وأكد الكاتب في هذا الفصل أهمية وصول الباحث إلى صانعي القرار وكسْبِ ثقتهم؛ حتى يُستفاد من بحوثه.

 

وفي عرضه للفرق بين البحوث الموجهة نحو السياسات والبحوث الأكاديمية - أشار إلى أن البحوث الموجهة بالسياسات قد تكون أنشطة مندرجة بشكل عام ضمن البحث الأكاديمي، وهنا إضاءة قد يستفيد منها الباحث الأكاديمي؛ فمن الممكن تحويل البحث الأكاديمي إلى بحث موجه نحو السياسات إذا ما طُبِّقت الشروط والخطوات المذكورة في هذا الكتاب، التي فصَّل فيها الكاتب أيضًا في كتاب له آخر بعنوان "دليل تأثير البحوث العلمية".

الفصل الخامس:

جاء هذا الفصل ليتناول تأثير البحوث في السياسات، وفيه طرح الكاتب تساؤلًا عن كيفية استفادة صانعي القرار من البحوث الموجهة نحو السياسات، ثم يجيب بخطوات تسهم في ردم الفجوة بين صانعي السياسات والباحثين، وكأنه بذلك يؤكد أن صانع القرار لا يمكنه الاستفادة من هذه البحوث طالما أن هناك فجوة بينه وبين الباحثين.

 

الفصل السادس:

جاء هذا الفصل ليبين كيفية كتابة أوراق السياسات، التي غالبًا ما تكون على شكل الورقة البيضاء، وأحيانًا تكتب على شكل موجز البيانات، وقد وضَّح الكاتب مكونات أوراق السياسات، ثم توسع الكاتب في شرح توجيه البيانات نحو الحلول المحتملة باستخدام الرسوم، موضحًا نوعين من التحليل الأكثر استخدامًا في البحوث؛ وهما: تحليل بيست، وتحليل سوات، داعمًا شرحه بالأمثلة والتطبيقات، ووضح الكاتب أجزاء رئيسة في هيكل ورقة السياسات، وملحوظات يجب أخذها في الاعتبار عند البدء في كتابة ورقة السياسات، وهي تساعد الباحثين الذين لديهم أفكار وتحليلات جيدة، ولكن تنقصهم الخبرة في كتابة ورقة سياسات فاعلة ومؤثرة.

 

الفصل السابع:

وهو الفصل الأخير، وفيه عرض الكاتب نماذج لأوراق السياسات وملخصاتها التنفيذية، وأتبعها بمثال لموجز سياسات ناجح ومؤثر في سياسات الحكومة البريطانية، الذي ساعد في إدراج قضية حرائق الغابات لأول مرة في السجل الوطني للمخاطر في عام 2013م، وهذا المثال يجعلنا نطرح تساؤلًا مهمًّا: هل مثل هذه الورقة ستكون الحل؟ هل نحن في التعليم - مثلًا - نحتاج إلى ورقة سياسات مؤثرة وناجحة، يكتبها باحث مهتم، ويضع فيها الحلول التي ينادي بها الميدان، ويوصلها إلى صانع قرار قادر على اعتماد هذه الحلول؟

أعتقد أن من يقرأ هذا الكتاب في أي مجال، سيخلص إلى أن الجواب: نعم، ورقة السياسات قد تكون هي الحل.

أضافة تعليق
آخر مقالات