مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عبد الله الحامد...تجربة رائدة في الإصلاح
عبد الله الحامد...تجربة رائدة في الإصلاح

عبد العزيز كحيل

يمتاز منهج د.أبي بلال عبد الله الحامد –فك الله أسره- بأنه جديد مبتكر بين مناهج الإصلاح في الساحة الإسلامية المعاصرة،فهو رائد في ما أصبح يعرف بالجهاد المدني،عمل الدكتور على تأصيله تأصيلا شرعيا علميا هادئا دؤوبا يستقرئ القرآن والسنة بعقلية مقاصدية رصينة لا تحجبها الجزيئات عن رؤية الأصول ولا تعرقلها التجارب التاريخية المنسوبة للإسلام،في حين لا تعدو أن تكون فهوما بشرية تحكمها النسبية،ومن كل هذا استطاع المصلح الكبير أن يكون منهجا فريدا يجمع النصوص الشرعية فلا يجمد على ظاهرها ولا يلوي أعناقها بل يقرؤها في إطار ما أطلق عليه’’شق الإسلام المدني’’-إلى جانب شقه الروحي المعروف- الذي أهملته الأدبيات الإسلامية منذ أمد بعيد رغم حضوره القوي الواضح في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي تطبيقات الخلافة الراشدة.

وهو الشق الذي لا يمكن لأي إصلاح أن يؤتي ثمراته إلا إذا انطلق منه لأن مشكلة المسلمين اليوم ليست على مستوى العبادات والأداء الفردي ولكن على مستوى أنظمة الحكم والقضاء وحقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة التي تتصرف فيها الأنظمة المستبدة تصرفا يفرغها من أي محتوى من جهة ويتناولها العلماء التقليديون أو المؤممون بالتحريم والاستهجان من جهة أخرى.

ولم يكتف د.الحامد بالتنظير بل مارس في أرض الواقع بعضا من الحقوق التي يدعو إلى دسترتها(مثل الاعتصام السلمي من أجل إطلاق سراح مسجونين مظلومين) فكلفه ذلك سنوات من الحبس في بلد يزعم الحكم بالشريعة وهو يتنكر لأبسط الحقوق التي تكفلها الشريعة للإنسان كحرية الرأي والتعبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فأهمية عمل الدكتور الإصلاحي تكمن في التأصيل العلمي للجانب المدني من الإسلام الذي وجد فيه أركانا وفرائض تماما كما هو حال الجانب الروحي،بحيث لا تقوم قائمة للمجتمع الإسلامي إلا بالالتزام بها، وهذا التأصيل تجاوز بوضوح أدبيات المدرسة النصية الأحادية والقراءة التقليدية الانتقائية لتاريخنا ليعيد النظر في كل هذا في ضوء الأصول والمقاصد والمصالح من خلال منهجية اجتهادية أصيلة يبدو فيها الانحياز للحق المتمثل في الأمة لا في السلطان بالضرورة كما توهم ذلك المرجعية الدينية الرسمية،وهذا الانحياز للجماهير وهمومها ومطالبها أباح للدكتور أبي بلال أن يلتقي في ساحة العمل الإصلاحي مع أصحاب خلفيات إيديولوجية أخرى مثل علي الدميني ومتروك الفالح اللذين قاسماه السجن،ولا ضير في ذلك،فالتغيير ليس محصورا في طرف دون آخر،بل لن ينجح إلا بتكاتف الجميع على أن الغلبة ستكون حتما للمشروع الإسلامي لأنه رباني المصدر والهدف وهو مهوى أفئدة المسلمين.

ولا شك أن طريقة التأصيل الشرعي للإصلاح هي الأنسب لبلد كالسعودية تلعب فيه المرجعية الدينية دورا أساسيا في حياة المجتمع ويرفض فيه الإصلاح السياسي باسم هذه المرجعية نفسها لانحيازها التاريخي الدائم والواضح للنظام الحاكم وإضفاء الشرعية عليه باسم الاجتهادات التاريخية المسوغة للملك العضوض التي أصبحت تنزل منزلة النصوص الشرعية المحكمة القطعية في حين لا تعدو ان تكزن استجابة فقهية لفترات مؤسفة من تاريخنا أضفيت فيه القداسة على الحاكم المتغلب بالقوة وأهيل التراب على الأمة وحقوقها ودورها ورأيها حتى شاعت فتوى تنسف وجود الأمة الأدبي وهي مقولة أن الشورى معلمة غير ملزمة وهو عين ما تتمسك به المؤسسة الدينية الرسمية إلى الآن وما يعمل الإصلاحيون على دحضه لإعادة الكلمة للمجتمع وممثليه الشرعيين وإنهاء قدسية الحاكم وعصمته التي يتصرف وكأنه يتمتع بها فعلا...

وهذا ما تنصب عليه جهود الدكتور الحامد إذ ألف الكتب وكتب المقالات وأرسل العرائض مدعما آراءه بفهم مقاصدي رفيع لكتاب الله وسنة رسوله وقراءة واعية متجددة لتاريخ المسلمين وغيرهم فاستخرج العبر ووضع اليد على قوانين اجتماعية ماضية وأنذر من الاستمرار في الهروب إلى الأمام من طرف النظام الحاكم...ومن أهم ما ركز عليه في اجتهاده إمكانية بل حتمية الأخذ بالمناهج والأساليب الإنسانية في الإصلاح وتسيير حركة المجتمع باعتبار ذلك إرثا إنسانيا مشتركا ليس هناك أي مانع شرعي في اعتماده – عكس ما تذهب إليه المرجعية الرسمية – بل هو تجارب إنسانية نأخذ ما أثبت جدواه مما لا يخالف عقيدتنا وسمتنا الإسلامي وعلى رأس ذلك استقلال القضاء وحق التظاهر والاعتصام السلمي والإضراب وتكوين الجمعيات و الأحزاب

ولا غرو أن الطرف المستقوي يحاول إسكات هذا الصوت بالفصل من العمل بالجامعة والسجن والتضييق بمختلف الأشكال والتشهير باسم الدين !...وللتضامن معه ليس هناك أفضل من قراءة كتبه ومقالاته الكثيرة النافعة
.الشهاب
أضافة تعليق