مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2024/01/29 15:16
من جهاد أصغر للجهاد الأكبر بجنوب إفريقيا

وايت ريفر-مبومبيلا: في جمهورية جنوب إفريقيا، بل وفي كل دول العالم، تعلقت الأنظار باليوم التالي، لصدور قرار محكمة العدل الدولية، بشأن التدابير الطارئة الواجب تنفيذها، من الكيان العنصري الصهيوني، لوقف جرائم الإبادة الجماعية.

دائرة معقدة من التحديات الداخلية والخارجية تواجهها -ببسالة- جنوب إفريقيا، في اليوم التالي، أحد أسبابها يكمن في شجاعتها، برفع الدعوى ضد الكيان العنصري الصهيوني، وإن كانت التحديات -في عمومها- يتوقع أن ترفع أسهم حكومة الرئيس رامافوزا إلى عنان السماء، وهي مقبلة على انتخابات عامة، في شهر مايو المقبل. 

شاءت الظروف أن أعايش نبض الشارع الجنوب إفريقي في اللحظات التاريخية، التي صاحبت إرغام الكيان العنصري الصهيوني، للمثول أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وهي أم الجرائم التي ابتز وصدع العالم بها على مدار عقود.

لحظة النطق بالأحكام كان رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، يرأس اجتماعًا للجنة التنفيذية لحزب المؤتمر الإفريقي الحاكم، وتضم مائة عضو، وقتها، حرص –رامافوزا- على استضافة القائم بأعمال السفارة الفلسطينية في بريتوريا، بسام الحسيني، في حين كانت وزيرة خارجيته ناليدي باندور على رأس الوفد بـ لاهاي.

اجتماع اللجنة التنفيذية لحزب المؤتمر الإفريقي تحول فجأة إلى مهرجان احتفالي مهيب، وتحديدًا، بعد ثبوت التهم ضد الكيان العنصري الصهيوني بارتكاب أعمال تبدو من الأدلة الأولية أنها جرائم حرب، وهي خطوة متقدمة جدًا، ستترتب عليها تداعيات رهيبة ليس فقط على الجناة، بل وعلى الدول التي تمدهم بالمال والسلاح. 

من حق جنوب إفريقيا أن تشعر بالفخر والانتصار الحاسم لسيادة القانون الدولي -وفقًا للبيان الرسمي الصادر عن خارجيتها- فور النطق بالحكم التاريخي الذي جرى بثه عبر آلاف المحطات الفضائية، وبكل لغات العالم، بعد أن نقلت -تلك الفضائيات نفسها- بالصوت والصورة وبالدليل والبرهان، جرائم الحرب الصهيونية بفلسطين.

فخر وانتصار واحتفال جنوب إفريقي، جاء في وقته -تمامًا- ولامس وجدان وأفئدة الملايين من سكان المعمورة، في مواجهة محاولات تشويه وتعتيم وطمس للحقيقة -مقصودة ومريبة- رتبت لها الآلة الإعلامية للعدو الصهيوني ولشركائه، بغية إخفاء حقيقة القتل المروع للأطفال والنساء والنازحين بمراكز الإيواء الدولية، بالإضافة إلى فرض الحصار والتجويع، وتدمير المستشفيات والمدارس والأسواق والمباني.

بيان خارجية جنوب إفريقيا، اختتم بالإشارة إلى أن بريتوريا ستواصل بذل كل ما في وسعها للحفاظ على وجود الشعب الفلسطيني، وإنهاء جرائم الفصل العنصري والإبادة الجماعية ضده، والسير معه نحو تحقيق حقه في تقرير المصير، منوهًا إلى مقولة الزعيم الخالد مانديلا: "حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين".

صدى كلمات مانديلا الحماسية تجاه قضية العرب المركزية في فلسطين كان يتردد –بقوة- على ألسنة كل المسئولين السياسيين والنقابيين، وفي المداخلات التي جرت بالمؤتمر القاري الحاشد، بمشاركة 245 عضوًا يمثلون 28 دولة، وشهدت فعالياته في منتجع وايت ريفر بمدينة مبومبيلا، ضمن مقاطعة مبومالانجا الجنوب إفريقية.

بقي أن أشير للتحديات الهائلة، التي ستواجه جنوب إفريقيا خلال الفترة المقبلة، في ضوء تصديها الشجاع والمنصف للقضية الفلسطينية، وهو الذي يصب فيما يمكن وصفه بالجهاد الأصغر، ليعقبه - بكل تأكيد وإن عاجلا أو آجلا- الجهاد الأكبر في مواجهة المتربصين والمتواطئين مع الكيان العنصري الصهيوني داخليًا وخارجيًا.

رامافوزا نوه إلى إمكانية تعرض بلاده لضغوط خارجية، بقوله: "الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، فنحن بلد صغير، ولدينا اقتصاد صغير، وقد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا، ولن نكون أحرارًا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني". 

مع توقع صدور قرار محكمة العدل -مهما طال انتظاره- بإثبات ارتكاب الكيان العنصري الصهيوني لجريمة الإبادة الجماعية في فلسطين، سيأتي الدور -بكل تأكيد- على الشركاء والمتواطئين، للمثول أمام القضاة في القفص بالتهمة نفسها. 

في مقدمة الشركاء والمتواطئين في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بفلسطين، الولايات المتحدة وعدد آخر من الدول، التي تتشدق -ظلمًا وبهتانًا- بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وسيلاحق قادة هذه الدول، الشريكة والمتواطئة في الجريمة، حتى ولو تواروا في قبورهم، للمثول أمام قضاة محكمة الجنايات الدولية.


*نقلاً عن بوابة الأهرام

أضافة تعليق