مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/07/01 21:25
ما ذلت لغة قوم إلا ذُلوا
ما ذلت لغة قومٍ إلا ذُلوا ، فاللغة هي الهوية وهي الوطن ، والأوطان لا تُعار ولا تُستبدل، وكلنا يعلم أن الاعتياد على اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا، إذ أن اللغة تعتبر وسيلة من وسائل التواصل الإنسانية، وإنها لتحمل أسرار كونية عجيبة، قلما يفطن إليها الآدميون، هي الكائن الحي النشيط، الذي يسهل اختلاط الناس بعضهم ببعض، كما تختلط الأمم التي تتعايش في الأرض، فيتعارفون ويتكاملون ، وتتميز اللغة بتميز حضارة أهلها وعلومهم ، وبتميز الرسالة والقيم التي تحملها، وقوة تسلط أصحابها واعتزازهم بها، وكما تستعمر الدول تستعمر اللغات وهذا ما فعله الأجنبي في عصرنا هذا منذ انتهاء الاستعمار العسكري الأوروبي في الشرق الأوسط وآسيا، فقد لجأ المستعمر إلى الاستعمار الفكري واستعمار اللغة، بعد أن تكبد خسائر فادحة واستنفد قواه البشرية والمادية في الاستعمار العسكري، ولهذا فرض لغته فرضا على الأمم المستعمرة ، يركبهم بها ، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها، ليحبس لغتهم في لغته ، ويحكم على ماضيهم بالقتل محوا ونسيانا، ويقيد مستقبلهم بالأغلال التي يصنعها. ولغتنا العربية الجميلة من أغنى لغات العالم، وهي بحر زاخر بمفرداتها وجزالة ألفاظها، وسحر مبانيها، ولا تستطيع أي لغة في العالم أن تظاهي أو تطاول اللغة العربية في شرفها فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية. لا يسع المقام لذكر فضائل اللغة العربية، وروعة ألفاظها وتراكيبها، فهي لغة القرآن ولغة الشعر والأدب الجميل والفن ، وقد وصفها العجم والمستشرقون قبل العرب، نكتفي فقط بما قالته المستشرقة الألمانية الدكتورة في الفلسفة (أنا ماري شيمل) التي ترجمت القرآن الكريم إلى الألمانية: (اللغة العربية لغة موسيقية للغاية، ولا أستطيع أن أقول إلا أنها لابد أن تكون لغة أهل الجنة) ونحن لا نعول على كلام المستشرقين وغيرهم ، ويكفيها شرفا قبل هذا وذاك أنها لغة القرآن ، وإنه لمن المخجل والمعيب أن نعدد محاسنها ونزينها لأبنائها الذين نسوا أو تناسوا مجدهم التليد وعروبتهم، وأصبحوا يخجلون من التحدث بها فصيحة، ويرون ذلك من العجيب والظريف، هل أصبح العربي يخجل من لغته ؟! أم العامية هي التي طغت على حديثنا وحياتنا اليومية وأصبحت لغتنا الفصحى غريبة بين أهلها، ولم نعد نسمع بها إلا في الأفلام والمسلسلات القديمة؟! وليس هذا فحسب! بل هناك من ينتقدها ويشن هجوما فمن المؤسف أن يستهين العربي بلغته وهويته بدلا من التحدث والاعتزاز بها والمحافظة عليها، وتعليمها لمن يحتاجها من المسلمين وغيرهم، لماذا يهجر العربي لغته ؟! لاسيما ونحن في عصر التحديات التي تواجهها اللغة العربية من قبل الغرب والمستشرقين، تخوض اللغة العربية حربا ضروسا من أعدائها وأعداء الإسلام، فهي في مرمى الغزو الثقافي وأول أهداف الاستعمار الفكري والسياسي، كيف يستطيع أن يقاوم جمال هذه اللغة ، ومنطقها السليم وسحرها الفريد؟! لا تزول لغة إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تاريخها، وإن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضا.
 
أضافة تعليق