مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/11/29 20:05
النظرة القانونية و الدينية للجريمة و الجاني
النظرة القانونية و الدينية للجريمة و للجاني
سميرة بيطام

 
 
تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة بتساؤلات عديدة تتمحور في  محور واحد هو:
لماذا لا تطبق الشريعة الاسلامية في العقوبات و لماذا لا تؤخذ مرجعا في سن القوانين و منهم من يطالب بتطبيق الشريعة الاسلامية بحذافيرها كما وردت في نصوص تطبيق الحدود،  هذا الى جانب وجود فئة في الواقع تتهرب من هذه التساؤلات او ربما لا تقتنع بذلك..
طيب، الشريعة الاسلامية هي الأسبق من كل قوانين البشر في سن النصوص و القوانين المسننة، بل القانون الوضعي يأخذ من الشريعة الاسلامية ما يمهد لنصوصه و مواده و لنضرب مثال على ذلك : قاعدة "لا جريمة و لا عقوبة الا بنص " ، الشريعة الاسلامية نصت على قاعدة يطلق عليها " قاعدة درء الحدود بالشبهات" ، و معنى ذلك أنه لما تقوم لدى القاضي شبهة حيال ارتكاب جريمة موجبة لعقوبة من عقوبات الحدود ،وجب أن لا يحكم على المتهم بعقوبة حد و مع ذلك يجوز الحكم بعقوبة تعزيرية معينة ،مثال أن يتخلف شرط الحرز في نصاب السرقة فهنا لا يجب على القاضي أن يحكم بقطع اليد للمتهم ،و انما تستبدل العقوبة بعقوبة تعزيرية  ، فنفهم أن الشبهة حتى لو أدت الى البراءة الا أنها تؤدي الى تغيير الوصف و هنا تطبيق لقاعدة قانونية وضعية و هي تفسير الشك لصالح المتهم ، فنلاحظ أن الشريعة الاسلامية هي التي رسمت طريق سن القوانين و كذا تقرير العقوبات بعد تكييف الفعل المجرم .
و عودة الى تطبيق الأصل من أن "الأصل هو براءة الذمة "،أي أن الانسان يولد على الفطرة  كالصفحة البيضاء و ما يلصق به من أفعال و ما تقرر ضده من عقوبات فهو نتيجة أفعاله و ما أقترفه من تجاوزات ، فالأصل في الانسان هنا هو البراءة  على أساس أن الجريمة هي سلوك شاذ مناف للسلوك المتزن و الخالي من شوائب الحاق الضرر بالغير .
فاذا كان مبدأ اليقين أنه لا يزول بالشك ،و قرينة البراءة من القرائن التي تقبل اثبات العكس، فاذا شككت المحكمة في نجاعة الأدلة كان على القاضي الافراج على المتهم لضعف الأدلة ،و يمكن أن ندرج التفرقة التي كتب عنها الدكتور رمزي رياض عوض ما بين الادانة و التبرئة ،  فالإدانة لا تؤسس على الغالب و انما على الثابت ، أما البراءة فهي تبنى على الغالب  ( انظر الطعن رقم 6097 –جلسة سنة 31/1/1977  و الطعن رقم 1172 لجلسة 31/1/1960 ،و قد انتقد جانب  من الفقه هذه الأحكام قولا بأن هذا القضاء في غير محله ، اذا هو مخالف لمبدأ شرعية الدليل في المواد الجنائية و المدنية على السواء و الذي يعد تطبيقا مباشرا لنص المادة 336 اجراءات جزائية و التي تنص على أنه "اذا تقرر البطلان لأي اجراء فانه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة " و هي لا تفرق بين دليل الادانة و آخر للبراءة- انظر كتاب نحو نظام جنائي اسلامي متكامل للدكتور رمزي رياض عوض)..
و ماذا عن النظرة القانونية لمسألة التهذيب و اعادة بعث القيم لدى الجانحين و المجرمين بصفة عامة  كوسيلة للردع أو للتقليل من الاجرام؟ ،خاصة و أن البرامج الحكومية في مضمون مخططاتها القانونية مع الوزارة الوصية (وزارة العدل) تسعى للتقليل من أي ظاهرة اجرامية و لكن لا يتلمس القارىء لنصوص مواد أي قانون سواء قانون العقوبات أو قانون الاجراءات الجزائية أو قانون الأسرة تلك اللمسة الذهبية و السحرية لمفاهيم  للشريعة الاسلامية على اعتبار أنها المنظم و المقوم للسلوكات السلبية ، ثم أي برنامج اصلاحي يعتمد على القانون فقط يطول مدى تحصيل النتائج و قد لا تتحقق بالنسبة أو بالمستوى المرجو منه ، لماذا ؟ لأن الاولوية كان لابد أن تعطى للفقهاء و لرجال القانون بما فيهم المحامين و القضاة و كل من تعود اليه مسؤولية تفعيل القوانين في المجتمع و على الأشخاص لأن يعودوا لنصوص الدين و استنتاج القواعد الردعية و المهذبة و المعالجة لأي ظاهرة استفحلت في المجتمع فأفسدت أخلاق أفراده ، هذا ان لم أقل أنه فيه نوع من التهرب و الابتعاد عن هذا المصدر الهام و الفعال لما فيه من اصلاح بوجهتين أو أكثر فبدل أن يكون الهدف الأسمى للقانون هو الحفاظ على الأمن العام و الآداب العامة و تحقيق المساواة للأفراد أمام القانون ،تكون الشريعة الاسلامية لها أكثر من هدف بدءا بإعادة بعث القيم و الأخلاق من جديد في نفس المنحرف و بالطرق التي وردت  خاصة في السنة الشريفة كون زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة أنشأ ما يسمى القدوة للقائد و المعلم و الموجه و هو شخص النبي صلى الله عليه و سلم و الماثلين و المربين و المتلقين لأسس التربية و لأسس التصحيح حيال الأخطاء و حيال الأفعال الممنوعة  و مرورا بخلق آليات و حلول ناجعة لمعالجة ظواهر الاجرام ووصولا بتحقيق مجتمع اسلامي وسطي متزن يطبق الاسلام كدين للدولة مثل ما نص عليه الدستور الجزائري و باقي الدساتير الأخرى و حرصا كذلك على اعطاء صورة مثلى لمؤسسات تحترم الدستور بالفعل من خلال صرامة لا شبهة فيها و لا تفضيل لشخص أو لمجموعة من الأشخاص على حساب آخرين فيسود العدل و يسود النظام و يتحقق ما يسمى الردع المهذب لأنه كان مقنعا كدرجة أولى و كان ناجحا كدرجة ثانية ...ثم الفرد المسلم لن يكون بحاجة الى أن يتعلم من جديد معنى القيم و المبادئ بل هو في حاجة  لتربية روحية تعيد له اتزانه وربطه الحقيقي بجذوره الدينية ، هذه الجذور هي التي تبعث بنمو متجدد لفكر نظيف و تصحيح لمسار معوج و مختل فيكون العلاج  من أصله و ليس تطبيق فكرة ردعية بالقانون على أساس  شرح فكرة أن أي عمل اجرامي الا و لابد أن يلحق بعقوبة سواء سجن أو غرامة أو اعدام كما في الدول التي تقره ،لكن يبقى الجدال قائما على أحقية جعل الشريعة الاسلامية مرجعا أوليا و أساسيا لسن القوانين ...و أظن أن الشيء المقنع لضرورة تطبيق نصوص الشريعة الاسلامية هو النظر الى جرائم العود ، ما سببها ؟ لما تتكرر ؟ فربما تكون الاجابة : أن جعل  الشريعة الاسلامية مرجعا أساسيا لسن القوانين  من شأنه أن يقلل من جرائم العود بل يقضي عليها بالترهيب ، و في ذلك تساؤل :هل  يعود السارق الذي قطعت يده لأن يسرق ثانية ؟ خاصة ان ما تم التحري عنه أنه لم يكن فقيرا فقرا مدقعا دفعه للسرقة  و اذا ما اقترن تطبيق الشريعة الاسلامية بالتماس الظروف المخففة حقيقة و ليس اختلاقا كما يفعله المحامون الآن و هو البحث عن ظرف مخخف يختلقونه في قضاياهم لتربئة متهم عن جريمة قتل عمدا ، فأيهما أقرب للعدل و أقرب للإنصاف و أقرب للحفاظ على الحقوق و الأعراض و الدماء و الأموال؟ انها الشريعة السمحة بلا شك ، فظاهرة الفقر الحقيقي لن يتم اختلاقها ان ما تتبع المحققون النظر في وضع الفقير بنزاهة  و لو أن الفقير الحقيقي لا يظهر فقره بل يتعفف و هو مذكور بنص من القرآن الكريم ، فحتى الشريعة تعطي امارات و دلائل الأمور للواقع الحقيقي للأشخاص المتهمين ، فالمعرفة الحقيقية و الصحيحة وجب ادراكها بدقة و على من يقوم بذلك أن يكون فاهما لنصوص القرآن حتى لا يتم اتباع الهوى أو يعتمد فقط على قدرات ذاتية شخصية قد لا تكفي لاستنتاج الحقيقة ،  بصراحة لا أتصور نفسي محامية أطبق قانونا وضعيا في قضية من القضايا  و أبحث في نفس الوقت عن ظرف مخفف لمجرم قتل عمدا و تحت تأثير مسكر أو مخدر ...فهل من عقل واع و مدقق لعلو و رقي  مفاهيم ديننا الحنيف ؟  و قد أقولها صراحة أن سبب مصائبنا و فساد مجتمعاتنا و مؤسساتنا و خاصة فئة الشباب و انحدار مستوى القيم انما هو راجع الى الابتعاد عن ديننا الحنيف ،اذا لا داعي للاستنجاد بقوانين من وضع بشر  و ترك الحلول الجوهرية و القوية  الموجودة أو المستنتجة  في القرآن الكريم و السنة النبوية ، فالقرآن  هو كلام الله تعالى ..فسبحان من أنزل كتابه و جعله محفوظا  و وضع فيه ميزان الاعتدال لكل شيء و بقدر...و ابسط مثال على ذلك هو خلق الله تعالى للبصمة الوراثية لكل فرد مميزة أي لا يوجد في الكون بصمتين وراثيتين متشابهتين لشخصين حتى بين التوائم...و هذا ما توصل اليه العلماء في تحليل DNA أنه يستحيل وجود بصمتين متشابهتين ، فالقدرة لله وحده في اعادة الخلق او جعله شيئا آخر مصداقا لقوله تعالى "بلى قادرين على ان نسوي بنانه " سورة القيامة ، الآية 4..فليضع العارفون بالقانون أقلامهم و ليتمعنوا في الاعجاز العلمي للقرآن سيجدون فيه بحرا شاسعا من المعلومات و الحقائق المدهشة و القضاة كذلك  معنييون بالأمر و لهم ان يضعوا مطارقهم جانبا و يمتعوا أبصاهم و عقولهم بمضامين القرآن الكريم...ساعتها سيفهم الألباب أن مهنة القضاء مثلا من أصعب المهن و أعظمها مسؤولية..فهل أدرك الناس قدرهم من حمل أمانة النزاهة و الضمير الحي؟؟ الحي طبعا  خشية من الله و امتناعا عن مظالم اخرى و باسم  القانون كأن يسجن شخص بريء دهرا من الزمن في حين أنه بريء براءة قميص يوسف من دم الذئب...فهل مراجعة ذاتية ..جادة...متوقدة شعلة لفهم معنى المسؤولية و لفهم معنى تطبيق أوامر الله تعالى و النهي عن نواهيه؟؟؟....على كل حال هي حياة واحد فلنحسن اختيار اي الطرق نسلك دربا لنا نظيفا..مستقيما ..جادا ..لا غبارعليه من الشبهات ...دربا موصلا لمرضاة الله تعالى أولا و قبل كل شيء..و البقية لا يهم..ما دامت الدنيا  هي امتحان و اختبار فلنحسن اجتياز امتحاننا  بنجاح.
 
 
 
 
 

أضافة تعليق