مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/06/27 13:23
رمضان لا تنقض

رمضان لا تنقضِ

 

سَمَّوك: شهر القرآن؛ فرُحتُ أذوبُ بحلاوة القرآن، سَمَّوك: شهر الرحمة؛ فرُحت أحيا، وأنتعِش بالذِّكر والتسبيح والاستغفار، كم أهواك يا شهر الصيام، فأيامك تنقضي بسرعة، وأنا بعد لم أكتفِ بحضن نسيم أيامك بين أكف الدعاء الذي لا ينتهي.

 

فلا تنقضِ، بعد أن كنت للرُّوح شفاء من عطش التوبة والتقصير، لا تنقضِ وأبقِ أيامك بالقرب من أيام عمري، فهي أحسن وأجمل أيامي؛ لأنها أيامك.

 

في نفحاتك ركَن خوفي، وسكَن اضطراب إيماني بين تماوج التحسين والتلطيف، فليتك بالقرب مني دائمًا؛ لأنك أجود الشهور، وأفضل الساعات، وأحلى اللحظات.

 

أنا لا أبغي رحيلك؛ لأنك ضيفي في كل عام، ولو أني لا أنسب الضيافة لك؛ لأنك ضيف من غير دعوة ودون استقبال، بل أنت مَن يستقبل منا ودَّ الرجاء إلى الله.

 

لكم أسعد بنور هلالك؛ لأني من زمان وأنا أتطلَّع إليه، وكلي استعداد للتفرغ بوقتي، مَن تحت ضوء فانوس الهدى ليَنطلِق سباقي مع نفسي ومع العبادة ومع تطويع الذات لخالق الذات؛ الله - عز وجل.

 

لكم كنت كريمًا في كل لحظة من لحظات شهرك، والتي لا أَعُدُّها من ساعة الوقت، وإنما من نبض قلبي الوَلهان بفضلك وخيرك.

 

فلا داعي أن تنقضي بالرحيل، حتى أرتوي من بركات القرآن والتهجد والتسبيح بالأسحار، لكني أعلم أنك ستنقضي بانتهاء عدد أيامك.

 

هي حكمة الله في الثلاثين يومًا، ليكون التمام والكمال وجود فضلك؛ لذلك ليتك لا تنقضي.

 

لكم أشعر أني أحتوي أجمللحظات التضرع إلى الله بمسكن مشاعري، صدقًا أتنفَّس صعداء العام المُنهِك لقواي، لأمضي في رحلة الصوم وكلي أمل أن يغفر الله لي ذنوبي ويقبل توبتي ويَصفِح عن ضعفي.

 

كنت بقدومك يا رمضان تحضر الفرصة معك، وهي الاعتكاف بعيدًا عن ضجيج الدنيا الزائلة، وفي انتصافك مغفرة لمن أراد الندم عن أفعال الماضي والحاضر، لكنك عزمت على الرحيل، وشوقي سيطول حينما أستشعَر الرحيل، حتى يأتي العام المُقبِل لأطرح سؤالي إن كنت ممن سيستضيفونك ذاك العام، فلا أحد يضمن العيش لما بعد هذا العام؛ لذلك كلما اقتربتَ استقبلتُك بكل وعي وفرحة مني في أني للأجر أسعى، وأبقى بالتقصير أكابِد وأكافح في أن أسمو قليلاً بروحانية الاحتساب؛ لذلك سأبقى أشعر بالتقصير، فالكمال ليس كامنًا في بشر.

 

فيك الاستعداد الكامل؛ لأن الشياطين تُصفَّد في شهرك، وتُغلَّق أبواب جهنم، وتُفتَّح أبواب الجنان، وكأنك تخطب فينا بقولك: يا باغي الخير أقبل، فهذا النداء هو تاج لكل مؤمن للظفر برضا الله - عز وجل.

 

فيك يا رمضان روعة الحَظْوة وجزيل اللطف لبطون صائمة، ولألسن شاكرة، ولعقول واعظة، فيك يا رمضان الانتصارات لأشهَرِ معارك الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في بدر يوم السابع عشر من أيام شهرك، وفتح مكة في العاشر من أيامك، والقادسية وحطين وغيرها؛ ليكون لحلاوة الانتصار بخُلُوف فم الصائم انتصارٌ آخر، وبامتزاج هذين الانتصارين هو الجهاد الأكبر والأصغر، ونعم الانتصار!

 

فيك أحلى وأجود وأعظم ليلة؛ ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟! فيها تنزل الملائكة لتَحُف مجامع المصلين والقائمين بالليل والناس نيامٌ؛ لتسجل خير الأعمال، وتنقُل أحسن الدعاء.

 

فيك لضيوف الرحمن في بيت الله الحرام إبداع آخر من التقرب إلى الله:(صوم وصلاة وصدقة، وأعظمها أجرًا عمرة تعدل حجة مع الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -).

 

فيك الكثير من الفضل، كل هذا الإحسان في شهرك تميُّزًا عن باقي الشهور الأخرى؛ ولذلك أحزن لرحيلك ولانقضاء أيامك.

 

هذا العام شوقي الزائد لك له ما يُبرِّره لأدعو لإخواننا المستضعفين أن ينصرهم الله، ويؤلِّف بين القلوب، ويُوافِق بين العقول، فدعائي لإخواني وأخواتي سيكون مضاعفًا، وفي كل أيامك حتى ترحل عنا في أمان الله وسلامه، ولو أني لا أريدك أن ترحل.

 

سأودِّعك بنفحات البركة على أمل اللقاء بك في العام المقبل بمشيئة الله، وفي أحسن حال وأحوال في أن يكون المسلمون يدًا واحدة، وقلبًا واحدًا، وفكرًا واحدًا، وقِبلة واحدة.




أضافة تعليق