مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2015/05/25 17:35
إيران تدفع بالشعب الإيراني إلى العلمانية

كلنا يعرف تجربة العلمانية الأوربية، وأن أكبر عامل فيها هو انحراف الكنيسة الكاثوليكية عن معاني الدين الصحيح؛ حتى كرهت الشعوب الأوربية الدين، وثارت عليه فنادت بشعار (اقتلوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس) وكانت نتيجة تلك الثورة أن عزل الدين عن الحياة في جميع انحاء أوروبا.
تلك التجربة المريرة يعيد أحداثها ملالي الدين الشيعي في إيران بقيادة الولي الفقيه.
حين آل الأمر إلى رجال الخميني، ارتكبوا من الأفعال المخالفة للإسلام، ما هو أسوأ بكثير مما فعلته الكنيسة، فالخمينية ضربت على قواعد الثقافة الدينية الخاصة للشعوب في جغرافية إيران وزلزلت أركانها، وأنشبت أظافر التخريب فيها، حتى اتجهت الشعوب إلى كل ما هو يخالف الإسلام وحلت الثقافة المستوردة بدلاً من الثقافة الاسلامية، ونفذت في أغلب مرافق حياتها وشؤونها.
ومن الأُمور الواضحة أنَّ الحوزات في قم وطهران ولدت وهي مفصولة عن الدين، بمعنى أنهم أرسوا قواعد البناء المجتمعي على نحوٍ ينتهي بولادة مؤسسة بعيدة عن الدين، حيث لم يكن الهدف الأول لرجال النظام في الحوزات الدينية، هو بناء مجتمع سالم إسلامي، بمعنى آخر، إن إعداد المجتمع كان يتم بما يؤدي إلى ترسيخ حالة العبودية والتبعية؛ فالشخص المرموق في معيارهم، هو الذي يتفوق على غيره بالعبودية والاستسلام.
وقد بدأت هذه الامور حينما أرادت الحوزة أن تتحكم بالشعوب في إيران عن طريق الجهل، بابتعادها عن الإسلام الحقيقي، ففعلوا كلّ ما بمقدورهم أن يفعلوه.
من هذا الموقع انطلق الغزو الثقافي ضدّ الإسلام والشعوب في جغرافية الإيران، واكتسب أشكالاً مختلفة. وقد اتخذ الغزو أبعاداً خطيرة في السنوات الأخيرة، وبدأت تتلاشى الرؤية والفكر الإسلامي لدى الشعب الفارسي؛ لكن الأكثرية في صفوف الشعوب غير الفارسية مازالوا يعيشون حياتهم في إطار المناعة، واحتفظوا بإرادة التحدي، فآمنوا بالإسلام ديناً.
ومن أكبر الفجائع التي ارتكبها النظام بحق الإسلام، أنه يتساهل في العقيدة والإيمان، ويشجع على الخرافة وعبادة الأضرحة مما حمل الشعوب في هذه الجغرافية على أن تنسى جزءاً من ديانتها، وتنسلخ عن ذاكرتها بمرور الزمان. لنأخذ على سبيل المثال نظرية "قبض الشريعة" كما يذكرها المفكر عبدالكريم سروش في كتابه "فربه تر از أيديولوجي" كمثال، تراهم يستخفون بالشريعة ويدأبون على تضييقها بطريقة معينة، واقحموا فيها البدع والسذج حيث يبدو للمرء أن لا ضير إن أهمل الدين أو الواجبات الدينية، أو تركها إلى وقت آخر أصلا.
كما أرسى رجالات النظام قواعد بناء المؤسسة الحوزوية الدينية في قم وطهران على نبذ العقيدة منذ البداية رغم رفع الشعارات الإسلامية، ,بحيث كانت مجاميع الشباب التي تذهب لأجل الدراسة في العهد الأول، هدفاً للدعاية التي يمارسها الحوزات ضدّ الإسلام. وهكذا ولدت الجامعة، وهي مشروع غير ديني، بل مناهض للدين. ثم تابعوا هذا النهج غير الديني والمناهض للدين سنوات، بقوة ودقة. وبذلك لم يضعف الدين في الحوزات الدينية وحسب، بل تحولت إلى مراكز لمناهضة الدين.
فالجيل الذي رُبّي في عهد النظام الخميني، هو جيل يفتقر إلى العقيدة الإسلامية والإيمان في الغالب. ولكن المسار تغيّر بعد ذلك لدي الشعوب غير الفارسية في إيران، إذ تعرّف عدد كبير إلى دين الإسلام والمسائل الدينية بفضل الفضائيات والإعلام، ثم استيقظت العواطف وتفتحت في القلوب، وانبثق فكر جديد في هذه المجتمعات وأضحت مؤثرة في ذلك الوسط، وأضحى الإسلام اليوم هو في حال اتساع وامتداد في المجتمعات البشرية غير الفارسية في إيران، سيما في المجتمعات التي تعاني من ظلم النظام الفارسي.

(العلمانية في جغرافية إيران):
في النظر إلى مجال العلوم الاجتماعية في المجتمعات في جغرافية إيران بدأت تظهر العلمنة بتراجع الجاذبية الاجتماعية للدين، وذلك في إطار "ابتعاد الشعوب" عن الدين بشكل عفوي وبطيء مالا ينتج عن وعي، بل كره للنظام الديني الحاكم للحوزات في إيران. حيث أصبحت العلمانية مسارا لفئات واسعة من المتعلمين، تفقد بمقتضاه المؤسسات والرموز الدينية نفوذها على قطاعات من المجتمع.

وتخلص هذه الانتماءات في إيران إلى عدة اتجاهات من أهمها:
أ : تطور أنماط التمثل الجماعي باتجاه الاستقلالية عن النظام الديني الحوزوي. مثال ذلك تنامي الشعور بالانتماء الوطني أو القومي أو حتى اللغوي للشعوب غير الفارسية والذي يؤشر إلى تحول من نظام قاعدته المجموعة الدينية (مثل الجمهورية الإسلامية) إلى نظام قاعدته المجموعة الاجتماعية.
ب : تكون فضاء معرفي مستقل عن التصورات الدينية. وغالبا ما تتبنى الجامعات هذا الخطاب ويعتبر الطلاب فيها من أصحاب هذا الانتماء.
ج : استقلالية الوعي والتصرفات الفردية عن الفهم الديني. لعب الإعلام والفضائيات دوراً بارزاً في هذا المجال في داخل العوائل – إيجابياً كان أم سلبياً-وترك أثر واسعاً في تصرفات الافراد.

إذن العلمانية في إيران ظاهرة موجودة لا يمكن إنكارها وهي وليدة الإعلام الغربي، وانجذاب الثقافة الفارسية لها أو من جهة أخرى جاءت بسبب الضغينة التي يحملها الفرس للعرب والمسلمين. كما العلمانية أيضاً حصيلة النظام الديني الشيعي المتطرف في الحوزات واشمئزاز الناس من آثارها كالكذب والخدع والفقر. وعلى رغم ذلك إلا أن العلمانية لم تشكل حضورا كثيفا بين الشعوب في إيران، إلا أنها موجودة ولها مؤيدوها.

ولبيان العوامل التي أسهمت في انخراط الفرس في تيار العلمنة، واستعصاء الإسلام على ذلك يمكن ملاحظة ما يلي :
أولاً : صورة الرب ومكانة الأئمة الشيعية : إنها في الفكر الشيعي الذي تبنته الحوزات صورة تساعد على العلمنة؛ فالله مجرد خالق للعالم ، لا علاقة له بإدارته، وإنما تسير الأمور بيد أئمة الشيعة (الفرس)

ثانياً : المقاصد الدنيوية اللاأخلاقية للحوزات الشيعية القائمة على الخداع والجهل دون نظر لأية اعتبارات دينية . إن هذا القانون السائد في دولة ديانتها الجهل المطلق، أسهم في إخضاع مفكريها المستقلين والمتعلمين وطلاب الجامعات للتيار العلماني.

ثالثاً : عقيدة "الشفاعة" التي تعد من أهم عقائد الشيعة والثقافة المجتمعية جعلت الاتكاء على غير الله ممكناً في الفكر الحوزوي، حيث بدأت تتراءى في الأفق الأفكار العلمانية، وأنتجت مجتمعات لا دينية عند الشيعة.

رابعاً : الثنائية الحادة والمتناقضة في الواقع الحوزوي وشيوخها. ويعني ذلك، الانفصام الشديد بين أخلاق الزهد والضعف والاستكانة التي تكرسها الحوزات، وبين الواقع الذي يعيشه الرهبان الشيعة من بذخ وفساد وترف.

وفي وسط هذه الصورة القاتمة يمكن أن ينجح الخطاب العلماني حين يظهر على أنه الخطاب البديل المتماسك الرزين المتآلف؛ فيكسب الأنصار والجماهير اليائسة من الوسط الشعبي، والناقمة على تلك الحال العدائية المتردية بين رموز التيار الديني.
وخلقت هذه العوامل، ثلة غير متدينة من الشعوب في إيران. ودخلت المجتمع في صراع بين التيارات الثلاثة، الأول التيار الديني الحوزوي الذي يمثل النظام، ثانياً التيار السني الذي يشكل أكثر من عشرين مليوناً من الشعوب غير الفارسية، ثم التيار العلماني المقبول لدى المعارضة الفارسية وبعض المتعلمين وطلاب الجامعات.
وفي هذا الإطار، يمكننا ببساطة ملاحظة أنه لا يمكن الحديث عن تيار علماني بحد ذاته؛ فهذا التيار يتوزع بين تيارات المعارضة للنظام في الخارج وجيل الشباب من أبناء ما بعد الثورة وطلاب الجامعات خاصة، كما ثمة أطراف من العلمانيين تقف مع النظام والاستبداد على طول الخط. والحقيقة التي يجري حجبها أو توريتها بتبرير مفاده أن سجل التيارات العلمانية في إيران ليس ناصع البياض، وهو بدوره لا يقل أيديولوجية وطوباوية عن نظرة التيارات الدينية في الحوزات.
هكذا، فإن الخلاف أو التخندق الأيديولوجي بين التيارات الدينية التابعة للنظام والعلمانية التي تشكل غالبيتها الفرس (أشباه المعارضة)، يحجب حقيقة أن كل واحد منهما يتضمن داخله طيفا من المواقف المعاندة للإسلام، و عقائد مخالفة للثقافة الإسلامية.

(الدين خيار شعبي):
واقع الأمر أن العلمانية زالت من السلطة، لكن ازدادت نموا في أطياف الشعب، وانتقلت المعادلة من علمنة الدولة إلى علمنة الشعوب؛ وترجع هذه النقلة إلى الهياكل التقليدية للحوزات الباطلة في قم وطهران.
ولمعرفة إذا ما كان الدين منهجا شاملا للحياة يمثل خياراً شعبياً في جغرافية إيران في الوقت الراهن أم لا؟ حقيقة الأمر لن نستطيع تحديد موقف الجماهير من الإسلام قبل أن نقدم إجابة شافية عن هذا السؤال، فلا يصلح معها الإثبات أو النفي بإطلاق، فهناك اعتبارات متعددة تعطي نتائج متفاوتة حول مستوى التفاعل الشعبي في جغرافية إيران مع الإسلام، ومن هذه الاعتبارات:
أ : اعتبار التمسك بأحكام الدين : لا جدال في أن الدين بهذا الاعتبار لا يعد خياراً شعبياً؛ إذ الغالب على الناس التهاون في أحكام الدين في معظم مجالات الحياة.
ب : اعتبار طرح تطبيق الشريعة : والواقع يخبرنا أن شعار تطبيق الشريعة يطرح كشعار من النظام لردع مطالب الشعوب ليس إلا، إذن لا يكون هناك إلحاح واضح عليه.
ج : اعتبار التفاعل مع القضايا الإسلامية : ولا شك أن الفتور الشعبي العام الذي تواجه به الأحكام والمناسبات الدينية تمثل دلالة واضحة على الابتعاد التدريجي عن الدين.

(الاستنتاج):
شمولية واستبداد النظام الإيراني، من العوامل المؤثرة في إنهاك الدين وتآكله، فهو برغم الصبغة الدينية إلا أنه يمارس تضادا عنيفا مع أية سلوكيات دينية وإنسانية في الحكم والتعامل المتوازن مع الأطياف الاجتماعية.
وعلى أثر ذلك يرى الكثير في إيران أن العلمانية هي الحل، بشكل مطلق؛ لأنها تضع حدا للممارسة السياسية للحوزات الشيعية المتطرفة، وتعوق ثمرة الاتجار السياسي باسم الدين؛ حيث أضحت العلمانية، فكرة تغري بالاقتناع بها لدى الكثير، وهناك كثير من النخب التي ستموت من أجل الوصول إلى ذلك؛ لأنها السبيل الوحيد لفك سيطرة الولي الفقيه، وسطوة المرشد على حياة كل إنسان في هذه الجغرافية؛ يريد أن يعيش عبودية لله وليس للملالي.

*الاسلام اليوم
أضافة تعليق