مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2016/05/13 12:48
تطوير القوانين على أسس قرآنية أساس ناجح لحضارة الأمم
 
تطوير القوانين على أسس قرآنية أساس ناجح لحضارة الأمم
 
اعداد : د.سميرة بيطام
كلية الحقوق بن يوسف بن خدة -الجزائر 1- الجزائر



 مقدمة :

لقد بلغ الاسلام مكانة لا تنافسه فيها ديانات أخرى بسبب ما حظي به من اقبال بعد تأثير و من تأثير بليغ الهدف في تحقيق المنشود من هداية البشرية الى طريق الرشاد و الذي حمل الرسول صلى الله عليه وسلم على عاتقه أمانة تبليغ الرسالة العريقة ، فكان الانتقال في القرن الواحد و العشرين الى توسيع الدراسات الاسلامية و القانونية و الاجتماعية باستقاء مبادئ التقويم من أسس قيمية تمت بتلك الصلة الوثيقة و التي تربط محاورا أساسية في الأخلاق  من القرآن الكريم و على اسقاطات الواقع المجتمعي الذي دفعت به الحاجة للإصلاح الى الامتثال الى قانون وضعي يسعى من خلاله المشرع الى أن يخلق ذاك التوازن لأفراد المجتمع  و لهيئات الدولة حفاظا على مصداقية الأجهزة السياسية و الادارية و التعليمية و الحكومية. بصفة عامة حتى يكون آداء الارتقاء بالمجتمع يميل نحو الاستقرار و تحقيق عامل الأمن و السلم الذي ناشدته الدول عبر مسيرة من الاصلاح و التطوير في طريقة اقتناء الآلة و الفكرة و البرنامج و المشروع، فكان التجديد و كانت الازالة و الاضافة لكثير من الرؤى و التوجهات و أبدلت مكانها بأخرى كانت ناجحة لأنها اعتمدت في البرنامج التنموي على فكرة الدين و السياسة على نهج وسطي و عملي أكثر منه نهج يعادي العلمانية ليفرض الرؤية الدينية كفكرة تحقق الاسلام السياسي بل الأحق من كل هذا هو أن المجتمعات التي حضيت بنهضة و تطور مثل دولة ماليزيا و الامارات و غيرها اتخذت من القرآن منهج عملي حضاري يوافق القيم المجتمعية و لا يعاكس الرغبة في البناء و التشييد  فكان التقبل من أفراد المجتمع و كانت الصناعة التنموية و نشأت حضارات متتالية أعقبتها اصلاحات بناءة و أكيدة في الواقع.
و لمحاولة القاء الضوء على السبب الجوهري في أساس أي حضارة هو تفعيل القوانين الوطنية و تطويرها على أسس قرآنية ، اخترت محور بحثي ان شاء الله و الموسوم ب :
تطوير القوانين الوطنية على أسس قرآنية اساس ناجح لحضارة الأمم.
 
أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في بيان أهمية تطوير القوانين الوطنية بقاعدة قرآنية تؤدي الى نجاح حضارة التقدم لأي أمة على أساس أن النصوص القرآنية هي القوة المركزية للرؤية الواضحة و الخطة المدروسة الأبعاد .

أهداف البحث:
1-تأثير القرآن الكريم في نجاعة القوانين بحيث يعطي الحاجة الى تحقيق الوسيلة الهادفة لإحقاق الحق و ترسيخ أسس العدل و الكرامة الآدمية.
2-التأكيد على أن المرجعية القرآنية لا تضاهيها و لا تنافسها أية مرجعية أخرى و لو كانت بنصوص الكتب السماوية الأخرى ، لأن القرآن الكريم هو آخر الكتب المنزلة و بالتالي جاء شاملا و منزها من كل ما يدعو للشك و الريبة بإعجاز علمي لا يقبل النقيض و لا البديل ، باعتراف من المستشرقين أنفسهم و الذين جالوا بفكرهم و أعجبوا بجمال و أدبيات هذا الكتاب.
3-بيان أن نجاح القوانين يتوقف على مدى تحقيق الكفاية من الانصاف و الشرعية فيما يخدم المجتمع و الفرد على السواء، وبالتالي فان تطوير هذه القوانين  يجب أن يكون بالإسقاط  وعلى المنحى الأول للمصدر التشريعي المعترف به و هو الشريعة الاسلامية ، و بالتالي تمنح هذه القوانين بعد تعديلها الصورة المثلى الي تتوق و تتطلع اليها الشعوب الطامحة لحياة مثلى.

منهج البحث:
تقتضي سلامة الوصول الى نتائج ايجابية لدراسة هذا الموضوع أن أتبع المنهج الوصفي التحليلي بالتسلسل مع ما تمليه طبيعة البحث العلمي المتدرج من أسس الموضوع المشتمل على مباحث و مطالب ،و ذلك بتحديد الملامح العامة للموضوع  ثم اتباع مراحل التطور و التقدم و التحديث ، الى غاية الوصول الى النتيجة الحتمية التي تقرر المرتبة السامية للقرآن الكريم و التي تدفع بالأمم للانبعاث الحضاري عبر حضارة واضحة المعالم و الأبعاد ، اتباعا للتوجيهات القرآنية التالية :
1-الرجوع الى المصادر الأصلية في البحث بحسب قناعتي أنها تخدم البحث و تضفي عليه الصفة العلمية البحتة و المعروفة في المناهج البحثية.
2-الحرص على اسناد الأقاويل لأصحابها حفاظا على الأمانة العلمية.
3-عزو الآيات القرآنية الى سورها في متن البحث بذكر اسم السورة و رقم الآية.
4-الحرص على تدعيم البحث  بالنصوص الشرعية من الكتاب و السنة و أقوال العلماء.
5-ذكر المراجع من مصادرها الصحيحة ووضع العبارات المقتبسة بين قوسين و من نصها الحقيقي.
 
خطة البحث :
المبحث الأول : مفهوم القانون
المطلب الأول: الشريعة الاسلامية مصدر أولي ناجح لسن القوانين
الفرع الأول: نماذج عن استناد القوانين الوطنية للشرعية الاسلامية
الفرع  الثاني:آراء لفقهاء بخصوص تقنين التشريع الاسلامي
المطلب الثاني: الحاجة لتطوير القوانين من دوافع النهضة الحديثة
الفرع الأول:القرآن الكريم أحد أساسيات التطور الحضاري للأمم
الفرع الثاني:النهضة الحديثة عامل أساسي لتطوير القوانين
المبحث الثاني: مدى نجاح تطوير القوانين كأساس لحضارة مثالية
المطلب الأول: من منظور أحقية الانبعاث الحضاري كرؤية ضرورية للتغير
الفرع الأول: من صراع الحضارات الى حوار الحضارات انطلق الاتفاق على التغيير
الفرع الثاني: منطلق الصحوة في العالم تطبيق للتغير بأسس توافقية
خاتمة
 
 
 
المبحث الأول: مفهوم القانون و مراحل تطوره


هو مجموعة من القواعد والأسس التي تعمل على تنظيم المجتمع فهو يعد أحد قوانين علم الاجتماع الأساسية التي لها أهمية،حيث لا يستطيع المجتمع أن يعيش إذا كان كل أفراده يفعلون ما يروق لهم دون مراعاة لحقوق الآخرين، أو إذا كان أعضاؤه لا يعترفون بأن عليهم التزامات معينة في مواجهة بعضهم بعضًا  القانون هو الذي يقرر القواعد التي تحدد حقوق أي شخص والتزاماته وهو الذي يضع الجزاء وكيفية تطبيقه من قبل الحكومة على كل من يخالف القواعد التي وضعت ،ويظهر كيفية تطبيق الحكومة لتلك القواعد والجزاءات
             فالقانون(1) في اللغة يعني مقياس كل شيء و طريقه ، و كلمة قانون مفرد قوانين و تعني الأصول و لفظ القانون يفيد النظام ، و المقصود به تكرار أمر معين على وتيرة واحدة بحيث يعتبر خاضعا لنظام ثابت . و بهذا المعنى أطلق لفظ القانون على النظم التي تحكم الظواهر الطبيعية و الاقتصادية و الاجتماعية ...الخ ، فإذا قلت قانون رد الفعل  (قانون نيوتن الثالث ) أفاد ذلك أن كل فعل يخضع لرد فعل مساو له في المقدار و مضاد له في الاتجاه  ، و اذا قلت قانون السكون و الحركة أفاد ذلك أن كل شيء ساكن يظل ساكنا و كل شيء متحرك يبقى متحركا ما لم تؤثر فيه قوة خارجية ، و قد كان للعرب السبق الى استخدام كلمة القانون بمعنى القواعد التنظيمية ، بالرغم من أن كلمة قانون ليست عربية بل قيل أنها رومية و قيل أنها فارسية.
نستنتج بصفة عامة أن القانون هو مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقات الأفراد في المجتمع او هو النظام الذي تجري وفقا له علاقات الأشخاص أو يمكن تعرفه على أنه مجموعة القواعد التي تجعل هذه العلاقات تسير على منوال واحد و طبقا لثوابت واحدة ،و بهذا المعنى يقال أن الأمر مطابق للقانون أو مخالف له .
 ويمكن التفرقة بين القانون الوضعي و القانون الطبيعي ، اذ يقصد بالقانون الوضعي(2) Droit dispositif  مجموعة القواعد الملزمة التي توضع سلفا لتنظيم سلوك الأفراد في مجتمع معين و في مكان معين و في زمان معين ، و نتيجة أن هذه القواعد تكون موضوعة سلفا أن يتمكن الأفراد من معرفتها و أن ينظموا سلوكهم على أساسها ، و نتيجة أن هذه القواعد تتخصص بمكان معين و بزمان معين أنها تتغير  بتغير الظروف الاجتماعية في بلد معين.

المطلب الأول: الشريعة الاسلامية مصدر أولي ناجح لسن القوانين
الدولة حامية الشريعة والساهرة على تنفيذها ونشرها، من أجل هذا كانت العلاقـات بين الشريعة والقانون الوضعي موازية للعلاقة بين الدين والدولة مـن أجـل هـذا حـرص المفكرون المسلمون المحدثون دومًا على أن يفهم من مادة " دين الدولة و الإسلام أن تكـون قوانين الدولة مستندة إلى أحكام الشريعة الإسلامية لا إلى أحكام القانون الوضعي الغربـي، أو على الأقل أن يتم التركيب بين أحكام الشريعة الإسلامية وأحكام القانون الوضـعي التـي لا تتعارض مع مبادئ هذه الشريعة أو مع فروعها بحيث يقوم بينهما تكامل وإنـسجام يقـضي حاجات كل مجتمع ، وهذا ما حرص على التأكيد عليه عدد من القـانونيين المـسلمين بـل إن بعضهم حرص على بيان مميزات خاصة للشريعة الإسلامية تتفوق بها على القانون الوضعي نفسه كما ذهب علي أبو الفتوح والشيخ عبد العزيز جاويش وكذلك الـدكتور عبـد الـرزاق السنهوري وهو أحد أعلام الفقه الدستوري الذي نادى بعد توقيع معاهدة 1936 مع بريطانيـا بوجوب الرجوع إلى الشريعة الإسلامية عند مراجعة التشريع المصري وبعدم إقـصائها مـن مصادره، وأكّد أن عددًا من مبادئ الشريعة يعد متقدمًا على الشرائع الغربية منها، وكـان لا يشكك أن الإسلام دين و دولة، وأنه لا بد للدولة من فقه، هو الفقه الإسلامي الـذي هـو فقـه محض لا يقل عراقة عن عراقة القانون الروماني كما لا يقل عنه في دقة المنطق وفي متانـة الصياغة وفي القابلية للتطور بحيث يصلح لأن يكون قانونًا عالمياً.
     و  يغفل الكثير من المشتغلين بدراسة الدين الاسلامى- سهواً أو عمداً- أن يشيروا فى كتاباتهم إلى أن الأحكام الشرعية الإسلامية تتنوع إلى أحكام الهية قطعية وأحكام فقهية إجتهادية، وأن التزام المسلم والدولة الإسلامية بإتباع الدين الإسلامى يقتصر كأصل عام على الالتزام بالأحكام الالهية القطعية دون الأحكام الفقهية والاجتهادية ولذلك فإننا نفضل أن توصف الأحكام الالهية القطعية وحدها بأنها أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها أحكاماً أو بالأحرى قواعد ملزمة بطبيعتها، خلافاً للآراء الاجتهادية التى لا تحظى بصبغة الإلزام ولا بطبيعة الأحكام وهى ما يمكن وصفها بأنها من الفقه الإسلامى(3).
و تنص غالبية التشريعات العربية(4) في مدوناتها المدنية على الشريعة الاسلامية باعتبارها مصدرا احتياطيا يتعين على القاضي أن يلجأ اليه في حالة عدم وجود نص تشريعي يحكم النزاع ، بيد أنها اختلفت  فيما بينها حول الترتيب الذي وضعت فيه الشريعة بين المصادر الأخرى ،يتضح ذلك من استعراض النصوص العربية .
الفرع الاول:
أخذت جملة من التشريعات العربية على سبيل المثال و ليس الحصر لاستيضاح فكرة الشريعة الاسلامية و اعتمادها من طرف حكومات الدول كمصدر اساسي للتشريع و منها :
1-جمهورية مصر العربية :
القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 تنص المادة 1/1 " تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها.
فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف ، فإذا لم يوجد فبمقتضى الشريعة الاسلامية ، فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة.
2-الجمهورية العربية السورية :
القانون المدني السوري ، مرسوم 84 لسنة 1949 ، تنص المادة الأولى " تسري النصوص التشريعية   علي جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها ، فإذا لم يوجد  نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشرعية الاسلامية ، فإذا لم توجد فبمقتضى العرف ، و اذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة.
 
3-جمهورية العراق:
القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 تنص المادة الأولى على أنه " تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها او في فحواها.
فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف ، فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين ، فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة.

4-جمهورية الجزائر :
القانون المدني الجزائري الصادر بالأمر رقم 75/58 الصادر في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني، حيث تنص المادة  الأولى على أنه " يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو فحواها ، و اذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشرعية الاسلامية ،فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف  فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة.

5-المملكة الأردنية الهاشمية:
القانون المدني الأردني رقم 4" لسنة 1976 حيث تنص المادة الثانية على أنه " تسري نصوص هذا القانون على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بألفاظها و معانيها و لا مساغ للاجتهاد في مورد النص ، فذا لم تجد المحكمة نصا في هذا القانون حكمت بأحكام الفقه الاسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون ، فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية.
كانت نماذج من تشريعات عربية لاستيضاح مكانة الشرعية الاسلامية في التشريع القانوني ، و للعلم فان المشرع الدستوري ينص على أن الشرعية الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع أو هي مصدر رئيسي و على نحو ما انتهى عليه فقهاء القانون الدستوري و المدني يعد بمثابة توجيه من المشرع الدستوري الى المشرع العادي ليضع نصب عينيه الشرعية الاسلامية  باعتبارها مصدرا ماديا حينما يقوم بسن التشريعات و في نفس الوقت لا توجد آليات قانونية تمنع صدور تشريعات مخالفة للشريعة الاسلامية و هو أمر مطلوب لسد الثغرات الاجتهادية التي تألو بالرأي و تأخذ بمنطق العرف، لكن في الأخير المتتبع لخطوات سن التشريع في غالبية الدول العربية لن يجد من ضمن مراحلها وجوب مطابقة التشريع المقترح للشرعية الاسلامية و عدم مخالفتها اياها.

 الفرع الثاني : آراء لفقهاء بخصوص تقنين التشريع الاسلامي
إن مسألة تقنين أحكام الفقه الإسلامي والإلزام به من المسائل التي أثارت جدلاً كبيراً بين علماء الأمة ما بين مؤيد و معارض لأنها  من النوازل الجديدة التي تحتاج إلى بحث و استفراغ واسع.
فتعريف التقنين اصطلاحاً (5): يقصد بالتقنين بوجه عام جمع الأحكام والقواعد التشريعية المتعلقة بمجال من مجالات العلاقات والاجتماعية وتبويبها وترتيبها وصياغتها بعبارات آمرة موجزة واضحة في بنود تسمى ( مواداً ) ذات أرقام متسلسلة، ثم إصدارها في صورة قانون أو نظام تفرضه الدولة، يلتزم القضاة بتطبيقه بين الناس،  ونقصد بتقنين الفقه الإسلامي تطبيق طريقة التقنين الآنف الذكر على الأحكام الفقهية.
و تشير الشراح (6) الى ان اول عملية لتقنين الفقه الاسلامي في العصر الحديث كانت على يد العثمانيين عام 1869 حينما تم تكليف مجموعة من العلماء يبلغ عددهم سبعة علماء برئاسة أحمد جودت باشا ناظر ديوان الأحكام العدلية بتقنين المعاملات المدنية على نسق القوانين الوضعية ، و استغرقت اللجنية سبع سنوات حيث أنجزت عملها في عام 1876 ، حيث تم وضع مجلة الحكام العدلية و تحتوي المجلة على 1851 مادة و استمدت معظم احكامها من ظاهر الرواية للفقه الحنفي إلا النذير من الاحكام أخذت فيه بالمذاهب الأخرى و ظلت هذه المجلة مطبقة في بعض البلاد الاسلامية و ظهرت لها شروح و أكبرها و أهمها شرح علي حيدر بالتركية ، و قام بتعريبه فهمي الحسيني.
و لم تتوقف محاولات تقنين الفقه الاسلامي عند هذا الحد بل قامت محاولة من قبل مجمع البحوث الاسلامية التابع للأزهر الشريف بتقنين احكام الفقه في البيوع لكنها قننت أحكام البيوع في كل مذهب على حدى و لم تضع تقنينا واحدا.
هذا وقد ذهب البعض إلى أنه في تقنين الفقه الإسلامي علينا أن نلتمس الحكم في كتب هذا الفقه ، ولا يجوز لنا أن نتعلل بفكرة أن ما لا يخالف الشريعة الإسلامية فهو مقبول وجائز العمل به، فالشريعة – من وجهة نظر صاحب هذا الرأي – تتضمن أحكامًا صادرة عن الشريعة وهذه يجب العمل بها، وما عدا ذلك من الأحكام فهي ليست صادرة من الشريعة ، ومن ثم فلا يجب العمل به، فليس هناك منطقة وسطى بين الاثنين تسمى ما لا يخالف الشريعة ، فما “لا يخالف الشريعة الإسلامية” ليس من الشريعة الإسلامية ويترتب على ذلك وجوب البحث في تراثنا أولاً للوصول للحكم.
و يرى البعض أنه في حالة اذا لم يجد القاضي نصا يحكم النزاع و كانت القوانين الأجنبية تتضمن حكما للنزاع المعروض ، فانه للقاضي أن يأخذ بهذا الحل الموجود في القوانين الأجنبية ، فطالما قلنا بفتح باب الاجتهاد ، فلا يجوز لنا أن نحرم مشرعنا من الأخذ بقاعدة قانونية لمجرد أنها ذات مصدر وضعي ، و لو كان أجنبيا ،بل المنطقي أن تكون التشريعات الأجنبية و الأعراف الأجنبية و الفقه و القضاء الأجنبيان و من باب أول التشريعات الوطنية السابقة و الاعراف الوطنية و كذلك الفقه و القضاء الوطني هي أول ما يرد عليه بحث المجتهد وصولا للحكم الذي يتوافق و الحاجات المعاصرة.

 المطلب الثاني: الحاجة لتطوير القوانين من دوافع النهضة الحديثة
إن الدول التي وضعت القانون الدولي في مرتبة أسمى من الدستور نادرة جدا إن لم نقل أنها تنعدم فالدستور الهولندي مثلا لسنة  1922 المعدل في 1963 يجعـل مـن القانون الدولي أسمى منه، إذ يمكن للاتفاقية الدولية التي تبرمها هولندا أن تخالف الدستور، كما يمتنع على المحاكم الهولندية أن تعلن عدم دستورية الاتفاقية التي تـسمو علـى التـشريعات الداخلية اللاحقة لها والسابقة عليها، لكن المـادة 63 مـن الدستور الهولندي تعتبر سمو القانون الدولي محدودا فهي تربطه بضرورات الحياة الدولية.
ان حركة التقنين ليست ظاهرة حديثة(7) النشأة ،بل عرفتها المجتمعات القديمة ،حيث عرفت مصر الفرعونية في القرن الثامن قبل الميلاد هذه الظاهرة فصدر تقنين بوخوريس، و تقنين حمو رابي في بابل في القرن السادس قبل الميلاد ،أما في العصر الحديث فقد ازدهرت حركة التقنين في أوائل القرن التاسع عشر ،حيث صدرت تقنينات نابليون في فرنسا.
يعني فكرة التطور كانت قديمة و ليست حديثة و لربما زادت و نوعت من منهاجها لحاجة النهضة في ضرورة احداث التغيير الممنهج من أجل خلق وتيرة حضارية جديدة تدفع بعجلة التقدم نحو الأمام.
 
الفرع الأول:القرآن الكريم أحد أساسيات التطور الحضاري للأمم      
      بما أن كشف أسرار القرآن هي بمثابة  المنزلة الرفيعة، إلا أنه ينبغي أن لا يغتر أحد بذلك ،بل الواجب أن يقيس ما يصل اليه بميزان الشريعة و لذلك قال الطوفي (ت 716) ، في قوله تعالى " قال فما خطبك يا سامري ، قال بصرت بما لم يبصروا به ، فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها و كذلك سولت لي نفسي " سورة طه الآيتان 95،96 ، فيه أن الاطلاع على أسرار القدوة ، و الكشف عن غرائب الحكمة يختص به قوم دون قوم ، و أن الاختصاص بذلك قد يكون معجزا و كرامة لنبي أو ولي ، و قد يكون فتنة و استدراجا ،فلا ينبغي لأحد أن يغتر بما اكتشف  من الأسرار و الحقائق (8).
هذا و  فيما يخص استنباط معاني القرآن الجليلة ، و من أوجه عناية العلماء بهذا الموضوع هو تخصيصهم مؤلفات خاصة بهذا النوع من العلوم المتصلة بالقرآن الكريم.
فالشريعة الإسلامية لا تضيق بحاجات الناس ومستجداتهم، فمن خلال التأمل في مصادر التشريع الإسلامي نكتشف أنّ التشريع الإسلامي خصب ومرن (القرآن الكريم / السنة النبوية الشريفة / الإجماع / القياس / الاستحسان / الاستصحاب / المصالح المرسلة / مذهب الصحابي / العرف / شرع من قبلنا).
وقد صرّح بهذا الأستاذ روني دافيد(9) وهو من زعماء القانون  المقارن في العالم، حيث قال: " أنه من ضروب الخطأ الاعتقاد –كما يظن البعض- أنّ الشريعة الإسلامية في حالة سبات بذكرنا سكوت المقابر وجمودها، فالحقيقة هناك غير ذلك، فالشريعة الإسلامية لا تزال تعدّ من الأنظمة القانونية العظيمة في العالم المعاصر"، وللرد على الشبهات وسهام النقد غير البنّاء نعود إلى خصائص الشريعة الإسلامية ومصادرها.
.
و دعوى المستشرقين هدفها الإبقاء على صورة جمود الفقه الإسلامي، فهذه الدعوى هي أفكار حاقدة وبدون أساس علمي. وهذا لا يمنع من القول بأن بعض المستشرقين خدموا الإسلام بأفكارهم الموضوعية القائمة على أسس موضوعية أمثال: ادوارد لامير / لويس هيو / غوسطان روبوم / ريغريد هونكر...
و لذلك يعد القرآن (10)المثل الأعلى و المنطلق الأساس لبناء الإنسان الصالح،فالمثل الأعلى يمثل المحور الذي يستقطب عملية بناء المحتوى الداخلي للإنسان الصالح وكذلك هو بالنسبة للمجتمع الإنساني بوصفه وجودا كليا" بماهية خاصة، إذن نقطة البدء في بناء الإنسان الصالح هو المثل الأعلى ، فالمثل الأعلى يحدد الغايات والأهداف على المستويين الكلي والجزئي، وبوصف إن المثل الأعلى هو مرتبط بالرؤية العامة إلى الحياة والكون وهو يتحدد لكل جماعة بشرية على أساس من ذلك ، فان القرآن الكريم يعد المثل الأعلى للإنسان والمجتمع الإنساني هو الله "يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) سورة الانشقاق  ، الآية 6 ، بوصف أن المثل الأعلى هو القائد الآمر المطاع الموجه وهو الصانع لمسار الإنسان في حركته،كما أن الكمال الذي هو طريق وصول الإنسان لغايته يتمثل بأعلى درجاته في الذات المقدسة .
و من هذا الشرح من ذات الانسان و ما تركه القرآن من طيب الاصلاح بداخله هو نفسه شأن الأمم التي سعت للتحضر فكان أن انطلقت من قاعدة قرآنية جملتها عقيدة سمحة ، فكان النظام و التخلق و التفكير النقي لبناء نهضة جديدة و هذا ما بدى واضحا في العديد من الأمم مثل دولة ماليزيا و غيرها كنماذج متقدمة حضاريا بعد أن اختارت لها اللبنة الصحيحة و المتصفة بالديمومة ما جعلها محط اهتمام و اعجاب العديد من الدول التي تطمح لأن تخطو على نفس الخطى من التطور.
 
الفرع الثاني:النهضة الحديثة عامل أساسي لتطوير القوانين
ان مصطلح النهضة قد بدأ بالانتقال من العصور الوسطى الى العصور الحديثة و هي القرون 14 و 16 و يؤرخ لها بسقوط القسطنطينية في 1453 م حيث نزح العلماء الى ايطاليا حاملين معهم تراث اليونان و الرومان ،كما يدل مصطلح النهضة على التيارات الفكرية و الثقافية التي بدأت في البلاد في البلاد الايطالية في القرن 14 ،و من ايطاليا انتشرت النهضة الى فرنسا و اسبانيا و المانيا و هولندا و انجلترا و الى سائر أوروبا.
و يظن البعض ان العصور الوسطى هي عصور التخلف و الانحطاط و التأخر ، بل هي الأساس الذي نستطيع من خلاله ان نفهم التاريخ الحديث و ذلك بدراسة أهم العصور الوسطى في أوربا .
و لقد انبعثت النهضة الأدبية في العالم العربي في العصر الحديث انطلاقا من مصدرين رئيسين هما(11):
1-يقظة الشعور الديني و الوطني ، و بعث التراث القديم.
2-الاحتكاك بالحضارة الغربية
و قد ساعدت على بعث النهضة عدة عوامل يمكن اجمالها في الطباعة و الصحافة و الترجمة و البعثات العلمية و انتشار التعليم و كذلك ظاهرة الاستشراق ،فالطباعة كان لشيوع انتشارها في البلاد العربية أكبر الأثر في النهضة الأدبية و العلمية ، حيث تدفقت الصحف و بعثت المخطوطات القديمة و ظهرت المؤلفات الحديثة و انتشر الكتاب المدرسي و تكونت المكتبات
العامة و الخاصة ، و كانت الصحافة نافذة يطل منها العرب على العالم و ما يدور فيه ، و ميدانا تتسابق فيه اقلام الكتاب و الشعراء و منبرا للساسة و الزعماء و المصلحين طلبوا من فوقه المستعمر  بالحرية.

أما فيما يخص الجانب القانوني فلقد ذكرت الدكتورة بدرية العوضي(12) في مقالها " تطوير الدراسات القانونية لتتلاءم مع التطورات الاجتماعية" أنه لابد من التذكير بضرورة التركيز على التخصصات المعاصرة لمسايرة تطور القانون و ظهور المشاكل القانونية غير التقليدية مع تطور العلم و التقنية

 ولا بد ان يكون الشخص المؤهل القانوني أكثر دراية ومعرفة بالعلاقة في المستقبل بين القانون والتطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في المجتمع وبناء على ذلك فإن الأستاذ الجامعي المتفرغ يجب ان يجمع بين ثلاث صفات، المحامي والباحث والمعلم، وغالباً ما تكون الصفتان الاولى والثانية غير متوافرتين في القائمين على التدريس في الجامعات أو الكليات القانونية في معظم البلاد العربية، وينطبق ذلك على الكليات والمعاهد القائمة على تدريس القانون في الكويت. و كذلك، فإن الكتب القانونية يجب أن تدخل كجزء يمكن أن يتطور القانون بواسطته، وهذا بدوره يتطلب تطوير المكتبات ومساعدي الباحثين والسكرتارية لتطوير الدراسة القانونية.  و أخيراً، فإن الذين يقومون على ادارة المعاهد القانونية لا بد أن تكون لديهم الخبرة والكفاءة في وضع البرامج والخطط التعليمية، وتبادل الخبرات والتعاون بين الجامعات الاخرى التي أخذت بتطوير دراستها القانونية.
هذه بعض الاقتراحات التي نأمل أن يؤخذ بها اذا كنا جادين في تطوير الدراسات القانونية في الكويت، للحد من ظاهرة حملة الشهادات المزوّرة ومعاقبتهم بأقصى العقوبات، للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت مألوفة في المجتمع الكويتي، يجب القضاء عليها بأسرع وقت لحماية الدراسات القانونية في المنطقة العربية التي بحاجة إلى هذا التخصص لحفظ الأمن والأمان في دولهم، ولإرساء قيم ومبادئ العدالة والإنصاف في المجتمع وتقدمه ، هذا نموذج من حالة ضرورة تطوير القوانين بما يتناسب و متطلبات العصر من الحداثة العلمية و الفكرية.
و لكن كثير من الناس يتساءل و يقول: ماذا أتدبر بالضبط في القرآن(13)؟ والحقيقة أن القرآن فيه حقائق وإشارات كثيرة تحتاج إلى التدبر، ثمة مفاتيح كثيرة لفهم القرآن.. أعظم وجوه ومفاتيح الانتفاع بالقرآن تدبر ما عرضه من حقائق العلم بالله ، فما في القرآن من تصورات عن الملأ الأعلى هي من أعظم ما يزكي النفوس، وكثيراً من المنتسبين للفكر المعاصر يظن الأهم في القرآن هو التشريعات العملية، وأما باب العلم الإلهي فهو قضية ثانوية، ولا يعرف أن هذا هو المقصود الأجـل و الأعظـم، ولذلك قال الإمام ابن تيمية : "فإن الخطاب العلمـي في القـرآن أشرف من الخطاب العملـي قـدراً وصـفة " [درء التعـارض..[٣٥٨/٥
ان التدبر في القرآن يعني فهمه و استخلاص معانيه و أحكامه و محاولة تطوير القوانين على منحى تلك العبر و الحكم المستنتجة منه ، فكل ما كان تطوير القانون  مسايرا للضوابط القرآنية كلما كان أقرب للوصول الى الحقيقة و التوفيق و النجاح بما يوافق الملكة البشرية في تفكيرها و ميولاتها الانسانية ، و هل بغير القرآن يوجد بديل للتطور ، و هو ما كان صالحا لكل زمان و مكان؟.
  
المبحث الثاني: مدى نجاح تطوير القوانين كأساس لحضارة مثالية
يرد وصف حقوق الانسان  في الاعلان العالمي لحقوق الانسان و في مختلف المعاهدات  و التي يطلق عليها أيضا و الاعلانات و الخطوط التوجيهية و مجموعة المبادئ التي وضعتها الأمم المتحدة و المنظمات الاقليمية و تشمل حقوق الانسان و طائفة عرضية من الضمانات التي تتصدى تقريبا لكل جانب من جوانب الحياة الانسانية و التفاعل الانساني ، و تشمل الحقوق المكفولة لكافة البشر ما يلي:
* حرية الانضمام الى الجمعيات الخيرية و حرية التعبير و التجمع و التنقل
*عدم التعرض للاعتقال
*عدم التعرض للتعذيب و المعاملة او العقوبة القاسية أو اللانسانية او المهنية
*الحق فغي الحياة
*التساوي في حق التمتع بحماية القانون
*عدم التعرض للتمييز
*الحق في محاكمة منصفة
*عدم تعرض الشخص للتدخل التعسفي  في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته  أو مسكنه أو فيما يتلقاه من رسائل.
*الحق في اللجوء
*الحق في الجنسية
*حرية الفكر و الوجدان و الدين
*الحق في التصويت و المشاركة في الحكم
*الحق في شروط عمل منصفة و مرضية
*الحق في الغذاء الكافي و المأوى و الكساء و الضمان الاجتماعي
*الحق في الرعاية الصحية و التعليم
هي في مجملها مجموعة حقوق يقرها القانون انصافا و حماية لحقوق الانسان التي أقرها لها الشرع.
لكن ما هو الدافع أو الهدف من اقرار مجموعة هذه الحقوق التي رافعت لأجلها منظمات و دافعت عنها قوانين في أرجاء العالم ؟ ، هذا ما سنتناوله في المطلب الموالي.
 
المطلب الأول: من منظور أحقية الانبعاث الحضاري كرؤية ضرورية للتغير
     ان النظر في الحضارات السابقة من المناهج السابقة التي أرساها القرآن الكريم ، قال تعالى " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم و للكافرين أمثالها " سورة محمد الاية 10 ، و النظر ليس المقصود به التمتع و التلهي ، انما معرفة سنن الله تعالى في صعود الحضارات و انحدارها ،ذلك ان السنن الالهية تتسم بالاطراد و العموم و الثبات ،قال تعالى "فلن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا " سورة فاطر الاية 43، و من ثم فمعرفة سنن الله في المجتمعات و الأنفس جزء من معرفة الدين ، أو معرفة لجزء من الدين ،و أن هذه المعرفة ضرورية ،و من الواجبات الدينية لأنها تبصرنا بكيفية السلوك الصحيح في الحياة ،حتى لا نقع في الخطأ و العثار  و الغرور و الأماني الكاذبة (15).
و لهذا الغرض جاء القرآن الكريم ليبني مجموعة من السنن تؤسس لمعرفة شاملة للحقوق التي منحها اياها الله ،بحيث لا تعرف التبعية و لا التقليد الأعمى ، بل تكون من منطلق حضاري و نهضوي متأتي من لبنة اجتماعية و ثقافية لتلك الأمة بما يوافق القيم السماوية.
و المعرفة الشاملة الربانية تكون من القراءة الربانية من أول الايات نزولا " اقرا باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق ، اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم" سورة العلق الآيات 1-5.
و كما جاء الاسلام فحارب هذه الوسائط(16) الشخصية و الاجتماعية التي تحول دون قراءة وحي الله قراءة شاملة ، فكذلك حارب كافة الوسائط المعنوية التي تحول دون قراءة السمع و البصر و العقل لآيات الآفاق و الأنفس، و من هذه الوسائط بلادة الألفة ، و منها التسليم بالمسائل دون اعمال فكر أو نظر، و لم يحارب القرآن شيء مثل ما حارب هذه الوساطة ،لأنها السلاح الفتاك الذي يدمر العقل ،و لأنها الوسيلة العظمى التي يستعبد بها البشر بعضهم بعضا ، و لأنها المدخل الأكبر للشيطان للعبث بفكر الانسان ، نعم ، لا أخطر من التسليم المطلق لما يقوله البشر أو يعملونه ، و لقد أطلق القرآن الكريم صيحته العظيمة لفضح هذه الوساطة " قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين" سورة النمل الآية 64.
و عندما يتم التمييز بين ما هو واجب و ما هو فرض حتما ستكون ففكرة الانبعاث الحضاري لا بد منها لأجل ايقاظ الهمم و ترك الكسل و الخمول و الانحطاط.
  و قد وهب الله الانسان مؤهلات(17) عظيمة يستطيع أن يقوم بمهمته في الأرض ، و بهذه المؤهلات يستطيع حمل الأمانة التي عرضت على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و اشفقن منها -سوة الأحزاب الاية 27 - ، و هذه المؤهلات تتمثل في شيئين :
*وسائل المعرفة
*وسائل الهداية
الفرع الأول : من صراع الحضارات الى حوار الحضارات انطلق الاتفاق على التغيير
حتى عام 1966 ، كان صامويل هنتجتون(18) واحدا من الباحثين البارزين الذي اجتهد لصياغة رؤية تفسيرية ، بالاستناد الى مجريات الواقع الحضاري الذي يعيشه العالم ، و بما أن كل رؤية تفسيرية تنطلق من ثابت منطقي ووجدي أحيانا ،فان هنتنجتون يعتمد مقولة "الصدام كتعبير عن لحظة الصراع الذي يجري و سيستمر في أرض الواقع ، لكي تكون هذه المقولة ذات دلالات عامة وشمولية فلأنة يحقنها بقوة دلالية مضافة لتصبح أكثر تعبيرا عن جوهرية هذا الصدام و اتساع شموليته ، فمن الصدام الحضاري الى الصدام الكوني و من الصدام الجزيء بين طرفين أو ثلاثة الى صدام كلي تشترك فيه مجمل القوى البشرية بمختلف تشكيلاتها و كما هو معتاد فان أي مفهوم اجرائي لابد أن يشتغل في مجال ما و إلا ظل سابحا في فضاء معطل ، فالتعبير يجري ضمن مجال ،فإما أن يصل الى التطابق بين ارادة التغيير أو يصل الى حالة الصدام و التنافر بين الارادات المضادة ، و المجال الذي يفترض فيه هنتنجتون " التغيير و الصدام" هو مجال "الحضارات" ، فالتغيير يجري في وضعية الحضارات و الصدام يكون فيما بينها ، و هذا اقصاء لرؤية الانسجام و التوائم الحضاري ، و انزال التنابذ و التنافر الى حيزات الواقع الفعلي ، ثمة مفاهيم ذات مساس مباشر بالخطاب العام الذي يشتغل فيه كتاب "هنتنجتون" و هي مفهوم الحضارات  ،مسألة الحضارة الكونية، و العلاقة بين القوة و الثقافة ، ميزان القوى المتغير بين الحضارات ، التأصيلي في المجتمعات غير الغربية ، البنية السياسية للحضارات ، الصراعات التي تولدها عالمية الغرب ، العسكرية الإسلامية التوازن و الاستجابات المنحازة للقوة الصينية ،أسباب حروب خطوط التقسيم الحضاري و العوامل المحركة لها و مستقبل الغرب و حضارات العالم .
هي في مجملها مفاهيم او تكوينات مفهومية ، و هذا ما تشير اليه محاور أساسية من أن ما بعد الحرب الباردة يفتقر الى تقسيم واحد و موحد ، حيث نلاحظ ان أن أهم دول العالم جاءت من حضارات مختلفة و الصراعات الأكثر ترجيحا تمتد في حقيقتها الى حروب أوسع هي صراعات قائمة بين جماعات و دول و من حضارات مختلفة ، فيما يبين أن أشكال التطور السياسي و الاقتصادي السائد يختلف من حضارة لأخرى ،و القضايا السياسية على أجند العالم تتضمن الاختلافات بين الحضارات و القوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلا على الحضارات غير العربية ، و السياسية الكونية أصبحت متعدد الأقطاب و متعددة الحضارات ، ان رؤية هنتنجتون تتقاطع هنا كليا مع رؤية فرانسيس فوكوياما ، الباحث الأمريكي الجنسية ، الياباني الأصل ، و الذي قال بان " انهيار القطبية الثنائية بانهيار الاتحاد السوفياتي كاطار للشيوعية أدى الى انفراد الرأسمالية و الليبرالية الغربية بالعالم و هو ما يمثل نهاية الأريخ ، أو بتعبيره حاليا نشهد نهاية التاريخ بما هو نقطة النهاية للتطور الايديولوجي للبشرية و تعميم الليبيرالية الديمقراطية الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة الانسانية .
الفرع الثاني : منطلق الصحوة في العالم تطبيق للتغيير
يرجح هنتنجتون الرأي بان أواخر القرن العشرين شهد انبعاثا أو صحوة(19) دينية في أنحاء العالم و أدى ذلك الى تقوية الاختلافات بين الأديان و نظرته الى المستقبل ترجح انتصار الاسلام حيث على المدى الطويل سينتصر محمد صلى الله عليه و سلم و المسيحية تنتشر أساسا عن طريق التحول، الاسلام ينتشر عن طريق التحول و التناسل و نسبة المسيحيين في العالم  الى 30 بالمئة في الثمانينات ثم استقرت و هي الآن تنخفض ، و قد تصل الى 25 بالمئة من سكان العالم بحلول 2025 ، و نتيجة  لمعدل الزيادة السكانية المرتفع جدا فان مسلمي العالم سيستمرون في الزيادة الكبيرة التي قد تصل الى نسبة 20 في المئة من سكان العالم مع نهاية القرن الحالي و تفوق عدد المسيحيين بعد سنوات قليلة.
ان عملية التأصيل الكونية هذه تتجلى بشكل واضح في الاحياء الديني الذي يجري في أجزاء كثيرة من العالم خاصة ذلك الانبعاث الثقافي في الدول الاسيوية و الاسلامية الناجم عن نشاطها الثقافي و نموها الديمغرافي ، و تتبع هذه الصحوة في الجمهوريات الاسلامية كونها  رد فعل ضد العلمانية و النسبية الأخلاقية و الانغماس الذاتي و اعادة تأكيد لقيم الانضباط و العمل و العون و المتبادل و التضامن الانساني ، و هذا يعني على حد تعبير" وليم ماكنيل" حين يقول : ان اعادة تأكيد الاسلام مهما كان شكله الطائفي يعني رفض النفوذ الأوروبي الأمريكي على المجتمع و السياسية و القيم المحلية ، و هذا يؤشر على أن صحوة الأديان غير الغربية هي أقوى مظاهر معاداة التغريب في المجتمعات غير الغربية ، لكن الصحوة هنا ليست رفضا للحداثة بل هي رفض للغرب و الثقافة العلمانية النسبية المتفسخة و المرتبطة به ، على هذا الأساس تعد الصحوة الثقافية و الاجتماعية و السياسية العامة للإسلام اليوم التحدي الاسلامي الجديد ، و الحضارة الاسلامية تعبر عن ثقتها بنفسها في تحدي الغرب بالاستناد الى التعبئة الاجتماعية و النمو السكاني ، هذا التحدي له آثاره على "عدم استقرار السياسة العالمية في القرن القادم " .
لنصل في الأخير الى أن فكرة "التصادم" قديمة قدم الوجود الانساني و هي تتأثر بشكل أو بآخر بثقافة العصر و بطبيعة العلاقات الدولية في المجتمع الانساني فضلا عن تغيرات الفكر العلمي و الفلسفي ، أما فكرة التصادم في الأدبيات الغربية الفكرية و السياسية و الفلسفية و التي تطرح العلاقة بين الشرق و الغرب كونها علاقة تصادمية ، أو ستكون كذلك فإنها طرحت قبل هنتنجتون كتحصيل حاصل لنظريات او تصورات فلسفية تستشرف العلاقة بين الشرق  و الغرب عامة و الاسلام خاصة ، و قد وجدنا أن روجيه غارودي الفيلسوف الفرنسي طرح فكرة التصادم و لو بشكل سريع ، يقول غارودي في مطلع كتابه "الأصوليات المعاصرة ، أسبابها و مظاهرها" أن الأصوليات كل الأصوليات أكانت تقنوقراطية أم ستالينينية ، مسيحية ، يهودية أم اسلامية تشكل اليوم الخطر الأكبر على المستقبل ،فانتصارها في عصر لم يعد لنا فيه الخيار إلا بين الدمار المتبادل و الأكيد و بين الحوار.
و لهذه الأسباب كان لتطوير القوانين اهمية في احتواء هذه الصراعات على نحو تحقيق العدل و احترام الآخر فكريا و عقائديا و حماية كافة حقوقه و عدم لا مساس بها بما يكفل سلما و أمنا دوليين في ظل صراع بين حضارات قد يتبدل مستقبلا ليأخذ له شكلا آخر و لما لا خاصة و أن العالم في سرعة مذهلة بتكنولوجيا متقدمة تفرض نفسها على اطر و اشكال المسايرة و الاقبال على الآخر.

خاتمة:

ان النظر الى الواقع الفعلي للمجتمعات الاسلامية يجعلنا ننتبه الى سبب آخر ودافع آخر . له أهميته التى جعلت من البعث الاسلامي يزداد قوة ، ويزداد تماسكا ، ويزداد استعدادا وعدة  فما أن لاحت جحافل الاستعمار فى الافق ، وبدأ الغزو الاجنبي للمجتمعات الاسلامية ، حتى هبت تقاوم ، وأخذت تواجه ، فنشطت همم المسلمين ، وقويت عزائمهم ، وانتعشت فيهم حركات مختلفة ومتعددة  ، منها السياسية ، ومنها الثقافية ، ومنها المجاهدة . ووقفت جميعا فى وجه الاستعمار ، فكانت مشاعل البعث ، وشرارة من شرارته ، ففيها انبعث الوعي الاسلامي اقوى مما كان عليه . و اولها  بخطوات البعث وأهدافه ، ولا زال هذا العامل يعمل مفعوله .
ونتيجة هذا التفاعل الواقعي التاريخي الاجتماعي تكون وعي عقائدي ، وتصور حركي ، وفهم دقيق للبعث الاسلامي المنشود ، الذى بدا يتغلغل فى اعماق النفوس ليدفعها الى العمل  و الحركة، والبعث ، وزاد من قوة هذا الدافع وهذا السبب انه شامل وكلي ، فقد انبثق فى كل بلد ، وفى كل قرية ، وفى كل مدينة ، فهذا السيل من المؤلفات والمحاضرات والدعوات التى تجعل الحركة الاسلامية تستيقظ من سباتها ، وتنظر الى الواقع نظرة واقعية مليئة بالآمال والأماني من خلال انبعاث حضاري تصونه قوانين متطورة و مسايرة للتحديث الواقعي من غير ضرر و لا ضرار بل بما يكفل أحقية المجتمع في توازن على كل الأصعدة و هذا هو الدور الفعال للقوانين التي تأخذ من القرآن مرجعية قوية.

قائمة المراجع :

1-الدكتور أحمد محمد الرفاعي، المدخل للعلوم القانونية ( نظرية القانون) ، مصر ، كلية الحقوق ، جامعة بنها ، 2007 /2008 ، ص 6 ،7.
2- الدكتور أحمد محمد الرفاعي ، المرجع السابق.
3-الدكتور سامي جمال الدين ، قراءة في نص المادة الثانية من الدستور ، الشريعة الاسلامية مصدر رسمي للقانون أو مصدر موضوعي للتشريع ، القاهرة ، جامعة الاسكندرية ، يمكن تحميل الورقة من الرابط التالي:
hccount.gov.eg/pages/elmglacount/mkal/22
4- حسين حسن البراوي، تأثير الشريعة الاسلامية على القانون المدني القطري -دراسة مقارنة- قطر ، المجلة الدولية للقانون ،2013 ، يمكن تحميل المجلة من الرابط التالي:
www.qscience.com/doi/full/105339/irl-2013.cl.2
5- عامر بن عيسى اللهو ، حركة تقنين الفقه الاسلامي ، ملف محمل في برنامج word على الرابط التالي:
elibrary.mediu.edu.my/books/SDL2218/pdf
6- حسين حسن البراوي ، المرجع السابق.
7-عمرو طه بدوي محمد ، المدخل لدراسة القانون -الكتاب الأول ، نظرية القانون -جامعة القاهرة ،كلية الحقوق ، ص 104.
8-فهد بن مبارك بن عبد الله الوهبي ، منهج الاستنباط من القرآن الكريم ، سلسلة الرسائل الجامعية ، مركز الدراسات و المعلومات القرآنية بمعهد الامام الشاطبي ، جدة ، 1428هـ، ص 8-9.
9-أنظر ماهية التشريع الاسلامي ، مقال منشور في منتديات ستار تايمز على الرابط التالي:
www.startimes.com
 
10-طالب حسين الكريطي، الأسس النظرية للمنهج التنموي الاسلامي في القرآن الكريم ، العراق ، جامعة كربلاء، دون ذكر السنة.

11-موقف شعراء النهضة من الحضارة الغربية ، من اعداد الديوان الوطني للتعليم عن بعد  ، الجزائر، يمكن تحميل الموضوع من الرابط :

www.onefd.edu.dz
12- الدكتور بدرية العوضي ،تطوير الدراسات القانونية لتتلائم مع التطورات الاجتماعية ، صحيفة القبس الالكترونية ،الكويت ، العدد 15404 ليوم 19/04/2016.
13-ابراهيم بن عمر السكران ، الطريق الى القرآن ، الكتيبات الاسلامية ، من غير ذكر لسنة الطبع و لا البلد ، يمكن تحميل الكتاب من الموقع :
saaid.net/book/16/8625.pdf
14- سلسلة التدريب المهني رقم 5 /الاضافة 2 ، حقوق الانسان و انفاذ القانون ، نيويورك و جنيف ، الأمم المتحدة ، 2002، ص21.
15- عبد المجيد بن محمد بن علي الغيلي ، من سنن القرآن المؤسسة للنهوض الحضاري، اليمن ، 2009، ص 9.
16- عبد المجيد بن محمد بن علي الغيلي، المرجع السابق ، ص 27.
17- عبد المجيد بن محمد بن علي الغيلي ،المرجع السابق ، ص 56.
18-الدكتور رسول محمد رسول، من صدام الحضارات الى حوار الحضارات ،قراءة نقدية في مقولة هنتنغتون ، موقع بحوث -رؤية مختلفة- على الرابط التالي:
bohoth.blogspot.com/2010/03/blog-post_4052.html
19- الدكتور رسول محمد رسول، المرجع السابق .
أضافة تعليق