مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2016/02/29 15:56
الأخلاق و الاعلام
 
الأخلاق و الإعلام

مقدمة:

تواجه الأمة الإسلامية في العصر الحاضر جملة تحديات و صعوبات ، و أمام هذا السيل الجارف منها ،كان لابد للأفراد و الجماعات و خاصة المهتمين بقضايا الأمـة الإسلاميــــة ( دعاة ، باحثين ،كتاب ...) من الإلمام بدراسة نصوص القرآن الكريم و السيرة النبويــــة  كونهما يمثلان منهجا حياتيا متوازنا و مناسبا ،فالرسول عليه الصلاة و السلام هو القـــدوة و المثال لكافة المسلمين ، قال تعالى في محكم تنزيله " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الأخر و ذكر الله كثيرا " سورة الأحزاب ، الآية21 .
و المرء بل الأحرى من اللفظ المسلم ، لا بد له أن يعرف أحوال هذا الزمن و ما فيه من تطورات و متغيرات من خلال وسائل الإعلام على مختلف أشكاله ، إذ أصبح اليوم نافذة على المجتمع و القرية و المدينة و العالم كلــه ، و أصبح علمـــا قائما بذاته لــه مقوماتــــه و جامعات تدرس فيها مادة الإعلام ليصبح فنا له ضوابطه و مستلزماته ووسائله.
    و قد بلغ الإعلام في عصر الثورة المعلوماتية و السبــق التكنولوجي شأنا عظيمـا ووصل إلى درجة كبيرة من التأثير ، بحيث أصبح قادرا على أن يزيف الباطل و يلبسه ثوب الحق ، كما أصبح تطور وسائـل الإعلام و الاتصــال و قدرته على جذب الجمهـــور و إحداث التواصل الثقافي و الحضاري بين الناس من أهم الدلائل الماديــة على تطــور الأمم (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)آلاء أحمد هشام و مصباح عمار : الاعلام و مقوماته..ضوابطه..أساليبه –في ضوء القرآن الكريم (دراسة موضوعية) ، رسالة قدمت لاستكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في التفسير و علوم القرآن ، غزة ،  الجامعة الاسلامية ، عمادة الدراسات العليا- كلية أصول الدين ، قسم التفسير و علوم القرآن ، 1430 هـ،2009 ، ص ج.
 
 
و على الرغم من الوضعية المتردية التي آل إليها الإعلام العربي و ما انعكس ذلك على الأخلاق و في عمق الهوية ، إلا أن استدراكا قد تم و لو جزئيا ، و اتضح ذلك جليا في محاولة توجيه التكنولوجيا الحديثة وفق ما يخدم الأخلاق و خاصة المبادئ و التي تعد
ركيزة رقي و حضارة أي مجتمع إسلامي ،فعالمية الرسالة تقتضي عالمية الأخلاق وفق ما ينطبق عليه الوصف الإسلامي و الذي يستمد مقوماته الأساسية من القرآن الكريم و السنة النبوية.
و لأجل التطرق إلى هذا المضمون ارتأينا اختيار المنهج الوصفي التحليلي بعد وضع إشكالية طبعا في مدى تأثر الأخلاق بالإعلام ، و ما هو دور الإعلام الملتزم في الحفاظ على الأخلاق من الانحراف ، و ما هي تحديات الإعلام الملتزم في ظل العولمة و الثورة التكنولوجية و السباق الإعلامي نحو الشهرة و التميز.
و لقد وضعت خطة للبحث كما يلي:

المبحث الأول: عولمة الإعلام و تأثيرها على الأخلاق
المطلب الأول: دور العولمة في توجيه الإعلام
الفرع الأول:الأخلاق و الإعلام بين المبادئ و تحديات الواقع
الفرع الثاني: أزمة الثقة بوسائل الإعلام
المطلب الثاني: تأثير الإعلام على الأخلاق
الفرع الأول: تنمية الأخلاق تحتاج إلى إعلام هادف
الفرع الثاني:موقع الإعلام في العملية التنموية للأخلاق
المبحث الثاني: دور الإعلام الملتزم في احتواء أزمة انحراف الأخلاق
المطلب الأول: حماية الأخلاق من الانحراف حق من حقوق الإنسان
الفرع الأول: الأخلاق و حرية الإعلام
الفرع الثاني: الأخلاق و مكتسبات الإعلام الهادف
المطلب الثاني: الإعلام الهادف إستراتيجية لحماية الأخلاق
الفرع الأول: رهانات المكسب الأخلاقي وفق منظور إسلامي
الفرع الثاني: الإعلام الإسلامي ضمانة لأخلاق راقية
خاتمة
 
 
 
 
 
 
 المبحث الأول: عولمة الإعلام و تأثيرها على الأخلاق
قبل أن تظهر العولمة في الوجود لتبلور الحياة بكل مظاهرها تحت لواء التقدم و بدافع من السرعة و النشاط التكنولوجي المذهل ،حتى أن وسائل الإعلام المستخدمة كانت قبل هذا التغيير ترنو إلى غاية الإخبار و الإعلام قبل تطـور الكتابـــــة فاستعملوا النار و دخانهــــا و الطبول و الأجراس كطرق بدائية لإعلام  و إخبار من سيأتي من الأجيال بما حدث معهم و هو ما كان ملاحظ بوضوح لدى الفراعنة و العراقيين.
و مع مرور الزمن تطور الإعلام و اتخذ أشكالا مختلفة فيما يلي:
1-معرفة أحوال الطقس و مواعيد  الرحلات
2-القيام بالدور التعليمي لتنشئة الصغار
3-بث برامج كل المشاهدين لأجل التأثير في قناعتهم  ومداركهم.
4-نشر حصص ثقافية و سياسية و بث الأفلام و الأشرطة التربوية ليصبح الإعلام أداة لا يمكن للفرد الاستغناء عنها في حياته اليومية.
5-إمداد الناس بمعلومات بنسب متفاوتة من الصحة و الدقة في المحتوى و كذا في المصدر لأجل تشكيل أفكار معينة عن الواقع و مشاكله.
6-دعم الحاجات النفسية و تعزيز القيم و المعتقدات و تطويرها بحسب تطور المجتمع.
7-بث برامج ترفيهية لأجل التسلية و الترويح عن النفس.
و لكن و بعد أن تطورت وسائـل الاتصال عبــر الأقمار الصناعيــة و التلفزيون العالمـــي و إدخال الحاسبات الالكترونية و شبكة الانترنت ،أدى إلى توسع مفهوم الإعلام ليعرف تطورات طرأت على الصحافة ، ممـا سارع في تأثيــر الأخبــار علــى المجالات السياسية و الأخلاقية و الشؤون العامة ، و قلص ذلك المسافة فيما بين الدول عن طريق العولمة ما أدى إلى مشاركة الثقافات الشعبية و أساليب الحياة في كل مكان من العالم ليصبح جهة الاتصال و التواصل و كأنها قرية صغيرة.
فتعبير مصطلح العولمة تعبير غير دقيق بسبب المتغيرات التي طرأت على العالم في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ما أثر ذلك على المجال الأخلاقي ، و هذا ما دفع بالانتقادات للظهور في اتجاه مثير للجدل ، لتصبح العولمة أوسع مجالا مما يتصوره العقل البشري ، حيث قال الصحفي " توماس فريدمان" بان العولمة ليست موضة أو اتجاه لكنها نظام دولي حل محل الحرب الباردة لتدفع العالم نحــو مزيد من الاندماج و التشابــك و توحيد الاقتصاد العالمي.
فالعولمة أكبر من أن تكون مجرد معاملات اقتصادية ، لان البعض يرى أن ظهورها تزامن مع ثورة الاتصالات التي ألغت الحدود بين الدول ، فوسائل الاتصال  الحديثة ووسائل الإعلام ( المقروءة كالجرائد و المجلات و الصحف الالكترونية و أجهزة البث المسموع كالراديو أو المرئي كالتلفاز) ، كانت من أهم الوسائل في الإسراع لاندماج الاقتصاد العالمي و خلق نظام عالمي جديد .
إن الابتكارات التكنولوجية  غيرت طرق جمع الأخبار و المعلومات ، كما غيرت طريقة استقبال الأفراد للأخبار ، ففي السابق كان ينبغي على المراسل الذي يقيم في دولة أخرى بصفة دائمة إرسال أخباره عن طريق الباخرة أو البريد ، أما  اليوم فبفضل تكنولوجيا الحاسبات و الأقمار الصناعية أصبحت الأخبار تتدفق بشكل واسع و سريع.
لكن كيف عملت العولمة على أن تجعل من الإعلام عاملا مؤثرا علـــى أخلاق الأفراد؟
  و هل كان من السهل فتح مجال التأثير عـلى عنصر الأخلاق كمكسب دينــي و اجتماعي و شخصي؟.
الإجابة ،  سنحاول تناولها فيما يلي:
المطلب الأول: دور العولمة في توجيه الإعلام
إن العولمة ليست مفهوما محضا مجرد بل هي جملة عمليات تاريخية متداخلة تتجسد في تحريك المعلومات و الأموال و الأفكار و حتى التوجه الأخلاقي كعامل أساسي في توحيد الجانب الإنساني ، إلا أن الجانب النقدي يصفها بوصفها غزو ثقافي ، حيث عملت المؤسسات الثقافية و الإعلامية على تقديم مسوغات للعولمة ، ما أدت إلى توجيه الإعلام الوجهة التي تراها مناسبة حتى تولدت فكرة صراع الحضارات و التي تنبـــأت بنهايــــة الايدولوجيا أين سيشهد المستقبل مزيدا من الصراعات ما يجعله صعبا ، خاصة لما دعت
الثقافة الغربية الثقافات الأخرى إلى حلبة التنافس بطريقة غير مباشرة  ، فالثقافة العربية تعرضت بشان الثقافة في العالم العربي لعملية اختراق مــــن خـــلال تكريس ثنائيـــــة:
" التراث ومعاصروه" (1) ، لأجل تعميق الهوة و  التمزق و التشرذم مما يفسح المجال لظهور صراعات بواسطة توجيه الإعلام التوجيه المقصود لأجل إحداث الانقسام الفكري حتى لا يرتبط الماضي بالحاضر كارتباط الأم بولدها ، فهذا الصراع هو المفهوم الجديد لتجديد الثقافة العربية على حساب الثقافة  المحتفظة على الشخصية الثابتة و التي تضمها فكرة الوحدة و الهوية و القومية ،  و هذا ما من شأنه أن يدفعنا للحديث عن المسؤولية الإعلامية (2) و التي تطالعنا عليهــا  النظريات التي بنت عليهـــا الـــدول الغربية وسائلــها و سياستها الإعلامية و هي :
1-نظرية الحرية
2-نظرية السلطة
3-النظرية السوفيتية الاشتراكية ( الشيوعية)
4-نظرية المسؤولية الاجتماعية
حيث أصبح الإعلام يؤدي وظيفة من أخطر الوظائف في العصر الحديث ، أين  يظهر للإعلام دور كبير في التأثير في الوعي عبر اعتماده بوصف العولمة أداة لتوجيهه بالشكل الذي يخدم الجهة التي تمتلك وسائل إعلام مبرمجة لخدمة مشروع آو برنامج مدروس الخطى.
فمثلا الدول المتقدمة كان توجيه الإعلام هدف من وراء نشر إيديولوجيتها في حماية مصالحها الرأس مالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أنظر الصحافة و الإعلام لعمار عبد زيد على الموقع الالكتروني
www.ahewar.org/debat/
) آلاء أحمد هاشم و مصباح عمار ، المرجع السابق ، ص232)
 
 
 
و الإعلام هنا وسيلة خطيرة و فعالة لأنها الأكثر من غيرها في تثبيت التصورات و القيــم و ترسيخ المرجعيات الفكرية ، لذلك تكون عملية توجيه الإعلام عملية مدروسة بإحكام بحيث يصبح الجمهور هو المستهدف و يكون الوصول إليه سريعا لما تسعى إليه العولمة في تحقيق الهدف بأقصر زمن ممكن.
 الفرع الأول: الأخلاق و الإعلام بين المبادئ و تحديات الواقع
ظهر عدد كبير من الكتب و المنشورات ، لاسيما ابتداءا من التسعينات تعالج هذا الموضوع و ترسخ هذا التوجه في العلوم الإعلامية، و القناعة السائدة أن موضوع الأخلاق و الإعلام هذا يشكل تحديا ورهانا للمجتمع ، و لا مبالغة في القول أن مستقبل وسائل الإعلام يكمن في الحفاظ على رسالتها و على موقعها كسلطة مستقلة ،  و لا يتحقق لها ذلك إلا من خلال التمسك بأخلاق عالية تبعد عنها الإغراءات المتعددة (1).
*أهمية الأخلاق في العمل الإعلامي:
إن الأخلاق الإعلامية لها صلة وثيقة في المحافظة على الأخلاق المكتسبة لدى الإفراد  فنزاهة الإعلام نقطة أساسية في تحديد هدف المهنة الإعلامية و هي خدمة عامة تسعى إلى خير المجتمع ، من خلال تزويد المجتمع بالوقائع و الضروريات ليتشكــل رأي عـــام واع و هو دور أساسي في الحفاظ على اللبنة الأساسية للمجتمع و هي أخلاق أفراده.
و لقد باتت هذه المبادئ الأخلاقية أحد العناصر الأساسية للأداء الإعلامي المتميز و هي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د.جورج صدقه :الأخلاق الإعلامية بين المبادئ و الواقع ، بيروت ، الطبعة الأولى ،2008، ص 1
 
 
 
1-أن التشريعات سعت لأجل تنظيم المهنة الإعلامية بما يتوافق مع المبادئ و لأجل حمايته من تأثيرات  -الواقع – فلكل نظام فلسفته التي تحدد الهيكل القانوني لوسائل الإعلام و الدور المنوط بها ، و القانون هو الضامن الوحيد لممارسة الإعلاميين لمهامهم في إطار من الحماية و الضمان.
2-الحرية: هو ذاك الحيز الذي يتمتع فيه الإعلامي بفكر حر و لو أن بعض الدول تحد من هذه الحرية ليجد الإعلامي نفسه تحت ضغوط أو قيود معلنة أو مضمرة ،  و لذلك فان انعدام عامل الحرية يجعل المساحة غير كافية لآداء الإعلام مهامه.
و الأخلاق في مفهومها على انها مجموعة قيم سلوكية تتأثر  تأثرا واضحا بما يحدثه الاعلام ، خاصة لما يكون فيه صراع واضح بين المبادىء و ما يمليه الواقع من تحديات و رهانات ، فبين الأخلاق و الأخلاقيات مفهومين مختلفين.
فتعبير الأخلاق يستعمل بمعنى اتيك - éthique و هو يتناول التصرف الأخلاقي العام لأي انسان ، بينما تعبير الاخلاقيات يستعمل بمعنى " ديونتولوجيا " déontologie ، أي مجموعة الواجبات و الالتزامات الخاصة التي تنشأ عن ممارسة مهنة ما (1).
 
 
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د.جورج صدقه، المرجع السابق ، ص 6
 
 
 
 
و قد شرح أرسطو كلمة أتيك و التي هي الطبائع الشخصية الناتجة عن العلاقة بين الرغبات و العقل ، و القرار يمكن أن يكون أخلاقيا كلما ابتعد عن شبهات الغرائز و اتبــاع الهــوى يعني هو ميل عقلاني منطقي.
لكن هذه  العقلانية التي تجمل الأخلاق قد تكون أحيانا غير محققة بالقدر الكافي الذي يضمن للأخلاق ثباتها ، آذ أن توازن الكفة بين ما تمليه المبادئ و بين ما يفرضه الواقع ، يجعل من مهمة الإعلام مهمة صعبة لأن أساس رقي أي مجتمع هو أخلاق أفراده ، و لذلك الإعلام هنا تكون له مظاهر عديدة منها أنه قد يكون لهدف الترويج الساعي للربح و بشتى الوسائل و البرامج سواء كانت هادفة أولا.
كما أنه بالإمكان أن يكون  لأجل دعاية سياسية و بالتالي احتكار الحقيقة ،  و له أيضا أن يكون إعلام ملتزم حيث ينقل الواقع من قلب الواقع غي الاتجاه الذي يخدم أهدافه بكل واقعية و شفافية ،  و أظنه المظهر الملائم لأن تتوافق الأخلاق مع ما يبثه الإعــلام الهادف و بالتالي تكون حلبة الصراع بين المبادئ و الواقع ضيقة لا تحددها قوانين ، إنما تمليها مبادئ أخلاقية المهنة ليبقى الشأن ذاتي و يعود لضمير الإعلاميين أو إلى قناعتهم و إيمانهم الراسخ بثقل الأمانة الإعلامية و التي لها دور الولاء على الأمانة الأخلاقية.
 
 
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د.جورج صدقه، المرجع السابق ، ص 6
 
 
 
لذلك سعت غالبية التشريعات إلى تكريس القيم الرئيسية في المهنة الإعلامية كضرورة التحلي بالنزاهة و الصدق بعيدا عن أشكال الإغراء فـي إطار حماية الحياة الخاصة للفــرد و هذا بتفادي بعض الأخطاء التي تعرج بالإعلامي نحو طريق آخر غير الطريق الذي رسم لأداء الأمانة الإعلامية منها :
*الإسراف في نقل الخبر على غيــر حجمه الحقيقي ممــا يبعث فــي نفس المشــاهد المــلل و القلق.
*العرض الخاطئ لتسلسل الأحداث مما يبث اللاثقة و اللاعجاب بقناة أو صحيفة أو إذاعة.
*فرض الخبر آو البرنامج الذي يخدم مصلحة فردية و المبالغة في إحاطته بالإعجاب لنيل الرضى من المشاهد و هذا ما يدفع إلى الهجر و عدم التصديق.
*بث  الحدث آو المشهد جزئيا و غير كامل مما يفقده المصداقية و بالتالي تذهب إرادة المشاهد إلى متابعة الحدث من مصدر آخر.
هي بعض الأخطاء التي تؤثر سلبا على الأخلاق و العامل النفسي للفرد مما يدفعه إلى أن يعيش حالة من الملل و الكراهية.
فحتى لو كان الواقع يفرض جملة من شروط مواكبة التطور و الجديد ، هذا ليس علـــى حساب الأخلاق و المبادئ ، لأن كل ما هو غير مرتكز على أساس من القيم هو آيل للفشل و حتى للزوال لهيكل مؤسساتي و كذا برنامجي ، كان من المفروض أن يؤدي الرسالة على أكمل وجه.
فلا يمكن أن نحقق شيئا  تحت تأثير الخطاب الهويامي الذي يمس نفوسنا المعتلة و قلوبنا المريضة بل يزيد الطينة بلة و ذلك لأهداف شخصية مادية منها أو تحقيق أجندة و مصالح فئوية ضاربين القيم و الأخلاق عرض الحائط ،  و الغريب و العجيب أن من الصحفيين أنفسهم من يتباكون على النسيج المجتمعي و التماسك الأسري ، هذا من ناحية ،  ومن ناحية أخرى تعمل الصحافة المتواطئة مع الباطل إلى اقتياد الرأي العام لوجهة مصالحه آو تحويل وجهة الرأي العام عن حدث ما جلل (1).
الفرع الثاني: أزمة الثقة بوسائل الإعلام
قد نصطدم بواقع غريب لوسائل الإعلام فيصبح فهم هذا المصطلح فيه الكثير، بين المفاهيم  فهل الاستقلالية يقصد بها الابتعاد عن التشويه و التحريض أم يقصد بها بث سموم تغريبية للقضاء على ما تبقى من القيم و الأخلاق ؟ ، و مــا يمكن الإشارة إليه هــو كثرة النزاعات و الخصومات و الاختلاف فيما بين أبناء الجلدة الواحدة على أمور دنيوية تبثها يوميا الصحافة الإعلامية ، أما القضايا المصيرية فبالكاد يشار إليها بأصبع البنان ليفتح المجال لميلاد أزمة هي أزمة الرداءة على الرغم من أن هناك طاقات لم يتم استغلالها الاستغلال الجيد بما يخدم المكتسبات الأخلاقية ، فكثرة تداول ملفات الإحباط و الجريمة و الفساد الأخلاقي من شأنــه أن يزرع نوع مــن الانصراف عــن قراءة أو مشـاهدة هكــذا ملفــات و قضايا و بالتالي تتولد ما يسمى بأزمة الثقة في الإعلام و هذه الأزمة لها منطلق أخلاقي في غياب الواقعية و البحث عن تنمية الأخلاق بشكل يخدمها و لا يهدمها وسط كوم هائل من التنافس فيما بين الوسائل الإعلامية لتحقيق الشهرة و الربح الطائل على حساب الحفاظ على الأخلاق و توجه الفرد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)فقرة مأخوذة من مقال بعنوان : الإعلام العربي بين غياب المهنية و انعدام الضوابط الأخلاقية لزهير نجاح ،على الموقع الالكتروني: www.naqed.info
 
 
 
       فتطهير المشهد الإعلامي بات  أولوية رئيسية و التعامل مع ذلك يتطلب تشريعات توافقية تعطي النتيجة المطلوبة مع الإعلام ، كإستراتيجية لإدارة أزمة الثقة و حبذا لو يكون وفق منظور إسلامي ، لأن هذا المنظور مكفول القواعد و التوجهات، حيث يهتم الإطار المفاهيمي للأزمة متجاوزا وجهة النظر التقليدية إلى وجهة النظر الإستراتيجية كونها لحظة حاسمة و نقطة تحول نحو الأفضل ،إذ أن الأزمة الرئيسية ينتج عنها عدة أزمات مرافقة ينبغي إدارتها جميعا في وقت واحد (1).
و هذا ما يمكننا من تفادي ما يسمى " صدام الحضارات" ليس بالمفهوم السياسي الذي قصده الكاتب الأمريكي " صموئيل هنتنحتون" و التي بدأ بالترويج لها بعد انهيار المعسكر الشيوعي و انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالزعامة و قيادة العالم ، و إنما المعنى المقصود هو تصادم الآراء الفكرية فيما بيننا نحن المسلمين وفق منظور أخلاقي و الذي يتأتى بتفاعل الحضارات فيما بينهما و هو دور بإمكان الإعلام أن يؤديه بعد أن يكون قد قضى على أزمة الثقة بالتحاور و تبادل القيم و التي هي في حقيقتها مشتركة كوننـــا عرب و مسلمين.
 
 
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د.إيثار عبد الهادي: إستراتيجية إدارة الأزمات – تأطير مفاهيمي علــى وفق المنظور الإسلامــــــي بغداد ،كلية الإدارة و الاقتصاد ، البحث منشور في مجلة العلوم الاقتصادية و الإدارية بالكلية، المجلد 17  العدد 64 كانون الأول 2011، ص 47.
 
 
 
إن الهروب من التفاعل الايجابي النقدي لتحديات عصر العولمة هو أحد اخطر ما يواجه ثقافتنا العربية اليوم بالذات ،  و مجتمعنا العربي بوجه عام ، فليس أمامنا من سبيل آخر لإثبات وجودنا و فاعليتنا إلا بالمواجهة الناقدة للذات و الانطلاق الايجابي و المتحرر من سيطرة الماضي إلى المستقبل الذي يتطلب منـــا مواجهة و تحديات لا مفر مـــن مواجهتها و التعامل معها ، و هذا يتطلب الاهتمام بالسياسات التربوية العربية و ترسيخ مختلف عناصر التراث الإسلامي و الحضارة الإسلامية بصورة موضوعية (1).
طبعا هذا دور بإمكان الإعلام أن يجسده على أرض الواقع ليصبح الهدف هدفين ، الهدف الأول هو الدور الايجابي للإعلام في توطيد الروابط المتينة فيمــا بيــن الأجيال المسلمــــة و  الدور الثاني هو القضاء على أزمة الثقة في الدور الإعلامي و كذا وسائله.
المطلب الثاني: تأثير الإعلام على الأخلاق
يقول احد المستشرقين " أعطني شاشة أصنع لك فكرا " ،  و يقول بيل  جيمس رئيس شركة مايكروسوفت " من يسيطر على الصورة يسيطر على العقل".
يبدو أن للإعلام تأثير كبير في خلق الصورة و الشاكلة التي يريدها أهل الإعلام ،  و لهذا كان على الدعاة و المربين و العلماء  مزاحمة أهل الباطل في الإعلام بما تقتضيه المصلحة دون تمييع أو كتم للحق أو سكوت عن باطل ، و لذلك كان على الناس تجنب الإعلام الفاسد فكريا و أخلاقيا ، فكم من ثقافة و فكر غير منحاها إعلام فاسد لا يخدم المصلحة الأخلاقية  و يحضرني في المقام قول احد الشعراء :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1)د.هنية مفتاح أحمد القماطي: أزمة الحوار الحضاري في عصر العولمة ، ليبيا ، جامعة قاريونس  محاضرة ألقيت على طلاب الجامعة.
 
 
 
 
و أرى الصحفيين في أقلامهم         وحي السماء و فتنة الشيطان
فهم الجنات على الفضيلة دائما        و هم الحماة لحرية الأديان
فلربما رفعوا الوضيع سفاهة          و لربما وضعوا رفيع الشأن
فجيوبهم فيها قلوبهم إذا ملئت         فهم من شيعته السلطان
و إذا خلت من فضله و نواله         ثاروا عليه بخائن و جبان

طبعا هذا دور بإمكان الإعلام أن يجسده على أرض الواقع ليصبح الهدف هدفين ، الهدف الأول هو الدور الايجابي للإعلام في توطيد الروابط المتينة فيمـــا بيــن الأجيال المسلمـــة و الدور الثاني هو القضاء على أزمة الثقة في الدور الإعلامي و كذا وسائله.
   و لقد ظهر عدد كبير من الكتب و المنشورات ، لاسيما ابتداءا من التسعينات تعالج هذا الموضوع و ترسخ هذه الكتابة في العلوم الإعلامية ، و القناعة السائدة أن موضوع الأخلاق الإعلامية هذا يشكل تحديا و رهانا للمجتمع ، و لا مبالغة في القول أن مستقبل وسائل الإعلام يكمن في الحفاظ على رسالتها و على موقعها كسلطة مستقلة ، و لا يتحقق لها ذلك إلا من خلال التمسك بأخلاق عالية تبعد عنها كأس الإغراءات المتعددة (1).
 
 
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د.جورج صدقة: المرجع السابق ،ص 1.
 
 
 
و لربما يبدو تأثير الإعلام على فئة الشباب خاصة لأنهم هم الطاقة في بناء مستقبل واعـــد و لأن فيه كل مقومات التنمية من فتوة في العقل ، هم سواعد الأمة إن ما أحسن استغلال هذه القدرات و حمايتها من المؤثرات الخارجية ، و الإعلام واحد من هذه المؤثرات.
يقول احد الشعراء:
مؤامرة تدور على الشباب       ليعرض عن معانقة الحراب
مؤامرة تدور بكل بيت           لتجعله ركاما من تراب
مؤامرة تقول لهم تعالوا          إلى الشهوات في ظل الشراب
مؤامرة مراميها عظام           تديرها شياطين الخراب
فالإعلام يعتبر من أكثر وسائل التأثير في الرأي العام و تحديد اتجاهاته لأنه أصبح مصدرا أساسيا و ربما وحيدا في كثير من الأحيان للحصول على الثقافة العامة لكثير من فئات المجتمع.
و لكن بإمكان الإعلام الهادف أن يكون سببا و دافعا إلى تنمية الأخلاق ، كما سنرى في الفرع الموالي.

الفرع الأول: تنمية الأخلاق تحتاج إلى إعلام هادف
معظم أفراد المجتمع يؤثر فيهم الإعلام إما سلبا أو إيجابا في إيجاد بنية فكرية عامة لقبول أو رفض العديد من الأفكار ليصبح الإعلام منافسا يقف جنبا إلى جنب مع المدرسة فـــي :

التحصيل و التعلم و تربيــة النشء ، الشيء الذي يدفعنـا إلــى أن نتوقـــف عند ايجابيـــات و سلبيات هذا القطاع و مدة تأثيره على سلوكيات و قيم الأجيال الصاعدة و كيف يكون عاملا في تنمية الطاقات الشبابية.
فالأسرة لم تعد وحدها هي مصدر القدوة و الأسوة ، و منبع التنشئة الاجتماعية بل زاحمتها وسيلة أخرى ساحرة و مثيرة و مؤثرة على النفوس ، قادرة على التأثير باقتحام البيوت دونما حاجة إلى إذن مسبق ، سلبت عقول الأطفال و الشباب ، إنها سلطة الإعلام ممثلة في
جهاز التفاز و الشبكة العنكبوتية و الراديو و الصحف و المجلات ، و لكن هناك من التأثير السلبي ما سلب الأطفال هدوئهم مثل بث أفلام الرعب و الحروب و أما المسلسلات الغرامية فقد سيطرت على مشاعر الشباب ليصبح التصديق لبطولات أبطال الأفلام و المسلسلات الغرامية و كأنه حقيقة  ، فقد سيطرت على مشاعر الشباب ليصبح التصديق لبطولات أبطال الأفلام و المسلسلات حديث كل ساعة بل كل دقيقة ، الشيء الذي دفع بالمختصين الاجتماعيين بأن ينصحوا الآباء بتشجيع أطفالهم على الكلام و التعليق و هم يشاهدون برامج الشاشة ، فيعقبون على ما يرونه و يسمعونه عن انفعالاتهم بالأحداث و يعودونهم على النقد البناء لفكرهم من خلال التحليل و الاستنباط لكل ما يوافق تطلعاتهم و اهتمامهم ، و بذلك يكتسبون مهارات من ذواتهم و بتوجيه من أقاربهم ، حتى تترسخ لديهم فكرة أنه ليس كل ما يقدمه الإعلام نافع و مفيد ، و ما ينطبق على جهاز التلفاز ينطبق على الشبكة العنكبوتيــــة و التي بينت فيها دراسات بأن فئة كثيرة من الشباب يرتادون قاعات الانترنت بمعدل 6 ساعات في اليوم ،و سويعات قليلة في البيت ، مما يوضح مدى سيطرة هذه الشبكة على اختيار فئة الشباب  ، و لذلك كان لا بـــد من توجيه و رقابة لأجل تنمية بناءة لفكر الشباب و الأطفال خاصة لأنهم اللبنة الأساسية في بناء أي مجتمع .
 
الفرع الثاني: موقع الإعلام في العملية التنموية للأخلاق
    من الصعب إجراء مسح مقارن بين قوانين الإعلام في العالم العربي من حيث أخلاقيات المهنة لأن مفهومها يختلف من بلد إلى بلد ، ثم إن هناك ما قد يعتبر منافيـــا للقانون في بلد و يعتبر شيئا طبيعيا و مقبولا في بلد آخر ، زد على ذلك الشح في مواثيق الشرف الإعلامية  أو وجودها لكن بمفاهيم العصر الحجري حيث لا تواكب العصر و لا تعتمد من قبــــــل المؤسسات الإعلامية بل ربما تكون منزلة لتخدم مصالح المسؤولين فيها (1).
و لذلك كان على الإعلام و أهل الإعلام أن يتموقع جيدا و في صورة تعكس البعد الإصلاحي لهذا الجهاز المهم ، لأن كل ما يصدر عن الإعلام حتما له تأثيره على الأخلاق   و لا بد للإعلاميين أن يتميزوا بالاحترافية كمكسب تسيره المعايير العالمية المعترف بها
و عدم الاحترافية سيؤثر سلبا على التغطية الإعلامية.
   و لعل هذا الدور الكبير يتأكد من وسائل الإعلام ، فهي تعد اليوم من أقوى المؤسسات التربوية ، و أكثرها أثرا في العصر الحاضر ، نظرا لمـــا حظيت به من تقدم تكنولوجـــي و تقني في وسائل العرض ،  و قوة في التأثير و جذب المتابعين لها و عالمية في الخبــــر و النقل(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ماجدة أبو فاضل: الإعلام العربي بحاجة إلى نهضة و احترافية و أخلاقيات ، مقال نشر في مجلة الحوار العربي ، مؤسسة الفكر العربي ، السنة الثانية ، العدد13 ، ديسمبر (كانون الأول) ، 2005.
(2) عبد المجيد بن عبد صالح السناني: دور الإعلام التربوي في غرس القيم الأخلاقية من وجهة نظر معلمي المرحلة الثانوية بالمدينة المنورة (دراسة ميدانية) ، رسالة علمية مقدمة لنيل درجة العالمية  (الماجستير) في التربية ، السعودية ، الجامعة الإسلامية بالمدينة  المنورة ، كلية الدعوة و أصول الدين ، ص3
 
 
 
و الموقع الذي يجب على الإعلام أن يملأ حيزه هو أن يكون الإعلام في تفاعل الآداء الإعلامي العام مع عدد من التحولات السياسية و الاقتصادية و التكنولوجية التي أنتجت بالمجمل متغير إعلامي سريع التطور ، و ما أحدثه ذلك من ضرورات الأخذ بالوظائف الإعلامية الجديدة التي تعالج الحاجة الاجتماعية و الشخصية للأفراد بتطور تلك التحولات و الديموقراطية حيث يعيش الناس حالة من التطور السريع ، و بتأثر الفكر و الحوار السياسي بالعديد من المناطق ، هو سيناريو معقد ينبىء عن ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب إلى نهضة دول آسيا في مواجهة الغرب.
و عدم الاحترافية سيؤثر سلبا على التغطية الإعلامية.
و لدينا من السوابق التاريخية التي توضح أن مثل هذا الصراع و التحولات و التغيرات لها أبعاد داخلية و دولية ، فهي تؤثر و تتأثر في جوانب و مجالات عديدة يأتي الإعلام في المقدمة ، حيث تقوم فضاءات الحوار الجماعي على منطق الديمقراطية في المشاركة بالتواصل ما بين الجمهور.
     غير أن المتلقي العربي وفقا للتقارير العربية للتنمية الثقافية لم يستفد بشكل فاعل من تلك الفضاءات الالكترونية في مجال التوعية السياسية ، إذ تشير الإحصائيات الحديثة المتعلقة بدوافع استخدام الفرد العربي للانترنت إلا أن دافع الترفيه و التسلية جاء في المرتبة الأولى بنسبة 46% ، فيما سجل دافع التماس المعلومات نسبة 26% فقط.
هذا إن دل على شيء فانه يدلل على أن الصورة الجديدة للإعلام و المتمثلة في الانترنت  (الفضاءات الالكترونية) لم تؤد دورا فاعلا في العملية التنموية للأخلاق .
 
 
 
المبحث الثاني: دور الإعلام الملتزم في احتواء أزمة انحراف الأخلاق
يطرح رجل الإعلام مختلف القضايا الدينية و السياسية و الاجتماعية و غيرها ، من خلال رسائله التي يبثها عبر وسائل الاعلام ، و من المعيب ان يخرج رجل الاعلام للحديث حول موضوع ما ، ثم يفاجئه أحد الضيوف او المشاركين بمعلومات لم يكن قد اطلع عليها ، لهذا دعا القرآن الكريم الى المعرفة الشاملة و العلن التام بالأمور قبل عرضها ، و ان القارىء للقرآن الكريم يلاحظ هذه الدعوة من خلال مواضيع عديدة ، منها قوله تعالى " و علم ىدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة " سورة البقرة ، الآية 31.(1).
 
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)آلاء أحمد هاشم و مصباح عمار ، المرجع السابق ، ص 87.
 
 
 
 
هو الحرص أن يكون للإعلام تمكن جيد في آداء المهنة و حتى لو بدت فيه نقائص في آداء المهمة الإعلامية ، فان هناك جانب يسمى التشريع الإسلامي لامتصاص الفراغ الموجود في جعل الأخلاق في تأرجح بين كفتي ميزان بين متطلبات الضمير الإنساني في العيش وفق مبادئ راقية جملها الإسلام في نصوص قرآنية كثيرة و بين ما يفرضه الواقع من أمور دخيلة سعت لتحقيقها فكرة التغريب بكل ما تحمله هذه الكلمة من عبارات التطفل و الترقب و متابعة قيمنا الإسلامية و التي باتت اليوم تشكل مصدر قلق لمن يترصدون بالإسلام و أهل الإسلام سوءا ، و من هنا تعالى صوت الإعلام الملتزم بين الحين و الأخر ليرد على لهجة الانتقادات لهذا الإعلام الذي يحمل رسالة وطنية ملتزمة موسومة بأهداف اجتماعيـــة و اقتصادية تنمويــــة و مشروع نهضوي قومي ،قائم لتحقيق أهداف معينة بحيث يستمد مرجعيته من التشريع الإسلامي و فق ضوابط تسعى للحفاظ على عنصر الأخلاق من الانحراف من خلال إستراتيجية فيها ضوابط لاحتواء أزمة انحراف الأخلاق منها :
*إن الحكمة من عمل الإعلام الملتزم هو واضح و محدد ،  و التركيز خاصة على عنصر الأخلاق.
*عدم الانحراف عن الحق.
*الرقابة على البرامج و أساليب الأداء حتى لا تفقد مصداقيتها .
*الرجوع إلى المصادر الأصلية عند الخلاف.
*العدل و الإنصاف.
*تهيئة ظروف العمل المناسبة.
*الثقة بالمبدأ و الفكر الذي ينقله هذا النوع من الإعلام.
 
 
المطلب الأول: حماية الأخلاق من الانحراف حق من حقوق الإنسان
     ينظر إلى قضية نشر الوعي بالحقوق المدنية و السياسية و توفير حريات الإنسان الأساسية على أنها من بين أهم القضايا المعاصرة المطروحة على المستوى الدولي  و تؤكد اليونسكو على انه ينبغي لواضعي سياسة الإعلام و الاتصال أن يوجهوا اهتماما أكثر لأوضاع الديموقراطية ، إذ أن حريات القول و الصحافـــــة و الإعلام و التجمع من الحريات الأساسية لممارسة حقوق الإنسان (1).
   الإعلام العربي لا يستطيع أن يمارس رسالته في الدفاع عن حقوق الإنسان العربي و عن حقوق الجماعات في الوطن العربي إذا كان هو نفسه يفتقر إلى حقوقه الكاملة كما وردت في العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية 1966 ، فإذا كان الإعلام قد لاقى على مر الأجيال اهتماما و تقديرا ، فذلك لأنه قادر على أن يلعب الدور المؤثر و الفاعل الذي يكبح جماح غطرسة السلطة و الذي يعبر عن قناعات الناس و يدافع عن حقوقهم (2).
إن للإعلام تأثيرا مباشرا على تكوين القيم و حتى السلوك بلغ مستوى القدرة على رسم خطوط فاصلة بين الحق و الباطل ، بيــــن الصحيح و الخطأ ، بين المــــقدس و غير المقدس.
فبعض دول العالم النامي في آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية بما في ذلك الدول العربية تدعو إلى الإقرار بوجود أولويات بين الحقوق المدنية و السياسية من جهـــة و الحقوق الاجتماعية و الثقافية من جهة ثانية.
 
 
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د.انتصار ابراهيم عبد الرزاق و د.صفد حسام الساموك ، الاعلام الجديد  (تطور الأداء و الوسيلة و الوظيفة ) بغداد ، جامعة بغداد ،سلسلة مكتبة الاعلام و المجتمع ، الكتاب الأول  2011 ، ص 61.
(2)علاء شلبي : الإعلام و حقوق الإنسان ، أعمال الندوة الإقليمية حول الإعلام و حقوق الإنسان ، القاهرة يومي 21-22 يناير /كانون ثاني 2003.
 
 
 
   و لا ترى دول أخرى خاصة الدول الغربية ما يبرر هذا المنطق ، فهي تؤكد على أن نوعية الجهد المطلوب للإنماء لا يمكن توفيـــره إلا من خلال إيمان المجتمـــــع و دفاعه عن الكرامة الإنسانية ، و أن احترام حقوق الفرد هي الطريق الأفضل لتفجير الطاقات الكامنة في الفرد و تدعيم قواعد التزاماته (1).
و تعتبر الأخلاق مكسبا إنسانيا و حقا من حقوق الإنسان و على الإنسان المحافظة عليه و المطالبة من القضاء و السلطة بحق المعاملة العادية التي تحفظ له كرامتــــه  ومن هو أفضل في موقع الإعلام و المثقفين للدفاع عن هذا المكسب.
و لو نظرنا إلى الأمة العربية لوجدناها أمة واحدة لكنها تتميز بتعددية دينية و ثقافية غنية، فهناك عرب غير مسلمين و مسلمون غير عرب و لكل منهم حقوقه ، إذ أن ثقافة احترام حقوق هذه الجماعات الدينية أو الثقافية هي التزام بالمواثيق الدوليـــــة و بالشريعة الإسلامية و يفترض أن تكون في مقدمة مسؤوليات الإعــــلام العربــي و الإسلامي خاصة إذا تحقق فينا أننا كنا خير أمة أخرجت للناس ،  و قوام الأمة هي أخلاقها فان ذهبت الأخلاق ذهبت الأمة .
الفرع الأول: الأخلاق  وحرية الإعلام
هناك من المجتمعات العربية تعاني ليس فقط من انتهاك حقوق الانسان ، بل تعاني كذلك من فرض خطر على حمايتها و من تعطيل عمليات التعريف بها ، كما أن ثمة مجتمعات تعاني من تشريع او من عدم تنفيذ ما جاء في التشر يع، أي ان هذه المجتمعات تشترك في تغييب المسؤولية و الرقابة ،  و هذا التغييب بسبب ما ذكره الأستاذ المفكر الكبير محمد السماك في النقاط التالية (2):
 
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1)علاء شلبي: المرجع السابق.
(2)أنظر علاء شلبي: المرجع السابق.
 
 
 
*إن هناك فجوة كبيرة بين المنطلقات الأساسية التي رسمها الدين الإسلامي الحنيف و بين الممارسات الفعلية التي تتم على أرض الواقع.
*ان القدرات الاتصالية للدول الإسلامية تقصر كثيرا عن الوفاء بمتطلبات شرح أبعاد قضاياها الفكرية و مرتكزاتها  العقائدية التي تشرح و تفسر مواقفها المختلفة من كافة القضايا المثارة على الساحة الدولية و هذا يتطلب نوعا من الحرية الإعلامية ،  و إن كان أول ما ترتبط به قضية الإعلام و حقوق الإنسان هي قضية حرية الإعلام ، فلكي يتم دعم حريات الآخرين باحترام أخلاقهم ، لابد من أن يحصل كل واحد فينا على حريته و حرية الإعلام ، هي مسألة نسبية ، إذ لا يوجد في أي شبر من المعمورة ما يمكن أن يطلق عليه إعلاما حرا.
و في ظل صعوبة تحقيق إعلام حر ، يتدخل الضمير الإعلامي لإنجاح العملية الإعلامية في عدم المساس بالأخلاق و جرها إلى زاوية الانحراف ، فعلى ما يقترب الإعلامي من تحقيق المتطلبات الأخلاقية في دوره الإعلامي ، بقدر ما يؤدي رسالته على أفضل وجــه  و بذلك حقق مبدأ من متطلبات حقوق الإنسان و هي احترام حريات الغير و أخلاقهـــــــــم و حقوقهم الخاصة.
الفرع الثاني:الأخلاق و مكتسبات الإعلام الهادف
تدخل في صناعة الإعلام الهادف و السليم عدة عوامل منها على سبيل الأهمية لا الحصر :
1-الفكرة السليمة
2-الأسلوب الأمثل
3-الوسيلة الجيدة
 
و متى تحققت هذه العوامل الثلاث ،  و كانت في المستوى المطلوب استطاع الإعلام أن يكون رأيا عاما و موجها لمكتسبات الأفراد من الأخلاق الوجهة الحسنة، و نقصد هنا صنف الإعلام الذي يهتم بنشر القيم و الأخلاقيات و السلوكيات التي تغير وعي أفراد المجتمــــــع و تأخذ بأيديهم إلى الرقي و التقدم في كل المجالات.
انه الإعلام المعبر عن قيم العدل و الحرية و الدعوة إلى سيادة القانون  و مطلوب من هذا الإعلام أن ينحاز إلى الطبقات البسيطة ليمد لها برامجه و يحمل مشكلاتها محل الجد ليضع لها الحلول و المقترحات البديلة.
هو إعلام الشعب المعبر عن قضاياه و همومه و مشكلاته فصدق الخبر من كلمة صادقة بإمكانها أن تنقل معلوماتها بغير تقصير ،  و بغير دلالات توحي بأهداف خبيثة ، فيجب أن يكون اختيارها مراعى فيه الأسلوب الإسلامي الهادف ، و كلما شاب الإعلام مرونـــــــــة و سلاسة كلما كان الوصول إلى القلوب أسرع و التأثير على العقول أوسع و هذا كلما اتسمت المرونة بالاستمرارية و الثبات في أصولها ، فالحياة الكريمة تتطلب تجديد الأفكار و تنويع الآراء ووحدة في الموقف إزاء القضايا المصيرية.
قال تعالى " و تفقد الطير فقال مالي لا ارى الهدهد اما كان من الغائبين ،لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ،فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين،انب ودت امرأة تملكهم و أوتيت من كل شيء و لها عرش عظيم وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون" سورة النمل الآيات 20-24.
 
ففي هذه القصة (1) يحكي لنا القرآن الكريم أمثلة للإعلام الهادف الصادق من خلال هذا الكائن الضعيف ( الهدهد) ، و كيف كان حال المستمع لهذا الإعلام ( سليمان عليه السلام)  حيث بالإمكان أن نستخلص هذه الدروس:
1-التحري و بذل الجهد في الحصول على المعلومات ، فكم قطع هذا الكائن من المسافات ؟ لكي يقف على حكاية هؤلاء القوم ، هكذا يكون الإعلام الهادف،فليس الإعلام مجرد معلومة عابرة بغرض السبق الصحفي أو الإعلامي ،  و لكن الإعلام الصادق جهد و عرق من أجل الوصول إلى الحقيقة و تحري الحق أينما كان.
2-التيقن من المعلومات: فكم من الجهد المبذول الذي بذله للتأكد من صحة الخبر.
"و جئتك من سبأ بنبأ عظيم " ليس مجرد شائعة من الشائعات و لا خبر من الأخبار العابرة ،  و لكنه خير سيحي الله به أمة ويخرجها من الظلمات إلى النور ، و من الجاهلية إلى الإسلام.
3-توطين النفس على التمييز بين الصواب و الخطأ:
" قال سننظر إن صدقت أم كنت من الكاذبين" ،  فيا لها من كلمات عظيمات من سليمان عليه السلام ، فالمسلم ليس امعة مع الناس حيث ساروا و لكنه موطن نفسه.
إن أحسن الناس أحسن و إن أساءوا فلا يظلم .
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أنظر :دور الإعلام في نهضة الأمة لحسام العيسوي ابراهيم ، موقع صيد الفوائد
www.saaid.net
 
 
 
هو نموذج من النماذج الصادقة الهادفة من القرآن ،  و أملنا أن يأخذ الإعلام الهادف العبرة من ذلك لتكون له مكتسبات تزينها الأخلاق الرفيعة.
المطلب الثاني: الإعلام الهادف إستراتيجية لحماية الأخلاق
في ظل التدفق الجارف من القنوات الإعلامية و الصحف و المجلات بشتى اللغات ، هل يبقى وجود أو هل يكون فيه ظهور للإعلام الهادف وسط هذا الزخم الهائل من وسائل الإعلام المتنوعة بتنوع البرامج و الأهداف ؟.
و هذا ما  تشهده  المجتمعات و بالأخص العربية تناقضا حادا بين سيطرة الحكومات على الأنشطة الإعلامية و كذا المضامين و ظرف الممارسة الإعلامية و هو ما يمثل تناقضا بين هذه الأوضاع و بين الرسالة الحقيقية التي يسعى الإعلام الهادف لتحقيقها ، حتى أن سطوة الإعلانات التي تهدد حرية التعبير و قضايا الأخلاق في المجتمع أبرزت إشكالية و هي عرقلة الإعلام الهادف في البروز لإعداد مسار مغاير  و مميز من شأنه أن يحافظ على عقيدة أفراد المجتمع ، و لأجل تحقيق ذلك يجب أن يحقق الإعلام الهادف وجوده و ذلك من خلال:
1-إعادة صياغة التشريعات الإعلامية صياغة محكمة و ناجعة من شأنها أن تضمن حرية التعبير و تفسح المجال واسعا لتداول المعرفة و المعلومات و الآراء في برامج نهضوية تعالج القضايا الاجتماعية السلوكية منها خاصة في محاولة لوضع إستراتيجية مدروسة الأبعاد في عدم المساس بالأخلاق لكل فرد و لكل فئة و على شتى الأعمار.
2-تغيير الهياكل الاتصالية و الأخذ بالنظام المفتوح الذي يشرك الجماهير في العملية الاتصالية و بالتالي التواصل مع العقول و القيم مباشرة دونما حواجز.
3-وضع مرجعية أصيلة للإعلام الهادف و هي تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بمضامين العقيدة الصحيحة دونما إسراف أو تعقيد بل بوسطية الفكر و التحليل و الاستنتاج.
الفرع الأول:رهانات المكسب الأخلاقي وفق منظور إسلامي
بات أمرا غالبا أن نرى وسائل الإعلام تعمل في خدمة قوى مختلفة بحيث أن هذا الهدف الدعائي كثيرا ما يطغى على الاعتبارات المهنية الأساسية عند الإعلامي ، و هذا الأمر بات موضوع شكوى حتى في الدول التي تعتبر مثالا في الحريات الإعلامية المسؤولة كما هي الحال في الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا ، الصحافي الفرنسي Serge Halimi
      يشرح في كتابه كيف تعمل العديد من وسائل الإعلام الفرنسية في خدمة قوى السلطة السياسية و سلطة رأس المال ،  و يختم هذا الكتاب بالخلاصة التالية :" وسائل الإعلام باتت أكثر فأكثر ملك مجموعات كبرى بات الصحافيون أكثر فأكثر تدجينا ،  و الأخبار أكثر فأكثر سوءا" (1).
 
 
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د.جورج صدقة: المرجع السابق ص 20
 
 
 
       لكن نظرة تدقيق و تمحيص تبين أن الحديث عن الإعلام لم يكن منعدما في القرآن الكريم بانعدام ورود لفظ الإعلام صراحة فيه ، حيث استعملت بدلا منه مجموعة من الألفاظ الأخرى التي تعبر عن بعض وظائف الإعلام فحينا كان الاستعمال للفظ ( البلاغ) سواء بصيغة الفعل " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته" سورة المائدة الآية 67 ، أو بصيغة المصدر " هذا بلاغ للناس و لينذروا بع و ليعلموا أنما هو اله واحد و ليذكر أولوا الألباب " سورة إبراهيم ، الآية 52.(1).
فالإعلام عليه أن يقوم بوظيفة البلاغ و التبليغ لكافة البشر، فالصحفي في جريدته أو موقعه و الإعلامي على شاشته و الرسام في رسمه ،  لابد لهم جميعا مــن الالتزام بالضوابـــــــط و الأساليب التي نص عليها القرآن ، إذ أن مفهوم الإعلام ينتظم فيه واجــــب آداء البلاغ المبين و منه نستشف المكسب الأخلاقي في حسن آداء الإعلام لوظيفته ، يقول الله عز وجل " الله انزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء و من يضلل الله فما له من هاد " سورة الزمر الآية 23.
و لقد كان رسل الله – و هم المؤدون لدور الإعلام – ملتزمين بالصدق و الأمانة ،  و اليوم المؤمنون هو ورثة الرسل و لا بد لهم من أن يلتزموا بالأمر الإلهي " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين" سورة التوبة ، الآية 119 ، حتى تنطبق عليهم معنى الآية الكريمة " و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون" سورة المؤمنون ، الآية 8.
 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)آلاء أحمد هشام و مصباح عمار : المرجع السابق ، ص61
 
 
 
" و إنما يفتري الكذب الذين يؤمنون بآيات الله و أولئك هم الكاذبون " سورة النحل الآية 105.
و لهذا لا ينبغي لوسائل الإعلام أن تقوم بتقييد الحريات ، بل ينبغي عليها صيانتها و احترامها ، حتى تكتسب جمهورا أكبر و تؤثر فيه ، يقول تعالى " فان اسلموا فقد اهتدوا و إن تولوا فإنما عليك البــــلاغ و الله بصير بالعباد" سورة آل عمران ، الآية 20.
فالمكسب الأخلاقي مجده القرآن في مواضع عديدة على الرغم من تزاحم الظروف و المتغيرات التي تحاول النيل منه و لكي يقوم الإعلام بواجبه حق القيام ، كان لا بد من الالتزام بمجموعة مــن الضوابط و المعايير و القيم حفاظا على المكسب الأخلاقي ، و هذا بتميز الإعلام الإسلامي بضوابط قرآنية شرعية تمنحه القدرة في توجيه الأخلاق نحو الوجهة السليمة من إحياء السيرة النبوية في سلوكاتنا اليومية، و هي ما تعد مرجعية فيها القدوة و التوجيه الصائب لأخلاق حميدة أصبحت اليوم في رهان مع من يحاولون محو سمة الشرعية و الإسلامية فيها و هي حلة أهداها لها الإسلام مصداقا لقوله تعالى" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها و يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون و مثل كلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار " سورة إبراهيم ، الآيات 24-26.

الفرع الثاني: الإعلام الإسلامي ضمانة لأخلاق راقية.
لقد نوه الإسلام على محاسن الأخلاق ، و حث على تهذيبها تهذيبا لائقا ، ذلك أنها فضيلة من أعظم الفضائل ، فان شرف المطلوب بشرف نتائجه و بحسب منافعه تجد العناية به و على قدر العناية به يكون اجتناء ثمرته ،  و هي صفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، لذلك من أهم المهمات التخلق بالأخلاق الكريمة التي دعا إليها الإسلام ،  و لقد رفع الله شأن الأخلاق عندما امتدح نبيه الكريم بقوله :" و انك لعلى خلق عظيم" سورة القلم ، الآية 4.
و بالمقابل بين الرسول صلى الله عليه وسلم أهدافه عندما بعثه الله للعالمين حيث قال :" إنما بعثت لأتم محاسن الأخلاق " أخرجه مالك في الموطأ رقم 1609.
و قد بين عليه الصلاة و السلام فضائل حسن الخلق في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم " إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا " أخرجه الترمذي ، رقم 2037.
 
انه كم هائل من فضل الأخلاق الكريمة في الكتاب و السنة و لنا تساؤل فيما إن كان الإعلام الإسلامي قد سعى السعي الحثيث للحفاظ على هذا الإرث الإسلامي المميز ، فبين النظرية و الممارسة فرق كبير في أن تظل الأخلاق تحظى و على مر العصور بالتجديد و الإصلاح ، لأن الإفرازات التغريبية على مجمل نواحي الحياة لا تزال تحيط بالأخلاق إحاطة طمع في أن تحذف عنها صفة الالتزام لعقيدة سمحاء.
فإذا كانت نظرية الحرية قد ظهرت كرد فعل على تعسف النظم الشمولية و مصادرتها لحق التعبير من خلال ما عرف في الوسط الإعلامي بنظرية السلطة Authority Theory ، فان نظرية المسؤولية الاجتماعية ولدت بسبب الاستخدام الخاطئ لمفهوم الحرية في وسائل الإعلام ، ذلك الذي مهدت له نظرية الحرية سوء الاستخدام لمفهوم الحرية.
لذلك يجب أن تكون الحرية موزونة بميزان العقلانية و هي من الصفات التي نجدها في الإعلام الإسلامي سعيا منه في احتواء الأخلاق الاحتواء اللازم لأجل رقيها و سموها عن سفاسف الأمور التي من شأنها أن تؤثر على منهجية الاحتواء التي يسعى إليها الإعلام الإسلامي جاهدا وفق برامج هادفـــــة و موجهة توجيها سليما بعيدا عن الغوغائية و الرداءة في  قضايا الأمة.
فالإعلام الإسلامي تحكمه معايير أخلاقية صارمة و هي القاعدة التي تحكم أي نشاط بشري ، فالفضيلة هنا لها معنى عام لكل ما دعت إليه الشريعة و ما تراه حسنا من قول أو فعل و هي كذلك هدف و غاية للعمل الإعلامي الإسلامي.
لكن هذه الغاية لا تحقق بأي وسيلة ، هذه الرؤية للعمل الإعلامي خضعت لنقاشات طويلة و تبلورت عن معيار أخلاقي يحدد طبيعة عمل الوسيلة الإعلامية، و تشكل الممارسة الإعلامية محور مفهوم المعيار الأخلاقي ، بشكل رئيسي حول مسألتين لهما علاقة بالوسيلة الإعلامية ، من حيث هي قناة أو صحيفة أو راديو  ومن حيث هي رسالة ن هما مسألتان تتحدان في سبيل الدفع بالأخلاق نحو الرقي.
 
خاتمة:
بعد السرد السابق لمحتوى موضوع الأخلاق و الإعلام ،  و أمام كل ما نقرأه آو نشاهده في الصفحات الأولى من الجرائد آو المجلات ، أو نتابعه من برامج تلفزيونية ، لنا أن نتساءل لماذا يعتري إعلامنا بتنوعه نوع من البعد الروحي و الأخلاقي عـــن أخلاق المجتمــــــــع و انتمائه و اعتزازه بمقومات جعلت منه مجتمعا يسير على خطى مذبذبة لا تعرف استقرارا حقيقيا ، ثم هل الاعلام أدى الدور الهام في تغيير بعض المفاهيم كمحطة لتغيير السلوكات عن طريق الإدراك و الوعي و الاقتناع ، ثم ألا يرى أصحاب الإعلام تلك الآثار الوخيمة التي خلفوها جراء إشاعة الفحش و نشر البلبلة و فقدان الثقة و إشاعة الإحباط النفسي و التشتت الفكري ،  و هل من الحرفية في التعاطي مع الأخبار بنوع من اللاحقيقة ألا يعي المسئولون الاعلامييون أنهم بهذا السلوك يزيدون في اتساع ظاهــرة الانحطـــــاط و الجريمة و الفساد الأخلاقي و العقائدي، و تحميل الفرد البسيط أكثر ما لا يتحمله بسبب فقدان الثقة في نفسه و في مجتمعه ، و بالتالي ستسلم لواقع رسم أبعاده إعلام صعب من مناشدة التغيير في البلد و من ثم في الأمة ؟ ، فالمصير واحد و الهم واحد ووحدة الأمة الإسلامية في وحدة جماعاتها بأخلاق رفيعة ووعي متطلع لبناء مستقبل كفيل أن يحقق فينا أننا كنا خير امة خير أخرجت للناس ، فنرجو أن يعي الإعلام هذه الأمانة و لا يقصر في تحقيقها.
 
 
                                                               
 
 
 
 
قائمة المراجع :
 
(1)آلاء أحمد هشام و مصباح عمار : الإعلام و مقوماته..ضوابطه..أساليبه –في ضوء القرآن الكريم (دراسة موضوعية) ، رسالة قدمت لاستكمال ا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في التفسير و علوم القرآن ، غزة ،  الجامعة الإسلامية ، عمادة الدراسات العليا- كلية أصول الديـــــــن  قسم التفسير و علوم القرآن ، 1430 هـ،2009 .
(2)د.جوج صدقه :الأخلاق الإعلامية بين المبادئ و الواقع ، بيروت ، الطبعة الأولى ،2008.
 
(3)د.إيثار عبد الهادي: إستراتيجية إدارة الأزمات – تأطير مفاهيمي علــى وفق المنظور الإسلامــــــي بغداد ،كلية الإدارة و الاقتصاد ، البحث منشور في مجلة العلوم الاقتصادية و الإدارية بالكلية، المجلد 17  العدد 64 كانون الأول 2011.
 (4)د.هنية مفتاح أحمد القماطي: أزمة الحوار الحضاري في عصر العولمة ، ليبيا ، جامعة قاريونس  محاضرة ألقيت على طلاب الجامعة.
(5)ماجدة أبو فاضل: الإعلام العربي بحاجة إلى نهضة و احترافية و أخلاقيات ، مقال نشر في مجلة الحوار العربي ، مؤسسة الفكر العربي ، السنة الثانية ، العدد13 ، ديسمبر (كانون الأول) ، 2005.
(6) عبد المجيد بن عبد صالح السناني: دور الإعلام التربوي في غرس القيم الأخلاقية من وجهة نظر معلمي المرحلة الثانوية بالمدينة المنورة (دراسة ميدانية) ، رسالة علمية مقدمة لنيل درجة العالمية  (الماجستير) في التربية ، السعودية ، الجامعة الإسلامية بالمدينة  المنورة ، كلية الدعوة و أصول الدين .
 (7)علاء شلبي : الإعلام و حقوق الإنسان ، أعمال الندوة الإقليمية حول الإعلام و حقوق الإنسان  القاهرة يومي 21-22 يناير /كانون ثان 2003.
(8)د.انتصار إبراهيم عبد الرزاق و د.صفد حسام الساموك ، الإعلام الجديد  (تطور الأداء و الوسيلـــة و الوظيفة ) بغداد ، جامعة بغداد ،سلسلة مكتبة الإعلام و المجتمع ، الكتاب الأول  2011.
 

أضافة تعليق