مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2016/02/09 16:54
إنجازات الدولة العثمانية بصفتها آخر نسخ الخلافة الإسلامية

محمد شعبان صوان
لقد أدت مؤسسة الخلافة الإسلامية التي يسارع بعض الإسلاميين في زمننا للتبرؤ من السعي لإعادتها، وذلك لنيل الرضا الغربي، عدة وظائف حيوية لبلادنا حتى في أشد حالات التراجع والضعف في آخر أيامها، والدارس تاريخ هذه الحقبة يرى بوضوح أن الدولة القُطرية عجزت في أزهى أوضاعها عن تحقيق إنجازات الخلافة في أضعف حالاتها،

ولهذا ليس من دواعي الإعجاب أن تتأقلم الحركات الإسلامية مع واقع دولة التجزئة أو تتخذ حجة من بعض الحوادث الاستثنائية كما تبدو من منظور تاريخنا الواسع والتي تقوم بها تنظيمات غلب عليها منطق رد الفعل الانفعالي ولم تستوعب مشروع حضارتنا كما تم تطبيقه فعلاً لقرون، لتصبح تلك الحجة فرصة للتطابق مع الجدول الغربي المعادي لنا وذلك في سبيل الحصول على موطئ قدم في اللعبة السياسية الإقليمية بتقديم أوراق الاعتماد لسادة النظام الدولي الذين يهمهم ألا تتحقق تلك الوظائف الحيوية وألا تعود إلى ساحتنا هذه الإنجازات مرة أخرى

1- الوحدة السياسية: في ظل الخلافة الإسلامية تحققت وحدة بلادنا العربية فعلياً لا إسمياً، ومن المفارقات أن آخر عهدنا بالوحدة العربية كان في ظل الخلافة العثمانية التي بناها الأتراك، وقد وصف ذلك أحد رواد القومية العربية الأستاذ أحمد الشقيري (1908- 1980) أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي عمل أربعين عاماً في الدبلوماسية والعمل السياسي العربي، وذلك في كتابه الذي يؤرخ مسيرة الوحدة العربية تحت عنوان "علم واحد وعشرون نجمة" وفي فصل "الوحدة العربية من بغداد إلى القسطنطينية"، حين قال: "في أوائل القرن السادس عشر للميلاد شهد التاريخ موكب الوحدة العربية ينتقل من بغداد على ضفاف دجلة إلى القسطنطينية على ضفاف البوسفور، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الأمة العربية وامتدت أربعمائة عام من غير زيادة ولا نقصان، كأنها في حساب مع الزمان، وقد يعجب المواطن العربي أشد العجب حين يقرأ هذا العنوان الصارخ، يباغته من غير مقدمة ولا ديباجة، ويصيح في أذنه بأن الوحدة العربية قد ارتحلت من بغداد واستقرت في القسطنطينية... كيف يمكن أن تصبح القسطنطينية مقراً للوحدة العربية وهي التي بناها قسطنطين الأكبر في القرن الرابع للميلاد... وأصبحت في ما بعد عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، هذه القسطنطينية كيف يتصور العقل أن تغدو عاصمة للوحدة العربية، بعد أن كانت في المدينة المنورة أيام الخلفاء الراشدين، وفي دمشق أيام الأمويين، وفي بغداد أيام العباسيين، ولكن الوقائع التاريخية تبدد العجب مهما كان ثقيلاً، بل إنها لتضع المواطن العربي أمام حقيقة أخرى، وهي أن القسطنطينية لم تكن عاصمة الوحدة العربية فحسب بل كانت آخر عواصمها، ومن بعدها بدأت مرحلة التجزئة والانفصال التي ما نزال نعيشها إلى اليوم" ثم يستفيض في شرح التاريخ العثماني ومآثره كمواجهة الروم والدفاع عن الأمة ضد الإسبان ويعقب بالقول إن "كل ذلك جعل الأمة العربية متعاطفة مع الدولة العثمانية، وراضية بوضع الخلافة بين يديها، ناسية أو متناسية الشرط الديني المعروف بأن يكون الخليفة عربياً وقرشياً وهاشمياً، فإن الانتصارات التي حققها العثمانيون تحت راية الجهاد لم تترك مجالاً للنقاش حول شروط الخلافة ومؤهلات الخليفة، والنصر هو الفتوى حين تتقدم الفتوى، واكتشفت الجماهير العربية أن شريف مكة السيد بركات قد سلم مفاتيح الكعبة إلى السلطان العثماني، ولا زيادة بعد ذلك لمستزيد، ولذلك لم يكن غريباً أن يعتبر العرب أن الدولة العثمانية هي دولتهم وأن الخلافة هي خلافتهم، وأنهم هم رعاياها المفتخرون بانتصاراتها".[1]

ولم تستطع كل أنظمة التجزئة القُطرية أن تعيد ولو جزئياً هذه الوحدة حتى مع سيادة الشعارات القومية التي كفّت عن أداء دور عملي حاسم بعدما أدت للحلفاء في الحرب الكبرى الأولى (1914- 1918) خدمة انفصال العرب عن الأتراك، وإنه من المثير أن نسمع قائداً ميدانياً بريطانياً في الثورة العربية الكبرى (1916) كلورنس يؤكد في رسائله السرية على أن "نشاط (الشريف حسين) يبدو مفيداً لنا، لأنه يتماشى مع أهدافنا المباشرة: تفتيت الجبهة الإسلامية وهزيمة وتمزيق الإمبراطورية العثمانية... وإذا عولج العرب بطريقة مناسبة سيظلون في حالة من التشرذم السياسي، نسيج من الإمارات الصغيرة المتحاسدة وغير القابلة للتماسك".[2]

ويقول في مكان آخر: "مهما نتج عن هذه الحرب، فيجب أن تقضي نهائياً وإلى الأبد على السيادة الدينية للسلطان"،[3] ويؤكد على طرح فكرة الخلافة العربية التي ستشعل الحرب الأهلية بين المسلمين و"سنقضي على خطر الإسلام... وسيتقلص شأنه كما كانت البابوية في أفنيون"[4] (وهي فترة ضعف ووهن في حياة البابوية تسمى بالأسر البابلي للكنيسة لأن مقر البابوية انتقل من روما بين سنتي 1309- 1377 تلاها انقسام بابوي في الفترة 1378- 1417).

والعجيب أن بريطانيا التي دعمت فكرة الخلافة العربية ودعمت ثورة الشريف حسين امتنعت عن الاعتراف بخلافته بعدما حقق لها مرادها بالانفصال عن الأتراك، وقد كشف الزعيم الوطني مصطفى كامل عن مخطط الإنجليز في دعم معارضي الخلافة - التي كانت عدة شعوب تتطلع إليها "لمساندتها في كفاحها ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي والروسي، وقد شملت هذه الشعوب المسلمين الهنود وتركمان آسيا الوسطى بالإضافة إلى شعوب شمال إفريقية والمغرب العربي"-[5] بقوله في المسألة الشرقية: "فأوعزوا إلى فئة من الدخلاء الذين لا وطن لهم ولا شرف ولا عقيدة بالطعن على جلالة الخليفة الأكبر والسلطان الأعظم وتشويه أعمال الدولة العلية وأحوالها"،[6] والعجيب أن هذه الوجوه التي عدت ضمن رواد النهضة العربية عملت بالتعاون مع بريطانيا وأصدرت الفتاوى للقتال إلى جانبها وكانت لها مواقف مخزية فيما يتعلق بالهجرة الصهيونية إلى فلسطين بين صامت ومرحب ومستيقظ بعد فوات الأوان، والأعجب أننا ما زلنا نكرر الخطايا نفسها إلى يومنا هذا.

2- الحماية العسكرية: تصدت دولة الخلافة بنجاح كبير للحملات الصليبية التي واصلت أوروبا شنها على بلاد الإسلام بعد هزيمة ممالك الفرنجة في المشرق، فصنعت بذلك التصدي أياماً حاسمة لحقت بالحروب الأولى وانتصاراتها مثل معركة كوسوفو (1389) ومعركة نيقوبوليس (1396) وفتح القسطنطينية (1453) وفتح قبرص (1571)،[7] وتوغل العثمانيون بسرعة البرق في الداخل الأوروبي ووصلوا أسوار فينا (1529- 1683)، وتمكنوا من حماية العالم العربي من الاحتلال أربعة قرون،[8] وصدوا بكفاءة كبرى الحملات الصليبية الإسبانية والبرتغالية التي انطلقت مسعورة على الشمال الإفريقي والبحر الأحمر والخليج عقب سقوط غرناطة سنة 1492، ودخلت الولايات العثمانية في شمال إفريقيا فيما سماه الأستاذ أحمد توفيق المدني "حرب الثلاثمائة سنة" ضد إسبانيا ودول أوروبا للدفاع عن الوجود العربي الإسلامي حتى أن هذه الولايات أصبحت صداعاً مزمناً للغرب الأوروبي والولايات المتحدة الناشئة، ووصلت السفن الحربية العثمانية إلى الهند وأندونيسيا،[9] ولم تضعف دفاعاتهم إلا في القرن الأخير من عمر الخلافة بدءاً من سقوط القرم تحت الاحتلال الروسي والحملة الفرنسية على مصر سنة 1798، ومع ذلك ظل للدولة حضورها وأهميتها الدولية وكان استقلال حكام الأقاليم عن مركزها هو المقدمة اللازمة لوقوعهم في براثن الاستعمار الغربي كما حدث في مصر (1882) وتونس (1881) ومشيخات الخليج في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويكفي أن الخلافة صدت الخطر الصهيوني عن بلادنا "وأزالت هزيمة العثمانيين آخر العقبات أمام هجرة اليهود وشرائهم للأراضي"،[10] وفي الوقت الذي سلم حكام العرب المرتبطون بالغرب فلسطين لقمة سائغة للصهاينة، نرى سلطان الدولة العثمانية يتكلم عنها بحماسة القوميين العرب، مع أن فريقاً كبيراً من هؤلاء أيضاً لم يتردد عملياً في الترحيب بالصهاينة في فلسطين، وذلك حين قال في مذكراته السياسية: "لدينا عدد كاف من اليهود، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقاً، علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين"،[11] ولما حاول هرتزل إغراء السلطان ليمنحه، مقابل ميزات لم يقاوم عشرها أي من حكام التجزئة، أجزاء أقل بكثير مما حصل اليهود عليه في ظل الدولة القطرية، أجابه: "لقد حاربت الكتيبتان السورية والفلسطينية في بلافنا (ملحمة وقعت أثناء الحرب مع روسيا سنة 1877) واستشهد رجالهما واحدا بعد الآخر لأن أحدا منهم لم يرض بالاستسلام وفضلوا أن يموتوا في ساحة القتال"،[12] هذا مع أن معركة بلافنا كان قد مر عليها ما يقارب عشرين عاماً زمن المقابلة ولكنها مع ذلك ظلت حية في وجدان السلطان عبد الحميد في مشهد افتقدناه في حكام العرب أنفسهم مع شعوبهم، وفي الوقت الذي كان فيه هذا السلطان يخسر عرشه من أجل فلسطين كما وصفه الأستاذ رفيق شاكر النتشة في عنوان كتابه، كان رواد النهضة وقادة الثورة وأساتذة أجيالنا يقدمون العروض السخية للتعاون مع الصهيونية.

وظلت دولة الخلافة حتى آخر حرب دخلتها وهي الحرب الكبرى (العالمية) الأولى قادرة على مواجهة الدول الاستعمارية الكبرى وتحقيق انتصارات عليها كما شهدت بذلك معارك غاليبولي وفلسطين والكوت، هذا إذا لم نذكر انتصاراتها قبل ذلك على اليونان (1897) وصمودها أمام الزحف الروسي (1877) في بلافنا وغيرها، وفي هذا يقول كواترت: "إن هذه الإمبراطورية بقيت تكافح للمحافظة على نفوذها حتى أيامها الأخيرة في الوقت الذي كانت الإمبريالية الأوروبية في ذروة تسلطها وحين كانت الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية تسيطران على معظم مناطق المعمورة، وفي أواخر القرن التاسع عشر لم يكن هناك سوى قلة قليلة من الدول المستقلة خارج القارة الأوروبية، ولعل أهمها، الدولة العثمانية والصين واليابان، وبصفتها دولاً مستقلة كانت آنذاك محط آمال الشعوب الآسيوية المستعمَرة في كفاحها ضد الإمبريالية الأوروبية".[13]

ومن الجدير بالذكر أن مراقباً قديراً كالزعيم المصري الكبير مصطفى كامل باشا تعجب، أثناء سرده التاريخي للضربات التي تلقتها الدولة العثمانية من أعدائها، من بقائها حية هذه المدة الطويلة وليس من تراجعها،[14] وقد شاركه الرأي مؤرخون محدثون كثريا فاروقي[15] ونيكولاس دومانيس،[16] ورغم الضعف الذي أصاب الخلافة في آخر أيامها وانحسار ممتلكاتها فإنها لم تعترف للمحتلين بما سلبوه من أراضيها حتى لو كانت في مجاهل إفريقيا،[17] وظلت الدول الاستعمارية الغربية حريصة على انتزاع اعتراف من ورثة الدولة العثمانية بالتخلي عن حقوق الخلافة فيما انتزعته من أراضيها، كما هي اليوم حريصة على انتزاع اعتراف فلسطيني بشرعية الكيان الصهيوني، وتم لها ذلك في معاهدة لوزان سنة 1923 التي وافق فيها الحكم الكمالي على هذا التنازل عن كل أراضي العثمانيين ما عدا تركيا، ولهذا أشار بعض المؤرخين إلى أن الدولة مكثت حاجزاً، حقيقياً أو شكلياً، في وجه الأطماع الأوروبية الاستعمارية عدة قرون.[18]

والغريب بعد كل هذا أن يحاول التغريب وصم العثمانيين، الذين تصدوا للاحتلال، بصفة الاحتلال وهي الصفة الأقرب إلى زعماء التغريب أنفسهم الذين عملوا كالأزرار التي كانت تشغل لتلبية حاجات المستعمرين كلما ضغطوا عليها، وأحياناً وصموا الدولة العثمانية بالتعاون مع الاستعمار على احتلال أراضيها هي(!) وكأنها واحد من زعامات التجزئة التغريبية الذين كانوا يسيرون في ركب المستعمر ضد بلادهم وإخوانهم، وغاب عن المتغربين أن بلادنا لم تكن مجرد أخ أو جار للعثمانيين بل جزء لا يتجزأ من دولتهم الكبرى، فكيف لهم أن يعاونوا الغرب ضد أنفسهم، ولعل أكثر الحوادث التي استدلوا بها هي الموقف العثماني من الاحتلال البريطاني من مصر (1882) والإعلان عن عصيان أحمد عرابي باشا، ولكن عليهم أن يهدئوا من روعهم قليلاً وألا يفرحوا بهذا الاستدلال كثيراً وأن ينظروا لآراء جملة من عمالقتهم، كأستاذ جيلهم أحمد لطفي السيد والشيخ محمد عبده وأحمد فارس الشدياق، في أحمد عرابي ثم يلتفتوا إلى غيرهم ليعيبوهم، السلطان عبد الحميد لم يعط شرعية للجيش البريطاني في أي وقت، ويجب أن نذكر أيضاً أن السلطان في بداية المواجهة مع الإنجليز منح أحمد عرابي رتبة الباشوية، وفي تقويم الزعيم مصطفى كامل باشا أن هذه الخطوة أيضاً تمت بخداع بريطاني، ويعجب من ثناء عرابي على إنسانية بريطانيا وإنصافها واعتدالها بعد مذبحة الاسكندرية ويرجو منها تحرير أهل البلاد وتحقيق راحتهم وحفظهم، ويخلص إلى أن بريطانيا خدعت في المسألة المصرية كلاً من السلطان والخديو وعرابي وحزبه،[19] ولعل هذا هو سبب العداء العثماني للإنجليز فيما بعد وقد أجمع مؤرخو الأحداث على أن مكانة بريطانيا في الدولة العثمانية تغيرت جذرياً بعد احتلال مصر وأصبح السلطان عبد الحميد يتبع سياسة وصفت بأنها Anti- British. [20]

المهم أن مجمل الأحداث يكشف أن جميع خطوات السلطان فيما فعله مع عرابي كانت لتفادي دخول الإنجليز مصر، سواء بتشجيعه على المقاومة أو بالمزايدة على موقفهم لإبعاد شبح احتلالهم، ولذلك رفض مشاركة الجيش العثماني للجيش الإنجليزي في عملية الاحتلال، وكان في هذا الموقف بين نارين: إما تأكيد سلطته على مصر بمعاونة الإنجليز وإما التخلي عنها لصالحهم، أي أنهم داخلون في كل الأحوال فاختار النأي بالخلافة عنهم ورفض مشاركتهم فوقع الاحتلال، وكان من الصعب أن يوافقهم في ضوء سياسة الجامعة الإسلامية كما يقول الأستاذ الدكتور عبد العزيز الشناوي رحمه الله،[21] وقد لام مصطفى كامل باشا السلطان على هذا الموقف وفضل لو دخلت الخلافة لتأكيد حضورها،[22] هاجس السلطان عبد الحميد كان هو عدم التصديق على التدخل الأجنبي أو منحه الشرعية الإسلامية ومن هنا كان رفضه، هذا الموقف يضعنا في مقارنة مع دولة التجزئة التي سارت في ركاب المحتلين لتدمير إخوتها وجيرانها، الفرق شاسع ويدعو للبكاء حتى في ظل ضعف الخلافة وتراجعها ولكنها كانت صامدة صمود الأبطال، ثم جاهد السلطان بكل ما يستطيع لتعكير صفو الاحتلال في مصر وأنفق أموالاً طائلة على ذلك، ساند الزعيم مصطفى كامل باشا ضد الاحتلال بلا تحفظ إلى درجة أحرجت الزعيم أحياناً من فرط تأييد السلطان له وإنعامه عليه بشكل "ما وقع في تاريخ ألقاب الدولة مثل هذا فينعم على امرئ برتبتين في شهرين ولكني أعتقد أن السلطان أراد أن يطعن الاحتلال بسهم صائب لأن في عطف جلالته على خصوم هذا الاحتلال لدليلاً قاطعاً على كرهه له ورغبته في جلائه"،[23] زمن غير زماننا أصبحت حتى عيوبه من مفاخرنا اليوم.

3- الحماية الاقتصادية: تصدت دولة الخلافة، حتى في أضعف حالاتها، للتمدد الاقتصادي الرأسمالي الغربي، وفي هذا يقول المؤرخ دونالد كواترت: "في نهاية القرن التاسع عشر... امتدت السيطرة السياسية الأوروبية في مناطق كثيرة للمرة الأولى، وفي الشرق الأوسط تمكنت الإمبراطورية العثمانية من الحفاظ على استقلالها السياسي وقاومت بفعالية ملحوظة التمدد الاقتصادي الأوروبي"[24] وذلك في الكتاب الذي عرض فيه أوجه من هذه المقاومة تحت عنوان "تفكك المجتمع والمقاومة الشعبية في الإمبراطورية العثمانية 1881- 1908: ردود الفعل على التمدد الاقتصادي الأوروبي"، وسرد في كتاب آخر مقاومة "الصناعة العثمانية في زمن الثورة الصناعية"،[25] وفي الوقت الذي وقع فيه معظم أجزاء العالم تحت الهيمنة الغربية فانقسم إلى مستعمرات وأشباه مستعمرات، كانت المناطق التي تحتفظ باستقلالها السياسي معدودة جداً ومنها دولة الخلافة،[26] وحتى عندما أفلست الدولة العثمانية سنة 1875 تمكنت من تجاوز هذه الحالة بطريقة مختلفة عما حدث لقطر مثل مصر التي أعلنت إفلاسها في العام التالي والتي حاول حكامها كثيرا "الاستقلال" عن مركز الدولة فكانت النتيجة أن أدى إفلاسها واستقلالها إلى الاحتلال البريطاني، وفي هذا يقول تيودور رتشتن في كتاب تاريخ المسألة المصرية إن الباب العالي استطاع "أن يخرج من عراكه مع دائنيه فائزاً منتصراً، واضطر حملة السندات التركية وهم صاغرون أن يقنعوا بالقليل الذي قسم لهم، غير أن القضاء الذي لم يجر بما كانوا يتوقعونه لتركيا قد عزموا على أن يجروه على الأقل بما توقعوه لمصر"،[27] ويؤكد روجر أوين أن ما أصاب مصر كان من أسبابه غموض علاقتها بالدولة العثمانية،[28] وهو الاستقلال الذي حرص عليه الخديو إسماعيل، ويؤكد ذلك الباحث الاقتصادي المعروف شارل عيساوي في كتابه التاريخ الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا.[29]

4- التكامل الاقتصادي الداخلي: وفرت دولة الخلافة العثمانية لبلادها، ومنها البلاد العربية، تكاملاً اقتصادياً داخلياً لم نقدره حق قدره إلا عندما خسرناه لصالح الارتباط باقتصاديات الدول الرأسمالية الكبرى بصفتنا دولاً مجزأة وضعيفة عجزت عن تحقيق ما كفلته الخلافة حتى آخر أيامها، وفي هذا يقول هرشلاغ في كتابه: "ظلت الأجزاء الباقية من الإمبراطورية تشكل وحدة تجارية واحدة، لا تؤثر فيها الحدود أو الحواجز الجمركية والقيود التي ستقوم بينها بعد تحطيم الإمبراطورية في الحرب، وكان هذا التدفق الداخلي الحر للسلع ذا أهمية كبيرة لتركيا وللأقاليم التابعة لها على السواء"،[30] وقد أكد هذه الحقيقة كل من كتب في تاريخ الاقتصاد العربي مثل شارل عيساوي والدكتور يوسف الصايغ وروجر أوين، إضافة للدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم في بحث خاص عن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الولايات العربية إبان العصر العثماني 1517- 1789،[31] وهناك من يشكك في هذه الوحدة استناداً إلى شبهة وهي تعدد العملات التي كانت متداولة في أراضي الدولة العثمانية، وأنا أصف هذه الفكرة بكونها شبهة لأنها تغفل الوضع التاريخي الذي كان سائداً في زمن العثمانيين فلم يكن تعدد النقد ظاهرة سلبية بل كان دليل مرونة اقتصادية في زمنه وكان تداول العملات الأجنبية مقبولاً داخل أنحاء الدولة العثمانية بتشجيع رسمي(*) وليس ظاهرة محدودة بأطراف الدولة التي يراد أحياناً إثبات استقلالها بكونها تتعامل بعملات أخرى غير العملة العثمانية.

5- مشاريع التنمية الوحدوية: أقامت الخلافة حتى في ساعات ضعفها وتراجعها مشاريع تنموية كانت تؤذن بتغيرات جذرية لو أنها أخذت فرصتها كاملة، وذلك مثل سكة حديد الحجاز وسكة حديد بغداد، ويعجب الدكتور عبد العزيز الشناوي من إساءة تفسير هذه المشاريع عند بعض المتنطعين الذين اتهموا الدولة بأنها تعمل بواسطتها لإحكام قبضتها على ولاياتها فيعلق بأنه إذا لم تنجز الدولة مشاريع كهذه اتهمت بعزل أقطارها عن العالم وعندما أنجزتها اتهمت بمحاولة التحكم بهذه الأقطار(!) وهل من المطلوب من أية دولة أن تتنازل عن أراضيها،[32] ورغم قلة ذات يدها فقد تأسست سكة الحجاز من مال المسلمين، أما سكة بغداد وغيرها من المشاريع الاستثمارية فقد كانت الخلافة توجه المال الأجنبي المستثمر فيها لصالحها ولا تقف موقف المتلقي المتفرج على الأجنبي وهو يقيم ما حلا له من مشاريع لصالحه كما حدث فيما بعد في دول الاستقلال والتجزئة،[33] ومع حلول هذه الدول دُمرت هذه المشاريع وقُطعت أوصالها، وعجزت حكومات سايكس- بيكو عن إعادة إحيائها، وقد جاء في الموسوعة السياسية للدكتور عبد الوهاب الكيالي في بند سكة حديد الحجاز: "وقد كانت سكة الحديد هذه هدفاً عسكرياً مقصوداً أثناء الحرب العالمية الأولى وقام الثوار العرب (بقيادة لورنس!!) بنسفها في أماكن عدة... وعلى الرغم من الاجتماعات والمخططات واللجان المختلفة والمتعاقبة والتي شملت سورية والأردن والسعودية فإن هذه السكة بقيت معطلة حتى أصبحت رمزا للتجزئة العربية وللضرر الفادح الذي ينتج عن تخريبها، إذ تكمن في وجودها المصلحة المشتركة والروابط التي من شأنها أن تفرض إصلاح السكة وتشغيلها".[34]

6- الاكتفاء الذاتي: في زمن الخلافة تحقق الاكتفاء الغذائي والصناعي الذاتي لسكان أقطارها، وفي ذلك تقول الدكتورة ثريا فاروقي إن الأقاليم العثمانية كانت تتمتع بالاكتفاء الذاتي في السلع الضرورية اليومية والمواد الحربية في الفترة الممتدة من منتصف القرن السادس عشر إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وإن الدولة العثمانية كانت قادرة على الأداء دون استيراد البضائع الضرورية التي يحتاجها معظم السكان مثل الحبوب وبقية المواد الغذائية، بالإضافة إلى تصنيع الحديد والنحاس والأقمشة وكل الأشياء اللازمة للاستعمال اليومي بكميات كافية،[35] أما المواد الحربية فكان العثمانيون مكتفين ذاتياً إلى حد كبير، واستمر هذا الأمر في الناحية الغذائية حتى أواخر أيامها،[36] وقد كان القطاع الزراعي مجالاً نجحت فيه مقاومة الدولة للتمدد الغربي الذي حاول توجيه الزراعة نحو الإنتاج الأحادي كزراعة القطن فقط أو الحمضيات وحدها تلبية لمصالحه،[37] ونتيجة التكامل الذي توفر بين أراضيها كانت العاصمة تأكل من إنتاج الأقاليم والحجاز من الإنتاج المصري والكويت من البصرة... وهكذا، فلما أتت دول التجزئة أصبحنا معتمدين بنسب مخيفة على الخارج لتأمين غذائنا رغم بقاء الأراضي كما هي بل لقد ازدادت ثرواتنا التي كان من الممكن أن تزيد إنتاجنا الغذائي ولكن هذا لم يتحقق نتيجة انكفاء كل قطر على نفسه وعدم تعاونه مع إخوته واستقوائه بالغريب على أهله وتفضيله حل مشاكله بالتعامل مع الخارج على تعامله مع أهله، ومن المفارقات المضحكة المبكية أن المال العربي المستثمر في دول الغرب تستفيد منه هذه الدول في منح القروض للدول الفقيرة وبينها دول عربية أيضاً ولكن الفائدة تعود على الغربي في شكل إعادة تدوير لإنقاذ الاقتصاديات الغربية المأزومة وفوائد وتصريف بضاعة،[38] وقبل كل شيء الفضل الذي سيسجل له وفاء وارتباطاً بعيداً عن صاحب المال الأصلي الذي فضل أن يأتمنه بدل ائتمان عصبته الأقربين.

7- التعايش الاجتماعي: يقول المؤرخ كواترت في كتاب الدولة العثمانية: "قدمت الدولة العثمانية للعالم نموذجاً للتعايش بين مختلف الطوائف والأعراق"،[39] ويقول فيليب كورتن في كتابه الغرب والعالم إن كل الدول الكبرى تعد متعددة القوميات إلى حد ما "لكن الإمبراطورية العثمانية كانت أكثر تنوعاً من معظمها"،[40] وقال كواترت أيضا: "هذا لا يعني أن رعايا الدولة من مسيحيين ويهود لم يضطهدوا من حين لآخر بالرغم من مبدأ التسامح الثابت الذي أصرت الدولة على التقيد به، والحق أن هذا المبدأ العام بقي لعدة قرون يحكم العلاقات بيين مختلف شرائح المجتمع العثماني، بيد أن الشقاق بدأ يذر قرنه في السنوات الأخيرة من حياة الإمبراطورية"،[41] ولعله ليس من أبواب الصدف أن هذه السنوات هي التي تدخل الغرب فيها بثقله في حياتنا فأفسد ما بين الأتراك والأرمن، والعرب والأتراك، والعرب واليهود، فلم يكن التعايش الأرمني التركي لحظة عابرة في تاريخ الشعبين ولهذا أطلق العثمانيون صفة الملة الصادقة على الأرمن، ولم يكن الانسجام الإسلامي اليهودي وليد اللحظة بل امتد إلى قرون التعايش في الأندلس ثم المحنة المشتركة على يد الإسبان والهروب الجماعي إلى الأملاك العثمانية الذي ما يزال اليهود يذكرون معروفه إلى هذا اليوم ثم ظل هذا الانسجام إلى أن جاء الانتداب البريطاني، وقد أقرت بذلك لجنة بيل الملكية البريطانية سنة 1937،[42] وقد صدر في سنة 2011 كتاب بعنوان: "إخوة عثمانيون: المسلمون والمسيحيون واليهود في فلسطين في بداية القرن العشرين"[43] من تأليف ميشيل كامبوس ملخصه أن الحياة المشتركة في الظل العثماني في فلسطين لم تكن تتجه إلى الصراع الحتمي، ويقول الدكتور رءوف عباس إن الوجود اليهودي في الدولة العثمانية يعبر تعبيراً صادقاً ة لم تكن بهذه المركزية التي رأيناها فيما بعد لدى دول الاستقلال والتجزئة والتي بموجبها أحصيت أنفاس المواطنين وذهب الآلاف منهم إلى المعتقلات وغرف التحقيق والإعدام، وقد أكد المؤرخ دونالد كواترت في كتاب الدولة العثمانية أن السلطة العثمانية كانت تتطور باطراد وأن "السلطة المركزية لم تعد بيد السلطان أو كبير وزرائه"،[76] وهو أمر أكده باحث آخر هو باكي تزكان في كتابه "الإمبراطورية العثمانية الثانية: التحول السياسي والاجتماعي في مستهل العصر الحديث" الذي صدر سنة 2010،[77] ولإثبات ما أقوله عن آخر أيام الخلافة سأروي جانباً من علاقة أحد معارضي السلطان عبد الحميد بالدولة في زمن أوج ما وصف باستبداده، وسنرى أنها لم تكن علاقة نادرة: كان يوسف ضياء باشا الخالدي (1842- 1906) نائباً عن فلسطين في مجلس النواب الأول 1877- 1878 "وبرز في مقاومته ونقده لسياسة السلطان عبد الحميد وفي ازدرائه (أي السلطان) للدستور... وصفه يوجين شيلر، القنصل الأمريكي في العاصمة العثمانية، بقوله: لقد أثار يوسف زوبعة في البرلمان بجرأته... إنه ينتقد السلطان والموظفين الفاسدين والأتراك بشكل عام بألفاظ فظة" ﻔ"قرر (السلطان) حل البرلمان... وبعد يومين، تقرر نفي عشرة أعضاء بارزين من المعارضة" ويخيل للمرء للوهلة الأولى أن النفي سيكون إلى ما وراء الشمس حيث غرف التحقيق والتعذيب التي لا يصل مخلوق إليها فإذا بنا نفاجأ أنه "نُفي" إلى وطنه ليتقلب في المناصب الرسمية(!)

"وصل يوسف الخالدي إلى ميناء يافا... وانتقل منها إلى القدس، فتسلم رئاسة البلدية مرة أخرى(!) وفي تشرين الأول أكتوبر 1878 أرسله رءوف باشا على رأس أربعين فارساً لإحلال النظام في الكرك(!)... وسافر يوسف إلى فيينا في أواخر أيلول سبتمبر 1879(!)، بعد أن استقال من رئاسة البلدية... وفي السنة التالية أصدر في فيينا ديوان لبيد العامري (!)... وعن تعيين يوسف ضياء مدرساً في جامعة فيينا جاء في جريدة الجوائب التي كانت تصدر في الآستانة، العدد رقم 984 الصادر في 1880/1/7، ما يلي: إن حضرة عزتلو ضياء أفندي الخالدي الذي كان مبعوث القدس الشريف بالآستانة... " ثم تذكر أخباره وسعيه في نفع بلاده حتى في بلاد الغربة وتعقب على ذلك قائلة: "فيظهر من ذلك أن الغربة لم تلهه عن السعي عن نفع بلاده"، وهذا على عكس كثير من المعارضين في أيامنا إذ ما أن يدخلوا بلاد الغربة حتى ينتهزوا أية فرصة للتحريض على التدخل الأجنبي في بلادهم واحتلالها بل والعدوان عليها بقصفها بقنابل يقع دويها وقع صوت الموسيقا في أسماعهم.

"وفي سنة 1881 عاد يوسف ضياء إلى فلسطين وعين قائمقاماً في يافا(!)، ثم مرجعيون في السنة التالية(!)، وبعدها عين حاكماً على مقاطعة موطكي في الشمال الغربي من بتليس التي يسكنها الأكراد(!)، وهناك أتقن اللغة الكردية(!) فوضع بعد ذلك قاموساً وصدر في الآستانة سنة 1892- 1893 تحت اسم الهدية الحميدية في اللغة الكردية(!). ويظهر أن يوسف تصالح مع الباب العالي والسلطان عبد الحميد فعاد إلى الآستانة للعيش فيها" ولنر كيف كان هذه المصالحة: "ذكره الكاتب البريطاني أمري في مذكراته، ص69- 70، بقوله: إن يوسف ضياء، كشاب متحمس، تمتع في الماضي بحرية واسعة في البرلمان في نقد الدولة وسياستها... وحتى في قصر السلطان، وبحضوري، كان هذا الباشا الصريح يردد على مسامع عزت باشا (كاتب السلطان) الحديث عن شرور نظام عبد الحميد، وهذا (أي عزت باشا) يسمعه بخنوع ويطلب منه فقط ألا يرفع صوته عالياً"(!!)، هذا هو السلطان المستبد الدموي الأحمر الذي ضاقت الأرض بظلمه: ينفي عدوه إلى موطنه ويقلبه في الوظائف والسفريات حيث يتعلم اللغات و ينشر ما شاء له من مؤلفات ودواوين شعر تدل على مدى "الاضطهاد" الذي "يعاني منه" وتكتب أخباره بتفخيم صحف العاصمة حيث مركز الاستبداد الذي يفترض أنه أرسله إلى المقصلة أو رماه في البحر مع حجر ثقيل(!)، ولما يصالح المنفي ظالمه يدخل قصره وينقده بصوت عال فلا يجد ردعاً إلا ممن يرجوه بأدب جم أن يخفض صوته المرتفع(!!) فإذا علمنا أن هذا الأسلوب من "العقوبات الرادعة" هو الذي كان متبعاً في خلافة عبد الحميد، علمنا مدى الاستغفال الذي أقنعنا بمظالمه وتمنينا في نفس الوقت لو كنا من معارضيه ليرسلنا في رحلات نفي سياحية كالتي حصل عليها يوسف ضياء باشا الخالدي، وقد اقتبست النصوص السابقة من كتاب أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني ولم أتدخل قدر الإمكان لأنقل الحقيقة كما سطرت مع عدم إخفاء علامات تعجبي من سير هذه "العقوبات الرادعة" الهزلية.[78]

ومن الأدلة على أن هذا التسامح مع المعارضة هو الذي كان سائدا أننا كلما قرأنا عن معارض ارتبط ذكره بما منح له، فالأستاذ أحمد الشقيري رحمه الله يذكر أنه ولد في "معتقل" والده الشيخ أسعد الشقيري في قلعة تبنين في لبنان زمن السلطان عبد الحميد،[79]، وإنه لاعتقال طريف هذا الذي يعيش صاحبه مع أسرته وينجب ما شاء له من الأبناء، والأطرف أن هذا الشيخ المعتقل، بعدما "حررته" بريطانيا من الاستبداد العثماني انتهز الفرصة "لينتقم" من ظالمه السابق انتقاماً طريفاً، على عكس المعارضين المعاصرين الذين حملتهم دبابات الاحتلال الأمريكي، إذ أنه كان "يتحدث بحرارة المؤمن المنافح عن أيام الباب العالي في إستانبول وعن الموقف الشهير الذي وقفه السلطان عبد الحميد في رفضه استقبال هرتسل مؤسس الصهيونية"،[80] ويذكر الأمير شكيب أرسلان في رحلته الحجازية أثناء حديثه عن الوصول للطائف: "وقد أنزلتني إمارة الطائف في دار شاهقة كانت تخص أحد أمراء الأكراد ممن نفي إلى الطائف أيام السلطان عبد الحميد"،[81] وفي حوادث سنة 1905 من "تاريخ العراق بين احتلالين" خبر نفي بعض العلماء منهم ثابت الآلوسي ومحمود شكري الآلوسي إلى بلاد الترك ولكن"لم يطل أمر تبعيدهم ولا تجاوزوا الموصل وإنما تشبث أهل الموصل من علماء وأعيان كما تشبث الأستاذ الحاج علي علاء الدين الآلوسي الذي كان في استنبول في إرجاعهم فعادوا بعد مدة قصيرة".[82]

فهل هذه النماذج وغيرها مما يضيق المقام بها تناسب ما علق بأذهاننا عن الاستبداد العثماني الأحمر الذي يضع المعارضين على الخوازيق أو يرميهم في البحر مع حجارة ثقيلة؟ وهل تقارن هذه "العقوبات" بما ساد بعدها من مركزية دويلات مؤتمرات الصلح واتفاقيات سايكس بيكو؟ ألسنا بحاجة إلى إعادة النظر في تاريخنا لنبني عليه ما يناسبنا لا ما يملى علينا من مصالح غيرنا؟

لقد اتصفت دول التغريب الليبرالي والثوري باستبداد يهزأ بالاستبداد الحميدي، وسفكت من الدماء ما أغرق البلاد والعباد، ومع ذلك رضي الغرب عنها ودعمها وتحالف معها، ولعل النموذج الكمالي الذي افتتح دورة التغريب كان نذيراً بما سيصيب أمتنا على يديها: "وتفرغ مصطفى كمال إلى معالجة حركات الداخل، فضرب الأكراد وأخضعهم بعنف، ثم حارب الأرمن وقد أعلنوا الجمهورية، فضربهم بقساوة، وقاد ضدهم حرب إبادة وتهجير، فقتل الألوف وهجّر الباقين، وكانت مذابح الأرمن وتهجيرهم من أبشع مظاهر الاضطهاد التي تعرض لها شعب، وخاض الحرب ضد اليونان".[83]

* هل تحققت التنمية الحداثية بالتخلي عن الخلافة الإسلامية

يقول المؤرخ نيكولاس دومانيس إن التحديث اتخذ أهمية أكبر من الإمبراطورية عند أتاتورك وكثير من القوميين، ولهذا قام بإلغاء الدولة العثمانية رسمياً،[84] ولكن بمجرد النظر السريع على "إنجازات" القرن الذي قاده التغريب بعد سقوط الخلافة، يتبين أن الحداثة التي أُنجزت هي تقليد كاريكاتوري خال من المضمون الحقيقي للحداثة الغربية في كل البلاد التي كانت الخلافة تحكمها وتاقت إلى تقليد الغرب بالانسلاخ عن الماضي، ومازالت تركيا التي قُبلت في الحلف الأطلسي منذ بدايته لتؤدي خدماتها للغرب ممنوعة من الانضمام إلى مزاياه في الاتحاد الأوروبي، ولم يتحقق في الدول التي قامت على أنقاض الخلافة أي إنجاز من الإنجازات العليا التي حققتها الدولة العثمانية في الماضي لاسيما أن مشروع التغريب قام على أساس التجزئة التي ألغت آلياً كل ما تحققه الوحدة السياسية من تنمية وحدوية أو تكامل اقتصادي فضلاً عن الإنجازات الأخرى كالدفاع العسكري والاكتفاء الذاتي والتي لا تتحقق إلا في مجالات جغرافية واسعة غير متوفرة عند دولة التجزئة، أما التعايش والتسامح الاجتماعيين فرغم كونهما من ألوية التغريب الدعائية العالية فإن ما جاءت به دولة التجزئة من خصومات وطنية وطائفية وقومية أدت إلى إشعال حروب بين مكونات الأمة الواحدة ما يكفي لسحب مآخذ المتغربين على تاريخنا المليء بنماذج التعايش والتسامح التي لم يستطع التغريب تحقيق بعضها فضلاً عن اللحاق بها أو حتى كف شروره عنها، هذا بالإضافة إلى التبعية الاقتصادية فلا تنتج هذا الدول حاجاتها ولا تزرع طعامها ولا تستطيع الدفاع عن وجودها وتتكل على الأجنبي للقيام بهذه المهام وهو ما يجعلها بعيدة حتى عن النموذج الغربي المستقل الذي قامت بمحاكاته فلا هي أصبحت مثله ولا احتفظت بشخصيتها، ولهذا كله تراجعت المكانة الدولية لبلادنا المقسمة المجزأة بعدما كان مكاننا بين الدول العظمى حتى آخر أيام الخلافة فإذا بأقوانا بعد ذلك يصبح ضعيفاً وصغيراً بين الأمم كما مر الحديث عن تركيا الكمالية.

إن مدرسة التغريب في البلاد التي كانت تابعة للخلافة الإسلامية لا تستطيع ادعاء أنها أقامت بديلاً مستقلاً قابلاً للحياة فضلاً عن نموذج نهضوي رغم الفرص الكبيرة التي حصلت عليها بعد سقوط الخلافة، فقد حكم المتغربون كثيراً من البلاد العربية بمساندة الدول الكبرى التي ساندت أيضا الحكم التقليدي في بلاد عربية أخرى لم تنجز شيئاً أيضاً، ولم تؤد جميع "مزايا" الاختراعات الغربية والاندماج بالغرب (التعليم والصحة والمواصلات وزيادة السكان والتصنيع والزراعة) والتي يحتج بها أنصار الاندماج في الغرب،[85] إلى بناء بديل مستقل:

1- فإما أن هذه المزايا سهلت حصول الغرب على ثرواتنا، كالمواصلات الحديثة لنقل النفط الذي لا يفيد مالكيه إلا بتمويل ترف سفيه ويحرك مصانع الغرب واقتصاداته وتعود الفوائض المالية التي يدفعها للدول المنتجة إلى خزائنه، وزيادة الرقعة الزراعية لزراعة المواد الأولية لمصانع الغرب بدل إنتاج الطعام لأمتنا، وذلك في بلاد يزيد اتصالها بالغرب عن الاتصال فيما بينها ولا تستطيع إطعام أنفسها،

2- أو أنها مزايا تحولت إلى أعباء على دولة التجزئة كزيادة عدد السكان الذين يعيش كثير منهم في الفقر والمرض في وقت تؤلف كثرة السكان مصدر قوة للدول الكبرى،

3- أو أنها مزايا عجز النظام الرسمي عن الإفادة منها كالتعليم إذ لا يجد تصريفاً إلا في الأعمال الخدمية والمكتبية فيهاجر المتعلمون جاهزين إلى الغرب، أو التصنيع الذي ما زال يحبو ولم ولن يصل درجة تنافسية في زمن دخل العالم الثورة الصناعية الثالثة ونحن لم ننجز الأولى، وكلما رفعنا رأسنا قليلاً ضُربت نهضاتنا، ولا ننسى أن الاندماج بالنظام الغربي العالمي هو الذي يحمي بالقوة المسلحة الظروف السياسية للضعف والتجزئة ويمنع الخروج عليها وإيجاد بديل عنها وهو ما يجعل كل مزايا الحياة الحديثة سطحية ومستعارة وغير قائمة على أسس ذاتية قابلة للاستمرار لاسيما عندما ينضب النفط في دوله أو يوجد بديل عنه.

 

وفي كل الأحوال لم تكن مساندة الغرب للآخرين كما فعل استثنائياً مع اليابان جزءاً من برنامجه العام وليس إدخالهم في جنته الحصرية من متطلبات حضارته النفعية، كما أن تكرار نموذجه التنموي ليس من الممكنات أصلاً لأنه يستحيل على كوكب الأرض أن يوفر موارد لمستوى من المعيشة قائم على أن يستهلك الغربيون وهم 20% من سكانه، 80% من موارده، أي لم يتبق سوى 20% من الموارد المتاحة لبقية السكان الذين يؤلفون 80% من العالم، ولهذا قيل إننا بحاجة لعدة كواكب كالأرض للحصول على موارد ومكبات نفايات كافية لتعميم مستوى المعيشة الغربي، ولكننا نسينا أن مثل هذه الكواكب سيكون فيها من السكان الذين سيقاومون الاستعمار الاستغلالي كما قاوم العالم الثالث استعمار الغرب أيضاً، ولهذا فلن تحل معضلة الموارد ويتكرر نموذج الغرب حتى بهذا الحل المستحيل

* التغني بمشاريع التغريب الاحتلالية وطمس مشاريع العثمانيين

وفي محاولة لنحت أي إنجاز ولو من العدم فإن التغريب مازال يحيي ذكرى لحظة تأسيس مشروعه النهضوي بجلب المطبعة على يد الحملة الفرنسية التي أذاقت مصر الأمرين مع أن الفرنسيين أخذوا مطبعتهم معهم وهم منسحبون من مصر، ويتناسى المتغربون كل جرائم الاحتلال مقابل هذه الجزئية التي تمكنت بلادنا من تعويض خسارتها وأسست مطابعها الخاصة على يد محمد علي باشا، وعلى كل حال كانت الطباعة قد دخلت الدولة العثمانية قبل الفرنسيين بزمن، أي أن إنجازهم ليس رائداً، ومع ذلك يجد من يبخر له ويحتفي به ويدق له الطبول ويرفع لواءه إلى سدرة المنتهى، أما مشاريع البنية التحتية الكبرى التي أقامها العثمانيون لتمتين روابط بلادنا كسكة حديد الحجاز وسكة حديد بغداد والتي حافظوا عليها من اعتداءاتنا نحن حتى آخر لحظات بقائهم بيننا ولم يأخذوها أو يدمروها مع انسحابهم وتركوها لنا، فقد قام التغريب في دولنا بتدميرها بمشورة الاستعمار وما زلنا عاجزين عن إعادة ما كان قائماً قبل قرن من الزمان ولا نجد من يبكي على آخر أيام وحدتنا الفعلية التي لم نستطع حتى اليوم تعويضها ولم يفعل التغريب سوى إحالتها إلى عالم الأموات بعدما كانت في عالم الأحلام والأغاني، دون أي مراسم عزاء، فأيهما الأحق بالتقدير والأسف عليه: جزئية سحبها المتحضرون معهم ونفسوها علينا فتمكنا من تعويضها، أم مشاريع كبرى دمرناها بأيدينا ولم نستطع تعويضها؟

* الاستنتاج: إنجازات الدولة العثمانية بصفتها آخر نسخ الخلافة الإسلامية تدحض محاولات تدجين الفكر السياسي الإسلامي والتعلق بحلول التجزئة الاستعمارية أو الاستعارات التغريبية

قدمت الخلافة الإسلامية نموذجاً تاريخياً طويلاً قام بإنجازات عديدة للشعوب الكثيرة التي انضوت تحت لوائه والتي تدهورت أحوال كثير منها بعد انهيار هذا النظام، ولما حل الاستعمار ببلادنا لم يجد وسيلة لتزكية جرائمه إلا العيب على من سبقه في حكم أوطاننا فقام بإلصاق صفاته بها على طريقة "رمتني بدائها وانسلت"، ففي الوقت الذي حمت فيه الخلافة البلاد العربية من الاحتلال، قام التغريب بوصمها هي بصفة الاحتلال مجاراة منه لسادة الغرب الذين يريدون تلميع ظهورهم في عالمنا على حساب تاريخنا الذي يراد تشويهه لتكتمل دائرة الإطراء الاستعماري الذاتي، وفي الوقت الذي قدمت الخلافة فيه نموذجاً لافتاً من التسامح، رماه الاستشراق والأنظمة التغريبية الدموية بالاستبداد، ولكن بلادنا عرفت حقيقة الاستبداد عند أنظمة التغريب هذه التي أذاقتها صنوف العذاب فأصبحت تترحم على الاستبداد العثماني الهزلي الذي كان غاية ما يقوم به هو ملاحقة "الضحية" بمخبر "سري" ساذج يمسك الصحيفة المثقوبة بالمقلوب ويتجسس من خلالها على تحركات "المطلوبين" الذين يسرحون ويمرحون في الآفاق وأحياناً يقدم المستبدون لهم معاشات كي تظل معارضتهم نظيفة وبعيدة عن الاستغلال الغربي الذي يودي بهم إلى الخيانة،[86] وفي الوقت الذي عشنا فيه مئات السنين بألفة وانسجام، لم تنقطع هذه الحياة إلا بقطع الطريق عليها من قبل اللصوص وقطاّع الطرق الغربيين الذين نشروا الانقسامات الدموية في بلادنا ثم راحوا يرموننا بالطائفية، وقد عجزت أيديولوجيات التغريب عن التقريب حتى بين أنصار الأفكار الموحدة سواء الوطنية أو القومية، فليس هناك اليوم مشروع سياسي آخر يملك رصيداً تاريخياً هائلاً طُبق عملياً في بلادنا وظروفنا ويمكن البناء عليه كرصيد الخلافة الإسلامية، وهو ليس مشروعاً قائماً على تلبس أمراض الآخرين واستنساخ حلولهم استنساخاً ببغائياً، وللأسف فقد لحق بالمتغربين أخيراً أنصار الحل الإسلامي الذين تشربوا أسباب الفرقة وتخلوا عن نموذجهم الاستيعابي لصالح تقليد الحل الغربي المفتت باسم الهويات المتعددة التي يصر الغربيون على الإعلاء من صوتها على حساب الصوت الموحد، وهذا ما أتاح المجال في هذا الوقت لأن يُرمى الحل الإسلامي بصفة التفتيت على الرغم من المشاهد عياناً هو أن الغرب هو الذي يصر على تجسيد"الهويات المتعددة للشرق الأوسط".[87]

* المراجع

[1] أحمد الشقيري، الأعمال الكاملة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006، ج 3 ص 2525- 2531.

[2] Phillip Knightley and Colin Simpson, The Secret Lives of Lawrence of Arabia, McGraw- Hill Book Company, New York, 1969, pp. 60- 61.

[3] نفس المرجع، ص 66.

[4] نفس المرجع، ص 70- 71.

[5] دونالد كواترت، الدولة العثمانية1700- 1922، مكتبة العبيكان، الرياض، 2004، تعريب: أيمن الأرمنازي، ص 46- 47.

[6] مصطفى كامل باشا، المسئلة الشرقية، مطبعة اللواء، القاهرة، 1909، ج 2 ص 121.

[7] بسام العسلي، الأيام الحاسمة في الحروب الصليبية، دار النفائس، بيروت، 1978، ص 233- 302.

[8] زين نور الدين زين، نشوء القومية العربية مع دراسة تاريخية في العلاقات العربية التركية، دار النهار للنشر، بيروت، 1986، ص 22.

[9] يلماز أوزتونا، تاريخ الدولة العثمانية، مؤسسة فيصل للتمويل، استانبول، 1988، ج 1 ص 327 و 65.

[10] مايكل أورين، القوة والإيمان والخيال، كلمات عربية وكلمة، القاهرة وأبو ظبي، 2008، ترجمة: آسر حطيبة، ص 409.

 

[11] السلطان عبد الحميد الثاني، مذكراتي السياسية 1891- 1909، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1979، ص 34.

 

[12] Marvin Lowenthal (Ed) , The diaries of Theodor Herzl, The Universal Library, New York, 1962, p. 152.

 

[13] دونالد كواترت، ص 46.

 

[14] مصطفى كامل باشا، ج 1 ص 13.

 

[15] ثريا فاروقي، الدولة العثمانية والعالم المحيط بها، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2008، ترجمة: د. حاتم الطحاوي، ص 103.

 

[16] Robert Aldrich (Ed) , The Age of Empires, Thames & Hudson, London, 2007, p. 37.

 

[17] يلماز أوزتونا، ج 2 ص 865.

 

[18] د. عبد الوهاب الكيالي (تحرير)، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1993، ج 3 ص 220.

 

[19] مصطفى كامل باشا، ج 2 ص 107.

 

[20] دكتور حسان حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية 1897- 1909، دار النهضة العربية، بيروت، 1999، ص 168.

 

[21] أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1986، ج 4 ص2213- 2214 و2219.

 

[22] مصطفى كامل باشا، ج 2 ص 99.

 

[23] مصطفى كامل باشا في 34ربيعاً، مطبعة اللواء، القاهرة، 1910، ج 9 ص 177- 178.

 

[24] Donald Quataert, Social Disintegration and Popular Resistance in the Ottoman Empire 1881- 1908, New York University Press, New York, 1983, p. 1.

 

[25] Donald Quataert, Ottoman manufacturing in the age of the Industrial Revolution, Cambridge University Press, Cambridge, 1993.

 

[26] دونالد كواترت، ص 46.

 

- Sevket Pamuk, The Ottoman Empire and the European Capitalism 1820- 1913, Cambride University Press, Cambridge, 1987, p. 132.

 

[27] تيودور رتشتين، تاريخ المسألة المصرية 1875- 1910، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1950، ترجمة: عبد الحميد العبادي ومحمد بدران، ص 11.

 

[28] روجر أوين، الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي 1800- 1914، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1990، ص 177.

 

[29] Charles Issawi, An Economic History of the Middle East and North Africa, Routledge, London, 2010, p. 66.

 

[30] ز. ي. هرشلاغ، مدخل إلى التاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط، دار الحقيقة، بيروت، 1973، ترجمة: مصطفى الحسيني، ص 104.

 

[31] عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الولايات العربية إبان العصر العثماني 1517- 1789، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، جامعة الكويت، العدد التاسع- المجلد الثالث- شتاء 1983، ص 11- 46.

 

(*) شوكت باموك، التاريخ المالي للدولة العثمانية، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2004، ترجمة: د. عبد اللطيف الحارس، ص 145.

 

[32] أستاذ دكتور عبد العزيز محمد الشناوي، ج3 ص 1361.

 

[33] ز. ي. هرشلاغ، ص 69.

 

[34] د. عبد الوهاب الكيالي، ج 3 ص 210.

 

[35] ثريا فاروقي، ص 19 و54- 55.

 

[36] محمد شعبان صوان، السلطان والمنزل: الحياة الاقتصادية في آخر أيام الخلافة العثمانية ومقاومتها لتمدد الرأسمالية الغربية، دار الوافد الثقافية، بيروت، ودار ابن النديم، الجزائر، 2013، ص 65- 69.

 

[37] Sevket Pamuk, p. 144.

 

[38] الدكتور رمزي زكي، الاقتصاد العربي تحت الحصار، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989، ص 271.

 

[39] دونالد كواترت، ص 38.

 

[40] فيليب كورتن، العالم والغرب: التحدي الأوروبي والاستجابة فيما وراء البحار في عصور الإمبراطوريات، مكتبة العبيكان، الرياض، 2007، ترجمة: رضوان السيد، ص 273.

[41] دونالد كواترت، ص 38.

[42]- الدكتور حسن صبري الخولي، سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين، دار المعارف بمصر، 1973، ج 1 ص 647.

[43] Michelle U. Campos, Ottoman Brothers: Muslims, Christians, and Jews in Early Twentieth- Century Palestine, Stanford University Press, Stanford- California, 2011.

[44] رءوف عباس، صفحات من تاريخ الوطن، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2011، ص 180.

[45] سوسن آغا قصاب وخالد عمر تدمري، بيروت والسلطان، منشورات تراب لبنان بالتعاون مع بلدية بيروت، 2002، ص 7.

[46] نفس المرجع، ص 7.

[47] يلماز أوزتونا، ج 2 ص 813.

[48] الجنرال علي فؤاد، كيف غزونا مصر، منشورات دار الكتاب الجديد، 1962، تعريب: الدكتور نجيب الأرمنازي، ص 76.

[49] Norman N. Lewis, Nomads and Settlers in Syria and Jordan, 1800- 1980, Cambridge University Press, 2009, pp. 96- 101, p. 59.

[50] Robert Aldrich, p. 43.

[51] نفس المرجع، ص 26.

[52] دونالد كواترت، ص 161- 163.

[53] نفس المرجع، ص 217.

- Robert Aldrich, p. 41.

[54] Norman N. Lewis, pp. 96- 101.

[55] رءوف عباس، ص 243.

[56] Stanford J. Shaw & Ezel Kural Shaw, History of the Ottoman Empire and Modern Turkey, Cambridge University Press, 2002, Vol. II, p. 260.

[57] بيتر مانسفيلد، تاريخ الشرق الأوسط، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2011، ترجمة: أدهم مطر، ص 58.

[58] د. عبد الوهاب الكيالي، ج 3ص 217.

[59] دونالد كواترت، ص 147- 149، مع وجوب الرجوع للأصل الإنجليزي الذي لم تنقله الترجمة العربية نقلاً كاملاً:

- Donald Quataert, The Ottoman Empire 1700- 1922, Cambridge University Press, 2005, p. 76.

[60] فيليب كورتن، ص 270.

[61] روجر أوين، ص 69.

[62] بيتر مانسفيلد، ص 58.

[63] زين نور الدين زين، ص 132.

- د. وهيب أبي فاضل، موسوعة عالم التاريخ والحضارة، نوبليس، 2007، ج 2 ص 182.

[64] زاكري كارابل، أهل الكتاب: التاريخ المنسي لعلاقة الإسلام بالغرب، دار الكتاب العربي، بيروت، 2010، ترجمة: د. أحمد إيبش، ص 239.

[65] بيتر مانسفيلد، ص 112.

- جستن مكارثي، الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين (1821- 1922 م)، قدمس للنشر والتوزيع، دمشق، 2005، ترجمة: فريد الغزي، ص22 و27- 28.

[66] السلطان عبد الحميد الثاني، ص 96.

[67] د. جيرمي سولت، تفتيت الشرق الأوسط: تاريخ الاضطرابات التي يثيرها الغرب في العالم العربي، دار النفائس، دمشق، 2011، ترجمة: د. نبيل صبحي الطويل، ص 47.

[68] دونالد كواترت، ص 123- 124.

[69] Jonathan S. McMurray, Distant Ties: Germany, the Ottoman Empire, and the Construction of the Baghdad Railway, Praeger, London, 2001, pp. 109- 113.

[70] روجر آلن (تحرير)، إبراهيم المويلحي: الأعمال الكاملة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007، ص 29.

[71] د. تهاني شوقي عبد الرحمن، نشأة دولة تركيا الحديثة 1918- 1938 م، دار العالم العربي، القاهرة، 2011، ص 316.

[72] الدكتورة ماجدة مخلوف، الخلافة في خطاب أتاتورك، دار الآفاق العربية، القاهرة، 2002، ص 42.

[73] Jason Goodwin, Lords of the Horizons: A History of the Ottoman Empire, Henry Holt and Company, New York, 1999.

[74] Marvin Lowenthal, p. 152.

[75] New Standard Encyclopedia, Ferguson Publishing Company, Chicago, 1999, Vol. 16, p. 571.

[76] دونالد كواترت، ص 87.

[77] Baki Tezcan, The Second Ottoman Empire: Political and Social Transformation in the Early Modern World, Cambridge University Press, Cambridge, 2010.

[78] عادل مناع، أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1997، ص 147- 149.

[79] أحمد الشقيري، ج 1 ص 122.

[80] نفس المرجع، ج 1 ص 112.

[81] الأمير شكيب أرسلان، الرحلة الحجازية، دار النوادر، دمشق، 2007، ص 212.

[82] عباس العزاوي المحامي، موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2004، ج 8 ص 180- 181.

[83] د. وهيب أبي فاضل، موسوعة عالم التاريخ والحضارة، نوبليس، 2007، ج 5 ص 78.

[84] Robert Aldrich, p. 43.

[85] سعد محيو، مأزق الحداثة العربية من احتلال مصر إلى احتلال العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010، ص 237.

[86] مذكرات السلطان عبد الحميد، دار القلم، دمشق، 1991، ترجمة: الدكتور محمد حرب، ص 64- 65.

[87] برنارد لويس، الهويات المتعددة للشرق الأوسط، دار الينابيع، دمشق، 2006، ترجمة: حسن بحري، ص 205.

أضافة تعليق
آخر مقالات