مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2015/05/30 17:56
في حيز الرؤية أو في محط الكلام

 
بسم الله الرحمن الرحيم
في حيز الرؤية أو في محط الكلام
بقلم الكاتبة: مها المحمدي-خاص بالوفاق
الجمال حِس وعقل ، يُدرك بتجلي بهاؤه وفرادته ، بجاذبية الأنس به ، بإشراقاته في النفس .  
في حيز الرؤية أو في محط الكلام ؟
يعد اكتناه علاقة الفتنة والسحر بين البشر والشمس والقمر أمر متعذر !
هي حالة قصوى من حالات الشرط البشري في قراءة المعشوقَين ، وشكل من أشكال ممارسة الإنسانية لذاتها ، رؤية تستلهم المعاني والحقائق ، ونص لا يمكن استنطاقه على نحو نهائي .
في حيز الرؤية أو في محط الكلام ؟
بالهمس والإصغاء فيما بين الشمس والقمر كلاهما يُعطي الآخر من جمال نوره فيأنس به بهجة وظهور، وبين التفاتة أحدهما أو التفافه على الآخر صورة مصغرة عن العالم العلوي فلا يمكن اعتبار كل واحد منهما نسيج وحده أبداً لا في الكمون ولا في الظهور .
وكل مليحة تٌعشق وكل مليح يُدهش ، وهل كملاحة الشمس وإدهاش القمر ؟ ! والناس فيهما بين شعر ونثر وعبادة ومواقيت ..
في حيز الرؤية أو في محط الكلام
 نحن البشر متكلم يٌحسن الكلام ، والشمس والقمر وسأنتزع من ذاكرة الكون والإنسان أنهما في ثنية الحياة اثنان وأفردهما على مثال واحد ، مُتكلم عليه يُجيد الإنصات ، بل وسأختلس من إنصات نورهما ظل وجه الحبيب – صلى الله عليه وسلم – بداهة حِس تُوجبها وقبلية رؤية تسبقها .. ؟
ووجه الإنسان إطلاق للخيال ، يفيض اشراقا ، يُتطفل فيه على الوجود والعدم ، والحياة والموت ، والحق والباطل ، والظواهر والضمائر ، والعلانية والأسرار ، والاقبال والإدبار ، وما لنا عن وجهه – صلى الله عليه وسلم – من إمكان حِياد في قراءة العلاقة بينه وبين الشمس والقمر للإفصاح عن وجود النور والتحدث بلغته وإرادته .
قال البراء بن عازب -  رضي الله عنه - وقد قيل له: أكان وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - مثل السيف ، يعني : في صقاله ؟
فقال: لا، بل مثل القمر.
وقول جابر بن سمرة وقد قيل له : مثل ذلك.
فقال : لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا.
ويدققون الرؤية فيقولون : كان - عليه الصلاة والسلام - أسيل الوجه مسنون الخدين ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة، وهو أجمل عند كل ذي ذوق سليم. وكان وجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء، مليحاً كأنما صِيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه !
أما الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها -  فقالت : لو رأيته لقلت الشمس طالعة.
وفي رواية: لرأيت الشمس طالعة.
وقال أبو إسحاق السبيعي عن امرأة من همدان حجت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  فسألها عنه  ؟
فقالت: كان كالقمر ليلة البدر، لم أر قبله ولا بعده مثله !
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : كأن الشمس تجري في وجهه.
وفي رواية: في جبهته.
وكان - صلى الله عليه وسلم-  إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنَّ وجهه قطعةُ قمر. قال عنه البراء بن عازب- رضي الله عنه -  كان أحسن الناس وجهًا و أحسنهم خَلقاً .
ويمتد الخطاب في رزانة الملاح يحمل قصة أزلية تُصر على الأثر والتأثير في كلام ليس عابر ولا يبحر إلى فراغ ، وإنما إلى مرفأٍ حكايات ليست منسية فيقول كعب بن مالك - رضي الله عنه -  حين بشره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بتوبة الله عليه :  
 كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سُر استنار وجهه ، حتى كأنه فلقة قمر !   
وكذلك وصفوه حين تحدث سعد بن معاذ لما استشارهم في أمر غزوة بدر وسرته مقالة سعد
أما ابن عباس - رضي الله - عنه فينطلق من اعتقاد أن العقل ( الخيال ) نور يسطع لا مرآة تعكس فيقول  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفلج الثنيتين ، إذا تكلم رُئي النور يخرج من ثناياه .!
ونسأل :
 أكان نوراً حسياً أو معنوياً لكلماته المنيرة ؟ إن كلا الاحتمالين نبع إيحاء ينقل المجرد إلى عالم المحسوس ! بل إنه يسافر بالإيحاء بين السماء والأرض فالشمس تجري في وجهه والقمر يسارع لاحتضان جريان نورها مَعبر للجمال والإشراق !
 
يطلب القوم من أبي طالب أن ينهى ابن أخيه عن الدعوة فيأتي رده عليه الصلاة والسلام :
(والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أن أهلك فيه ما تركته ) ! رد مُساوم يسافر بالقضية إلى خارج عالمها ، رمز يحيل إلى استحالة ، إيحاء يتخطى أبعاد الأزمنة والأمكنة ، يتخطى مستوى العروض التي حاوروه بها . وسواء أثبت نص الرد أم أُثبت غيره (ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك ، على أن تشعلوا لي منها شعلة، يعنى الشمس ) فإن الشمس كان لها قيمة الحضور ، ولا مكان لخيار المساومة .
يقدم الرمز دائماً في كل حكاية أو مقال على أنه إشارة إلى غياب إلا في رد محمد - – صلى الله عليه وسلم -  على عمه ، أو في وصفه فإنه حضور يُحيل إلى تمام الحضور !
 ربما تتيه الشمس والقمر عن مدار الفلك فإذا بالتيه رشاد في وجهه المنير -صلى الله عليه وسلم - !
في ملكوت النور من الصعب أن أنقل على الورق ومن خلال الكلمات كيف ترتب ذلك اللقاء في وجهه – عليه السلام – للشمس والقمر بين جبهة عرقها لؤلؤ يتقطر وثغر إذا تكلم رُئي النور ينساب منه ! لقد استغرقه اللقاء بالكلية في علاقة الشيء بوجوده ومداه ، علاقة تأكيد المضاد عند حبر يهود عبدالله بن سلام – رضي الله عنه – قال :
( فلما استثبتُّ وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ) .
فهنيئا لمن كان بقرب ذلك الجمال محبا ومتحببا و في كنف حضرة النور النبوي مستضيئا ومتنورا فمِن نبع نوره اغترفت قلوبهم ومن معين صفائه نقت نفوسهم  وصدق الله العظيم القائل:( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ) أخر سورة الفتح.
اللهم اجمعنا به وبأصحابه الكرام في مقعد صدق عند مليك مقتدر
 

أضافة تعليق