مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2015/05/24 00:20
المرأة واشكالية تولي المهام الحساسة في الدولة
المرأة وإشكالية تقلد المهام الحساسة في الدولة
د.أم كلثوم بن يحي
جامعة بشار/ الجزائر
[email protected]
 
جزء من بحث  الهدي النبوي في علاج الإشكالات العصرية حول الدور المجتمعي للمرأة، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الأول للسيرة النبوية، تحت شعار:" تنزيل مقاصد الشرع وتعميق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، 29-30 صفر1434هـ الموافق: 11-12 يناير 2013م، الخرطوم، السودان.
 
أحدث الإسلام ثورة سياسة واجتماعية لم يشهد لها التاريخ مثيل فيما يتعلق بالمرأة وسما بإنسانيتها فوق كل ما كان معهودا، وكفل لها حقوقا كانت قبله من المحظورات وجعلها شقيقة الرجل، وشريكته في شرف الاستخلاف على الأرض، وجعلهما مسئولان على السواء على ما عهد به المولى عز وجل إلى الإنسان، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، (البقرة:30).
ووفق هذا الفهم العميق للإسلام خرَّجتْ المدرسة النبوية نساء كن في عظمة هذه المدرسة وعظمة صاحبها، بين فقيهات وراويات الحديث، وبين مجاهدات بالمال والنفس، وبين سياسيات وشاعرات، إضافة إلى كونهن نجحن بامتياز في مهامهن كزوجات وأمهات، فكن أمهات ومربيات مرشدات لجيل التابعين خير الأجيال بعد جيل الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن المرأة المحمدية لم تكن أبدا محلا للامتهان، ولا وعاءً للإنجاب فقط، بل كانت عنصرا مؤسسا للدولة الإسلامية، وحتى زواجه صلى الله عليه وسلم وتعدده كان لأهداف سامية تتنوع بين هدف اجتماعي وآخر ديني أو سياسي، حيث عملت أمهات المؤمنين دوار رائدا في نشر الدعوة المحمدية والدفاع عنها لما جلسن للفتيا ورواية الحديث، كما وضعن إلى جانب الرسول أسس الدولة لما اشتركن في الحياة السياسية، واشتركن معه في غزواته وحروبه، ثم أكملن المشوار بعزم أكبر وإصرار أكثر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
أولا: منصب الإفتاء
لا خلاف بين الفقهاء من متقدمين ومتأخرين في جواز جلوس المرأة للفتيا مستندين في ذلك إلى جلوس نساء النبي وغيرهن من الصحابيات للفتوى، واعتماد الصحابة لها في ما أشكل عليهم من أمورهم، وتعتبر السيدة عائشة أفقه النساء على الإطلاق، وأكثرهن علما بالكتاب والسنة، وقد بقيت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقارب الخمسون سنة تجلس للفتيا لصحابته الكرام والسادة التابعين، وتساعدهم على حفظ السنة النبوية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول ابن القيم في إعلام الموقعين:" والذين حفظت عنهن الفتوى من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  مئة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة وكان المكثرون منهم سبعة، ومنهم عائشة أم المؤمنين  رضي الله عنها"،([1]) كما جلست السيدة حفصة وغيرها من أمهات المؤمنين([2]).
ويقول محمد خيرت ": ويصح إفتاء المرأة بالإجماع، لأن الإفتاء ليس من باب الولاية في شيء،بل يصح أن يكون المفتي أمة سوداء خرساء، بشرط أن تستطيع الإبانة عن الحكم الشرعي بما يفهمه المستفتي([3])، ويقول الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس:" يشترط شرط الذكورة: فيمن يتولى منصب القضاء عند الجمهور، ولا يشترط ذلك في المفتي، والمرأة لا تلي القضاء عند الجمهور، وتلي الإفتاء عند الفقهاء بالاتفاق" ([4]).
ثانيا: منصب القضاء
مسألة تولي المرأة للقضاء من المسائل الفقهية الاجتهادية التي تناولها فقهاء الأمة بالبحث قديما وحديثا، وما زالت تشكل موضع اجتهاد الكثير من الفقهاء المعاصرين وتخضع للعديد من المتغيرات السياسية والاجتماعية التي تمر بها الأمة.
ولا جرم أن القضاء منصب عظيم إذا قام العبد بحقه، لكنه خطير والسلامة فيه بعيدة إلا من عصمه الله تعالى([5])، ويظهر ذلك جليا في قوله صلى الله عليه وسلم: "من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين"([6]) في إشارة إلى العبء الذي يحمله القاضي، وقال فيه مكحول:" لو خيرت بين القضاء وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي"([7]) ، وقد وعى الصحابة خطورته فتدافعوه وأعرضوا عنه كما فعل ابن عمر رضي الله عنه، ومن بعده أفقه الناس وأشدهم حرصا على العدل في زمانهما الإمامان أبو حنيفة والشافعي.
وإذا كان فقهاء السنة والجماعة أجمعوا على عدم جواز تولي المرأة للإمامة الكبرى فقد اختلفوا في توليها منصب القضاء إلى أقوال:
1- فقهاء الأمة من المتقدمين:
المذهب الأول: ذهب جمهور الفقهاء([8]) من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز تولي المرأة منصب القضاء مطلقا.
المذهب الثاني: ذهب الحنفية([9]) إلى جواز تولي المرأة القضاء فيما يجوز لها فيه الشهادة قياسا على أن شهادة المرأة لا تصح في الحدود والقصاص وبالتالي قضاؤها لا يصح فيهما([10])، وقد وافقهم في ذلك ابن زرقون من المالكية.
المذهب الثالث: ذهب الظاهرية([11])، ومعهم الحسن البصري، وابن القاسم من المالكية([12])، وابن جرير الطبري ([13])إلى جواز تولي المرأة منصب القضاء مطلقا.
المذهب الرابع: ذهب بعض الشافعية([14]) إلى جواز تولي المرأة القضاء حالة الضرورة، ومثلوا لها بأن لا يوجد من الرجال من تتوافر فيه شروط تولي القضاء، وأن يولي السلطان من لا يتوافر فيه هذه الشروط كالمرأة([15]).
وقد استدل كل فريق بأدلة من الكتاب والسنة والقياس ،كما ناقش كل فريق أدلة مخالفيه، ولا يتسع المقام لذكرها كلها ([16]).
2- فقهاء الأمة المعاصرين:
لفقهاء الأمة المعاصرين وجهات نظر متباينة حول مسألة تولي المرأة منصب القضاء، نحاول على عجالة ذكر بعضها:
المانعون مطلقا: ومنهم الأستاذ محمد البنا والشيخ محمد أبو زهرة ([17])، والأستاذ مصطفى السباعي، والشيخ عطية صقر، والدكتور محمد أبو فارس([18])، ويرون أن المرأة لا يجوز لها تولي القضاء مهما كانت الظروف وللدكتور أبو فارس وجهة نظر قوية عندما يقول:" ولو كانت المرأة تصح ولايتها للقضاء، لم تخل جميع الأزمنة من ذلك"، ويقول الدكتور مصطفى الزرقا:" أن المرأة  إذا وليت القضاء فقضاؤها ليس باطلا، ولكن لا يعني هذا أن المرأة ينبغي لها تولي القضاء".([19])
المجيزون مطلقا:
من هؤولاء الدكتور محمد عزة دروزة، والدكتور محمد علي الجندي، واستدلوا بأن سيدنا عمر ولى الشفاء حسبة السوق([20]).
المجيزون بشروط:
ذهب الدكتور القرضاوي إلى تجويز تولي المرأة القضاء بشروط: ([21])
1-              أن تكون قد بلغت سن اليأس حتى لا تكون عرضة للاضطرابات النفسية، والمتاعب التي تصاحب الحمل والحيض.
2-              وجود المجتمع البالغ من التطور درجة تسمح له بقبول ذلك.
3-              وجود الحاجة إلى تقليد المرأة منصب القاضي.
         وبعد هذا العرض المختصر لأقوال علماء الأمة من المتقدمين ومن المتأخرين أرى أن تنئ المرأة بنفسها عن اختيار مهام سياسية اختلف فيها الفقهاء كثيرا وهم للمنع أميل، خصوصا وأنه لم يثبت أن تولت المرأة منصب القضاء في عهد الرسول أو الخلافة الراشدة على عكس منصب الإفتاء أو الحسبة هذا من جهة.
 ومن جهة أخرى فإن سوق العمل والمنافسة تتوفر على آلاف فرص العمل التي يمكن أن تثبت المرأة فيها ذاتها وتحقق مصلحة الأمة وتساهم في بنائها من غير أن يخالجها شعور بأن ما تقوم به قد يكون عملا لا يجوز لها شرعا مزاولته، وهو شعور يخالج المرأة المؤمنة مهما بلغت من العلياء ومهما نجحت ومهما فتحت أمامها الأبواب إذا لم تكن مطمئنة شرعا لما تقوم به.
 


 ([1]) إعلام الموقعين، ابن القيم:(1/12).
([2]) السمط الثمين، الطبري:محب الدين، ص: (125-130)، الطبقات، ابن سعد:(8/56).
([3]) مركز المرأة في الإسلام، محمد خيرت، القاهرة، دار المعارف، 1975م، ص: 65.
([4]) القضاء في الإسلام، أبو فارس: محمد، مكتبة الأقصى، 1978م، ص:16.
([5]) حكم تولية المرأة القضاء، دراسة فقهية مقارنة، الشلش، محمد محمد، مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، 1428هـ، 2007م.
([6]) رواه ابن ماجة في كتاب الأحكام، باب ذكر القضاة برقم:(2308)، وقال فيه الألباني: صحيح، ينظر: سنن ابن ماجه، ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، تحـ محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر:(2/774)، وصحيح وضعيف الجامع الصغير وزياداته، الألباني، ناصر الدين المكتب الإسلامي، ص: 1114.
([7]) تاريخ دمشق، ابن عساكر : أبو القاسم علي بن حسن الشافعي، تحـ: علي الشيري، دار الفكر:(35/205).
([8]) ينظر: مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، المغربي: محمد بن عبد الرحمن، دار الفكر، بيروت، ط(2)، 1398هـ:(6/86)، مغني المحتاج، الشربيني، محمد الخطيب، دار الفكر، بيروت:(4/377)، المغني، ابن قدامة: عبد الله ابن أحمد المقدسي، دار الفكر بيروت، ط(1)، 1405هـ:(10/92).
([9]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، دار الكتب العلمية (7/3).
([10]) مكانة المرأة في الكتاب والسنة الصحيحة، بلتاجي، محمد،  دار السلام، القاهرة، 2000 م،ط(1)، ص 345 .
([11]) المحلى، ابن حزم:(9/429).
([12]) مواهب الجليل، المغربي:(6/87).
([13]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد: أبو الوليد محمد، دار الفكر، بيروت: ( 2/ 344).
([14])  مغني المحتاج، الشربيني:(4/377).
([15]) الولاية العامة للمرأة في الفقه الإسلامي، القضاة: محمد طعمة سليمان، دار النفائس للتوزيع، الأردن، ط(1)، 1998م،ص: 131.
([16]) ينظر بالتفصيل:  حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية، العيد: نوال بنت عبد العزيز، بحث مقدم لجائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، ط(1)، 1427هـ-2006م،  ص: 495- 504،  الولاية العامة للمرأة في الفقه الإسلامي، القضاة،ص: 129-143، دور المرأة السياسي في الإسلام، دراسة مقارنة، ايمان رمزي، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2006م،ص: 91-94.
([17]) مجلة لواء الإسلام، ع:12، سنة 1962م،ص: 764- 775.
([18]) القضاء في الإسلام، أبو فارس: محمد، مكتبة الأقصى، 1978م، ص:36.
([19]) الولاية العامة للمرأة في الفقه الإسلامي، القضاة، ص: 136.
([20]) قضاء المرأة، شنن:ناذرة، مجلة المسلمون، المجلد الثاني، العدد التاسع،1964م، ص:81.
([21]) تعيين المرأة في منصب القضاء، مجموعة من المفتين، موقع اسلام أون لاين: . www.islamonline.com، http://www.qaradawi.net/new/component/content/article/220-2014-01-26-18-21-41/2014-01-26-18-26-08/661-

أضافة تعليق