مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/27 18:42
الإفتاء في فقه الإمام الشاطبي
الأحوال والأقسام والأحكام
الدكتور : زرواق نصير
أستاذ محاضر-جامعة المسيلة-الجزائر

أولا : تاريخ الفقه
مرت أطوار ومراحل على الفقه الإسلامي، حتى استقرت قواعده، واتضحت معالم ضوابطه، وصار فرعا مستقلا من فروع الشريعة الإسلامية، وانقسم الفقه بعد مرحلة التدوين إلى فقه واقعي (بعدي) يتعامل مع الوقائع بعد حدوثها. وفقه فرضي ( تقديري ) هو افتراض وقوع مسائل عملية للناس في المستقبل(قبلي)يضع لها الفقيه أحكاما قبل حلولها.
وبالنظر إلى المراجع التي دونت لتاريخ الفقه الإسلامي، يمكن إجمالا تقسيمها كالآتي:
الدور الأول: دور التأسيس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
وهذا الدور هو أهم العصور الفقهية على الإطلاق، لأن التشريع الإلهي اكتمل في هذا العصر، لأن هذا العصر كان عصر فقه الوحي وحده، وهو أساس التشريع كله، لأن الحكام الشرعية كانت تتنزل باللفظ والمعنى متمثلة في آيات القرآن الكريم ، أو بالمعنى وحده متمثلة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- هو المرجع الأول والأخير في الفتيا وإليه يرجع الصحابة في الفهم والبيان.
وأما اجتهاد الصحابة فيرجع فيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يقره أو ينكره، فالصحابة يعرضون اجتهادهم على النبي - صلى الله عليه وسلم-عند لقائه، وهو يفصل في صحته أو فساده.
الدور الثاني: دور البناء في عصر الراشدين
انقسم هذا الدور بقلة الخلاف بين الصحابة، ومرد ذلك إلى أن الاجتهاد في عهدهم كان يأخذ شكل الشورى وبخاصة في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وهو ما ضيق شقة الخلاف.
ومن أسباب ذلك كذلك ، تيسر الإجماع، وظهوره كأصل ثالث في هذا العصر، وذلك لاجتماع أكثر الصحابة في المدينة المنورة معقل الخلافة وقلة رواية الحديث.
هذا إضافة إلى واقعية الفقه وقلة النوازل، فلم يكن الصحابة يفرضون المسائل مقدما ويبحثون عن حكمها قبل وقوعها، وكان الناس في هذا العصر يسألون عن واقع الحادثة فعلا، والحاجة إلى معرفة حكمها ،وهذا أدى الى قلة الخلاف بسبب قلة الإفتاء لقلة الحوادث .
الدور الثالث : دور إكمال البناء من سنة 41 من الهجرة إلى أوائل القرن الثاني :
تطور اتجاه الفقه في هذا العصر بتطور التحديث بالسنة، وشيوع رواية الحديث، وهذا العصر، وإن كان عصر التابعين، الذين ساروا على نهج الصحابة - عليهم الرضوان- في الفقه وسيرهم على مناهجهم في الاستنباط من حيث الرجوع إلى الكتاب والسنة ثم إلى الاجتهاد بالرأي ، بعد النظر إلى علل الأحكام ومراعاة مقاصد التشريع وجلب المصالح ودرء المفاسد.
إلا أن الخلاف بينهم اتسع، لأسباب نجملها في الآتي:
1- اتساع دائرة الفقه وكثرة مسائله والاختلاف فيها، وذلك لتفرق الفقهاء في الأمصار وظهور الفرق كالخوارج والشيعة وغيرهم.
2- شيوع رواية الحديث وكثرتها، وما صاحب ذلك من ظهور الوضع والوضاعين ، و التحفظ و التشدد في قبول الحديث.
3- انقسام العلماء إلى أهل الرأي وأهل الحديث و علاقته بظهور ما يسمى بالفقه الفرضي في الدور الرابع التالي لهذا الدور.
علمنا أن الصحابة - رضوان الله عليهم- كانوا يجتهدون إذا لم يجدوا نصا من كتاب الله أو سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من خلال اجتماعهم وإبداء كل رأيه ثم التوافق بعد التشاور فيكون الرأي إجماعا، وإن لم يكن، كان اجتهادهم يقوم على النظر في علل الأحكام ومقاصد التشريع ودرء المفاسد وجلب المصالح. ويعملون رأيهم في المسائل المعروضة عليهم وفق هذه القواعد، وكان فقهاء الصحابة فريقان: فريق يتهيب من الرأي ولا يلجأ إليه إلا قليلا، كالعباس والزبير وعبد الله بن عمر، وفريق لا يتهيب الرأي ويتوسع فيه، كعمر وعبد الله بن مسعود، ومن هنا تأسست مدرسة تقف عند النصوص ولا تتجاوزها إلى إبداء الرأي احتياطا وورعا وتمسكا بالآثار، ومدرسة لا تقف عند النصوص، بل يغوص أصحابها في فهم معانيها ومقاصدها واستنباط عللها وحكمها.


أساس الخلاف بين مدرسة الحديث و مدرسة الرأي
الاختلاف الذي اشتد بين المدرستين في العصر التالي لعصر الصحابة، كان محوره أمران: الأول: الأخذ بالرأي، والثاني: تفريع المسائل بناء على الرأي .
أ- الأخذ بالرأي: أهل الحديث يقفون عند النصوص والآثار والمعاني الواضحة منها، ولا يميلون إلى الرأي إلا نادرا، وربما توقفوا عن الفتوى فيما لا نص فيه، وكانوا يذكرون الوقوف عند النصوص والآثار لا يتجاوزونها.
أما فقهاء مدرسة الرأي ،فلا يتهيبون الفتوى بالرأي، مادام النص غير موجود في الكتاب أو السنة فيما يجتهدون فيه، ولذا توسعوا في استعمال الرأي، وحجتهم معقولية معنى أحكام الشريعة، وأنها ترمي إلى مصلحة الناس، وأنه لابد من بحث العلل والأحكام التي من أجلها شرعت النصوص، حتى يمكن للفقيه استنباط الأحكام الجديدة.
ب- تفريع المسائل:
فقه أهل الحديث فقه واقعي، فهم لا يفرعون المسائل ولا يفرضون الوقائع ثم يبحثون عن أحكامها، ولا يفتون إلا فيما وقع من نوازل بالنصوص والآثار لا بالرأي، وإن لجأوا إلى الرأي فمكرهين وفي أضيق الحدود.
أما فقه أهل الرأي فلم يتوقفوا عند المسائل الواقعية يستنبطون أحكامها وإنما تجاوزوا ذلك إلى مسائل يفرضونها لم تقع، ويستخرجون لها الأحكام بآرائهم وفق القواعد سابقة الذكر, وإن كانت أصول مدرسة الرأي واقعية من حيث النشأة، إلا أنها اتجهت نحو الفرض والتقدير بعد استخلاص فقهائها علل الأحكام وقعدوا المسائل ووضعوا الضوابط.
فوقف الفريق الأول عن الإفتاء إذ لم يجدوا نصا، متمسكين بظاهر قوله تعالى ’’ولا تقف ما ليس لك به علم’’ (الإسراء 26).
والفريق الثاني رأى أن الأحكام معللة بعلل، وشرعت لغايات، فتتبعت علل الأحكام وتوسعت في استعمال الرأي، مستندين في ذلك لفعل كبار الصحابة، ولذا كان فقه مدرسة الحديث واقعيا، فلم يفرضوا المسائل ويقدروا لها أحكامها، وفي مدرسة الرأي، كان الفقه واقعيا أول الأمر، ثم اتجه إلى الفرض والتقدير، لما وضعوا القواعد والضوابط و قاسوا عليها، فما وقع من الحوادث أعطوه حكمه و ما لم يقع فرضوه ر أعطوه من الأحكام ما يتفق مع هذه الضوابط والقواعد.
و لقد شاع في مناقشاتهم أن يقولوا في فروضهم:أرأيت لو كان كذا و كذا, حتى سماهم خصومهم بالأرأيتيين .

ظهور مدرسة الحديث في المدينة و مدرسة الرأي في العراق:
قلنا إن الاجتهاد في عهد الخلفاء الراشدين كان يدور على البحث عن أحكام ما يعرض من المسائل في الكتاب، و في السنة،ثم الرأي إن لم يوجد في المسألة نص من كتاب أو سنة، و فقهاء الصحابة كانوا فريقين: فريق يتوسع في الرأي، و يتعرف إلى العلل و المصالح فيبني عليها الحكم، كعمـر بـن الخطـاب وعبـد الله بن مسعـود رضي الله عنهمـا و فريق كان يتورع عن الرأي ويتهيب اللجوء إليه و يحبذ الوقف عند النصوص و التمسك بالآثار كالعباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وامتد هذا الاختلاف فيما بعد فكانت مدرسة الحديث في الحجاز و مدرسة الرأي في العراق و أسباب ظهور هذين المدرستين يعود إلى:
1: تأثر فقهاء المدرستين بطريقة شيوخهم:
فقهاء المدينة تأثروا بالعباس وعبد الله بن عمر من الصحابة المقلين من الرأي أو الكارهين له, الواقفين عند النصوص و الآثار لا يتجاوزونها.
أما فقهاء الكوفة فقد تأثروا بطريقة عبد الله بن مسعود ، وهو من أكبر مؤيدي مذهب سيدنا عمر بن الخطاب، وكان بن مسعود ميالا للرأي لا يتهيب الأخذ به ولا يهاب حيث لا نص في المسالة.
2:كثرة الأحاديث و الآثار في المدينة:
فهي مهبط الوحي و موطن الصحابة، وهو ما يعلل قلة الحاجة إلى استعمال الرأي, بخلاف الكوفة حيث تقلل السنة والآثار وهو ما يجعل الحاجة إلى الرأي ملحة، إضافة إلى شيوع الوضع في الحديث في العراق عامة، لكثرة الطرق المختلفة، وهو ما يجعل التشدد في قبول الحديث لا يتم إلا بعد تمحيص دقيق و تشديد في شروط قبوله متنا وسندا ، وهذا ما قلل وجود السنة الصحيحة و صعب قبول الأحاديث .
3: بساطة الحياة في الحجاز و قربها من البداوة:
وهو ما يقلل الحوادث و النوازل و بطء حركة الحياة, وهذا ما يجعل واقعهم قريب الشبه بواقع الصحابة فلا تظهر الحاجة إلى الرأي إلا بقدر ضئيل، أما في الكوفة فالحياة بالغة التعقيد سريعة الحركة كون العراق تعاقبت عليها حضارات قديمة متنوعة خلفت عادات مختلفة و جماعات و فرق و تيارات سياسية و فكرية غير متجانسة بل متنافسة ومتصارعة فيما بينها وهو ما يجعل الحوادث كثيرة ومتنوعة مما يدفع الفقيه إلى كثرة استعمال الرأي و القول به.
هذا وقد آلت ريادة مدرسة الحديث رئاستها في هذا العصر, إلى الإمـام سعيد بن المسيب (في سنة 94 هـ) وهو أحد الفقهاء السبعة الذين نشروا الفقه في المدينة بعد تلقيه عن الصحابة.
و أما مدرسة الرأي في الكوفة فريادتها و رئاستها آلت إلى الإمام علقمة بن قيس النخعي أستاذ إبراهيم بن يزيد النخعي شيخ حماد بن سليمان(ت سنة 96 هـ) وهو شيخ أبو حنيفة النعمان.
ثانيا : الفقه التقديري و حكمه
المقصود بالفقه التقديري تبيين حكم الشيء قبل وجوده على تقدير أنه موجود كماً وكيفاً ويسمى بفقه التوقع أو الافتراض، من توقع الشيء أي إمكان وجوده ، ويسمى أصحاب هذه المدرسة بأصحاب الفقه التقديري أو الافتراضي .
1- حكمه
انقسم علماء الأمة قديماً في جوازه ، فذهبت طائفة من علماء الأثر إلى ذمه وذم أهله وسموهم بالأرأيتية وأهل الرأي وعلى رأس من ذمه البخاري وأهل الحديث كالدارمي والشعبي ، والزهري والثوري وابن أبي شيبة والأوزاعي ، وغيرهم.
وذهب الحنفية وكثير من فقهاء المالكية والشافعية وغيرهم إلى جواز تفريع مسائل فقهية لم تقع لتفقيه الطلبة وتقعيد القواعد وتفريع الفوائد من باب الإستعداد للبلاء قبل وقوعه كما عبَّر أبو حنيفة لقتادة لما دخل الكوفة وسأل عن رجل غاب عن أهله أعواماً فتزوجت امرأته ظناً منها أنه مات ثم رجع زوجها الأول ما تقول في صداقها فقال له قتادة : ويحك هل وقعت ؟ قال : لا، قال :لم تسألني عن شيء لم يقع ؟ فقال أبو حنيفة : إننا نستعد للبلاء قبل وقوعه.
2- الأدلـة:
أ - أدلة المانعين :
الأول : عن ابن عباس قال : ما رأيت أفضل من أصحاب محمد (صلى الله عليه و سلم )ما سألوه إلا ثلاث عشرة مسألة ، قال : ما كانوا يسألونه إلا عما كان ينفعهم .
الثاني : قال ابن عمر : لا تسألوا عما لم يكن فإني سمعت عمر يقول : لا تسألوا عما لم يقع، وعن طاووس قال : قال عمر بن الخطاب وهو على المنبر : أحَرِّجُ بالله على كل امرئ سأل عن شيء لم يكن فإن الله بين ما هو كائن . وعن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) :( لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها فإنكم إلا تفعلوا أوشك أن يكون فيكم من إذا قال سدد أو وقف فإنكم إن عجلتم تشتت بكم الطرق ها هنا وها هنا).
ب – أدلة المجيزين:
1- ما ثبت في الصحيح من أن حذيفة بن اليمان كان يسأل رسول الله عن الشر مخافة أن يقع فيه.
وجه الدلالة : أن حذيفة سأل النبي عن أمور لم تقع ولم يعنفه النبي أو يقل له لا تسأل عما لم يقع
2- واستدلوا بما روي عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاءني رجل يريد أخذ مالي ، قال : ( لا تعطه مالك ) ، قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال:( قاتله ) ، قال : أرأيت إن قتلني ، قال : ( فأنت شهيد ) ، قال : أرأيت إن قتلتُه ، قال :( هو في النار )
فقد سأل الصحابي النبي عن حالاتٍ أربع وأجابه عليها ولم ينكر عليه لكونها أموراً لم تقع بعد.
وفيه السؤال: أرأيت فليست الأرأيتية مستنكرة .
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم في الحديث التاسع : ’’ وقد كان أصحاب النبي يسألونه عن حكم حوادث قبل وقوعها .
ج - الرد على أدلة المانعين :
أجاب الحنفية عن أثر ابن عباس بجوابين :
الأول : قالوا إنه ضعيف فقد أعلَّه الهيثمي في مجمع الزوائد بعطاء بن السائب .
الثاني : هو أن وجه الحصر هنا حصر إضافي ومعناه ما سألوه إلا ثلاث عشرة مسألة في القرآن ، أما في السنة فأكثر من أن يحصى. قال ابن القيم : ’’ ومراد ابن عباس بقوله ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة المسائل التي حكاها الله في القرآن وإلا فالمسائل التي سألوه عنها وبيَّنها النبي في السنة لا تكاد تحصر(2.
أما أثر عمر فقد وجهه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله بأن الرأي المذموم في كلام عمر هو البدع والأهواء وقال آخرون هو القول بالاستحسان المبني على التشهي والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات.
وأما ما ورد عن عمر من تحرجه عن السؤال عن الشيء قبل وقوعه فالمراد من ذلك أن لا ينزل بسبب السؤال عن ذلك تحريم فكان ذلك رحمة منه بالأمة وهذا أصل أصيل في الشريعة.
مثاله أن النبي ( صلى الله عليه و سلم )حرَّم المدينة بما حرَّم به إبراهيم مكة ولم يجعل في صيدها فداء رحمة بأمته.
ومنه صلاة التراويح لم يصلها النبي جماعة رحمة بأمته كي لا تفرض ،فلما مات النبي ( صلى الله عليه و سلم ) وأمن أن تفرض ،جمعهم عمر على قارئ واحد .
فقه التوقع عند أبي حنيفة :
اشتهر فقه أبي حنيفة بأنه فقه أهل الرأي وأنه فقه التوقع أو الافتراضي بسبب توسع أبي حنيفة في التفريع على المسائل وبسبب توسعه في القياس والاستحسان وتصديه لمسائل لم تقع في عصره وقد أكثر أبو حنيفة من هذه المسائل الافتراضية إذ أكثر من القياس واستخراج العلل من ثنايا النصوص وقد سلك كثير من الأئمة بعد أبي حنيفة هذا المسلك حتى قال ابن القيم : إن كان في المسألة المفروضة نص من كتاب أو سنة أو أثر عن الصحابة لم يكره الكلام فيها وإن لم يكن فيها نص ولا أثر فإن كانت بعيدة الوقوع أو متعذرة لا تقع لم يستحب له الكلام فيها وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد وغرض السائل الإحاطة بعلمها ليكون بها على بصيرة إذا وقعت استحب له الجواب بما يعلم لا سيما إذا كان السائل يتفقه بمثل ذلك ويعتبر بها نظائرها ويفرع عليها فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى.
هذا و إن كان لفقهاء الحنفية باع كبير في استعمال الرأي والقياس الذي نشأ عنه هذا النوع من الفقه فلا يعني أن بقية الفقهاء لم يستعملوا الرأي والقياس والإستحسان والعرف والمصالح وسد الذرائع التي هي في الحقيقة آليات للفقه التقديري بل أكثر الفقهاء قد اتجه هذا الإتجاه ، في المذاهب كلها.
ثالثا : الإمام الشاطبي و موقفه من الفقه الواقعي و الافتراضي (التقديري)
ناقش الإمام الشاطبي مسائل المفتي و المستفتي ، أحوالا و أقساما و أحكاما ، في الجزء الرابع من سفره الفريد الموسوم ب(الموافقات) و فصل فيه تفصيلا مدهشا و دقيقا ، ربما لم يسبق إليه مطلقا ، في النظر الثاني من كتاب لواحق الاجتهاد، الذي قسمه إلى نظرين اثنين ( قسمين) و جاء تحت عنوان : في أحكام السؤال و الجواب، و قد أورد في ست مسائل و فصلين على التفصيل التالي.
المسألة الأولى: في بيان الأحوال التي يلزم فيها العالم ( المجتهد ) أن يجيب المتعلم :
تحدث في هذه المسألة عن السؤال، و بين أن السؤال يقع إما من العالم (المجتهد ) أو يقع من غير العالم ( المقلد).
و قسم أحوال وقوعه إلى أربعة أقسام :
الأول : سؤال العالم ( المجتهد ) عالما أخر:
أجازه من ستة و جوه على سبيل الحصر ، كونها وجوه خارجة عن التقليد ، و ذلك أن الإمام الشاطبي يرى عدم جواز سؤال المجتهد مجتهدا أخر في رتبته في حكم النوازل و الحوادث مما يتوجب عليه الرجوع فيها إلى اجتهاد نفسه .
يقول الإمام الشاطبي في (الموافقات )الصفحة 230 (ج 4) و ما بعدها :
( إن السؤال إما أن يقع من عالم أو غير عالم. وأعني بالعالم المجتهد، وغير العالم المقلد. وعلى كلا التقديرين إما أن يكون المسؤول عالما أو غير عالم).
فهذه أربعة أقسام:
الأول: سؤال العالم : و قد أجازه فقال:
(وذلك في المشروع يقع على وجوه، كتحقيق ما حصل، أو رفع إشكال عنّ له، وتذكر ما خشي عليه النسيان، أو تنبيه المسؤول على خطأ يورده مورد الاستفادة، أو نيابة منه عن الحاضرين من المتعلمين، أو تحصيل ما عسى أن يكون فاته من العلم.)
الثاني: سؤال متعلم لمتعلم مثله :
و هذا أجازه ، وعدد الإمام الشاطبي وجوهه فقال:
( سؤال المتعلم لمثله. وذلك أيضا يكون على وجوه:
كمذاكرته له بما سمع،
أو طلبه منه ما لم يسمع مما سمعه المسؤول،
أو تمرنه معه في المسائل قبل لقاء العالم،
أو التهدي بعقله إلى فهم ما ألقاه العالم.)
الثالث: سؤال العالم للمتعلم:
و قد أجازه الإمام و فصل أحواله فقال :
( وهو على وجوه كذلك، كتنبيه على موضع إشكال يطلب رفعه، أو اختبار عقله أين بلغ؟، والاستعانة بفهمه إن كان لفهمه فضل، أو تنبيهه على ما علم ليستدل به على ما لم يعلم.)
الرابع: سؤال المقلد للعالم:
و أجازه الإمام إن كان بغرض طلب علم ما يجهل مما لا يدخل في الاجتهاد فقال :
(وهو الأصل الأول، سؤال المتعلم للعالم. وهو يرجع إلى طلب علم ما لم يعلم.)
و قبل أن يفصل الإمام في القسم الرابع ، بين جواز الجواب عن الأقسام الثلاثة الأولى ، دون جعله لازما شرعا، و ذلك شريطة أن لا يكون الجواز بوجود مانع شرعي يقلب الجواز إلى حرمة ، أو أن يكون المانع العجز عن الجواب ، يقول :
( فأما الأول والثاني والثالث فالجواب عنه مستحق إن علم، ما لم يمنع من ذلك عارض معتبر شرعا، وإلا فالاعتراف بالعجز).
ثم فصل الإمام في القسم الرابع فقال :
(وأما الرابع فليس جواب بمستحق بإطلاق، بل فيه تفصيل:
فيلزم الجواب إذا كان عالما بما سئل عنه متعينا عليه في نازلة واقعة أو في أمر فيه نص شرعي بالنسبة إلى المتعلم، لا مطلقا،
ويكون السائل ممن يحتمل عقله الجواب.
وألا يؤدي السؤال إلى تعمق ولا تكلف، وهو مما يبني عليه عمل شرعي، وأشباه ذلك.
وقد لا يلزم الجواب في مواضع، كما إذا لم يتعين عليه. أو المسألة اجتهادية لا نص فيها للشارع.
وقد لا يجوز، كما إذا لم يحتمل عقله الجواب.
أو كان فيه تعمق.
أو أكثر من السؤالات التي هي من جنس الأغاليط وفيه نوع اعتراض ولا بد من ذكر جمل يتبين بها هذا المعنى بحول الله في أثناء المسائل الآتية.)
و يفهم من كلام الإمام ، أن المجتهد عندما يسأل ، يكون موقفه من الجواب على مراتب ثلاثة :
المرتبة الأولى : وجوب الجواب :
و فصل هذه المرتبة إلى حالات :
الأول : إذا قدر على الإجتهاد.
الثاني: إذا تعين عليه الجواب و لم يكن في البلدة مجتهد غيره ، و ذلك سيرا على قول من قال بجواز رد المفتي الفتوى و عدم الجواب إن وجد من هو كفؤا له شرعا.
الثالث : إذا كانت المسألة منصوص عليها حتى و إن لم تقع للسائل.
الرابع : إذا كان السائل يستوعب جواب المجتهد.
الخامس : أن لا يكون في الجواب تكلف و تعمق بالنسبة للسائل .
السادس : أن يبنى على الجواب عمل تكليفي.
السابع : ما دار حول الأصول الست سابقة الذكر.
المرتبة الثانية : عدم وجوب الجواب:
ذلك في الحالات التالية :
الأولى : في حال لم يتعين عليه الفتوى ووجد مجتهد غيره.
الثانية : إذا اجتهد و بذل وسعه و لم يصل رأي في المسألة .
المرتبة الثالثة : عدم جواز الجواب :
وذلك في حالات ثلاثة :
الأولى : عدم احتمال عقل السائل لجواب المجتهد و استيعاب رأيه .
الثانية :أن يترتب على الجواب تعمق و تكلف للسائل، لا يقدر عليه .
الثالثة : إذا كان سؤال السائل مجرد أغاليط و تلاعب بالألفاظ لمجرد الجدل أو تعجيز المجتهد.
المسألة الثانية: مقدار ما يجوز من السؤال و الجواب عنه :
بعد أن ناقش الإمام الشاطبي في المسألة الأولى السؤال بصورة عامة ، ففي المسألة الثانية ناقش مقدار ما يجوز من السؤال و الجواب عنه .
و قد استهل المسألة الثانية بقوله :
( الإكثار من الأسئلة مذموم )
ثم ذهب يستدل و يبرهن فقال :
(والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح.
ومن ذلك قوله تعالى: ’’يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم’’ (المائدة 101 الآية).
وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قرأ: ’’ولله على الناس حج البيت’’ (آل عمران 97)الآية. فقال رجل: يا رسول الله أكل عام؟ فاعرض، ثم قال: يا رسول الله أكل عام؟ ثلاثا، وفي كل ذلك يعرض. وقال في الرابعة: ’’والذي نفسي بيده لو قلتها لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو لم تقوموا بها لكفرتم. فذروني ما تركتكم’’ .( مسلم )
وفي مثل هذا نزلت: ’’لا تسألوا عن أشياء’’ (المائدة 101)الآية.
وكره عليه الصلاة والسلام المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وكان عليه الصلاة والسلام يكره السؤال فيما لم ينزل فيه حكم، وقال: ’’إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تتعدوها، وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها’’. (النووي في الأربعين عن الدارقطني)
وقال ابن عباس: ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد (صلى الله عليه و سلم)، ما سألوه إلا عن ثلاث عشر مسألة حتى قبض (صلى الله عليه و سلم)كلهن في القرآن:’’ويسألونك عن المحيض’’(البقرة 222)’’ويسألونك عن اليتامى’’(البقرة 220)’’يسألونك عن الشهر الحرام’’(البقرة 217) ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم.
يعني أن هذا كان الغالب عليهم.
وفي الحديث: ’’ إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم عليه فحرم عليه من أجل مسألته’’ وقال: ’’ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالكم واختلافهم عن أنبيائهم’’ ( مسلم )
وقال يوما وهو يعرف في وجهه الغضب، فذكر الساعة وذكر قبلها أمورا عظاما، ثم قال: ’’من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم عنه ما دمت في مقامي هذا’’ قال فأكثر الناس من البكاء حين سمعوا ذلك، وأكثر رسول الله (صلى الله عليه و سلم) أن يقول: ’’سلوني’’ فقام عبد الله ابن حذافة السهمي فقال: من أبي؟ فقال: ’’أبوك حذافة’’ فلما أكثر أن يقول’’سلوني’’ برك عمر ابن الخطاب على ركبتيه فقال: يا رسول الله رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا قال: فسكت رسول الله (صلى الله عليه و سلم) حين قال عمر ذلك وقال : ’’والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي فلم أر كاليوم في الخير والشر’’ ( الشيخان ).
وظاهر هذا المساق يقتضي انه إنما قال: ’’سلوني’’ في معرض الغضب، تنكيلا بهم في السؤال حتى روى عاقبة ذلك ولأجل ذلك ورد في الآية قوله: ’’إن تبد لكم تسؤكم’’ (المائدة 101).
ومثل ذلك قصة أصحاب البقرة، فقد روي عن ابن عباس أنه قال: ’’لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم حتى ذبحوها وما كادوا يفعلون’’ .
وقال الربيع ابن خيثم: يا عبد الله ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه ولا تتكلف، فإن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: ’’قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين’’ (صاد 86).
....وعن ابن عمر قال: لا تسألوا عما لم يكن، فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن .
وفي الحديث أنه علية الصلاة والسلام: ’’نهى عن الأغلوطات’’ .(أحمد و أبو داوود )
فسره الأوزاعي فقال يعني صعاب المسائل.
وذكرت المسائل عند معاوية فقال أما تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) نهى عن عضل المسائل وعن عبدة ابن أبي لبابة قال: وددت أن حظي من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء ولا يسألوني يتكاثروني بالمسائل كما يتكاثرون أهل الدراهم بالدراهم.
وورد في الحديث: ’’إياكم وكثرة السؤال’’ وسئل مالك عن حديث: ’’نهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال’’ (الشيخان) قال: أما كثرة السؤال فلا أدري أهو ما أنتم فيه مما
أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله (صلى الله عليه و سلم) المسائل وعابها. وقال الله تعالى: ’’لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم’’ .(المائدة 101) فلا أدري أهو هذا أم السؤال في الاستعطاء؟
وعن عمر ابن الخطاب أنه قال على المنبر:
أحرج بالله على كل امرئ سأل عن شيء لم يكن فإن الله بين ما هو كائن .وقال ابن وهب : قال لي مالك وهو ينكر كثرة الجواب للمسائل: يا عبد الله ما علمته فقل له ودل عليه وما لم تعلم فاسكت عنه وإياك أن تتقلد للناس قلادة سوء.
وقال الأوزاعي: إذا أراد الله أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط.
وعن الحسن قال: عن شرار عباد الله الذين يجيؤون بشرار المسائل يعنتون بها عبد الله. وقال الشعبي: والله لقد بغض هؤلاء القوم إلى المسجد حتى لهو أبغض إلى من كناسة داري،
قلت :من هم يا أبا عمر؟ قال :الأرأيتيون وقال ما كلمة أبغض إلي من’’أرأيت’’.
وقال أيضا لداود: ألا أحفظ عني ثلاثا :
إذا سئلت عن مسألة فأجبت فيها فلا تتبع مسألتك أرأيت ،فإن الله قال في كتابه: ’’أرأيت من إتخذ إلهه هواه’’ (الفرقان:43) حتى فرغ من الآية ...
والثانية إذا سئلت عن مسألة فلا تقس شيئا بشيء, فربما حرّمت حلالا أو حللت حراما ...
والثالثة إذا سئلت عما لا تعلم فقل لا أعلم وأنا شريكك.
وقال يحي بن أيوب: بلغني أن أهل العلم كانوا يقولون إذا أراد الله أن لا يعلم عبده أشغله بالأغاليط.
والآثار كثيرة )
ثم يخلص الإمام بعد سوق الأدلة من الكتاب و السنة و أقوال السلف الصالح ، إلى أن كثرة السؤال و تتبع الأجوبة بأسئلة أخرى نظرية عقلية جدلية تستند إلى المنطق المذموم غير محمود، يقول في ذلك :
(والحاصل أن كثرة السؤال ومتابعة المسائل بالأبحاث العقلية والاحتمالات النظرية مذموم. وقد كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و سلم) قد وعظوا في كثرة السؤال حتى امتنعوا منه.
وكانوا يحبون أن يجيء الأعراب فيسألون حتى يسمعوا كلامه ويحفظوا منه العلم.
ألا ترى ما في الصحيح عن أنس قال : نهينا أن نسأل رسول الله (صلى الله عليه و سلم) عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع .
ولقد أمسكوا عن السؤال حتى جاء جبريل فجلس إلى النبي (صلى الله عليه و سلم) ، فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، ثم أخبرهم عليه الصلاة والسلام أنه جبريل وقال : ’’أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا’’.(مسلم ).
وهكذا كان مالك بن أنس لا يقدم عليه في السؤال كثيرا وكان أصحابه يهابون ذلك.
قال أسد بن الفرات ـ وقد قام على مالك ـ وكان ابن القاسم و غيره من أصحابه يجعلوني اسأله عن المسالة، فإذا أجاب يقولون قل له فان كان كذا، فأقول له، فضاق علي يوما فقال لي: هذه سليسلة بنت سليسلة إن أردت هذا فعليك بالعراق.
وإنما كان مالك يكره فقه العراقيين وأحوالهم لإيغالهم في المسائل و كثرة تفريعهم في الرأي.
و قد جاء عن عائشة إن امرأة سألتها عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة، فقالت لها: أحورية أنت؟ إنكارا عليها السؤال عن مثل هذا.
و قضى النبي (صلى الله عليه و سلم) في الجنيني بغرة فقال الذي قضى عليه: كيف اغرم مالا شرب ولا أكل، ولا شهق و لا استهل، ومثل ذلك بطل؟فقال عليه الصلاة والسلام: ’’إنما هذا من إخوان الكهان’’ (مسلم )
وقال ربيعة لسعيد في مسألة عقل الأصابع حين عظم جرحها و اشتدت مصيبتها نقص عقلها؟ فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقلت بل عالم متثبت, أو جاهل متعلم فقال: هي السنة يا ابن أخي. وهذا كاف في كراهية كثرة السؤال في الجملة.)
ثم يفصل الإمام بين المسألتين الثانية و الثالثة بفصل ، يعالج فيه المواضع التي يكره فيها السؤال و يذم ، و هي عشرة مواضع:
(و يتبين من هذا أن لكراهية السؤال مواضع، نذكر منها عشرة مواضع)




الموضع الأول : السؤال عما لا يترتب عليه حكم شرعي تكليفي :
( أحدها: السؤال عما لا ينفع في الدين. كسؤال عبد الله بن حذافة من أبي؟ و روي في التفسير انه عليه الصلاة والسلام سئل ما بال الهلال يبدو رقيقا كالخيط,ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدرا. ثم ينقص إلى أن يصير كما كان؟ فانزل الله:’’يسألونك عن الأهلة’’ فإنما أجيب بما فيه من منافع الدين.)
الموضع الثاني:السؤال فوق ما يحتاج إليه السائل من العلم به :
( أن يسأل بعدما بلغ من العلم حاجته, كما سال الرجل عن الحج أكل عام؟ مع أن قول الله تعالى:’’ و لله على الناس حج البيت’’(آل عمران 97) قاض بظاهره انه للأبد, لإطلاقه. و مثله سؤال بني إسرائيل بعد قوله,’’إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة’’ (البقرة 67).
الموضع الثالث: السؤال عن الحوادث التي لم تقع بعد :
(السؤال من غير احتياج إليه في الوقت، وكأن هذا - والله اعلم- خاص بما لم ينزل فيه حكم، و عليه يدل قوله:’’ ذروني ما تركتكم ’’ و قوله: ’’و سكت عن أشياء رحمة لكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها’’.)
الموضع الرابع :السؤال بقصد التعجيز و لمجرد الترف العقلي :
( أن يسال عن صعاب المسائل و شرارها. كما جاء في النهي عن الأغلوطات.)
الموضع الخامس:السؤال عن علل الأحكام التي لا تعقل علتها :
( أن يسأل عن علة الحكم وهو من قبيل التعبدات التي لا يعقل لها معنى، أو السائل ممن لا يليق به ذلك السؤال كما في حديث قضاء الصوم دون الصلاة.)
الموضع السادس: السؤال بما فيع تنطع و تكلف :
(أن يبلغ بالسؤال إلى حد التكلف و التعمق .
و على ذلك يدل قوله تعالى:’’قل ما أسألكم عليه من اجر وما أنا من المتكلفين ’’(ص 86) و لما سال الرجل يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع و ترد علينا. الحديث.)


والموضع السابع:أن يكون ظاهر السؤال معارضة الكتاب والسنة بالرأي :
( أن يظهر من السؤال معارضة الكتاب و السنة بالرأي ولذلك قال سعيد: أعراقي أنت؟ و قيل لمالك بن أنس الرجل يكون عالما بالسنة أيجادل عنها؟ قال لا و لكن يخبر بالسنة فان قبلت منه وإلا سكت.)
الموضع الثامن: السؤال عن المتشابه من الآيات أو الأحاديث :
( السؤال عن المتشابهات، و على ذلك يدل قوله تعالى:’’فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه’’
(آل عمران 7).
و عن عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضا للخصومات أسرع التنقل.
ومن ذلك سؤال من سال مالكا عن الاستواء، فقال :الاستواء معلوم،و الكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة.
الموضع التاسع: السؤال عن ما و قع من الخلاف بين الصحابة :
( السؤال عما شجر بين السلف الصالح. وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين فقال تلك دماء كف الله عنها يدي. فلا أحب أن يلطخ بها لساني.)
الموضع العاشر: السؤال بغرض إفحام المناظر و إظهاره بمظهر الجاهل :
( سؤال التعنت و الإفحام و طلب الغلبة في الخصام.
وفي القرآن في ذم نحو هذا’’ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هي ألد الخصام ’’ (البقرة 204) .
و قال تعالى :’’بل هم قوم خصمون’’(الزخرف 58).
وفي الحديث: ’’أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم’’.
هذه جملة من المواضيع التي يكره السؤال فيها, يقاس عليها ما سواها. و ليس النهي فيها واحدا بل فيها ما تشتد كراهيته, ومنها ما يخف،و منها ما يحرم و منها ما يكون محل اجتهاد. و على جملة منها يقع النهي عن الجدال في الدين كما جاء ’’ إن المراء في القران كفر’’ وقل تعالى:’’و إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم’’(النعام 68) وأشباه ذلك من الآيات و الأحاديث. فالسؤال في مثل ذلك منهي عنه، و الجواب بحسبه.) (ص237).
ثم يمضي الإمام الشاطبي الى أخر كتابه و عالج فيه مساءل الاعتراض على العلماء و الاعتراض على ظواهر النصوص و في المسألة الخامسة ناقش المناظرات و في السادسة و الأخيرة عالج منهج المناظرات و آدابها و كيفياتها.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على النبي الأمين وعلى آله و صحبه أجمعين.

ملاحظة :اعتمدنا في النقل التاريخي على الشيخ عبد الكريم زيان نقلا عن:
1)تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/348 .
2) جامع بيان العلم وفضله ص .7
3) منهج السلف من السؤال عن العلم ص 33 عبد الفتاح أبو غدة .
4) جامع العلوم والحكم لابن رجب 1/204 . 5) مجمع الزوائد 1-158.
6) تاريخ بغداد للبغدادي 13_348.
7) أعلام الموقعين لابن القيم 1_77.
8) أنظر كذلك :تاريخ الفقه للشيخ السايس.
من اعمال الباحث
أضافة تعليق
آخر مقالات