مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2015/08/31 09:39
«الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقيّ»

حوار مع وائل حلّاق عن كتابه:

«الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقيّ»
 
جدليّة: لماذا قمتَ بكتابة هذا الكتاب؟
وائل حلّاق: عندما كنتُ أنهي كتابي: «الشريعة: النظريّة والممارسة والتحوّلات» (Sharī'a: Theory, Practice, Transformations) (المنشور في مطبعة كامبريدج 2009)، أدركتُ أنّ المائتي صفحةٍ التي خصّصتُها للحقبة الحديثة خلّفت نقصًا في تغطية الدولة. كما أدركتُ أيضًا أنّنا - نحن العلماء - لم نعطِ اهتمامًا كافيًا لدور الدّولة في تصميم حياتنا ورؤى العالَم. فقد اعتبرنا الدولة بوصفها شيئًا بديهيًّا، كما لو كانت ظاهرةً طبيعيّة تقريبًا. فقد أصبحتُ مقتنعًا أنّ هناك حاجةً لكتابٍ كاملٍ لتوضيح، على الأقلّ، العلاقة بين الشريعة والدولة الحديثة، ليس فقط من حيث ما فعلته الدولة للشريعة، وإنّما أيضًا لاختبار العلاقة البنيويّة العامّة بين الاثنين. واعتقدتُ أنّه من المهمّ كي نفهمَ كيف يعمل كلا النظامين - كمناهج للحكم -.
ومن ثمّ، كان الدافعُ الأوّل وراء عزْمي لكتابة مثل هذا الكتاب هو لتبْيان لماذا جاءت الشريعة ليُعاد هيكلتها - وإعادة تشكيلها بالفعل - على يد الدولة الحديثة. وقد أجبتُ بالفعل عن سؤال: «كيف تمّت إعادة هيكلتها»، في الجزء الثالث من عملي المطوّل: «الشريعة: النظريّة والممارسة والتحوّلات». حتى ظننتُ أنّه أكثر أهميّة - بل وأكثر من مشروعٍ علميّ لافت - إذا كان لي تأطير تحقيقي (inquiry) من حيث الانسجام، بدلًا من كونه مجرّد مقارنة.
ومنذ ذلك الحين، عرفتُ جيدًا فعلًا أنّ النظامين متضاربان تمامًا، وكان ما تبقّى من المهمّة هو تأطير سؤالي النهائيّ: هل الدولة الإسلاميّة ممكنة؟ وهكذا نهجٌ، بدا لي بأنّه من الممكن أن يستميلَ همومَ الناس بشكلٍ مباشر. وفي ضوء الأحداث في العالَم العربيّ اليوم، فإنّ الكتاب يكون قد ظهرَ في الوقت الملائم.
 
جدليّة: هل بإمكانك أن تعطينا لمحة مُوجزة عن الموضوعات الرئيسة للكتاب؟
وائل حلّاق: لقد كتبتُ اثنين مما يسمّى الفصول التمهيديّة بهدف توضيح ما تعنيه لغتي ومصطلحاتي على طول الكتاب. وهذه لم تكن مسألةُ روتينٍ علميّ، إنّما تأسيسيّة للحجج بشأن كتابي. فأنا أناقشُ عقيدة التقدّم، والماضويّة، و - الأهمّ من ذلك - نظرية البراديغم (theory of paradigm). وحتى الآن، فشلَ بعض القرّاء في تسليط ضوءٍ كافٍ على العلاقة بين هذين الفصلين وبقيّة الكتاب. فمن أجل فهم صحيحٍ، يجب أن يُقرأ هذان الفصلان بإحكامٍ وعناية، بحيث إنّ المفاهيم المحوريّة يُمكن أن تُفهَم بشكلٍ صحيح في سياق المادّة في بقيّة الكتاب.
يُقارن الفصل الثالث البنى الدستوريّة للإسلام، كما مُورست طوال ألف سنةٍ من الممارسة (حتى مجيء الاستعمار الأوروبيّ)، مع البنى الدستوريّة لأوروبا - أمريكا في الوقت الحاضر، وانتهيتُ إلى أن النظام الأول [الشريعة - م] أكثر تماسكًا من هذا الأخير. لم يكن هذا استنتاجًا يصعبُ الوصول إليه، فمع ذلك يحملُ دلالة هامّة التي هي من دون شكّ بعيدة المدى (وذات صلة، كما أريد أن أشدّد، لأي تفكيرٍ في خضم الانتفاضات العربيّة الحالية).
ويحاجج الفصلُ الرابعُ بأنّ ثمّة اختلافات عميقة جدَّا في المفاهيم القانونيّة والسياسيّة والأخلاقيّة لما أدعوه بالحكم الإسلاميّ وشريعته الإسلاميّة من ناحية، والدولة الحديثة من ناحية أخرى. وبمعنى آخر، فإنّهما يمثّلان تصوّرين ورؤيتين للعالم مختلفين جدًّا.
والفصل الخامس مركزيّ لأطروحاتي العامّة، ويحاجج بأنّ الحكم الإسلاميّ والدولة الحديثة ينتجان اثنين من الذاتيّات (subjectivities) المختلفة جدًّا، إن لم يكن نوعين مختلفين من المخلوقات البشرية.
يتعاطى الفصل التالي مع التحدّيات الرأسماليّة والمعنويّة لأيّ شكلٍ من الحكم الإسلاميّ حقًّا. وفي الفصل الأخير، قدّمت ملاحظاتٍ ختاميّة مُستلّة من الفلسفة الأخلاقيّة، وتقديم انعكاسات على ضرورة خلْق حوار خاصّ بين الزعماء والعلماء المسلمين وغير المسلمين (خصوصًا الغربيين) لتوحيد مواقفهم ضدّ الممارسات المهيمنة، بل المدّمرة جدًّا، للحداثة.
 
جدليّة: في أيّ مجالٍ أو تخصّص أكاديميّ يقعُ هذا الكتاب؟
وائل حلّاق: يبدو أنّ بعض المراجِعين (reviewers) تناولَ الجملة الافتتاحيّة في الكتاب بشكلٍ حرفيّ - وبنظرةٍ محدودةٍ جدًّا، والتثبيت عليها مركّزًا اهتمامه عليها، رافضًا النظر لما وراءها. هناك [أي في كتاب الدولة المستحيلة - م] كتبتُ: «أطروحة هذا الكتاب بالغة البساطة: مفهوم «الدولة الإسلاميّة» مستحيل التحقّق وينطوي على تناقضٍ داخليّ، وذلك بحسب أيّ تعريف سائد لما تمثّله الدولة الحديثة». وبالتأكيد، يأخذ الكتاب هذا الإشكال على محمل الجدّ، وما كان ليُكتب بهذه الطريقة أقل من السؤال المركزي والرئيس. ومن أجل الاشتباك مع هذا السؤال على نحوٍ فعّال، أقامَ الكتابُ حججًا إضافيّة أخرى. ومن ثمّ، فللكتابِ أغراضٌ أخرى هامّة (مُعلنة ومُضمرَة)؛ وهو الأمر الذي جعلَ من الضروريّ بالنسبةِ إليّ الاشتباك مع مجموعة متنوّعة من التخصّصات والحقول.
ومن ثمّ، فقد عملتُ من خلال حقولٍ أساسيّة ثلاثة، وحقولٍ فرعيّة عدّة. الأوّل هو مجال القانون بمختلف حقوله الفرعيّة، بدءًا من الدراسات عن الأنظمة القانونيّة والفلسفة القانونيّة والنظريّة القانونيّة إلى الدساتير والدسْترة (constitutionalism) (وعَرَضًا، سيطرت هذه الإشكاليّة الأخيرة على كلّ الفصل الثالث). والحقل الثاني هو السياسة والنظريّة السياسيّة والفلسفة السياسيّة. وكما هو متوقّع، كانت مفاهيم مثل المواطن والقوميّة والخاصيّة الخياليّة (fictional character) للدولة الحديثة تمثّل اهتماماتي الرئيسة. المجال الرئيس الثالث والأخير هو الفلسفة بشكلٍ عامّ، والفلسفة الأخلاقيّة بشكلٍ خاصّ. فهاهنا أؤلّف بين تحليلات المفاهيم السياسيّة للمواطن والقوميّة مع «التقنيات» التي تُشكّل الذات الأخلاقيّة. كما إنّ الكتاب ملمٌّ بالأنثربولوجيا والسوسيولوجيا إلى حدٍّ ما؛ الحقلين اللذين كنتُ مهتمًّا بهما إلى نهاية عقدٍ ونصفٍ مضيا.
 
جدليّة: على أيّ نحوٍ يتّصل هذا الكتاب و/ أو ينفصل عن بحوثك السابقة؟
وائل حلّاق: يبدو أنّ ثمّة سوءَ فهمٍ هناك من قبل بعض العلماء أنّني قد سلكتُ منعطفًا في مسار بحثي ونشاطي العلميّ حينما نشرتُ كتابي: «الشريعة: النظريّة والممارسة والتحوّلات» (وصِنوه: «مدخل إلى الشريعة الإسلاميّة» (An Introduction to Islamic Law)) في 2009. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، ويمكن أن يُقال الشيءَ نفسه عن «الدولة المستحيلة» (the impossible state). فببساطةٍ، توسِّع هذه الكتب نطاقَ اهتمامي، والذي كان، باعتراف الجميع، مُسخَّرًا نحو الإمبريقيّ والفيلولوجيّ حتى عام 2005، والآن اكتسبَ بُعدًا نظريًّا (theoretical dimension) والذي ربّما يعكسُ حاجةً جديدة أو هدفًا جديدًا في مساعيَ الفكريّ.
فبعد أن تحرثَ الحقول الخطابيّة للتراث الإسلاميّ على مدار ثلاثة عقود، فقد آن الأوانُ كي تجنيَ المقضتيات المترتبة على ما تعلّمتُه فيما يتعلّق بالإشكالات الملتهبة اليوم. ومن ثمّ، لا يحيد «الدولة المستحيلة» عن عملي السابق، إنّما، بكلّ بساطة، يوسّعه ويمنحه دعامةً نظريّة واضحة على نحو أكثر. ويجب أن أؤكّد على أنّ جوهر الدعامة كان موجودًا فيما يقرب من البداية، ولكن أصبح من الضروريّ أكثرَ فأكثرَ الإفصاح عنها [الدعامة - م] (أو إطلاق العنان لها، إن صحّ التعبير) من أجل أسبابٍ معيّنة.
 
جدليّة: ما هي هذه الأسباب؟
وائل حلّاق: كما قلتُ، يجمعُ الكتابُ ويشتبك مع ثلاثة حقولٍ من التحقيق مجتمعةً: القانون والسياسة والفلسفة. كان الغرضُ من «الدولة المستحيلة» (والذي أوضحتُه بجلاءٍ أيضًا) إحضار الأجندة الفكرية والفلسفيّة - الأخلاقيّة الإسلاميّة إلى طاولة الأكاديميا الغربيّة، والحال كذلك، لإشْراك العلماء الغربيين في النّقاش المُشتمِل على الإشكالات الكامنة بشدّة - بل والرنّانة جدًّا - في الثقافة والتاريخ الإسلاميين، سواء أكانت سياسيّة وقانونيّة أو فلسفيّة. وبالنّهاية، ليست هذه هي القصّة كلّها. وأيضًا، فإنّ الكتاب أيضًا محاولةٌ لفتح الباب من أجل مناقشةٍ حول الحداثة والظرف الحديث (modern condition). وسوف يدركُ أيّ قارئٍ حصيف هذا، على الرّغم من أنّ بعض العلماء القانونيين وأكاديميين آخرين قد تمكّنوا من تفويت هذه النقطة للأسف - وإن لم يكن مستغربًا -.
وبالتالي، وباعتبار أنّ الكتاب يدور حول استحالة الدولة الإسلاميّة؛ فإنّه أيضًا وبشكلٍ واضحٍ نقدٌ مستمرّ للحداثة. ومن دون نظريّة، فإنّك لن تستطيع أن تصل إلى العلماء في الحقول الغربيّة للنظريّة السياسيّة والفلسفة الأخلاقيّة والقانون. وعلى كلّ حال، فهذه هي الطريقة الوحيدة لكسب اهتمامهم.
ويجب على المرء أن يلاحظ أنّه حتى الشخصيّات المبرّزة من الإنتلجانسيا الغربية (الذين كنّا نعتقد أنّ يكونوا على مدى أوسع من المعرفة) لا يعرفون فقط القليل عن الإسلام وتراثه الفكريّ والقانونيّ والسياسيّ أو الثقافيّ؛ بل إنّهم يخجلون من فعل أيّ شيء حياله، كما لو كان الإسلام علَّة فكريّة. وهذا الكتاب هو محاولة متواضعة لتغيير هذا الحال. إنّه محاولة لتحدّيهم، ولإخراجهم من خنادقهم الفكريّة الضيّقة.
وأخيرًا، ولا يقلّ أهميّةً، فإنّ الرسالة التي لا لبس فيها التي يريد الكتاب إيصالها أعني: حينما قيلَ كلّ شيءٍ وفُعلَ، فإن التراث الإسلامي الأصيل يقدم بشكل جيد المثال والنموذج لبناء اشكال/ أنماط للحكم الإسلامي كأي نموذج غربيّ، إن لم يكن أفضل. وفي حين أنه لا يستطيع أحدٌ أن يستردّ التاريخ والمؤسّسات التاريخيّة والمفاهيم (إذا كان هذا من المرغوب فيه على كلٍّ)، فإنّ استرجاع بعض القيم البنّاءة من التاريخ هو بالطّبع أمرٌ ممكنٌ ومرغوبٌ فيه. فكما يعرضُ الفصل الثالث من الكتاب، على سبيل المثال، النموذج الإسلاميّ التقليديّ لحكم القانون فهو أكثر إقناعًا بكثير من النموذج الأوروبيّ - الأمريكيّ. ويقدّم الكتاب كله رؤى مماثلة فيما يتعلّق بجوانب من الفلسفة الأخلاقيّة والسياسيّة.
 
جدليّة: وبالتالي من هم قرّاؤك المعنيّون؟ وأيّ نوعٍ من التأثير تودّ أن يناله الكتاب؟
وائل حلّاق: إنّ العلماء في حقول القانون والسياسة والفلسفة هم المعنيّون الرئيسون، لكن كُتبَ الكتابُ بطريقةٍ لكي تجعله سهلَ المنال إلى أولئك الذين يعملون في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة (وحتى لأولئك أصحاب العقول الرصينة في الحقول الوظيفيّة والذين، واأسفاه، ليسوا بكثيرٍ جدًّا).
أما فيما يتعلّق بالشقّ الثاني من السؤال، فيجب أن أقول إنّنا نباشرُ نقطةً هامّة للغاية. وأودّ أن أكرّر أن هذا الكتاب، في المقام الأول، هو نقدٌ للحداثة، ويحاول أن يدفعَ حدود تفكيرنا حول أشياء كثيرة مهمّة جدًّا يبدو أنّها أمرٌ مفروغٌ منه ولم نقم من سباتٍ عميق.
فأنا أجد أن لا شيء أكثر خطورةً من اعتياد العقل؛ أي حين يصبحُ وضعُ الأشياء طبيعيًّا ولا يُناقش فقط لأنّنا لم نعد نرى، أو نرفض أن نرى، أو أي شيء آخر، سيّان. الظرف الحديث لا يُطاق، وسنبذل ما في وسعنا لبدء التفكيرٍ في بدائل وحلولٍ بنيويّة الآن.
واحدٌ من تشّعبات هذه الرؤية بالنسبة للمسلمين يتمثّل في بدْء التفكيرٍ حول الحكم - وأعني الحكم السياسيّ والقانونيّ - بطرقٍ مستقلّة بهم، بدلًا من استنساخ أعمى للنظام الأوروبيّ - الأمريكيّ فقط. فأنا مقتنعٌ الآن تمامًا بأنّ هذا النظام مُفلِس. وكما قد أوضحتُ في الكتاب، فإنّ البنى الدستوريّة الجوهريّة لأوروبا - أمريكا مُعضِلةٌ للغاية وغير مؤهّلة لأيّ مجتمعٍ يريدُ حقًّا إنجازَ حكمٍ رشيد.
ومن المثير للسخريّة أنّه في حين أنّ كثيرًا من المفكّرين والعلماء الأوروبيين والأمريكيين مُدركون لمشاكل بلادهم الدستوريّة والسياسيّة الخطيرة جدًّا؛ فإنّ القيادة المسلمة عمومًا (سواء أكانت ليبراليّة، أو في الغالب إسلاميّة) تنطلقُ على افتراضٍ أنّ النموذج الوحيد المتاح القابل للتطبيق يكمن في أوروبا - أمريكا. وأعتقدُ أن هذا خطأٌ فادحٌ.
 
جدليّة: ماذا يعني أن يُنشر كتاب حول إمكانيّة إقامة دولة إسلاميّة والرغبة في ذلك، في وقت الخلافات المستعرة؟
وائل حلّاق: صادفَ الكتاب بالفعل ليكون في الوقت المناسب جدًّا. وحقيقةً، لاقى اهتمامًا في غضون شهر من تاريخ نشره وحُجز لترجمته إلى عدّة لغات بما فيها الصينيّة واليابانيّة والبهاسا الإندونيسيّة، وبالطبع العربيّة (والآن ربما الإيطالية). وقد انتُهي من الترجمة العربيّة، ومن المقرّر أن ترى النور في عدّة أشهر (نودّ التنبية إلى أنّ الترجمة العربية قد صدرت بالفعل عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، بترجمة عمرو عثمان - م). ومع ذلك، فالوقت المناسب قد يكون عائقًا. فمن الواضح أنّنا نحيا أوقاتًا عاصفة، وصراعيّة، ومشاعر حادّة بدرجة عالية. فالعاطفيّة والغضب السياسيّ لا يأتلفان بشكلٍ جيدٍ مع كتاب كالذي قمتُ بكتابته. إنه يتطلب ما أسميه «القراءة المعمقة» بحيث تتلاءم مع الأنسجة التي حاولت إعطاءها.
هذه ليست وثيقةً سياسيّة، ما يعني أنّ حلولي ليست سياسيّة بالاستعمال الشائع للمصطلح. فهذا الكتاب حول إعادة التفكير في البدائل. إنّه - إذا صحّ التعبير - حول إبستمولوجيا إعادة التفكير بالذات. إنّه يتحدّى القارئ لإلقاء افتراضاته/ا المريحة التي أصبحت مسألة تعوّدٍ (ومن هنا تأتي أهمية الفصلين الأولين وصلتهما ببقية الكتاب). وبمعنى آخر؛ تتطّلب قراءة الكتاب شجاعةً فكريّة كما ينبغي. فهو ليس للمتردّدين، لأنّه ليس من المرجّح أن يُوجزوه.
 
جدليّة: ما هي المشاريع الأخرى التي تعملُ عليها الآن؟
وائل حلّاق: يوجد على الأقلّ ثلاثة مشاريع (ربّما يتطلّب كلّ واحدٍ منها كتابًا خاصًّا) تواصل المسار الفكري الذي ابتدأتُه في «الدولة المستحيلة». ولا أريد مناقشتهم الآن، لكن أستطيع القولَ إنّني في الوقت الحالي أكتبُ كتابًا عن القرآن. أناقشُ في الجزء الأول من الكتاب، وفي واقع الأمر، أسعى إلى أن أخلّص هذا الكتاب التأسيسيّ من براثن المعرفة الاستشراقيّة في القرن العشرين. وحتى الآن، وأثناء القيام بذلك، فإنّني أقدّم مختلف الإشكالات التي تعدّ للجزء الرئيس الثاني من الكتاب. وفي هذا الجزء، فإنّني أهدفُ إلى موقعة القرآن في صلب المعرفةٍ التنقيحيّة والفكر ما بعد الحديث. وباختصار، أودّ أن أبيّن عن طريق الاشتباك - مرّة أخرى - مع الفلسفة الأخلاقيّة الغربيّة والقانون أنّ القرآن، حينما يُقرأ بشكلٍ صحيح، بثباتٍ مع المفسّرين الأوائل، هو خطاب ما بعد حداثيّ بدون منازعٍ. وهذا يعني، بينما واجه القرآن عقباتٍ خطيرة في الحداثة، سواء من الداخل أو على أيدي المستشرقين، فإن القرآن يُمكن أن يقرأ بصورة معقولةٍ بوصفه واحدًا من التعبيرات الأكثر عقلانيّة للشرط ما بعد الحداثيّ؛ واحدًا من شأنه أن يتجنّب المشاكل النموذجيّة والبنيويةّ للظرف الحديث. لذلك، فمن الواضحِ أنّ الحجّة الرئيسة في هذا الكتاب ليست بالضرورة دينيّة (أيًّا كان يعني ذلك)، إنّما حجّة مُلتزمة حصرًا بالحدّ الأدنى من التحقيق العقلانيّ. ولا أعتقدُ أن هذا قد تمّ القيام به من قبل، ومن هنا إثارتي حول هذا المشروع.
 
(في بقيّة المادّة، توجد مقتطفاتٌ من كتاب «الدولة المستحيلة»، وارتأيتُ عدم نقلها؛ نظرًا لأنّ الكتاب تُرجم وصار متداولًا بين أيدي القرّاء العرب - م).
_________________________________________
المصدر: جدليّة – إنجليزيّ
نوفمبر/ 2013م
http://bit.ly/1nbtQdy
ترجمة: كريم محمد
أضافة تعليق