مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
أصبت بخلل عقائدي.. فما دواء إصابتي؟!
2014/08/17 20:16
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا شاب عمري 18 سنة، محافظ على فروض ديني - ولله الحمد - أحب القراءة كثيرًا، وفي إحدى المرات زرتُ المكتبة، ورأيت كتابًا شعريًّا للشاعر الإغريقي هوميروس، وبدأت القراءة فيه، ومما لا يغيب عنكم ما في الكتب الأجنبية والإغريقية بالذات من عقائد باطلة.



كانت - ومازالت - ثقافتي الدينية - وخاصةً التوحيدَ – ضعيفة، وهنا أُصبت بالشكِّ في كل شيء؛ يعني: بدأت أشك في حقيقة البعث والجنة والنار....



مع استمراري على أداء فروضي الدينية؛ لكن عقـلي مازال مصابًا، ما الحل لمشكلتي؟ أرجوكم.
الجواب

الابن الكريم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

قد أخطأتَ - يا ولدي - باطِّلاعك على تلك الكتب الوثنية، والأساطير الخرافية، ذات العقائد الباطلة، والقصص الماجنة، المملوءة بالعربدة والاستهتار، عن آلهة الوثنية التي عبدوها في اليونان والرومان، والتي قد قرَّر سقراط نفسه أن تلك الآلهة لا تتورع عن ارتكاب الشر والجريمة والصغائر؛ فهي كالبشر، وإنما تتفوق في القدرة على الإيذاء والظلم، وقد تجاوز عدد آلهتهم 180 إلهًا وأنصاف آلهة، منها ما لها أدوار عظيمة في الميثولوجيا الإغريقية، أو في تفسير بعض الظواهر الطبيعية التي لم يتمكَّن الأقدمون من فَهْمها، ومنها ما كان لها أدوار ثانوية.



ولك أن تدرك خطورة الاطِّلاع على تلك الأساطير، إذا علمتَ أنها السبب في تحوُّل النصرانية من عقيدة التوحيد إلى عقيدة شركية وثنية؛ حيث أخذ النصارى عن فلاسفة اليونان فكرةَ اتصال الإله بالأرض، عن طريق الكلمة، أو ابن الإله، أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الناس في يوم المحشر، وهكذا - تعالى الله عما يقول الكافرون علوًّا عظيمًا.



كما أن الأساطير الوثنية الإغريقية هي السبب الأول لظهور الفكر الباطني الخطير، سواء عند المسلمين أو عند غيرهم.



أما هوميروس الشاعر الأعمى - المشكوك في كونه شخصية حقيقية - صاحب الإِلياذة والأوديسا، أهمِّ ملحمة شعرية إغريقية، ويعود تاريخ الملحمة إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، وتدور أحداث الإلياذة والأوديسا حول الآلهة البشرية وصوّرها في شكل ساخر، وبيَّن فيها أن البشر يتأثرون بالصلاة، ولهم إرادة حرة يصنعون من خلالها قراراتِهم، ويتحملون أخطاءهم، والملحمتان تُكملان بعضهما البعض، وذكر أن حرب طروادة كانت مشاحنةً إلهية بين آلهة الأوليمب الاثني عشرَ، وخلافًا بين الربَّات الثلاث: هيرا، وأفروديت، وأثينا، حول الأجمل منهن، واتفقن على الاحتكام إلى أول غريب يَرَيْنه، وقد كان الراعي الشاب باريس، فسَرَدْنَ عليه أمرهنَّ، وطلبن منه أن يحكم بينهن بإعطاء تفاحة للأجمل منهن، وأغرته هيرا بالسلطة إن هو وهبها إياها، وأثينا بالحكمة والمجد، وقالت له أفروديت: أنها ستهبه أجمل نساء الأرض، ففضَّلها عليهن، وأعطاها التفاحة؛ ليُغْضب بذلك الربَّتين الأخريين.



للمسلم الحق في أن يتأمَّل التأثيرَ السيئ الذي يجده في نفسه بعد قراءة تلك الحماقات، بل والسفالات والترهات.



هذا؛ وقد قام على ترجمة تلك الأساطير وغيرها من كتب الكفر والضلال والانحلال - أعداءُ الأمة؛ حيث نشطت حركة الترجمة واتَّسعت في ظل نفوذ الاحتلال الصليبي المسيطر على البلاد العربية، فكانت حركة الترجمة جزءًا من مخطَّط التغريب والغزو الثقافي، الذي بدأ من عصر محمد علي، فقام جماعاتٌ من المترجمين المارون اللبنانيين، فعكفوا على ترجمة القصص الفرنسي، الجنسي الفاضح المكشوف، الذي كان له أثره الواضح في تدمير أعراض كثير من البيوت، ونقل القصص التافه السخيف، ثم قاد عثمان جلال في مصر ترجمةَ القصص الفرنسية إلى العامية المصرية.



أما ترجمة الأدب الإغريقي، فتولَّى كِبْره وقيادته لطفي السيد، وطه حسين؛ حيث تُرْجمت بعضُ آثار أرسطو، وإلياذة هوميروس، ومائدة أفلاطون.



وترجمت قصص مولير، وراسين، وكورني بير، أبعد القصص الأدبية إباحيةً وكشفًا، وترجم طه حسين وغيره أسوأ أشعار الأدب الفرنسي، والقصص المسرحي؛ أمثال بودلير، وتوماس هاردي، وبورجيه، وموباسان، وبول فاليري.



وكان وراء حركة الترجمة قوى كبرى، تهدف إلى تغيير عقائد الأمة وقِيمها، وتدمير مقوماتها وأعرافها، ولا تزال تلك الحركة حتى اليوم ترمي إلى غايات بعيدة، منها الغضُّ من شأن الإسلام وقِيَمه ومفاهيمه، وشريعته ولغته وتاريخه، وطرح هذا الركام المسموم في مختلف الميادين، فتُرْجمت نظرية النشوء والترقِّي (نظرية دارون)، ونظرية فرويد، فيما يسمَّى بعلم النفس، وفي العلوم الاجتماعية: نظرية دوركايم، والأخلاق: نظرية سارتر، وفي العلوم الاقتصادية: نظرية الرأسمالية، ونظرية الماركسية، ففرضت على الأمة مفاهيم ونظريات معارضة لمفهوم الإسلام الأصيل، وأقلُّ ما تُرْجم كتب التكنولوجيا والعلوم التجريبية، من الطب والهندسة، والفيزياء والرياضة وغيرها، وهي المواد التي نحن بحاجة إليها.



ويكمن أثر الترجمة المسمومة على العقائد والأخلاق والتربية، في التباين الواضح، والتنافر التام، والاختلاف العميق بين مفاهيمنا الإسلامية، ومفاهيم الغرب الكافر الوثنية؛ فالحياة عندهم تقوم على أساس عبادة الجسد، والحرية الجنسية، والتحرُّر من سلطان الدين في شتى المجالات، وهنا تحدث الطامة الكبرى، والآثار الخطيرة المدمِّرة للنفس الإسلامية حتى تصل إلى صميم العقيدة نفسها.



ولا ننسى أسوأ آثار ترجمات أقزام التغريبيين، وغلمان المستشرقين، المتجلِّية في هجوم العبارات المنحلَّة والرديئة على الله - جلَّ وعلا - على النحو الذي عُرف عن نيتشه، وسارتر، وبيراندلو، فضلاً عن أساطير اليونان، والتي اتُّخِذت أساسًا لنظريات علم النفس والأخلاق والاجتماع، أو مصادر لمفاهيم الأنثروبولوجيا، وغيرها من المفاهيم.



تُرجمت السموم وعرضت جميعها على النشء، دون تحذير من مترجميها، أو بيان ما هو وجه الحق فيها؟ وما هو الزيف؟ وما موقف المسلم منها عقيديًا وفكريًا، ومفاهيمًا وقيمًا؟ وهم بذلك يطرحون في أفق مجتمعنا الإسلامي موجة زائفة من الإلحاد واليأس، والتشاؤم والملل، وازدراء الحياة، مما لا يتفق مع طبيعتنا المؤمنة بالله - تبارك وتعالى - فتلك السموم من أخطر ما يواجه شبابنا وأجيالنا الأغرار، غير المتضلِّعين من العلوم الشرعية، فتُفْسد عقلَه وقلبه، ولعاقل أن يتصور الغاية التي سينتهي إليها شبابنا نتيجة تبنِّينا لهذا الفكر الغربي المريض الضال.



وما نستطيع أن نقوله في قوة وصراحة: أن هذه المفاهيم دخيلة وافدة، وأنها ليست مفاهيمَ المجتمع الإسلامي العربي، ولن تكون؛ نتيجةً للخلاف العميق في الأسس والمصادر، والمقوِّمات والقيم والعقائد، بين فكرنا وفكرهم، وبين أمتنا وبين الغرب الكافر.



أما علاج تلك اللوثة التي أصابتكَ من جرّاء الاطلاع على خرافات هوميروس الوثنية، ففي خطوات:

الخطوة الأولى: التوقُّف الفوري عن القراءة في تلك الكتب، التي لا يجوز مطالعتها إلا لكامل الأهلية، صحيح العقيدة، ثابت القلب، فكم من الناس ضلَّ عقله بسب اطِّلاعه على مؤلفات الإغريق وخرافاتهم.





قال البهوتي في ’’كشاف القناع’’ (1 /434): ’’ولا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب نصًّا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب حين رأى مع عمرَ صحيفةً من التوراة، وقال: ((أفي شك؟! انتهِ يا ابن الخطاب..)) الحديث، ولا النظر في كتب أهل البدع، ولا النظر في الكتب المشتملة على الحق والباطل، ولا روايتها؛ لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد’’. اهـ.



ولا يرخَّص في ذلك إلا لأهل العلم المتضلِّعين من الكتاب والسنة؛ لغرض الرد على الخرافات، ودفع الشبهات؛ قال في ’’مطالب أولي النهى’’ (1 /607): ’’(ويتجه جواز نظر) في كتب أهل البدع، لمن كان متضلعًا من الكتاب والسنة، مع شدة تثبُّت، وصلابة دين، وجودة، وفطنة، وقوة ذكاء، واقتدار على استخراج الأدلة؛ (للرد عليهم)، وكشف أسرارهم، وهتك أستارهم؛ لئلا يغترَّ أهل الجهالة بتمويهاتهم الفاسدة، فتختلَّ عقائدهم الجامدة، وقد فعله أئمة من فقهاء المسلمين، وألزموا أهلها بما لم يفصحوا عنه جوابًا، وكذلك نظروا في التوراة، واستخرجوا منها ذكر نبيِّنا في محلات’’. اهـ.



قد طالع كاتب السطور وهو في مثل عمرك أحدَ كتب الإلحاد، وهو رواية ’’أبناء حارتنا’’، لنجيب محفوظ، وشعر حينها بنفس شعورك؛ بل خاف على عقله الجنون، وتجاذبته قوى مختلفة: قوى الإيمان والقيم والمبادئ، مع قوى الكفر والإلحاد الوافدة، ففزع إلى البر الرحيم – سبحانه - بكشف الغمَّة، فكُشفت – ولله الحمد - فلم يطالع تلك الكتب، حتى طالعت كثيرًا العلوم العقلية التي مكَّنته من قراءة خرافات الإغريق الوثنية، كمسخ الكائنات للشاعر أوفيد وهي أشر وأخبث من كتاب هوميروس.



الخطوة الثانية: دراسة علم العقيدة.



الخطوة الثالثة: عرض ما اعتراك من شبهات على أحد أهل العلم من أهل السنة؛ ليجيبكَ عليها، أو أرسلها إلينا على الموقع.



الخطوة الرابعة: مصاحبة بعض الصالحين التي تُعينُك على الخير، وتدلك عليه وتقومك بالنصح والإرشاد إذا أخطأت؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ [الكهف: 28]، وقال: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ’’كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله، عز وجل، فإنه دائم بدوامه’’.



الخطوة الخامسة: الإكثار منَ العَمَل الصَّالح وقراءةِ القُرآن بتدبر، والمحافظة على الأذكارِ والصلاة في الجماعة، وأن تُكْثِر من ذِكْر هذا الأدعية في السُّجود وغيرِه من أوقات الإجابة، وهي: ’’اللَّهُمَّ يا مُقَلِّب القُلوب ثبِّت قلْبِي على دينِك، اللَّهُمَّ يا مُصَرِّف القُلوب صرِّفْ قلْبِي على طاعتِك’’، ’’اللَّهُمَّ إنِّي أسأَلُك الثَّباتَ في الأَمْرِ، والعزيمةَ على الرُّشْدِ، اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي دِيني الَّذي هو عِصْمَة أمري، وأصْلِحْ لي دُنياي التي فيها معاشي، وأصْلِح لي آخرتي التي إليها معادي، واجْعَلِ الحياةَ زيادةً لي في كلِّ خير، واجعلِ المَوْتَ راحةً لي من كُلِّ شر’’.



الخطوة السادسة: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والإعراض عن وسْوسَتِه، وقطع الاستِرْسال مع خطواته الخبيثة في الوسوسة والتشكيك، فلتحافظ على ما سبق مع إدمان اللُجأ إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؛ لتطرح نفسك بين يديه، على بابه مستغيثًا به، متضرعًا متذللاً مستكينًا، فمتى وفقت لذلك، فقد قرعت باب التوفيق.



واللهَ نسأل أن يُرشِدكَ إلى الخَير، وأن يحفظك بحفظه الذي لا يرام، ويكلأكَ بعينه التي لا تنام، وأن يحفظ عليك دينك،، آمين.
استشر الان