مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
أبي وأمي.. كيف ينسيان؟
2014/08/17 20:16
أ. عائشة الحكمي
السؤال
السلام عليكم.
دكتور، عندي مشكلةٌ أعاني منها من أمي وأبي، أنا مراهق في المدرسة، تعرَّفتُ على صديقٍ وكان أعزَّ صديق لي، وفي يوم من الأيَّام أخبرني أصدقاؤه القدماء بأنَّه كاذب جدًّا، وخطأ عمري أنَّني لم أصدِّقهم واعتَقدت بأنهم يُرِيدون أنْ يُفرِّقونا عن بعض.



وتمرُّ الشهور وهو مثل أخي، وعلَّمني الدخولَ على المواقع الإباحيَّة وفعْل العادة السريَّة، وذات يوم وهو عندي في البيت قال لي: أَغلِق الباب، وأغلقتُه، وتعرَّى وأراني ذكَرَه، وقال لي: أَرِيني ذكَرَك أنت، رفَضتُ في البداية ولكن في النهاية وافقتُ وأرَيْته، ومرَّت أيَّام ونحن هكذا، علمًا بأنَّني لم أفعل اللواط قطُّ مع أحد، وجاء يومٌ نسيت أنْ أغلق الباب، وكنَّا متعرِّيين وفجأة دخَل أبي وشاهَدَنِي أنا وصاحبي متعرِّيين، وزهمني وطرَد الولد، بل أوصَلَه بيته بالسيارة، وخفتُ من أبي جدًّا وأخبر أمي ولكن لم يخبر أبا صاحبي، ولم يضربني بل قال لي: هذه المواضيع لا ينفع فيها الضرب بل الحوار، وتكلمنا وأمي أيضًا جالسة، ويسألني أسئلة كثيرةً وأجيبه بكلِّ صراحة، وفي النهاية سامحني وأغلق الموضوع، ولكن أنا لا أريد أبدًا أنْ يتذكَّروا هذا الموضوع أبدًا، فأنا دائمًا أراهم يَنظُرون إليَّ نظرات يظهر منها أنَّهم يتذكَّرون الموضوع، وأنا أغضب وأدخل في حالةٍ ما أقدر أنْ أتكلَّم فيها، ودائمًا هذا يَصِير لأنهم لا يستطيعون نسيانَه، ولكنِّي تغيَّرت وأصبَحتُ أصلي في المسجد، وأوقفت مشاهدة المقاطع الإباحيَّة، ولم أعد أشاهدها إطلاقًا.



أنا أريد أن ينسى أبي وأمي ذلك الموضوع تمامًا، فأنا حتى لو مثلاً في ليلة زواجي بالتأكيد سيتذكَّرون ذلك الموضوع، وأريد أنْ آخُذَ حقِّي من هذا الولد، فأرجو منك يا دكتور أنْ تدلني على طرقٍ لكي أجعلهم ينسون ذلك الموضوع، علمًا بأنَّ أبي عصبي جدًّا.



آسف على الإطالة، وشكرًا.
الجواب

ابني وأخي الصغير، هُديتَ للخير.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

بدايةً، أسأل الله - تعالى - أنْ يغفر لك ويَتَجاوَز عنك، إنَّه هو الغفور التواب الرحيم؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 71].



كما أسأَلُه - تعالى - أنْ يكتبكَ مع الفتية الذين آمَنوا بربهم وزادَهم الله هدًى، اللهم آمين.



ثانيًا: يجب أنْ تشكُر الله - تعالى - على أنْ وهَبَكَ أبًا مُربِّيًا وقدوةً حسنة قلَّما نجد مثلَها في مجتمعاتنا، فقد احتَواك بحنوٍّ وذكاء وحرصٍ وعظمة، واحتَوَى مشكلتك بأسلوبٍ تربوي أقل ما نصفه به أنَّه أسلوب جميل ورائع، راجية من كُلِّ الآباء والمربِّين الاحتِذاء حذوَ والدك الفاضل - حفظه الله - في طريقة تربيتهم وتعامُلهم مع أبنائهم المراهقين، وخصوصًا في التعامُل مع هذا النوع من المشكلات الحسَّاسة.



ثالثًا: بالنسبة لمسألة إيجاد وسيلة لكي ينسى بها والداك الكريمان - حفظهما الله - ما حصَل بينك وبين صديقك، فليس هناك في الواقع دواء سحري يُساعِدنا على النسيان؛ ولكنْ بإمكانك أنْ تجعلهما يتوقَّفان عن التفكير فيما مضى والقلق على مستقبلك ببرِّك لهما.



و’’برُّهما يكون بطاعتهما فيما يَأمُران به ما لم يكن بمحظور، وتقديم أمرهما على فعْل النافلة، والاجتناب لما نهيا عنه، والإنفاق عليهما، والتوخِّي لشهواتهما، والمبالَغة في خدمتهما، واستِعمال الأدب والهيبة لهما، فلا يَرفَع الولد صوته، ولا يحدق إليهما، ولا يدعوهما باسمهما، ويمشي وراءهما، ويَصبِر على ما يكرَه ممَّا يصدر منهما...’’، كما قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في كتابه ’’بر الوالدين’’.



وكذلك بحرْصك على مستقبلك العلمي والعملي، وإشعارهما بالفخر والاعتزاز بأنهما قد أحسَنَا تربيتك حين أصبَحتَ بارًّا بهما، وناجحًا في مدرستك، وملتزمًا بدينك رغم صغر سنِّك.



تذكَّر يا بُنَيَّ أنَّك ستُسعِد والديك إذا أثنى عليك أحدٌ أمامهما وأخبرهما بأنَّ ابنهما مواظبٌ على الصلاة جماعةً في المسجد، وستُسعِدهما جدًّا حين تتفوَّق في دراستك فيقول المدير أو الأستاذ لوالدك: إنَّ ابنك من أفضل تلاميذ المدرسة.



فاحرِص كُلَّ الحرص على أنْ تُدخِل السرور على قلب والديك وتجعلهما فخورين بك، وحَتْمًا لن يتَذكَّرَا الماضي؛ لأنهما يعيان جيدًا أنَّ كثيرًا من الأبناء قد يرتَكِبون مثْل هذه الأخطاء الفاحشة في مرحلةٍ ما من مراحل حياتهم.



تذكَّر أنهما قد سامَحاك وغفَرَا لك، ومنَحاك الفرصَة لتَبَدأ من جديد، فانطَوَتْ بذلك تلك الصفحة رغم أنَّ نار الموقف الصعب لم تزل تستَعِر ساعتئذٍ، فكيف وقد هَداك الله ومضى الزمان؟!



العبرة يا بُنَيَّ ليست بأنْ تكون ملاكًا لا يُذنِب ولا يخطئ؛ بل أنْ تكون بشرًا صالحًا يُسارِع إلى التوبة والإنابة وفعْل الخيرات متى ما رأى من نفسه الذنب والخطيئة؛ فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ بني آدم خَطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون))؛ رواه ابن ماجه والترمذي.



رابعًا: بالنسبة لمسألة أخْذك لحقوقك من صديقك، فنصيحتي لك أنْ تغفر لصديقك وتُسامِحه ليغفر الله لك؛ ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]؟!



يجب أنْ تعلم أنَّ صديقك هذا ليس إلاَّ ضحيَّة أخرى من ضَحايا الإهمال الأسري وسوء التربية، عسى الله أنْ يتوب عليه ويَتجاوَز عنه، وأنْ يهديه إلى الطريق المستقيم الذي سبقتَه بالسير عليه، فلا تكن يا بُنَيَّ عونًا للشيطان على أخيكَ!



وإذ التقيتَ به مرَّة أخرى فانصحه لله وخوِّفه بالله - سبحانه وتعالى - وادفَع أذاه بالتي هي أحسن، وعفا الله عمَّا سلَف.



يبقى الأمر الأهم أنْ تنسى أنتَ ما مضى، وتَفتَح صفحةً جديدةً من عمرك، فإلى متى تبقى رهينَ هذا المحبس؟!



إنَّ التائب من الذنب كمَن لا ذنب له، فاستَعِذ بالله من الشيطان الرجيم؛ إذ ليست هذه الأفكار الأليمة سوى مدخلٍ من مداخل الشيطان عليك ليحزنك ويخوفك، فتنشَغِل بالتفكير فيها عن أداء العبادة والتفوُّق في الدراسة.



وفَّقكَ الله وهَداكَ إلى سبيله، ورزقك برَّ والدَيْك في الحياة وبعد الممات.

دمتَ بألف خيرٍ ولا تنسنا من صالح دعائك.
استشر الان