مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/03/08 17:31
الجريمة بين يقظة رجل التحقيق و انفلات الأدلة الجنائية(4)
الجريمة بين يقظة رجل التحقيق و انفلات الأدلة الجنائية(4)
سميرة بيطام
 
اذا كانت الجريمة ظاهرة متعود عليها في أي مجتمع و لا يهم في ذلك  مستوى تقدمه أو تخلفه لأن المعيار ليس من هذا المنطلق و لكن بنوع الجريمة المرتكبة و مرتكبيها و دوافع الاقدام على الفعل ، و هذا ما يستدعي قواعد لإثباتها ، حيث  لم يغفل الفقه الاسلامي على هذه المسألة ووضع لها ضوابط و مجالا للإثبات و هذا ما استطرده الدكتور رمزي رياض عوض في كتابه "نحو نظام جنائي متكامل" حينما تكلم عن التطبيقات العملية في السنة النبوية الشريفة التي تؤكد نظام التعزير (و هو عقوبة غير مقدرة  و بالمعنى اللغوي هو التأديب أو الاستصلاح دون معنى العقاب) ، و جرائم التعزير تتخد صورتين :
الأولى : أن ينص على شق التجريم في القرآن و السنة و عدم النص على الشق الخاص بالعقاب و هنا يكون على السلطة المختصة في الدولة المسلمة بل عليها تحديد العقوبات و من أمثلة هذا النوع التعامل بالقواعد الربوية ، جريمة شهادة الزور-جريمة خيانة الأمانة عند من لا يعتبرها من الفقهاء سرقة.
الثانية :أن الدولة المسلمة ممثلة في سلطتها المختصة بتحديد أفعال الأفراد و صور تصرفاتهم على أنها جرائم و تحديد العقوبة عليها ،و ذلك حين لا يرد نص التجريم و العقاب من القرآن و السنة ،و يأتي ذلك تطبيقا للمبادىء الاسلامية العامة.
فلما كانت جريمة خيانة الأمانة تشترك مع السرقة في أركانها، فيما عدا أخذ المال خفية بغير رضاء صاحبه ،و في سياق الحديث يوجد من الفقهاء من لا يفرق بين جريمة السرقة و خيانة الأمانة لذلك وجب على المشرع وضع الفواصل بينهما ، ما يجعلنا نستنتج أن الفعل الاجرامي في فعلين مختلفين في التسمية و لكن يتشابهان الى حد ما في المضمون يفتح المجال أمام المشرعين و رجال القانون لضبط الجريمة بمعناها الدقيق حتى يمكن تصنيفها ضمن الخانة المناسبة لها و بالتالي تقرير العقوبة المتوافقة مع حجم الضرر الذي خلفته جريمة ما بعد معرفة درجتها .
و من هنا اعتبر الاثبات الجنائي هو العمود الفقري للدعوى و النواة الأساسية التي تنبثق منها الأدلة الجنائية و التي يستنطقها المتحري من مسرح الجريمة أو ما  تبعها من لواحق تمت بصلة للجريمة و للجاني و المجني عليه ، ما يفهم أن عناصر الاجرام  مرتبطة ببعضها البعض و لو اختلف الفقهاء و القانونيون في تكييف بعض المفاهيم و لكن الهدف واحد و هو كشف ملابسات الجريمة بالأدلة الدالة عليها و التي تمت بصلة وثيقة بالفعل الاجرامي بكل أركانه المادي و المعنوي و علاقة السببية.
فالجريمة بغض النظر عن المفهوم المتعارف عليه هي بالمعنى العام كل معصية تشمل الاثم و الخطيئة و الشر ، فهي كلها تؤدي الى عصيان الله فيما حرمه على بن آدم بنصوص من القرآن و السنة النبوية الشريفة ، و يترتب على ذلك العصيان عقوبة دنيوية و أخروية.
أما تعريف الجريمة بالمفهوم الجنائي فهي "كل فعل غير مشروع نابع من ارادة جنائية قرر لها القانون جزاءا جنائيا قد يكون في صيغة عقوبة أو تدبير من تدابير الاحتراز.
و معظم الأفعال الاجرامية تتم بصيغة الخفاء لمحاولة التستر على  آثارها المتخلفة عنها خشية توقيع الجزاء على الجاني  لو انكشف أمره ، لكن نظرية "لوكارد" تقطع الشك باليقين حينما قال أستاذ الطب الشرعي : "كل اتصال يترك أثر" Avery contact leaves a trace ، فمهما بلغ ذكاء المجرم في اخفاء وسيلة ارتكابه للجريمة أو محاولته لتنظيف مسرح الجريمة إلا و يترك ما يدلل عليه ، ما يبعث على الطمأنينة للمختصين  و لو أن المحقق أو المتحري الجنائي مطالب بالتركيز و أخذ الحيطة و الحذر عند تعامله مع مسرح الجريمة و حتى في عمله بالتنسيق مع باقي الأعضاء المسؤولون عند تواجدهم في مسرح الجريمة كعناصر الشرطة العلمية و الطبيب الشرعي و لو أن نصوص القانون الجزائري جاءت خالية من استبيان و توضيح نموذج العمل التنسيقي فيما بين هؤلاء.
و تعتبر المخلفات المتروكة في مسرح الجريمة من مادية و بيولوجية هي بمثابة الدليل ضد المتهم اما بإدانته أو ببراءته و يمكن أن تكون بمثابة القرينة التي يعتد بها في مسألة الاثبات الجنائي و هي ما تدعم قناعة القضاة في اصدار أحكامهم  القضائية..

يتبع...
 
 
 
أضافة تعليق