مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/02/04 15:10
حينما أتألم لا تقاطعني

حينما أتألم لا تقاطعني
سميرة بيطام

 

لا تكبل يدي؛ لكي لا أكتب، لا تُسْكِت صوتي؛ لكي لا أعاتب، اترُكْ لي مجالاً أعبر فيه عما أشعر به، لم أكن في يوم من الأيام حجر عثْرة لمن أرادوا أن يتسلقوا سُلَّم النجاح والتفوق، كنت فقط ممن يحب الموزون، والمعتدل، والجميل من مواقف الحياة ، فإن شاهدت اعوجاجًا قوَّمْتُه برأي يخلو من حروف التجريح، فلا تُعَقِّب على كلامي؛ لأني لم أنتهِ بعدُ، فأنا حينما أنتهي ستنتهي معي مأساة الماضي، وأُنْهيها بإرادتي، وبفيصل الحسم مني، لستُ أخشي لومة لائم؛ لأني جُبِلتُ على قول الحق، ولو أن فيه من الخسارة ما جعلني أتسلق وحدي أدراج الكفاحِ بعناء شديد، لا عَلَيَّ، عليك فقط ألا تعرقَلَ مسيرتي؛ فهي انطلقت منذ وقت طويل، فقط لا تُلَوِّث ما قلتُه بكلام كاذب، وَلْتجعل من رأيك سكنًا لِهَفْوة النقص؛ لأني سأَعِي تقويمك، وأبدأ في الاعتدال من ملازم الالتزام بما يمليه قلبي وعقلي معًا، فلستُ أتخلى عن كليهما في مشهد اتخاذ القرار؛ فَرَجَائِي فيهما كبير أن لا يسكن دمعي في عيني، وكفى أن أجعله ينتشر في كل مكان من وجهي؛ لأني أنا صاحبة الوجهة الأمامية لكل ما خفي عند مرام الناس.

 

هلاَّ منحتَنِي خُطَبًا في الكلام؛ لأني أَتُوق إلى رفعة الإبداع؛ من حيث الأفق سيُطِل عليَّ من أبعد حد لِبَصَري، ولو أن دموعي ضَبَّبَتْ عني رؤيا الحقيقة إلى أمامي فقط؛ إذًا لا تحرمني جود القول في ساحة الإقرار؛ لأني كنت وحدي مَنْ رفعْتُ عاليًا صرختي، إني أتألم، فلا داعي أن تزيد الألم ألَمَيْن، وأفقد بذلك حلاوة التمتع بتغريب الضمير وسط نُقَّادي، ولو أني أهل للترحيب بهم في كل الأوقات ما عدا وقتَ الصلاة والتسبيح؛ لأني لست أنحنِي إلا في صلاتي، وإن سكتُّ فلِحكمةٍ ما تجول في خاطري، وإن اندفعَتِ انفعالاتي؛ فإني أبغِي فصلاً ونهايةً لمن جرحني بكلام الانتكاس، فلست أتقن مذلَّةَ الانتكاس؛ لأني لم أُخلَق لهذا، فلا داعي لمحاولة تصحيح ما أكتب؛ لأنه ينطلق من غير مراقبة مني في تصحيح الأحرف، فَدَعْ لكل حرف مجراه في ساحتي، هي ساحتي؛ فَلِي كُلُّ الحق في تخطِّي حدود ما رسمْتُه لنفسي حينما تريد أن تتخطى مجالي.

 

لسنا نتشابه في مواجهة الصعاب والزلات أبدًا، ولسنا نتشابه، ولن نتشابه لأنَّ كِلَيْنَا فُطِمَ على الطريقة التي أرضت أمه، ولو أن الحق لنا في الفطام بعامين لا ثالث لهما، رجاءً هو الإصرار في حسم الموقف؛ انطلاقًا من شريعتي، فلا داعي لترقيع ما لا أستحبه من حلول بالية لست أعطيها الوقت الكافي لفهمها؛ لأني أصلاً فهمت أن الرداءة وجرَّ الكلام هما في طاحونة التكرار بلا فائدة، فالتوقف عند ضوابط الرفض واجب، بل فرض مني، وكل ما يخالف عقيدتي لست بناظرة إليه.

 

لا تقاطعني إذًا؛ لأن المقاطعين كُثُرٌ، ولست أُحَدِّد بشرًا، أو زمانًا، أو مكانًا؛ فإن كان على البشر، فالكل يحب التعقيب الهدام، وكسر ألِفِ الامتداد؛ لتجرَّ معها باءَ الربط لدالٍ كان من سعيها كتابة: (أبدًا) إلا من رحم ربي، كلمة لها كل الدور في إنهاء مباراة الفوضى، والتعدي بكل حزم وتأكيد.

 

وإن كان على الزمان، فالكثير من الناس من يُبَرِّئه من أن العيب ليس فيه، بل فينا نحن - البشر - ولكن من الأوقات والمناسبات، ما أيقظت فيَّ الدموعَ بغير سبب مُبَرر سوى أني تذكرت ذكريات أليمة، كأن تكون مناسبة العيد، أين أدرْتُ رأسي لأسلِّم على من اعتدتُ السلام عليها، لم أجِدْها؛ لأنها رحلت ذاك العام إلى غير عودة، منِّي أنا يا زمنُ، فيك الملامُ لجراحٍ نائمة إلى سُبات عميقٍ.

 

وإن كان على المكان، فالكل سيُبَرِّئ فيك صمتك، وغياب الأدلة من ساحتك، لكن أدِلَّتي موجودة كلما مررت بدروب الظلم لي في إحدى التجارِب، كيف لا أتذكر، والجدرانُ، والزرع، والشجر، له تاريخ حافل بما عانيته من تطاول وهمجية فكر؟ إذًا لك يا مكان شهادةٌ حية لمن أرادوا أن يُخْفوا معالم الحقيقة بأبنية جديدةٍ، ودهان لامِع يُخْفِي ألفَ سر وسر، ثم من قال: إن الجديد يدفن القديم؟ أَوَلَيْست النبتةُ القديمة تنفجر من تحت جذور نبتة جديدة؛ لتتفوق عليها في الأحَقِّية والأسبقية؛ أنها كانت الأولى في المنشأ، لا تكُفَّ عني أسطرًا؛ بَقِي من المِداد ما سُيتَرْجم عني قولاً صريحًا، ولو بعد حين.

 

فإن كنت قد وفيت حقي من العتاب، أظن من حقي البكاء وقت البكاء، وأظنني أسكت وقت السكوت، وأظنني أعاتب وقت العتاب، أَوَخُلِقْنا للصمت فقط؟

 

إن كان كذلك، فمن يعيد لنا اعتبارنا من يوم بدأ الصراع بين الحق والباطل؟

 

لست أطلب دورا بطوليًّا منك، ولكن أُصِرُّ على حقي في مواجهةِ ضمائرَ مات فيها جمال الإنصاف والمواساة.

 

فإلى كل حزين، لا تترك فرصة لمن يريد طمس وجودك، وانتفاضتك إلى أسفل، بل أَعْطِ لنفسك حقًّا في الانتصار، لا لشيءٍ سوى لأنه حقك، وملك يمينك، ولا لأحد سلطان عليه إلا نفسك، فإن لم تجد مُواسيًا، فقلمي يواسيك نيابةً عني؛ لأني قد أكون غائبة عن حُرْقةِ المشهد من دموع تنزل بغزارة؛ لأني بصراحة يعذبني مشهد الدموع اليتيمة، ولكني سأهديك سنفونية التفوق على الألم من تجربتي، ولست أبخل عليك بأي مشهد؛ لأني أُسْرِع للإحسان في كمال عطائه، فمن حقك أن تبكي مثلي، ولكن دون أن يراك أحد، ولتصنع من ألمك شمعةً تضيء بها دربك، ولو وحدك، فيكفيك أنك عرفت أنه يجب أن تكون وحدك في درب المكافحين والمثابرين بكسْبٍ من حلال، وعلى طريق بالتزام، وبخطًى من يقين، وليس نيلُ المطالب بالتمنِّي، ولكن تؤخَذُ الدنيا غِلاَبًا.




أضافة تعليق