مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2017/01/21 21:40
تألق نحو العلا و أسمعني نشيدك

تألق نحو العلا وأسمعني نشيدك
سميرة بيطام

 

لا داعي لليأس بعد اليوم، فاليوم في حد ذاته كله عيد تغنيت فيه بنصرك يا من أرسلت لي رسالة تخبرني فيها أن نسمات الربيع مرت من باب بيتي المتواضع، لَكَمْ ألِفت في الماضي صوت البلبل من على غصن عتيد لازمت معه صلابة الرأي والقرار، قاوم - إذًا - اليوم لآخر محطة، أنت فعلاً في نهاية العذاب والتعب، واعزف لنا ألحانًا نموج معها مع أمل نرقبه قريبًا، الآن وليس بعيدًا، تُرى هل تحوز على موّال للإبداع تسمعنا إياه بعد طول صمت منك؟ لا تلازم تلك الأرض القديمة التي تحتفظ ببصمات بكائك وحزنك وتألمك، سافر إلى أرض أخرى فيها النشيد واللحن والنوتة، التقت جميعها ليرحّبوا بضيفهم الكريم لما اختار شعبة بغير تلك الشعب، واختار له وجهة تكفيه المتاعب، فقل إن شئت: إن الوقت مضى ولم تظفر بشيء يشرّفك، لا لا لا تلق بسلاح النصر الآن حتى تصل إلى شرفة التتويج، فما شاء الله عليك حققت أمنيتك وتفوقت، ورسمنا لك خطوطًا وردية فيها الطريق الموالي إلى حيث تريده رحيل الشوق لتزداد غربة وتزداد نجومية أكثر لما تمضي لنا على بياض من الورق فيه خطواتك الموالية أنك للحضارة أسرع للتتويج بها، لا تنسَ أن الجميع ينتظر ذاك الصنيع المبدع حينما تلقي الحروب بظلالها إلى ضفات أخرى بغير ضفات أمتي، أو تخرس الأسلحة وتضع النزاعات أوزارها.

 

صحيح أتعابي أنا الأخرى فاقت كل الظنون، لكني أترقب من على قبة الترحم من صرح بلدي العتيد أن القادم أفضل وأجمل وأروع، فحتى لو لم تتكسر النبال صرحًا آخر فلست أبالي بغياهب ومتاهات الظلم؛ لأني اليوم قررت أن لا حزن بعد اليوم، فالحضارة لا تتوج بالأحزان والآلام، وإنما بالأفراح والآمال، وبالعمل الجاد والمثابر، بأن نخلص الأسرى من سجون التعب والضعف، اكتبها قصيدة أخرى واستفتح بها أبواب ومداخل بلدان أمتي، فلن يبقى للدمع تراب بعد اليوم، دعنا نركز في الحاضر القادم وإن كان قد دنا بالقرب من جيل أمتي، فلا آهات إلا ما كان منها مرخصًا لهتافات التألق، هي هكذا طبول النصر بدبكات القدوم والزحف نحو العلا تترنح صوتًا يليه لحن يتبعه تركيز في التنسيق فيما بين المشاعر والآمال، سلم لساقي الورود ماءً رقراقًا بجعب من عطاء، فالورد في ريحانه لنا مكسب نبارك به بعضنا لبعض، ولنتذكر جميعنا أنه إن ضاقت بالأمس صدورنا غمًّا وقلقًا عند حوادث لحقت بركل أقدامنا فأربكت المسير أوقاتًا صعابًا، فلربما كان لنا الخير في الغم أحيانًا حتى نعرف من أوله خاتمة العبق المسجى بسليل الندى، وإن كنا بالأمس قد خشينا لؤم اللئيم من أذاه فإننا لن نسأل النبلاء عن كرم الفطرة لديهم، فالكل مجبول على الحب والوداد بديلاً ممن عرفناهم ذوي خصال نادرات، وبالمرة إن كان في الأفئدة ضيق فلقد تركنا لضيوف الخير أنسًا رحبًا لنا، أوَلم يكن لنا في الأولين قصص وعبر زادتنا فَهْمًا أننا للتمييز والتعقل أقرب؟ فيا حافظ الأتقياء، أنت حفظتنا ورعيتنا وعدا المظلوم لنا يجتاح براءتنا، فانقاد لنا طائعًا لمَّا رآك نصرتنا، إذًا جُدْ بالشكر الجزيل لمن انتشلنا من حطام الكيد والترصد الطويل، ولُذْ بالتقرب منه طول الليل وأمد النهار تسبيحًا للفضل الكبير والرحمة المهداة لنا، حيث وقتها لم نكن نعي أن ثقافة الابتلاء تتطلب منا فَهْمًا وتفهمًا لحين أدركنا أننا لن ننتفع إن نحن بالينا بمن يركض خلفنا ليوقعنا في شِباك الهزيمة؛ لذلك - ومن تجاربي - فقد تحرر عقلي من شكوك وهواجس كثيرة ليرقب اللحن الرائع بأنامل مع قلم سكن في خطي المتواضع فتعلمت النشيد الراقي وتركت جيل الأطفال يكرر اللحن من ورائي ليحدو حدوي في مسيرة النضال.

 

فما شاء الله عليك لما أصبحت مبدعًا في إكمال المشوار عني بتعليم جيل الغد، وهذا ما جعلني أتابع باهتمام فواصل النشيد الذي بدأته هكذا:

واشدد يديك بحبل الله معتصمًا 
فإنه الركن إن خانتك أركانُ 

 

فاتركِ الحيلةَ فيها واتَّكل
إنما الحيلة في ترك الحِيَلْ 

 

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسِجْ ولم تَحُمِ 
عناية الله أغنت عن مضاعفةٍ 
من الدروع وعن عالٍ منَ الأُطُمِ 

 

أما قلمي فسيخط لك أحلى عبارة في الختام:

أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة، وما دمنا في رحاب أرض الله الواسعة نجوب الأقطار فرحًا وأملاً ولسنا بعد اليوم نبالي لا بالأقوال ولا بالأعداء ولا بالعراقيل، فلحن النصر نردده بوصلات من ثقة أن النصر حليف كل صبور مثابر ومكافح على طول المشوار وبنسق الاعتياد في الدفع بالتي هي أحسن حتى يضحى كل شيء له ميزان في قلوبنا من الود والتقدير والترحاب والصفح الجميل، فتألق نحو العلا دائمًا في كل فرصة تتاح لك، وأسمعني نشيد الفوز والنجاح، وإني أجلس بالقرب من مجالس الأطفال أستمتع برصيدك من الإبداع، وإن سقطت كلمة منك سهوًا التقطت أنفاسها من الأحرف لأذكرك أن الخطأ كان بغير قصد، فاقصد في مشيك وإنجازك، واترك الجيل الصاعد يقتفي أثرك على نفس الخطى من الالتزام والصرامة... دمت مبدعًا على طول درب المسيرة.

 



أضافة تعليق