مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/10/22 12:38
مشتاقة اليك يا مصر

مشتاقة إليك يا مصر

 

أحن إليك يا مصر مثلما أحن لصدر أمي حينما أتطلع لأنام عليه، أحن إليك يا مصر مثلما هي رغبتي في شيء أحبه وأتمناه، بل أشتاق للقائه أو امتلاكه أو الظَّفَرِ بميزة من ميزاته.

 

سألوني مرات عديدة وفي مناسبات كثيرة عن سر حبي لك واشتياقي المتزايد عامًا بعد عام، قلت: سلوا قلبي، ولا تسألوا عقلي، فقلبي تعلَّق بها دون أن أكبح نبضاته حنينًا إليها، وروحي ترحل في ذكرياتي بأرضها لقطة تلو الأخرى، لا أعرف إن كان نيلك سَحَرَ خطواتي على مركب الأمل يمخر الوادي راحة وتمتعًا، لا أعرف إن كان صعودي لصخرة من الهرم هو ما أعطاني إحساسًا بالتفوق والشموخ، لا أعرف إن كانت مئذنة الأزهر علَّمتني أن الحضارة بدأت من هنا، فبكيت فرحًا أن الله خصَّها بامتياز فريد من نوعه.

 

مصر، كُفِّي عني حيرتي لما حدث على أرضك، وعوضيني دفئًا أتطوع به إلى زيارتك، لست أبالي خَطْبًا من الخطوب سوى أن ألتقي وجهًا لوجه محطات رافقت فيها هواءك وعطرًا نقيًّا فاح عَبْرَ بورسعيدك والجيزة وشارع الهرم، ولي مع أهل دمياط كرم آخر، لا تحرميني ترحاب أهل الإسكندرية، كلميني وقولي: إني أستحق بشرى خير عبر رحلة تأخذني إلى صعيدك، حيث اخضرار زرعك يزيدني تألقًا في لوحة من لوحات جمالك، لا تحرميني دعوة من غير دعوات رسمية، كما ألفت منك دعوة مفتوحة الموعد، وهذا ما يجعلني أبكي الجرح فيك؛ لأني أنا الأخرى تَعَاقَبَتْ عليَّ جراح كثيرة جعلتني أتشجع بصبرك من على ارتفاع مقام الشهيد ببلدي، ربما أعشق الارتفاعات الكثيرة فأنتقل من ارتفاع إلى آخر إلى أن أحطَّ رحالي إلى مدينة المائة باب أو مدينة النور، مدينة الأقصر مخزن الحضارة فيك، أنت موسوعة من الآثار والرسوم والرموز، دعيني أحتَرْ في كورنيش النيل ولا تقطعي عني نشوة التمتع؛ لأني سأكتب الكثير وأنا هناك، حيث لا أحد يوقظني من حلمي أني في أرض الأمان، أريحيني يا مصر وطمئنيني عن أواصر المحبة بيننا، فلست أطمئن بالكتابة، بل أريد أن نلتقي حيث اللقيا التي تذيب الشوق وتلغيه، بل تبعده عني وعنك.

 

مصر، أنت مركز عظيم للرسالات السماوية، وفيك تواريخ عديدة يحق لي أن أطالع عنك الكثير قبل أن أنتقل من هنا وهناك لأتكلم عن إرث الغنى فيك، فهلا لميناء السويس محطة انتظار لحين غروب الشمس! خذيني إلى مكان نومي أين سأطل على نافذتي في أسوان، ربما لأحضر كتابة تليق بتلبيتي لدعوة الفخر في بلد الحضارة، هو شكر لي سأتركه حين أغادر أرضك، فهلا رتبت لي محطات نزولي من جديد! وعلى وتر الإبداع لست أمَلُّ، بل أتضايق لمرور الوقت من حجم أيام إقامتي ضيفة لدى أهلك كرامًا وفضلاء، أدباء وفقهاء، أنهل من علم يعطيني دفعًا آخر أني لم آتِ سياحة أو زيارة فقط، بل لأكرر جلسة الشاي الذي أشربه كثيرًا على رغم عدم تعودي على ذلك، إنه السحر من يجعلني أتذوق ما طاب وحلا في عيني، فهلا أبقيت وصالك بي لحين يتحقق الأمل!

 

صارحيني يا مصر إن وقفت على ميدان التحرير أني سآخذ مجلسًا كعادتي وأنا في قلب عاصمتك أن الليل ليس يلقي بسداله سريعًا؛ لأن هواءك في المساء ينعش نعاسي فأبدو أني في النهار، لذلك أطلب منك أن تضمدي جراحك بنفسك؛ لأنك قوية، ولست بحاجة لطبيب، مثلما ضمدت أنا جراحي ولم أستعن بطبيب، بل استعنت بالله عز وجل الذي أدعوه في كل صلاة أن يحفظك يا مصر، ويلقي بالأمن والأمان على أرضك، ويرزق أهلك كل الخير والمستقبل الزاهر والواعد، فالحضارة تنطلق منك وأنت سيدة الشرف، تحلي بأحلى حلية، وبدوري سأنتقي لي أفخر الأقلام؛ لأن مقامك غالٍ عندي، ولست أكتب حرفًا إلا بقلم فيه مداد الروعة والإبداع، وهكذا أكون قد رتبت للوازم السفر إليك، فاتركيني ادخل مصر آمنة ومطمئنة، ولي معك دموع لست أشرح لك تفاصيلها حتى أغادرك؛ لأني لو بكيت أمام نسمات بحرك فربما ستحزنين لفراقي عنك، فأنا وأنت بيننا قصة حب وحضارة وإبداع، ولا أحد يفهم سر هذه الدموع إلا أنت وأنا؛ لذلك ترقبيني قريبًا بإذن الله.

 



أضافة تعليق