مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/09/24 13:51
يريدونني بشروطهم

يريدونني بشروطهم

 

بدأتم يا أهل الغيرة والحسد سباقَ العِناد مع المسالمين والتوَّاقين لجُود المَعْشر، لم يكونوا سبَّاقين أبدًا لحركية الأذى ولا الشر، ولا كسر الطموح والخاطر، كانوا طيبين وَقُورين جميلي الخُلق والطِّباع كثيرًا ولأبعدِ حدٍّ بصمتِهم الدقيق؛ إذ لا يتكلمون إلا نهيًا عن منكر أو أمرًا بمعروف، فكان من شروط التناسق بينهم - كبشر - وبين غيرهم أن تُفرَض عليهم شروط فيها الكثير من الغرور، ولمَ لا الجنونُ أيضًا؟!

 

فرُحْتُ أبتعد بقلمي عن جدارن العِناد؛ حتى لا يتمرَّدَ هو الآخر غضبًا على من أعجبوني كثيرًا، ولو أنهم قلة قليلة، ونالوا من ابتسامتي السخية لهم أنهم هم الأقدر على حل أزمة الأخلاق في هذا العصر.

 

احترتُ في الحرب التي شُنَّت عليهم وضدهم، لم تكن فيها بنود الصلح في منتصف الصراع، ولو لأخذ أنفاس قليلة، كانوا يقابلون بالرفض غير المباشر لو تقدَّموا باعًا لخدمة أو إرسال تحية، أو اقتناء حاجة من الحوائج، فاستشعروا أن قَبولهم في مثل هذه المجتمعات التي ساد فيها الكثير من الفساد والاعوجاج، لا بد معه من قَبول شروط، وكأنهم خُلقوا لغير أداء مهمتهم النبيلة!

 

ثم منذ متى كان الترابط في المجتمع والتواصل معه يتم وفق شروط وضغوطات؟ فإن كان على الحق في الحرية المشروعة والحياة النبيلة، فهي مكفولة شرعًا وقانونًا، وإن كان على طبيعة التعامل، فكلٌّ مسؤول عن أدائه ولا أحد يقيِّم الآخر، بل لا أحد يفرض قوامتَه على أيٍّ كان، سوى ما حددته الشريعة الإسلامية من أخلاقيات وجب اتباعها.

 

أرى أن فيه فوضى عارمةً نالت بالحابل والنابل، فليست أبدًا تُفرِّق بين الغني والفقير، بين الكفء والناقص في كفاءة الأداء، بين المتطلع للخير والمقبل على الشر، وكأن الدنيا أخذت عن آخرها!

 

ثم من يريد أن يكون مستقيمًا في حياته يُقابَل بالرفض والنفور؛ لأنه مصدر إزعاج لمن لا يطيقون نزاهتَه وروعة خلقه، ومن جهة أخرى هذا النوع من الناس الذي يفرِّق بين الجماعات، لديه مؤيدون كُثُر، أما المؤمن التقي الصادق، فهو في غُرْبة وعُزْلةٍ من أمره؛ لأنه لا يمثلهم ولا يسير على نهجهم، منذ متى هذا الفرض أصبح معيارًا للتعامل؟!

 

ثم لماذا سكت المجتمع عن هذه المخالفات التي أضرَّت بالصالحين خاصة، فجعلتهم يشعرون أن لا حق لديهم، لا على سطح الأرض ولا في عمق الكنز منها، أي منطق هذا؟! وأي رصيد خاوي الجيب يبغي له ارتزاقًا من ظلم الأكْفَاء والأوفياء؟!

 

لست أضل الطريق اللحظة، ولكني أفقد الكثير من طاقتي؛ لأني سأضطر لكتابة المزيد عن العيش بشروط.

 

في الجامعة ومن أعالي هرم العلم يكون للظفر بشهادة التفوق مقابلٌ آخر، هو: تقديم خدمات خارجَ مجال تغطية الطالب، كأن يقوم بمهام نيابة عمن درَّسَه، أو يتنازل عن جزء من بحث غني بالمعلومات؛ حتى لا يحوزَ على مكانة مميزة من التفوق، وفي المستشفى يُقدَّم العلاج لذوي الأكتافِ الغليظة ومن تلبي الاتصالات الهاتفية مطالبَهم، ولا مكان للفقير أو المسكين وسط زخمٍ هائل من الأبدان السمينة، التي لا تشكو إلا مرض التُّخمَة.

 

ومن أمام طوابير المكاتب لاستخراج الوثائق الخاصة، لا يتحصل على وثيقة إلا بتحفة من التكاسل والعمل على مِزاجٍ راقٍ جدًّا، بعد ارتشاف القهوة في راحة لليد والعقل أن لا شيء يُزعِجُ، في حين الطوابير منصبَّة من طولها لآخرها، ولا حياة لمن تنادي إن طالبت بربح الوقت؛ لأنك ستقابل بإجابة في أن لا أهمية للوقت، والطوابير منصبَّة منذ الصباح...، أين نحن؟!

 

هل نحن مجتمع بشري تحكمه قوانينُ منظمة، وتضبط أخلاقَه عقيدة عظيمة كالعقيدة الإسلامية؟!

كان مني أن طرحتُ سؤالاً على موظف بارع في عمله، ولديه شهادات عديدة في الوظيفة الإدارية: لماذا لم تتقدم في ترقية سُلَّمك الإداري؟

 

فأجابني بكلمتين: يريدونني بشروطهم.

 

فمشيت أفكر في فحوى العبارة، فأدركت أن قيمًا دخيلة على المجتمع الإسلامي أصبحت تعكِّر صفوَ الحياة وتضيع الكثير من الحقوق، فكان أن احتفظت بعبارة "يريدونني بشروطهم"، وغادرت إلى أقرب محطة لأغادر إلى بيتي؛ حتى لا أكون عُرضة لمجموعة من شروط الازدحام والفوضى، وأصلاً عقلي وجسمي منهك من فوضى الشروط المزعجة بل السامة، وإلى أن يجد التُّقاة فرصة ليعيشوا وفق شروطهم المُسْتَقاة من ديننا السَّمْحِ، أترك لكم مجال التفكير فيما سينجم من رواسبَ خطيرة على مجتمعاتنا، والدنيا تمر بنا عبر زمن لا يرحم في دقات ساعته، وأخشى أن لا أجد وقتًا أكتب فيه عن شروط وجب اتباعها؛ حتى نعيش بالعدل والإنصاف والكفاءة والحرية المشروعة.




أضافة تعليق