مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/07/25 12:40
تقاليد و عبر لأهل الورع

تقاليد وعبر لأهل الورع

 

في لبس "برنوس" العزة تحفة الأحرار في تحفة بهية الإتقان، في طوله طول القامة الأوراسية، وفي لحاف الفتاة ووصمة الجبين وقار واحتشام، كان للبيئة نقش الميراث في خلخال الأرجل، فليت الجبال تتخلى عن شرط الخلخلة من على قمة الأحرار؛ حتى لا يسمع صوت الأنوثة المتلزم بصمت التدبر، لكنها البيئة، بل التقاليد والعادات من وقت سمع البارود يُدَوِّي في أعالي القمم؛ لأنه كلام أفواه الرجال، إن هي نطقت، فلا عودة للوراء ولا تقدم للأمام من غير إحداث حدث، وفي وقار مشية المرأة الأوراسية حِكَم وألغاز في مكامن القوة والهدوء والصبر، والأكثر من ذلك في تحملها الأحمال، ليست أحمال الثقل، ولكنها أحمال الحياة بأصناف الابتلاءات فيها.

 

للأجداد ميراث وجمال وقوة شخصية، وإلا فَلِمَ اقترن البارود بقامات تزلزل الأرض من تحت أقدامهم؟ وفي حرف المنطقة ألف جمال، في صمت الإبداع من غير علم، ولا لغة للحوار، بل كان الفهم ألوانًا وزخارفَ من أنامل تتقن كل شيء، حتى سقى الماء من على مدارج الأنهار، رقراقًا ليوم سعيد تدفئه أشعة شمس بهية الإشراق، كإشراق وجوه ألفتها الطبيعة القاسية ببرد الشتاء، وثلج القمم، ومن على حقول العطاء تناثر لثروة البقر والدجاج من طيب الخلائق، في دبكة التغني بالتزام الأخلاق سُنَّة حميدة لبنات المنطقة من غير تجاوز للمفهوم من الوصايا في رزمة المواريث الغنية، ويا لحلاوة الجمال الأوراسي في طبيعة خلابة، أودع الخالق فيها سكون الروح، وهدوء البال، وصفاء البصيرة! هي لم تكن حكرًا على أهل المنطقة، بل كانت بيوت ضيافة لكل عابر محب لمنطقة الأحرار ولكل ما للحرية ينتمي، هي الحضارة ليست حكرًا على منطقة، ولكن في أي شبر على وجه المعمورة، فالحضارة تقاس على أهل الكرم والفن، ينشأ وفق مصاعد التواتر في نقل السلوك ابنًا عن جَدًّ.

 

إلى هناك، كان لركض الخيل اهتزاز ذرات الغبار؛ إنذارًا لإقبال الجرأة والشجاعة في صراع مع نسمات الريح من كل صوب، فكان على نواصيها خير الموصل في رفع الأرجل من على تراب الكرامة، لا يثير غضبَه إلا ركل العزيمة، فلم يكن الرفض في عدم التجاوب مع غضب الصهيل المدوي مرتفعًا إلا على حسَب هامة الغبار المرتفع إلى السماء ليتبعه دخان البارود، معلنًا عن قفزة التخلي عن اللجام في لقطة انفرادية للقيادة الذكية وسط هول السرعة والتقدم إلى حيث الوصول الأول في رتبة التفوق، بحركة لولبية للبندقية، إعلام بالفوز المبكر؛ حتى يكف الركب الآخر عن الإفراط في لفظ أنفاس الغبطة، فالفائز ترجل فرسه، وهدأ غبار الغضب لينتهي سباق المحفل.

 

وفي نصب الخيام ألف ترجمة لحضارة التواضع من أن من نشأ من الأرض هو كالتوأم يحن إليها؛ لتضم سمرًا وإبداعًا في مجالس احتضنت مجامع من البركة والخير، فكان استرجاع السير من شيم أهل الكرم، فطوبى لحضارة التقاليد والميراث الحر!

 

وفي تكرار إدارة الطاحونة بنفس الاتجاه هو استماتة المرأة الأوراسية في أنها لم تنته بعد من إعداد القمح المتقن لساعات طوال، في جدال الأيدي مع عود الطاحونة، في أن العمل مكتمل بسواعد الصبر، بل المصابرة؛ ليغدو الجهد صراعًا مطمئنَّ السريرة لأهل الوقار.

 

وإن كان على نسج الزرابي، فالعين من يبدع قبل الأصابع؛ لأنها تختار اللون قبل الشكل، وما أحلاه من طرز بفكر عجوز، لم ترهقها التجاعيد بعدُ عن الإبداع؛ ليتضاعف العطاء! وبالجنب مهد الصغير، هي له في إسكات مستمر بأغاني البطولة، والرغيف البسيط، فلن يحتاج الرضيع إلى أمه؛ لأن الجدة أنجبت مرتين، وهي أتقن للحرفة في أن يسكن الصغير في حجرها، حتى صوت الضرب على لوح الزرابي، لن يحدث إزعاجًا لمن غاص في أحلام الطفولة بألحان الكبار؛ لذلك ترى الصغير يكبر بسرعة، ويتقن الصيد والركض والجهاد مبكرًا، هي البيئة التي ترفض طقوسها إلى أن يتعلق الأبناء بجذور لغتها وتقاليدها فينمو العود مستقيمًا، والفكر نيِّرًا خاليًا من غطرسة الحضارة المعولمة لأفكار تسقط النهضة في الحضيض؛ لأنها لا تنتمي بظُفر إلى تقاليد العصر المجيد، فهل يعيد التاريخ نفسه ولو بعولمة ملتزمة؟ ربما نعم، وربما لا.

 

في ضاحية أخرى، ليست الأرجل تتخالف في ركض البوادر إلى انطلاقة التحرر من قيد الخوف والجبن، فمن نام والبندقية فوق رأسه، لن يخشى الذئب فوق سطح بيته، وشتان بين صيد الخوف، وصيد الفريسة.

 

لست أنتهي من وصف القوة والانتصار، إلا وأنا أتخيل نفسي على إحدى القمم أُطِل على الأنهار، كيف أن ماءها على طول العام في سيرورة في اجترار لحصى التعثر؟ الله وهب لكل منطقة صفات يتقوى بها أهلُها، وجعل لكل جنس كوادرَ تتقن وتتفنن وتبدع، وإن هي ماتت تركت قاموسًا من الحضارات لجيل سيكبر على نفس النهج في ترجمة الحكم، فلو حافظ كل جنس بشري على عاداته، لن يحتاج لعولمة مضيعة بقدر ما سيكون أصحاب العولمة بحاجة إلى كسكس المنطقة، ومتابعة سباق الخيل في ركض الجرأة، أظنه تطلع أي شهم إلى شوق التحرر في أن يصدر العرب بعاداتهم المختلفة حضارات مدوخة لأجناس لا تتقن إطلاق الرصاصة صوب الهدف، ولا أكل رغيف الصبر فوق حطب الزهد، والتاريخ شاهد أن أمثال هذا الجنس كان الأسبق في تصدير القمح والحرف، وحتى القلم، واليوم أتأسف أننا تخلينا عن حضارة عريقة، وتسلقنا حبالاً هشة من حضارة منهكة للقوى، ولو أنها سيف ذو حدين، فيها الداء والدواء، ولكن يكفيني في زهدي كوب حليب مع تمر النخلة؛ لأهنأ بنوم الخيمة على فراش الدفء والتواضع، أكيد سأصبح بخير، وعلى خير على مسامع صوت أذان الفجر خير لي من أن أصحو على مسامع الفوضى، وأرق التكنولوجيا المؤرقة في لغط اللهث والسرعة الجنونية، حتى بالكاد أسرق لحظات استغفار في مراكب الحافلة أو الطائرة..




أضافة تعليق