مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/07/22 21:34
انقلاب تركيا ..نموذج في تخطي الصعب
انقلاب تركيا ..نموذج في تخطي الصعب
 
لربما الانقلاب الذي وقع على دولة قوية مثل تركيا لهو نموذج مكبر صوتا و صورة ووقعا و حدثا على الغيورين على ريادة هذا البلد الذي استطاع رئيسه طيب رجب أردوغان أن يحمله الى مصاف الدول المنافسة لدخول الاتحاد الأوروبي و قد كان له الفضل بعد الله تعالى في رسم خطوط عريضة لتقدم تركيا نحو الأمام بعد ان بلغ الناتج القومي لها عام 2013 حوالي تريليون و مائة مليار دولار و هو يساوي مجموع الناتج المحلي لقوى اقتصاديات ثلاث دول في الشرق الأوسط ايران  و السعودية و الامارات ،اظف الى سعي أردوغان الى انشاء الدولة التركية الحديثة عام 2023 لتصبح تركيا دولة اقتصادية و سياسية قوية في العالم ، كيف لا يتحقق هذا الحلم و أردوغان من خصص أكبر ميزانية الدولة للصحة و التعليم  و هو من تبنى عملية تحويل القمامة لاستخراج الطاقة و توليد الكهرباء ،و اردوغان الوحيد من زار بورما هو وزوجته و التقى بالمسلمين من سكان اقليم ميانمار ،فكيف لا يحترم الرجل و هو ينحني تواضعا لتقبيل جبين عجوز تقدمت لتدعو له وسط جماهير الأتراك ، من من رؤساء العالم بهذا التواضع من ينزل من سيارته الرئاسية ليخاطب شابا مقدما على الانتحار فيقنعه و يعدل عن الفعل ، من من رؤساء العالم من يخاطب شابا آخر و يقنعه في التخلي عن التدخين في الوقت الذي لا وجود لدقيقة من عمر الرؤساء للاهتمام بهكذا سلوكات قد تبدو لهم نزولا الى غير مراتب التشريف  ، ثم هل من شبيه لأردوغان حينما ينحني ليأخذ صورة علم بلده تركيا و يضعها في الجيب احتراما و حبا لبلده  في حين باقي الرؤساء على المنصة يبدون اندهاشا لمثل هذا السلوك ،ثم هل تقاس عظمة الرؤساء بحجم نسبة نجاح الانقلابات التي يحدثونها متجاوزين بذلك ارادة الشعب أم يقاس التواضع  بلعب  كرة القدم مع باقي عناصر الفريق  كالمشاركة التي أبداها أردوغان مع لاعبي الفريق التركي و لتلك التي شارك فيها افطار اللاجئين السوريين في رمضان؟
أردوغان الرجل القوي قال أبياتا كانت السبب في سجنه :
مساجدنا ثكناتنا
                 قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
                والمصلون جنودنا
هذا الجيش المقدس    
               يحرس ديننـــــــــا
لكن هذه الأبيات وجدت صداها في الشعب التركي ليلة الانقلاب لتصدح المآذن بأصوات عالية مآزرة للرجل الذي أحب شعبه حبا حقيقيا و لم يتوان في اسعاده بخدمته.
فمن مواقفه التي يشهد لها بالإقرار  وقفة صدق مع الله أولا عند بداية الحصار على قطاع غزة ، حيث بدأت جرائم إسرائيل تزداد يوماً بعد يوم وبدأ  "أردوغان" يعبر عن استيائه من الأحداث التي تدور في قطاع غزة، وخصصت تركيا للقطاع مساعدات طبية ومالية ومنح تعليمية لأبنائه ، ثم خرج "أردوغان" ليظهر عدائه لما تقوم به إسرائيل و  لا ينسى أحد موقفه من خطاب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرز في مؤتمر دافوس عام 2009 حينما صرخ في وجهه، ثم ترك الجلسة تعبيراً عن غضبة من الأحداث في قطاع غزة ، وفي تعليق على ما جرى أظهر الشعب التركي  موقفه أن "اردوغان" استطاع أن يعبر عن رغبة الشعب التركي في تصرفه، واستقبل بالورود، ثم بعد أحداث سفينة مرمرة التي استشهد فيها  العشرات برصاص الجيش الإسرائيلي في مياه البحر المتوسط حينما كانوا متوجهين إلى قطاع غزة، حيث علق المناورات المشتركة بين إسرائيل وبلاده..
هل بعد هذه المواقف و بعد قراءة السيرة العطرة لهذا الرجل لا يخطط للانقلاب عليه ؟ بالعكس حيث يوجد الاتقان و الولاء لله تعالى يوجد اعداء الله و يوجد الحاقدون لضرب التفوق و الاتقان من عظماء امثال أردوغان ،  فيحدث الترصد في عمق القضية لتدمير ارادة فاعلة تريد التغيير من المحيط الى المحيط و لا تنحني رأسها الا سجودا لله و المثل لا يزال قائما اذ يروي أحد الأساتذة المحاضرين في جامعة  أسطنبول من عايش لحظات الانقلاب الحرجة حيث روى انه ما ان توالت احداث الانقلاب حتى بدات الأمور تتسارع  و تتلاحق الى أن تجمد الدم في العروق خوفا على تركيا  من الانقلاب و لكن بعد ان ارسل أرودغان رسالته لشعبه فيلا ثوان محسوبة عبر شاشة طولها سنتمترات حتى تبين الوضع الحقيقي و بدأت الدعوات تتوالى من الجميع بعد نزولهم الى الميادين 
في البداية لم يكن من الحكمة النزول قبل تبين الوضع العام للشوارع خوفا من الاصطدام بقوات الجيش و بالتالي يجد في الشعب طعما سهلا لتنتشر الفتنة انه تم العثور على أطراف خارجية و بالتالي تقع التهمة على الشعب التركي لكنه كان حكيما و ذكيا جدا ، و انطلق الصوت من المآذن يصدح حينما تحول المسجد الكبير الى منصة توجيه حكومي تتابع الشعب بالأخبار و تبلغه بما يحدث أول بأول ثم تقرأ سورة النصر و سورة الفتح و الناس من كافة الأعمار و الأجناس صغار ..شباب..متحجبات و غير متحجبات ،الكل على صعيد واحد ، ويذكر الأستاذ في نفس  السياق وصفه للأحداث أن بدنه اقشعر لما كان الداعي ينادي : اللهم لأجل فلسطين و سوريا ،لأجل غزة..
و من نفس المكان أعلن من المأذنة أن زوجة ابن الرئيس موجودة في بيت أردوغان و أن على الجميع البقاء لحمايتها و حماية بيت الرئيس ، حيث دبابات الانقلابيين لم تكن بعيدة عن المكان ،و هنا انطلقت جموع الاتراك و قد اتوا بحافلات و جرافات و شاحنات كبيرة فاغلقوا بها الشوارع  حول البيت الرئاسي ...أليس هذا دليل على وفاء الشعب لرئيسه؟ أليس هذا دليل على مدى وعي هذا الشعب الأبي و اتقانه للتظاهر بكل ثقة؟ ..
لقد سجل الشعب التركي في ليلة الانقلاب قصة لا يمكن أن ينساها التاريخ ،و أثبت أنه شعب عظيم مثقف يفهم ما حوله بكل ما تحمله الكلمة من معنى فأكرم بتركيا و أعظم بها ،و قد عظم لتركيا ما عظم الله لها ،لتبقى تركيا نموذجا للإخلاص و الوفاء و الاتقان في العمل رئيسا و حكومة و شعبا ..فهل للدول الأخرى أن تأخذ العبرة و تمضي بعجلة التغيير نحو احداث الفجوة الكبيرة بين أمس متراخ من الفساد و الانتكاسات و خيانة الأمانة الى يوم و غد كله عمل و تقدم و لما لا ريادة؟..و السر كل السر في هذا التنظيم و الثقة بين الرئيس و شعبه هو الصدق مع الله بداية و الحفاظ على حرية الشعب و رأيه من كل اغراض قد تفسد  اللعبة السياسية  و تغير نكهة الحضارة لدى محبيها ..فهل من معتبر؟..

أضافة تعليق