مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/06/22 18:07
آفاق تربوية (11) طريق الهداية (1-2)

بقلم: د. فؤاد بن عبده الصوفي*
يشتاق المرء ويتمنى أن يرى نفسه مطمئنة وقلبه هادئاً وسكينته عميقةً ونفسه ساكنةً وهو يضع جبهته ليرقى سُلّم الاهتداء، مؤمِّلاً أن يلحق ركب المهتدين الذين ذاقوا عذْب الهداية بعد أن ذاقوا عناء الطريق إليها؛ ويكون أسعد لو كان يقدم شيئاً من الجهد والبذل والتضحية في تربية الأجيال وتبصير الناس بربهم وبأمور دينهم، فبقدر ما يزيد البذل بقدر ما يزيد القدر، وبقدر ما يزيد القدر بقدر ما يرتفع معدل التضحية؛ وكلما ارتفع معدل التضحية كلما عظم في النفس من يُضحَّى لأجله.
هكذا نجد العلاقة بين الشعور والممارسات والقناعات ، فرضى النفس عن النفس متوقف على هذا الشعور؛ هذا الشعور الذي يفضي على روح الإنسان قدراً كبيراً من الحب الصادق الذي لا يعصف به الإغواء كما لا يزحزحه الإغراء، حبٌّ يزيد عمقه في الضراء كما يزيد في السراء، وهو في الشدة أعلى مما هو في الرخاء، وفي السر أشد مما هو في العلانية.
وحين نتأمل عبارات القرآن الكريم التي أشارت إلى المهتدين سنلحَظ أن منْح الهداية والحصول عليها - مرتبط ارتباطا متينا بالبذل الكبير سواء كان جهدا حسِّيًّا أو عطاء معنويا.
فنجد أن الله تبارك وتعالى عندما تحدث عن منْحه سبحانه وتعالى الهداية؛ بيَّن أن تلك المَنْقَبة والمنـزلة لا تُمنَح إلا لمن بذل جهدا ملموسا بيِّنا في سبيل إرضاء خالقه ومولاه، وتحمَّل في سبيل ذلك المشقة والعناء، وروَّض نفسه على المجاهدة وقارعها بالمضاددة وانحنى طويلاً تعظيماً لربه، وعفَّر جبهته بالتراب تذلُّلا بين يديه سبحانه، حينها قد يُمْنَح منـزلة الهداية التي بها يذوق حلاوة العبادة ويلمس طلاوتها، يقول الله تبارك وتعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ﴾ سورة العنكبوت [الآية :69]
يعبِّر الإمام الغزالي رحمه الله -عند حديثه عن هذه الآية- عن تلك الهداية التي يهبها الله تعالى كثَمَرة لذلك البذل والجهد بقوله رحمه الله :’’...وإن أراد أن يكون من سالكي طريق الآخرة وساعده التوفيق حتى اشتغل بالعمل ولازم التقوى ونهى النفس عن الهوى وأشغل نفسه بالرياضة والمجاهدة؛ انفتحت له أبواب من الهداية بسبب المجاهدة تحقيقاً لوعده عز وجل المذكور في الآية وهو الجوهر النفيس الذي هو غاية إيمان الصِّدِّيقين والمقرّبين’’ ([1])
فالهداية لا تكون بالادعاء والزعم، والحصول على كنهها لا يكون بالتمني والأحلام، بل ذلك مقام عظيم مَهْما ادعيناه رغبة منا في شرف الحصول عليه إلا أنه صعب المنال ويحتاج إلى ثمن غير بخس ، وجهدٍ يؤهلنا لاستحقاقه .....للحديث بقية.


*المشرف العام

أضافة تعليق