مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/06/02 17:19
رمضان لتضيئ قناديلك في قلبي ...(1)
ما أعظم العبادات في ديننا الإسلامي، تعطي دفعات جديدة، يرتقي بها المسلم إلى مراتب السعادة في الدارين، تجدنا عند الصلاة، بمجرد تكبيرة الإحرام نـنسلخ كلية من متاعب الدنيا و مشاغلها، فنعيش في جو الراحة النفسية و الجسمية معا، و تأتي الزكاة لتطهير هذه النفس من الشوائب التي علقت بها، فإذا أذن مؤذن الإفطار هتفت تلك القلوب التي صامت عن كل ما نهى الله تبارك و تعالى عنه، لتروي عطشها بما أحله الله لها من الطيبات ... تستقبل الدول الإسلامية و العربية بعد بضعة أيام شهر رمضان بسعادة عارمة، و ترصّع مساجدها و شوارعها بالزينة و الرايات المرحّبة بهذا الشهر، كأنما كل ما مرّ عليها من أيام و شهور خلال السنة، ليس إلا محطة انتظار زمنية يتشوق من يجلس فيها إلى قدوم رمضان. بين الجزائر و تونس و مصر و تركيا اختلفت تفاصيل العادات و التقاليد، و تفرّدت كل واحدة من هذه المدن بتقليد خاص في الاحتفال برمضان، ولكن الجامع بينها جميعا، هو التعبّد لله و الصلاة و سيادة الشعور بالسعادة مهما كانت طبقة الصائم الاجتماعية. هناك عادات و تقاليد لشهر رمضان الكريم، توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل، حتى اعتقد البعض أنها من الشعائر الواجب المحافظة عليها، و لا تكتمل الفرحـــة و البهجة بهذا الشهر إلا بها، و دخل عليها العديد من الأمور المستحدثة التي لم تكن في أجيال السلف الصالح، و هذا حدا بالبعض إلى القول بأنها من البدع، تستوقفني بعض المحطات التي يمر عليها بنو آدم، و لا يعطون لها ما تستحقه من تفكير، و من تخطيط، و من تنفيذ، اللهم إلا اللمم مما تتصوره معتقداتهم و عاداتهم التي ترعرعوا عليها، و أخدت منهم كل مأخذ...بحيث صاروا يرونها هي المنبع و هي الأساس، منها على سبيل المثال لا الحصر، منها الافراط في النفقات و الاستهلاك بصفة عامة، مع أن المسلم مأمور بتجنب ذلك، سواء أكان ذلك في رمضان أم في غير رمضان، و لكن للأسف الشديد نجد أن معظم الناس في شهر رمضان يخالفون تلك القواعد الإسلامية في مجال الإنفاق و الاستهلاك، و هذا يسبب الكثير من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و غيرها. فنجد أنه في شهر رمضان يزداد الإسراف و التبذير و يتجه الإنفاق نحو الترف و المظهرية، و هذا يقود بطبيعة الحال إلى سلسلة من الآثار السيئة مما يسبب العديد من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية على حد سواء... يأمرنا ديننا الحنيف بالإنفاق في طاعة الله و في مجال الطيبات دون إسراف أو تبذير أو ترف،، و أن يكون الإنفاق معتدلاً وسطًا، فيقول الله تبارك و تعالى في وصف عباد الرحمن: "و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قوامًا(67)) (الفرقان) و يقــول الرسول صلى الله عليه و سلم: "كلوا و اشربوا و تصدقوا و البسوا، ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة (رواه ابن ماجه. و في رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو: أن رسول صلى الله عليه و سلم قال: "كلوا و اشربوا و تصدقوا من غير مخيلة و لا ترف، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده" (رواه أحمد و النسائي. إن الفهم الصحيح لفريضة الصيام، يظهرنا على أنها تطهير للنفس و المال و المجتمع، و أن الصوم عباده صحيحة، و عقيدة سليمة، و أنه صبر و جهاد و تضحية و مشقة، و ليست ترفيها و مظهرية.، فالمحاسبة و المراقبة الذاتية قبل و أثناء الإنفاق و الاستهلاك و التفكر و التدبر في النتائج المترتبة على الإسراف و التبذير و الترف و المظهرية واجبة... و من شق عليه الحساب في الدنيا سهل عليه في الآخرة، و هذا العلاج نجده في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم " إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن كان خيراً فأمضه، و إن كان غياً فانته عنه " (عن عبادة بن الصامت). و في هذا الشأن يقول عمر بن الخطاب: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، و تهيأوا للعرض الأكبر" كما يجب على المسلم أن يتذكر الفقراء، و المساكين، و المجاهدين، و أن يتذكر الوقوف أمام الله للمحاسبة الأخروية، ليس في رمضان وحده، بل في كل الأوقات. إن المحاسبة و المراقبة الذاتية الدائمة و المستمرة، تجعل الفرد المسلم الصائم حازماً مع نفسه يكبح هواها و يفطمها عن شهواتها و مطالبها و يجعلها تسير في طريق الإسلام. ثالثاً: الاقتداء و التأسـي بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و الصحابة من بعده، في سلوكهم و نفقاتهم في شهر رمضان، و لا سيما من حيث الاقتصـــاد، و يتذكـــر حديث رسـول الله صلى الله عليه و سلم الذي قال فيه: "ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان فاعلاً لا محاله، فثلث لطعامه، و ثلث لشرابه، و ثلث لنفسه" (رواه أبن ماجه و قال حسن صحيح).
أضافة تعليق