مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/05/28 13:14
الشرطة العلمية..جهاز يتحرى دليل الجريمة بدقة
الشرطة العلمية ..جهاز يتحرى دليل  الجريمة بدقة
 
يعتبر جهاز الشرطة العلمية الساعد الأيمن لجهاز الشرطة القضائية بحسب التنظيم القانوني الجزائري ، جهاز له من الحنكة و الخبرة ما يكفي لأن يتواجد في مسرح الجريمة باقتدار لولا تأخر بعض القوانين التي تساعد على اظهار هذا الجهاز على نحو كبير من الريادة و التفوق ان ما قورن بنظام العمل القانوني و الفني و الأجنبي ، فلا فرق لا في طريقة العلم و لا في التكوين ما عدا كما ذكرت تأخر بعض القوانين في الظهور مثل قانون البصمة الوراثة الذي مر مؤخرا على البرلمان الجزائري  للمصادقة عليه ، اضافة الى اضفاء بعض التعديلات على بعض القوانين لتوضيح  العلاقة العملية بين عناصر الشرطة العلمية و جهاز الضبطية القضائية و الطب الشرعي في أثناء تحريات الكشف عن جريمة ما او الكشف عن غموض ضحية تعرضت للقتل او للسرقة أو لأي شكل من أشكال العنف و الاعتداء...
و يرجع انشاء أولى المخابر التابعة للشرطة العلمية في العالم الى سنوات مضت حيث ظهرت لأول مرة في الدول الأنجلوساكسونية و بالضبط في الولايات المتحدة الامريكية سنة 1932 و بعدها ألمانيا ثم بريطانيا التي دعمت آنذاك مخابرها بأجهزة فنية متقدمة كأقسام للتصوير و ادارة للبصمات ، تلتها بعد ذلك فرنسا التي أنشأت أول مختبر جنائي علمي لها سنة 1943 حيث أصبح هذا الأخير موزعا على عدة مدن فرنسية يختص كل مخبر باختصاص معين مثل مختبر مرسيليا Merseille  مختص بعلم الوراثة ،مختبر ليون Lyon مختص بالمقذوفات ن مختبر تولوز Toulouse الخاص بالمتفجرات ، و مختبر ليل Lille خاص بالمخدرات (1).

    وكأول فكرة في التاريخ الحديث(2) في سنة 1909 ،أنشأ معهد الشرطة العلمية التابع لجامعة لوزان (سويسرا) و كانت أول وثيقة لإنشاء هذا المعهد رسالة حررت بتاريخ 27 ماي 1909 من طرف عميد علم الاجرام Rodolphe A.Reiss ، حيث أرسلت الى العميد رسالة مضمونها يتمثل في تدريس تقنيات الشرطة العلمية بعد أن جذبت اهتمام الطلبة للحصول على شهادات معترف بها عن دراستهم حول الشرطة العلمية ، و كانت هذه الرسالة بمثابة اللبنة الأولية لفكرة انشاء الشرطة العلمية (3).
و عمل عناصر الشرطة العلمية غالبا في مسرح الجريمة أو في مختبر مقر الشرطة العلمية ، اذ يعد مسرح الجريمة المفتاح الأساسي  لحل لغز أي جريمة ، فاذا صلحت الاجراءات المتبعة في مسرح الجريمة صلحت النتائج و صلح مسار التحقيق في القضية و هو ما يجب على عناصر الشرطة العلمية تحريه عند تنقلهم الى مكان الحادث لإجراء المعاينة و نقل الأدلة المادية و البيولوجية بعد تحريزها ، و ليس بالضرورة أن يكون مسرح الجريمة الابتدائي هو مكان وقوع الجريمة ، فقد تحدث الجريمة في مكان يصاب فيه الضحية ، ثم يتحامل على نفسه و ينتقل الى مكان آخر ليلفظ انفاسه فيه ،و قد ينقله الجاني الى مكان بعيد لطمس أي أثر لجريمته ، و عليه قد يكون لجريمة واحدة أكثر من مسرح و الذي يشمل ما يلي :
*مكان ارتكاب الجريمة الحقيقي
*مكان وفاة الضحية
*مكان وجود آثار للضحية او للجاني على السواء و قد يتعدد عدد الجناة و بالتالي لابد من فرز الأدلة و الاثار الخاصة بكل واحد منهم .
*أداة نقل الجثة و غالبا سيارة
*منزل المتهم
*المكان الذي فر اليه الجاني بعد انتهائه من الجريمة .
و يتم اللجوء الى اعادة تمثيل الجريمة في الجنايات ، و هذا ما يأمر به قاضي التحقيق بحسب الاجراءات و الحالة ،و قد يدلي المتهم بتصريحات متناقضة تزيد من عمل المحقق تعقيدا و صعوبة في ايجاد الخيط الأولي للجريمة و للجاني ، و ما يقطع الشك باليقين هي التحليلات التي يقوم بها عناصر الشرطة العلمية في المخبر للحمض النووي الذي يتواجد في أثر الضحية أو الجاني و هي الشعر أو اللعاب على أعقاب السجائر و العرق و السائل المنوي في الجرائم الجنسية ، فتكون نتائج التحليل هي ما يعطي دلالة  لصاحب الأثر البيولوجي الذي كان متواجدا بالمسرح ، و قد يكون مار لحظة ارتكاب الفعل و ليس جاني و هنا على ضابط الشرطة القضائية  أن يتحرى التحقيق جيدا بوضع الكثير من الاحتمالات.
و في حالة الجرائم الغامضة يتم اللجوء الى الطبيب الشرعي لإجراء تشريح للجثة و تقديم تقرير طبي عن سبب الوفاة ، و بالتالي يكون عمل هذه الأطراف متكاملا بحسب الجريمة و بحسب دور كل واحد منهم .
و الآثار التي يقوم تقنيو الشرطة العلمية بتحريزها من مسرح الجريمة او من مكان آخر منها ما هو ظاهر و منها ما هو مخفي ، فقد يقوم الجاني بغسل مكان قتل الضحية حتى لا ينكشف أمره ، الا أن هناك تقنيات و أجهزة دقيقة بإمكانها الكشف عن بقايا الدم و لو تم مسح أرضية المكان أو الجدار من الجاني او مساعديه  ،منها الأشعة فوق البنفسجية و التي تكشف عن آثار السائل المنوي على ملابس الجاني أو  الضحية حيث ان البقع لها خاصية التوهج بمجرد تسليط هذا النوع من الأشعة عليها ، الى جانب مساحيق مثل مسحوق الأنثيراسين و مسحوق نترات الفضة و غيرها .
أما أثر اللعاب المتواجد على حوافي الكؤوس و لا تراها العين المجردة ، فانه يتم نقلها الى المخبر العلمي وتفادي لمسها بالأصابع ، و القارورات البلاستيكية المملوؤة يتم افراغها بثقبها من أسفل ، الى غير ذلك من تقنيات عناصر الشرطة العلمية و التي تهدف بالأساس الى نقل الدليل العلمي بكل حذر و دقة تفاديا لتلفه أو ضموره.
أما بالنسبة للجرائم التي تتم بالأسلحة النارية ، فهي لازالت تشكل هاجسا كبيرا بسبب ما تخلفه من خسائر مادية و بشرية ، و قد صنف المشرع الجزائري الأسلحة بأنواعها في الأمر رقم 97/06 و المتعلق بالعتاد الحربي و الذخيرة ، و على الخبراء من الشرطة توظيف تقنية نقل  الرصاصة المخلفة في مكان الحادث او المنزوعة من جسد الضحية لأنها تحمل نوع السلاح و العيار.
و الموضوع متسع وواسع لما يشكله جهاز الشرطة العلمية من دور بارز لتنوير العدالة و رجال القانون بالحقيقة ، حقيقة الجاني و الضحية من خلال الدليل ، و من خلال دور الشرطة الدقيق  و باقي أجهزة الأمن و التحقيق حيث يدرك الجناة أنه لا مفر من الكشف عن الجريمة حتى لو تم التخلص من  جميع آثارها ،لأنه بحسب نظرية لوكارد فانه كل اتصال يترك أثر ...
Any contact leaves a trace.
 
 
 

 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بوزرزور فاطمة ، الشرطة العلمية و دورها في اثبات الجريمة ،الجزائر ، وزارة العدل ،المدرسة العليا للقضاء ،مذكرة نهاية الدراسة لنيل اجازة المدرسة العليا للقضاء ،الدفعة السادسة عشر ، 2007،2008، ص 6.


(2)Jaque Mathery , Rodolphe .A.Reiss , Pionnier de la Criminalistique ,Lausanne ,édition payot Lausanne  ,Institut de Police
Scientifique et de Criminologie , Faculté de droit , série criminalistique 2000 , p71.


(3) Rodolphe Archibald Reiss, Né le 8 juillet 1875 à Hecht et mort le 8 aout 1929 , un enseignant criminologue et photographe , pionnier de police scientifique de L’université de lausanne , première école de police scientifique au monde.
لمزيد من التفاصيل ، أنظر: سميرة بيطام ، حجية الدليل البيولوجي أمام القاضي الجنائي ، بحث قدم لنيل درجة الماجستير في القانون الجنائي ، الجزائر ، كلية الحقوق ، السنة الجامعية :
2013-2014 ، ص 56.
 
  
 
 
 

أضافة تعليق